الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجوب بوليه، فيأمره بذلك قياسًا على منعه من التحلي، ومع الوجوب على الشرطية لا تصح صلاته بالنجاسة.
و(إزالة): مبتدأ، خبره:(سنة)، و (أو واجبة): خبر مبتدأ مقدر، يفسره (إزالة)، و (خلاف): مبتدأ حذف خبره، وهو: ذلك (1).
وعن بدنه ومكانه، ابن أبي زيد عن ابن حبيب (2): والمعتبر: محل قيامه، وقعوده، وموضع كفيه، لا أمامه، ويمينه، وشماله.
تنبيه:
قوله: (بدنه) يحتمل ظاهره فقط، وهو الظاهر من كلامه، ويحتمل باطنه أيضًا، وهو أحد القولين، فيعيد شارب الخمر صلاته أبدًا مدة ما يرى بقاءه ببطنه (3).
(1) كذا في أغلب النسخ، ولعل الصواب: كذلك، أو كما في (ج): من ذلك، ثم إن في إعرابه (خلاف) مبتدأ محظورًا نحويًّا على مذهب جمهور النحاة، وهو عدم الابتداء بالنكرة، وأما على ما رآه بعضهم منهم الرضي في شرحه كافية ابن الحاجب، فإن النكرة يجوز الابتداء بها إذا أفادت، وينظر: هل أفادت هنا.
(2)
هو: عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمي الإلبيري القرطبي، أبو مروان، (174 - 238 هـ = 790 - 853 م): عالم الأندلس وفقيهها في عصره، أصله من طليطلة، من بني سليم، أو من مواليهم، ولد في إلبيرة، وسكن قرطبة، وزار مصر، ثم عاد إلى الأندلس فتوفي بقرطبة.
كان عالمًا بالتاريخ والأدب، رأسًا في فقه المالكية، له تصانيف كثيرة، قيل: تزيد على ألف، وكان ابن لبابة يقول: عبد الملك بن حبيب عالم الأندلس، ويحيى بن يحيى عاقلها، وعيسى دينار فقيهها. ينظر: الأعلام (4/ 156 - 157)، والديباج المذهب 154.
(3)
قال الأجهوري: وقوله: (وبدنه) أي: الظاهر وما في حكمه كداخل الفم والأنف والأذن والعين، وإن كانت هذه كلها من الباطن في طهارة الحدث، وأما باطن الجسد غير ما ذكر فمقره المعدة مما أصله طاهر، فلا حكم له إلا بعد انفصاله، وفيما أدخل فيها كخمر ونجس اختلاف فيه، والراجح أنه يعيد صلاته مدة ما يرى بقاءه ببطنه، وهي راوية محمد.
وقال التونسي: لا إعادة عليه.
وعلى الأول يتقيأه إن أمكنه، وإن لم يمكنه صحت صلاته؛ لأنه عاجز عن إزالتها، =
ثم عطف على (طرف عمامته) قوله: لا إزالتها عن طرف حصيره، ولو تحرك الطرف الآخر، الذي هي به بحركاته.
ابن عبد السلام: والأصح التفرقة بين تحركها بحركته فتضر، أو لا فلا.
وظاهر كلام المؤلف: أن طرف الحصير الذي به النجاسة غير الطرف الذي يصلي عليه.
قال المشدالي في تكميله لحاشية الوانوغي على التهذيب عن ابن العطار في قول التهذيب: (وبطرف الآخر نجاسة): إن المراد بالطرف الآخر
= وهل نطلب منه الإعادة في الوقت كعاجز من غير هذا الوجه أم لا؟ والأول: هو مقتضي جعلها كنجاسة الظاهر.
وقد أشار ابن عرفة إلى القولين بقوله: وفي كون نجاسة أدخلت بباطن الجسد كماء بظاهره، ولغوها نقل اللخمي عن رواية محمد يعيد شارب قليل خمر لا يسكر صلاته أبدًا مدة ما يرى بقاؤه ببطنه.
وقال التونسي: ما بداخل الجسد من طاهر أو نجس لغوًا. انتهى. وكلامه يفيد أن الراجح هو الأول.
وقال القرافي في الفروق: إنه المشهور.
واعتراض ابن الشاط عليه مردود.
