الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ذكر أربعة فروع منصفة، تبطل الصلاة في اثنين منها، وتصح في اثنين، فقال: وسقوطها -أي: النجاسة- على مصل في صلاة فرضًا أو نفلًا مبطل لها على المشهور؛ لإيقاعه جزءًا منها متحملًا للنجاسة، وسواء أمكنه نزعها أم لا، كذكرها -أي: النجاسة- بثوبه أو بدنه أو مكانه فيها، أي: الصلاة بعد علمه بها قبل دخوله فيها.
تنبيهات:
الأول: أطلق هنا، فظاهره: ولو بقى من الوقت ما لا يسع ركعة بعد إزالتها، وقال في التوضيح: إن القطع مشروط بسعة الوقت.
قال ابن هارون: وأما مع ضيقه فلا يختلفون في التمادي؛ لأن المحافظة على الوقت أولى.
الثاني: مقتضى كلامه أن مجرد ذكرها مبطل، فلو رآها وهمّ بنزعها
= على إخراج الجواهر بتحقيق آخر من دون التوثق من مصادر التتائي؛ لأني حينما سلمته لم أكن قد نسخت منه نسخة ثانية، وكان مكتوبًا بخط يدي، فلا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.
عود على بدء:
قال الرماصي: تت: (لضعف مدرك الوجوب. . إلى آخره)، المدرك هو الدليل، ودليل الوجوب هنا هو قوله تعالى:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} ، ولا معارض له ما روي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طرح المشركون على ظهره سلا جزور وهو يصلي، فلم يقطع، وأنه صلى الله عليه وسلم خلع نعليه في الصلاة فلما رأى القوم ذلك خلعوا نعالهم، فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاته، قال:"ما حملكم على إلقاء نعالكم؟ " قالوا: رأيناك ألقيت نعلك فألقينا نعالنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"أتاني جبريل فأعلمني أن فيها قذرًا"، فبنى على صلاته، واعتبر بما صلى.
قلت: قد يتوهم بعضهم أن في قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4)} دليلًا قويًا صحيحًا على فرضية إزالة النجاسة، وليس كذلك، فقد تأوله جمهور السلف من أنها طهارة القلب وطهارة الجيب ونزاهة النفس عن الدنايا والآثام والذنوب.
وأدلة الفريقين القائلين بالوجوب والسنية يطول ذكرها، وقد استوعبناها جميعًا في كتابنا (منار السبيل في بيان أدلة مختصر خليل)، وهو تحت الإنجاز، أسال اللَّه تعالى الإعانة والتوفيق في إكماله وإخراجه لمريديه.
فنسيها بطلت، وهو كذلك، نص عليه ابن حبيب، قال المصنف: وهو جار على مذهب المدونة.
وقال ابن العربي (1): لا تبطل.
الثالث: هذا الحكم فيما لا يعفى عنه، وأما ما يعفى عنه فلا تبطل به.
الرابع: إذا قلنا بالبطلان على المشهور استأنف الفرض لا النفل.
الخامس: انظر هل يخرج بقوله: (سقطت) ما قاله أبو إبراهيم الأعرج (2) في تقييده على التهذيب إذا سالت القرحة بنفسها في الصلاة، وبالحضرة ما يغسل به السائل، فإنه يغسل ويتمادى في صلاته، وذلك من إصلاحها (3).
(1) هو: محمد بن عبد اللَّه بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي، أبو بكر ابن العربي، (468 - 453 هـ = 1076 - 1148 م): قاض، من حفاظ الحديث.
ولد في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين، وصنف كتبًا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ، وولي قضاء إشبيلية، ومات بقرب فاس، ودفن بها.
قال ابن بشكوال: ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها.
من كتبه (العواصم من القواصم: ط)، و (عارضة الأحوذي في شرح الترمذي: ط)، و (أحكام القرآن: ط)، و (القبس في شرح موطأ ابن أنس: ط)، و (المسالك على موطأ مالك: ط)، و (المحصول: ط) في أصول الفقه. ينظر: الأعلام (6/ 230).
(2)
هو: إسحاق بن إبراهيم بن مسرة أبو إبراهيم التجيبي مولاهم، طليطلي الأصل، وسكن قرطبة لطلب العلم ثم استوطنها، كان من أهل العلم والفهم والعقل والدين المتين، والزهد والتقشف والبعد من السلطان، لا تأخذه في اللَّه لومة لائم، وكان وقورًا مهيبًا، لم يكن في عصره أبين منه خيرًا ولا أكمل ورعًا، توفي بطليطلة ليلة الجمعة في رجب لعشر بقين منه سنة اثنتين.
وقيل: أربع وخمسين وثلاثمائة وسنه خمس وسبعون سنة.
ورأى قبل موته سنة إحدى وخمسين أنه مات، وأن الملائكة تتوفاه، فخرجت رؤياه على وجهها.
