الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التحرز في الفتوى؛ لقول بعض علمائنا (1): يسأل المفتي يوم القيامة عن ثلاث: هل عن علم أو جهل؟ وهل أراد به نصحًا أو غشًا؟ وهل أراد به وجه اللَّه أو الرياء؟ فأجبت سؤالهم لما طلبوه بأن أشرع لهم فيه بعد الاستخارة الواردة في السنة (2)، ودعاؤها معلوم مشهور، وهو مِن الكنوز التي أظهرها اللَّه -تعالى- على يدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما استخار فيه وإن كان خيرًا عظيمًا، لما يعرض له غالبًا مِن الرياء، ووقوع العظمة في النفس، أو استخاره بأن طلب منه التيسير في تحصيل غرضه مِن التأليف؛ لأن الاستخارة طلب الخير، ويحتمل فأجبت سؤالهم ووضعته بعد الاستخارة، بناءً على عمل الخطبة أولًا أو بعد التمام، ثم ذكر اصطلاحًا يرجع إليه الناظر في كتابه، وقصد بذلك الاختصار؛ فقال: أجبت سؤالهم حال كوني:
[مفاتيح المختصر: ]
مشيرًا بفيها، أي: بهذا اللفظ للمدونة (3) إما للاستشهاد، أو
(1) الضمير هنا عائد على الصوفية؛ لأن المراد هنا المحاسبي، ينظر: القليوبي على المحلى (1/ 11)، والمحاسبي هو: الحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد اللَّه، (000 - 243 هـ = 000 - 857 م): من أكابر الصوفية، كان عالمًا بالأصول والمعاملات، واعظًا مبكيًا، وله تصانيف في الزهد والرد على المعتزلة وغيرهم، ولد ونشأ بالبصرة، ومات ببغداد، وهو أستاذ أكثر البغداديين في عصره. من كتبه:(آداب النفوس- خ) صغير، و (شرح المعرفة- خ) تصوف. ينظر: الأعلام (2/ 153).
(2)
نص الحديث: "إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إنى أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم فإن كنت تعلم هذا الأمر ويسميه باسمه خيرًا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، اللهم وإن كنت تعلمه شرًا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير حيث كان ثم رضي به". أخرجه من حديث جابر: البخاري (6/ 2690، رقم 6955)، وأبو داود (2/ 89، رقم 1538)، والترمذي (2/ 345، رقم 480)، والنسائي (6/ 80، رقم 3253)، وابن ماجه (1/ 440، رقم 1383).
(3)
قصة المدونة: قال عياض في ذكر الأسدية والمدونة من ترتيب المدارك: "قال أبو إسحاق الشيرازي: لما قدم أسد مصر أتى إلى ابن وهب، وقال: هذه كتب أبي حنيفة، وسأله أن يجيب فيها على مذهب مالك، فتورع ابن وهب وأبى، فذهب إلى =
للاستشكال، ويظهر ذلك مِن سياقها: موافقًا أو مخالفًا.
= ابن القاسم فأجابه إلى ما طلب، فأجابه فيما حفظ عن مالك بقوله، وفيما شك قال: أخال وأحسب وأظن به، ومنها ما قال فيه: سمعته يقول في مسألة كذا وكذا، ومسألتك مثله، ومنه ما قال فيه باجتهاده على أصل قول مالك، وتسمى تلك الكتب الأسدية.
قال أبو زرعة الرازي: كان أبو أسد قد سأل عنها محمد بن الحسن.
قال أسد: فكنت أكتب الأسئلة بالليل في قنداق من أسئلة العراقيين على قياس قول مالك، وأغدو عليه بها، فأسأله عنها، فربما اختلفنا فتناظرنا على قياس قول مالك فيها، فأرجع إلى قوله أو يرجع إلى قولي.
قال: وقال لي ابن القاسم: كنت أختم في اليوم والليلة ختمين، فقد نزلت لك عن واحدة رغبة في إحياء العلم.