وحاصل ما يستفاد من كلامهم في هذه المسألة: أن من شرب خمرًا ونحوه على الوجه المحرم فإن قدر على التقيؤ، ولم يفعل، وصلى كمن صلى بالنجاسة متعمدًا، ولو تاب وإن لم يقدر، وصلى فإنه كالمصلي بها غير متعمد، وهو كمن تعمد الصلاة بالخمر وعجز عن إزالته وصلى، وسواء تاب أم لا، وهذا يفيده قوله:(كماء بظاهر)، وهو موافق لما قاله الشيبي، إلا أنه لا يعتد بحالة التوبة، وانظر شرحنا الكبير.
ثم إن قوله: (كماء بظاهر) يفيد أن من شرب الخمر لغصة أو يظنه نبيذًا وقدر على تقيؤه فلم يفعل وصلى أن صلاته باطلة، كمن لابس النجاسة بظاهر غير متعمد ثم علم بها قبل دخوله في الصلاة وصلى بها متعمدا إن صلاته باطلة، وقد أشرنا إلى ذلك.
وبهذا يتبين: أن ما ذكره د عن عر من أن من شرب الخمر لا سائمة أو أكل الميتة للضرورة وصلى كانت صلاته صحيحة، وعلل ذلك عر بأن الضرورة عندنا معتبرة كالسلس ونحوه انتهى غير ظاهر.
وما استدل به د على ما قاله عر من قول اللخمي فصار مصليًا بنجاسة متعمدًا في موضع من جسده لم تدع إليه الضرورة انتهى لا يدل له؛ لاحتمال أنه يريد بقوله: لم تدع إليه ضرورة أنه ترك تقيؤه مع القدرة عليه، فتأمله.
الوجه الموالي للأرض، والوجه الموالي للمصلي طاهر، فيكون كنجاسة فرش عليها، فيقال: ومن هذا المعنى مسألة الهيدورة، وهي: التي تكون النجاسة بأحد وجهيها دون الآخر، فيصلي على الطاهر، اختلف فيه أصحاب الفقيه أبي ميمونة (1) درّاس فقيه فاس، فمنهم من أجاز، ومنهم من منع.
ثم ذكر الحكم المستفهم عنه، مضمنًا له الجواب بقوله: سنة، وشهره في البيان، وصححه ابن يونس، أو واجبة إن ذكر وقدر، وساقطة مع العجز والنسيان، وهو مذهب المدونة (2)، فلو صلى بها عالمًا قادرًا على إزالتهما أعادها أبدًا، وجعل البساطي الشرط من قوله:(إن ذكر) شرطًا في (واجبة). انتهى، ولا يبعد كونه شرطًا في (سنة) أيضًا، فانظره (3).
(1) هو: دراس (كشداد) بن إسماعيل الفاسي، أبو ميمونة، (000 - 357 هـ = 000 - 968 م)، أول من أدخل (مدونة سحنون) مدينة فاس، وبه اشتهر مذهب مالك هنالك، حج ولقي عليّ بن عبد اللَّه بن أبي مَطَر بالإسْكندرية، وسَمِع منه كِتاب ابن الموّاز وحَدَّث به بالقيْروان، ودَخل ابن مَيْمونة الأندلُس، وتَكَرَّر وجوده فيها طَالِبًا ومُجاهِدًا، فكان مَترددًا في الثّغر، مولده ووفاته بفاس. ينظر: الأعلام (2/ 337).
(2)
وشهره اللخمي.
(3)
قال الأجهوري: اعلم أن ح ذكر أن الخلاف لفظي، أي: أنه اختلف في التعبير عن حكم إزالة النجاسة، فبعضهم عبر عنه بالوجوب، وبعضهم عبر عنه بالسنة، فلا اختلاف بينهما بحسب المعنى؛ إذ القولان متفقان على أن من صلى بها ذاكرًا قادرًا أعاد أبدًا، ومن صلى بها ساهيًا أو عاجزًا أعاد في الوقت، وعلى تأثيم من صلى بها عامد قادرًا انتهى بالمعنى.
قلت: وفيه بحث؛ إذ الإعادة أبدًا على القول بالوجوب واجبة، وعلى القول بالسنة مستحبة، كما يفيده كلام الفاكهاني، ومما يرد أن الخلاف لفظي أن الإثم على القول بالسنة لاستخفافه بالسنة لا لترك السنة، وأما على القول بالوجوب فلترك الوجوب، ومما يرده أيضًا أن القائل بالسنة يرد ما تمسك به القائل بالوجوب، ثم إن هذا الذي ذكرناه إنما هو على المص أشار بقوله:(أو سنة) لما قاله ابن رشد، وأما إن حمل على أنه أشار به لما قاله أشهب واختاره ابن المعذل فلا شك في اختلاف القولين لفظًا ومعنى، فإنه ذكر أنه يعيد العامل في الوقت على القول بالسنة.
فإن قلت: إن المص لا يشير بالخلاف لمثل هذا.
قلت: بل يشير به لمثل هذا كما تقدم في شرح الخطبة، وقول مق:(إنه لا يشير بالخلاف لمثل هذا) غير ظاهر.=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هذا، ومما يتنبه له أن قول أشهب الذي اختاره ابن المعذل غير مقيد بأن ذكر وقدر، فعلى أن المص أشار له بقوله:(أو سنة) يكون قوله: (إن ذكر وقدر) قيدًا في القول بالوجوب فقط، ثم إن كلام ابن مرزوق يفيد أن القولين متفقان معنى، إلا في تأثيم من صلى عامدًا قادرًا؛ فإن تأثيمه على القول بالوجوب لترك الوجوب.
وأما على القول بالسنية فلاستخفافه بالسنة، وهذا يوجب أن يكون الخلاف معنويًا، وقد أشرنا لذلك قبل، ومن العجب أن بعض الشارحين حمل قوله:(سنة) على إطلاقه، أي: سواء ذكر وقدر أم لا، وجعل (إن ذكر وقدر) خاصًا بقوله:(واجبة)، وذكر أن الإثم فيما إذا كان عامدًا قادرًا للتهاون بالسنية لا لتركها، وعلى القول بالوجوب لتركه الوجوب، ثم ذكر أن الخلاف لفظي، وذكر القرطبي في سورة براءة القول بالسنة والإعادة في الوقت عن مالك وأصحابه إلا أبا الفرج ورواية ابن وهب عنه، فإنه قال: اختلف العلماء في إزالة النجاسة عن الأبدان والثياب على ثلاثة أقوال: الأول: أنه واجب فرض، ولا تجوز صلاة من صلى بثوب نجس عالمًا بذلك أو ساهيًا، روي ذلك عن ابن عباس والحسن وابن سيرين، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور، ورواية ابن وهب عن مالك، وهو قول أبي الفرج المالكي والطبري. وقالت طائفة: إزالة النجاسة سنة، وليست بفرض، قالوا: فمن صلى بثوب نجس أعاد في الوقت، فإن خرج الوقت فلا شيء عليه، وهذا قول مالك وأصحابه، إلا أبا الفرج ورواية ابن وهب عنه. وقال مالك في يسير الدم: لا تعاد الصلاة منه بحال، وتعاد من يسير البول والغائط ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث.
وقال ابن القاسم: "تجب إزالتها في حال الذكر دون النسيان. والقول الأول أصح، إن شاء اللَّه؛ لحديث: "إنهما [لـ] يعذبان، [وما يعذبان] في كبير: أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله"، الحديث خرجه البخاري ومسلم. وقالوا: لا يعذب الإنسان إلا في ترك واجب انتهى باختصار فقد عزى القول بالسنية لمالك وأصحابه وذكر أن عليه أن يعيد في الوقت ولم يذكر عن أحد القول بالإعادة أبدًا على القول بالسنية وهذا يقتضي ضعفه، هذا، وفي استدلاله على أن القول الأول أصح بما ذكر نظر".
قال الدسوقي (1/ 68): "قوله (إن ذكر وقدر) قيد في الوجوب فقط وأما القول بالسنية فهو مطلق، سواء كان ذاكرًا قادرًا أم لا كما قرر به ابن مرزوق وح والمسناوي والشيخ أحمد الزرقاني وما في عبق تبعًا لعج من أنه قيد في الوجوب والسنية معًا، فهو غير ظاهر؛ لأنه لا ينحط عن مقتضى السنجة من ندب الإعادة في العجز والنسيان، فإن قلت: جعل القول بالسنية مطلقًا يرد عليه أنه يقتضي أن العاجز والناسي مطالبان بالإزالة على سبيل السنية مع أنه قد تقرر في الأصول امتناع تكليفهما لرفع القلم عن =