قال: ولما أردت الخروج إلى إفريقية دفع إليّ ابن القاسم سماعه من مالك، وقال لي: ربما أجبتك وأنا على شغل، ولكن انظر في هذا الكتاب فما خالفه مما أجبتك فيه فأسقطه، ورغب إلي أهل مصر في هذه الكتب فكتبوها مني.
قال: وهي الكتب المدونة، وأنا دونتها، وأخذ الناس عن ابن القاسم تلك الكتب.
وقال سليمان بن سالم: إن أسدًا لما دخل مصر اجتمع مع عبد اللَّه بن وهب، فسأله عن مسألة فأجابه بالرواية، فأراد أن يدخل عليه، فقال له ابن وهب: حسبك إذ أذينا إليك الرواية، ثم أتى إلى أشهب فأجابه. فقال له: من يقول هذا؟
قال أشهب: هذا قولي. فدار بيننا كلام.
فقال عبد اللَّه بن عبد الحكم لأسد: كذا مالك؛ ولهذا أجابك بجوابه، فإن شئت فاقبل، وإن شئت فاترك.
فرجع إلى ابن القاسم فسأله، فأجابه، فأدخل عليه، فأجابه حتى انقطع أسد في السؤال، فقال له ابن القاسم: كذا زياد مغربي.
وقال له: من أين أقبلت؟ حتى أتبين لك. فقام أسد في المسجد على قدميه، وقال: معاشر الناس، إن كان مات مالك، فهذا مالك، فكان يسأله كل يوم، حتى دون عنه ستين كتابًا، وهي الأسدية.
قال: وطلبها منه أهل مصر، فأبى أسد عليهم، فقدموه إلى القاضي، فقال لهم: أي سبيل لكم عليه، رجل سأل رجلًا فأجابه، وهو بين أظهركم فاسألوه كما سأله، فرغبوا إلى القاضي في سؤاله قضاء حاجتهم في نسخها، فسأله، فأجابه، فنسخوها، حتى فرغوا منها، وأتى بها أسد إلى القيروان، فكتبها الناس.
قال ابن سحنون: وحملت لأسد بتلك الكتب في القيروان رياسة.
قال غيره: وأنكر عليه الناس إذ جاء بهذه الكتب، وقالوا: أجئتنا بأخال وأظن =
قال ابن رشد (1): نسبتها للمذهب كنسبة أم القرآن للصلاة، يستغنى بها
= وأحسب، وتركت الآثار وما عليه السلف.
فقال: أما علمتم أن قول السلف هو رأي لهم، وأثر لمن بعدهم، ولقد كنت أسأل ابن القاسم عن مسألة فيجيبني فيها، فأقول له: هو قول مالك؟ فيقول: كذا أخال، وأرى، وكان، وربما: ورعًا يكره أن يهجم على الجواب.
قال: والناس يتكلمون في هذه المسائل، ومنعها أسد من سحنون، فتلطف سحنون حتى وصلت إليه، ثم ارتحل سحنون بالأسدية إلى ابن القاسم فيها شيء لا بد من تفسيره، وأجاب عما كان يشك فيه، واستدرك فيها أشياء كثيرة؛ لأنه كان أملاها على أسد من حفظه.
قال ابن الحارث: رحل سحنون إلى ابن القاسم وقد تفقه في علم مالك، فكاشف ابن القاسم عن هذه الكتب مكاشفة فقيه يفهم، فهذبها مع سحنون.
وحكي أن سحنون لما ورد على ابن القاسم مسألة عن أسد فأخبره بما انتشر من علمه في الآفاق، فسرّ بذلك، ثم سأله وأحله ابن القاسم من نفسه بمحل، وقال له سحنون: أريد أن أسمع منك كتب أسد، فاستخار اللَّه وسمعها عليه، وأسقط منها ما كان يشك فيه من قول مالك، وأجابه فيه على رأيه، وكتب إلى أسد أن أعرض كتبك على كتب سحنون؛ فإني رجعت عن أشياء مما رويتها عني، فغضب أسد، وقال: قل لابن القاسم: أنا صيرتك ابن القاسم، ارجع عما اتفقنا عليه إلى ما رجعت أنت الآن عنه، فترك أسد سماعها، وذكر أن بعض أصحاب أسد دخل عليه وهو يبكي، فسأله، فأخبره بالقصة، وقال: أعرض كتبي على كتبه وأنا ربيته؟ فقال له هذا: وأنت الذي نوهت لابن القاسم، فقال له: لا تفعل، لو رأيته لم تقل هذا.
وذكر أن أسدًا همَّ بإصلاحها، فرده عن ذلك بعض أصحابه، وقال: لا تضع قدرك، تصلح كتبك من كتبه، وأنت سمعتها قبله؟ فترك ذلك.
وذكر أن ذلك بلغ ابن القاسم، فقال: اللهم لا تبارك في الأسدية.
قال الشيرازي: فهي مرفوضة إلى اليوم.
قال الشيرازي: واقتصر الناس على التفقه في كتب سحنون، ونظر سحنون فيها نظرًا آخر فهذبها، وبوّبها ودونها، وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك ما اختار ذكره، وذيل أبوابها بالحديث والآثار، إلا كتبًا منها مفرقة، بقيت على أصل اختلاطها في السماع.
فهذه هي كتب سحنون المدونة والمختلطة، وهي أصل المذهب المرجح روايتها على غيرها، عند المغاربة، وإياها اختصر مختصروهم وشرح شارحوههم، وبها مناظرتهم ومذاكرتهم، ونسيت الأسدية فلا ذكر لها الآن".
(1)
هو: محمد بن أحمد بن رشد، أبو الوليد، (450 - 520 هـ = 1058 - 1126 م): قاضي =
عن غيرها، ولا يستغنى بغيرها عنها (1). . انتهى.
وفيه بحث، ولكن جرت العادة بالمبالغة في المدح، وما ذكره المصنف ظاهر، غير أن البساطي عممه في هذا اللفظ، وفيما كان فيه لفظة أحد جزأيها ضمير مؤنث غائب.
قال: وإنما حملناه على هذا لأنه لا يقتصر بالإشارة إلى المدوّنة على لفظة (فيها)؛ لقوله في مواضع: (وحملت)، (وقيدت)، وما أشبهه. انتهى.
وأراد بالشبه، كـ:(ظاهرها)، و (أقيم منها)، و (فسرت)، ولعله أراد بقوله:(أحد جزأيها ضمير. . إلخ) الضمير المستتر، وإلا فالتاء مِن (حملته) و (أولت): حرف تأنيث لا ضمير، إلا على رأي ضعيف (2).
ومشيرًا بأول، أي: بما كان على هذه المادة، كـ:(أولت)، و (تؤولت)، و (تأويلان)، و (تأويلات) إلى اختلاف شارحيها في فهمها
= الجماعة بقرطبة، من أعيان المالكية، وهو جد ابن رشد الفيلسوف: محمد بن أحمد، له تآليف، منها "المقدمات الممهدات - ط"، و"البيان والتحصيل - ط" فقه، و"مختصر شرح معاني الآثار للطحاوي - خ"، و"الفتاوي - خ"، و"اختصار المبسوطة"، و"المسائل - ط" مجموعة من فتاويه، في معهد المخطوطات، مولده ووفاته بقرطبة. ينظر: الأعلام (5/ 316).
(1)
هذا القول يعزى لأسد بن الفرات على ما رواه سحنون عنه، كما في ترجمته عند عياض في ترتيب المدارك، ونص ما قال:"إنما المدونة من العلم بمنزلة أم القرآن من القرآن، تجزئ في الصلاة عن غيرها، ولا يجزئ غيرها عنها".
قال الحطاب -رحمه اللَّه تعالى- في المواهب (1/ 47): "كذا نقل عن سحنون في ترجمة أسد بن الفرات، ونقله في شرحه لابن الحاجب، والمصنف في التوضيح، وكثير من أهل المذهب عن ابن رشد".
(2)
القائل باسمية تاء التأنيث الساكنة هو الجلولي، قال ابن هشام في المغني ص 158: "وهو خرق لإجماعهم، وعليه فيأتي في الاسم الظاهر بعدها أن يكون: بدلا، أو مبتدأ والجملة قبله خبر، ويرده أن البدل صالح للاستغناء به عن المبدل منه، وأن عود الضمير على ما هو بدل منه، نحو:(اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم) قليل، وأن تقدم الخبر الواقع جملة قليل أيضًا، كقوله:
إلى ملك ما أمه من محارب
…
أبوه ولا كانت كليب تصاهره"
المؤدي فهم كل إلى خلاف فهم الآخر، ويختلف المعنى به، ويصير قولًا غير الآخر.
وعلى هذا فقول من قال في هذا المحل: (وهذا النوع من الاختلاف إنما هو في جهات محمل (1) الكتاب، وليس في آراء في الحمل على حكم مِن الأحكام، فتعد أقوالًا) (2) غير ظاهر، فتأمله.
ويدخل في معنى التأويل: فسرت، وحملت، وقيدت، وكذا (ظاهرها) عنده؛ لأنه من فهم شارحيها.
وإذا علمت هذا ظهر لك أن ما قاله البساطي مِن قوله: (فيها)، وتبعه بعضهم غير ظاهر، وحيث صرح المصنف بأنه اصطلح على أن مراده بالتأويل فهم شارحيها لا المصطلح عليه عند الأصوليين مِن حمل اللفظ على غير ظاهره اندفع ما يورده البساطي عليه في مواضع، حيث يقول: انظر كيف جعل هذا الظاهر تأويلًا، ونحو ذلك؛ إذ لا مشاحة في الاصطلاح، ولم يجعل له اصطلاحًا في معرفة غير المؤول، ولا في كون
(1) في "ك": كامل.
(2)
هذا النص لابن غازي، ومعنى كلام شارحنا: أن الشيوخ الشارحين للمدونة متى اختلفوا في مراد المدونة عد اختلافهم أقوالًا، ولذا قال عن قول البساطي: غير ظاهر فتأمل.
وانتصر الخرشي في شرحه المختصر (1/ 39) للبساطي بأنه لا يعد اختلافهم في فهم موضع من المدونة أقوالًا، إلا إذا كانت أقوالًا خارجية.
ووجه كونها لا تعد أقوالا: أن الشارح للفظ الإِمام إنما يحتج على صحة مراده يقول ذلك الإِمام، وبقرائن كلامه من عود ضمير وما أشبه، وغير الشارح من أصحاب الأقوال إنما يحتج لقوله بالكتاب والسنة، أو بغير ذلك من أصول الشريعة، فلم يقع بين الفريقين توارد؛ فلا ينبغي أن تجمع أقوالهم في المسألة، وإنما ينبغي أن يعد الكلام الذي شرحوه قولًا واحدًا، والخلاف إنما هو في تصور معناه، قاله العدوي في حاشيته على الخرشي.
قلت: وقد أقر الرماصي في حاشيته ورقة 4 من نسخة أوقاف طرابلس ما ذهب إليه ابن غازي، فقال بعد أن ذكر كلام التتائي: هو ابن غازي، والصواب معه. واعتمد في هذا التصويب على ما حققه ابن عبد السلام في شرحه ابن الحاجب في باب الصيد.
التأويل راجحًا على غيره أو مساويًا أو مرجوحًا.
ومشيرًا بالاختيار -أي: بمدلول هذه المادة، البساطي: لأن الاختيار لا يكون فعلًا- للخمي (1)، وهو أبو الحسن علي، وشهرته بذلك لجده لأمه، توفي عام ثمان وسبعين وأربعمائة.
لكن إن كان مختاره مِن قبل نفسه بتصويب أو تصحيح أو ترجيح أو استظهار أو تحسين أو قياس أو أولوية كان في المسألة نصًا اختار غيره.
أو لا نص فيها ذكره بصيغة الفعل (2) كاختير واختار، فذلك لاختياره هو في نفسه، لا مِن نص في المذهب، وإن كان بالاسم كالمختار، فذلك لاختياره مِن الخلاف المنصوص في المذهب، وخص اللخمي بمادة الاختيار لكثرة اختياراته، ومشيرًا بالترجيح لابن يونس (3)، واسمه: محمد،
(1) هو: علي بن محمد الربعي، أبو الحسن، المعروف باللخمي، (000 - 478 هـ = 000 - 1085 م): فقيه مالكي، له معرفة بالأدب والحديث، قيرواني الأصل. نزل سفاقس وتوفي بها.
صنف كتبًا مفيدة، من أحسنها تعليق كبير على المدونة في فقه المالكية، سماه "التصبرة" أورد فيه آراء خرج بها عن المذهب. ينظر ترجمته في الأعلام (4/ 328).
تنبيه: الآراء التي خالف بها اللخمي المذهب هي آراء موافقة له في الأصول، ولولا ذلك لما عد -رحمه اللَّه تعالى- من أعيان المذهب.
(2)
قال العدوي في حاشيته على الخرشي (1/ 39): " (قوله وبالاختيار للخمي إلخ) كان في المسألة نص اختار غيره أو لا نص فيها، جعل كلام المؤلف شاملًا للصورتين في التعبير بالفعل مع أنه يعبر بالاسم في الصورة الأولى، كقوله في الجهاد: والظاهر أنه مندوب، وكقوله في الجزية: والظاهر آخرها، حتى قال بعضهم: إما أن يكون المؤلف سكت عن اصطلاحه في هذا الوقت، أو أطلق الخلاف على ما يشمل هذه الصورة تغليبًا.
قلت: والظاهر أنه في هذين الموضعين ونحوهما خالف اصطلاحه: إما سهوًا، أو تصحيفًا من الناسخ، كتعبيره بالفعل فيما فيه خلاف، كقوله: واختار في الأخير خلاف الأكثر، وغير ذلك".
(3)
هو: محمد أبو بكر بن عبد اللَّه بن يونس بن تميم الصقلي، كان فقيهًا إمامًا فرضيًا، أخذ عن أبي الحسن الحصائري القاضي، وعتيق الفرضي، وابن أبي العباس كان ملازمًا للجهاد موصوفًا بالنجدة. ألف الجامع: جمع فيه المدونة، وأضاف إليها غيرها =
وكنيته: أبو بكر، الصقلي: بفتح الصاد المهملة كذلك: إن كان بصيغة الفعل، كـ:(رجح) فلاختياره مِن عند نفسه، وبصيغة الاسم، كـ:(الأرجح)، فمِن الخلاف، وذكر له هذه المادة لأنه كثيرًا ما يرجح مِن الخلاف [اختياره](1)، وأما اختياره مِن نفسه فقليل، توفي رحمه الله عام إحدى وخمسين وأربعمائة، وبالظهور لابن رشد، واسمه: محمد، وكنيته: أبو الوليد، كذلك على ما سبق من صيغتي الفعل والاسم، كـ:(ظهر)، و (الأظهر)، ولما كان وقوفه مع ظاهر الرواية، والغالب عليه الدراية، أشار بذلك، توفي -رحمة اللَّه عليه- حادي عشر القعدة، عام عشرين وخمسمائة، وأشير بالقول للمازري (2) كذلك، كـ:(قال)، و (القول)، واسمه: محمد، وكنيته: أبو عبد اللَّه، ونسب لبلدة مازرة: بفتح الزاي وكسرها، وهو تلميذ اللخمي، واشتهر بالإمام، ولما كان تصرفه في المذهب كالمجتهد بحيث صار له به قولًا، ذكر له هذه الصيغة، توفي رحمه الله عام ستة وثلاثين وخمسمائة.
لا يقال: يرد عليه أنَّ لكل مِن هؤلاء الأربعة اختيارات كثيرة مِن قبل نفسه، ومِن الخلاف، ولم يذكرها؛ لأنّا نقول: إنه لم يلتزم ذكر جميع ما
= من الأمهات، وعليه اعتماد طلبة العلم للمذاكرة، توفي 451. ينظر: الديباج المذهب 2/ 56.
(1)
ما بين معكوفتين في "ك" دون سائر النسخ، وفي الشرح الكبير بدل ما بين المعكوفين: المنصوص.
(2)
هو: محمد بن علي بن عمر التميمي المازري، أبو عبد اللَّه، (453 - 536 هـ = 1061 - 1141 م): محدث، من فقهاء المالكية، نسبته إلى (مازرة)(Mazzara) بجزيرة صقلية، ووفاته بالمهدية، له (المعلم بفوائد مسلم- خ) في الحديث، وهو ما علق به على صحيح مسلم، حين قراءته عليه سنة 499 وقيده تلاميذه، فمنه ما هو بحكاية لفظه، وأكثره بمعناه. انظر مخطوطته في خزانة الرباط (94 أوقاف) وهي جيدة كتبت سنة 629، ومن كتبه (التلقين- خ) في الفروع، و (الكشف والأنباء) في الرد على الإحياء للغزالي، و (إيضاح المحصول في الأصول)، وكتب في الأدب، وصنف حسن حسني عبد الوهاب:(الإِمام المازري - ط) في سيرته، وتسلسل السند العلمي بإفريقية، من لدن العهد العربي إلى القرن الثامن للهجرة. ينظر ترجمته في: الأعلام (6/ 277).
وقع لكل منهم، ولعله إنما يذكر مِن ذلك ما هو الراجح عنده، بدليل أنّا نجد كثيرًا مِن ذلك في توضيحه، ولم يذكر هنا.
وكذا لا ينبغي أن يقال فيما لم يذكره عنهم: كان ينبغي له أن ينبه عليه، وسنذكر شيئًا مِن ذلك عند ذكره.
وحيث قلت خلاف بهذا اللفظ فذلك للاختلاف في التشهير، أي: الترجيح عند أهل المذهب: إما بتصريح بالتشهير، وإما بما يدل عليه، كقولهم: المذهب كذا، أو: ظاهره، أو: معروفه، أو نحو ذلك.
وبهذا التقرير يندفع عنه ما اعترض به عليه مِن أنه لم ينضبط له قاعدة في الترجيح؛ لأنه تارة يشير به لما شهر، وتارةً لما لم يشهر، وتارةً لقول مشهور، وآخر مذهب المدوّنة، أو ظاهرها، أو نحو ذلك.
ويحتمل أن يريد بالخلاف ما صرح فيه بالمشهور، كما قال المعترض، لكن لا يسوغ الاعتراض عليه حينئذ إلا لمن تتبع جميع نقول أهل المذهب، ولم يجد ذلك، أو يصرح المصنف بأنه اعتمد على خلاف المشهور، فيتجه الاعتراض عليه حينئذ (1)، وإلا فهو -رحمه اللَّه تعالى- أوسع باعًا، وأكثر اطلاعا، ولا يعترض عليه -أيضًا- بقول مشهور اقتصر عليه في المسألة مشهور غيره؛ لاحتمال أنه إنما اقتصر عليه لقوته عنده، ويدل على ذلك ما في توضيحه في بعض المسائل، وأما ما ليس فيه فيحتمل عدم اطلاعه عليه.
وارتفع (خلاف) على الحكاية؛ لأنه شأن القول إذا وقعت بعده جملة أن تحكى، ومحلها النصب على المفعولية.
وحيث ذكرت قولين، أو: روايتين، أو ذكرت أقوالًا بغير ترجيح؛ فذلك لعدم اطلاعي في الفرع الذي ذكرت فيه ذلك، على أرجحية منصوصة تدل على ذلك.
وقولين أو أقوالًا: معمول (ذكرت) على الأصل، وأتى في الأول بقلت، وهنا بذكرت؛ تفننًا في العبارة.
(1) وفي هذا رَدٌّ على ما قال التتائي ذاته قريبًا، ينظر الصفحة 150 من هذا الجزء.