(3)
قوله: (وسقوطها في صلاة مبطل كذكرها فيه) ش أي: سواء نسيها بعد الذكر أو استمر ذاكرًا لها، لكن يأتي ما يفيد أن المعتمد الصحة فيها إذا نسيها بعد ذكرها فيها، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وكل منها مقيد بما إذا اتسع الوقت، وأما مع ضيقه فإنه يتمادى من سقطت عليه ومن ذكرها، والمراد بسعة الوقت: أن يبقى منه ما يسع بعد إزالتها ركعة أو أكثر، قاله في الذخيرة، ولا شك أن المراد بالوقت هنا الضروري.
قال بعضهم: قلت: وفيه نظر، بل الجاري على المذهب أنه المختار؛ لقولهم في الرعاف: إذا لم يرج انقطاع الدم قبل خروجه المختار صلى على حالته، ويكون عاجزًا، فإذا كان يبتدأ بها بالنجاسة إذا خاف خروج الوقت فأولى أن يتمادى فيها كذلك.
ابن هارون: ولا يختلفون في التمادي مع ضيقه؛ لأن المحافظة عليه أولى من المحافظة عليها، وعليه لو خشي فوات الجمعة والجنازة والعيد تمادى؛ لعدم قضائها، وفي الجمعة نظر على بدليتها عن الظهر، ورجح منه القطع. انتهى.
قلت: وما ذكره من أن المعتبر هنا الوقت الاختياري هو الموافق لما مشى عليه المص في باب الرعاف، ورجح غيره القول بأن المعتبر هناك الوقت الضروري، وقد وقع نظير هذا في العفو عن الدرهم من الدم ونحوه، فمشي في باب الرعاف على أن الدرهم من حيز اليسير، ومشى هنا على أنه من حيز الكثير، ثم إن مثل العيد في التمادي الكسوف والاستسقاء.
وأفهم كلام المص أن من ذكر النجاسة فهمَّ بالقطع فنسي وتمادى أن صلاته باطلة، وهو الأصح، خلافًا لابن العربي، وأن من رأى بعد رفعه من السجود نجاسة بمحل سجوده أنه يقطع، وبه قال ابن عرفة؛ لقولها: من علم في صلاته أنه استدبر القبلة أو شرق أو غرب قطع وابتدأ صلاته بإقامة، وإن علم بعد صلاته إجماد في الوقت.
وقال غير ابن عرفة: يتم صلاته متنحيًا عنها، وإن من رأى في صلاته بهامته نجاسة بعد سقوطها يقطع، وهو الجاري على المشهور ومختار ابن عرفة، خلافًا لما ذهب إليه بعض متأخري فقهاء القراء من بين التمادي والإعادة في الوقت. انتهى.
قلت: ومبنى الخلاف في مسألة من رأى بموضع سجوده نجاسة بعد رفعه هل لا بد أن يصحب علمه بالنجاسة التلبس بها أم لا؟ فابن عرفة على الثاني، وغيره على الأول.
تنبيهات:
الأول: ما ذكرناه من أنه إذا خاف من سقطت عليه النجاسة أو ذكرها خروج الوقت الذي هو فيه، ثم إنه إذا كان في المختار على ما بحثه بعضهم فإنه يتمادى واضح فيمن كان في الوقت المختار، وأما من كان غيره فيتعين مراعاة خروجه، والحاصل: أنه يتمادى حيث خاف خروج الوقت الذي هو فيه، ثم إنه إذا كان في المختار وخاف خروجه وتمادى فهل يعيدها بمنزلة من ذكرها بعد الصلاة أم لا؟ وإذا قلنا بالأول فيعيد =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= على ما سبق في الظهرين وغيرهما فلا يعيد الظهرين في الاصفرار، ويعيد العشاءين الليل كله، والصبح للطلوع.
الثاني: استشكل قوله: (وسقوطها. . إلخ) فإن ظاهره يشمل ما إذا سقطت عليه في محل لم تستقر، ولم يتعلق شيء منها به، بأن المصلي حينئذ غير متعمد للصلاة بالنجاسة، بل هو مغلوب، فهو كالعاجز عن الإزالة، وأجاب بعض شيوخنا بأن هذا الفرع مبني على اشتراط الطهارة المطلقة، ونقله عن بعض مشايخه، قاله د، وفيه بحث؛ فإن الشافعية قائلون بوجوب الطهارة من النجاسة من غير شرط الذكر والقدرة، وقالوا بعدم بطلان الصلاة بسقوطها على الوجه المذكور.
قلت: ويأتي عن مق ما يفيده أن الراجح عدم البطلان في هذا، وفي قوله:(كذكرها فيها) كما بينته بعد.
واعلم أن قول المص: (وسقوطها. . إلخ) ظاهره: أنه لا فرق بين أن تسقط على عضو من أعضائه ككتفه أو رأسه وتزول عنه من غير استقرار أو بعد الاستقرار وبين أن تمسه حال سقوطها من غير أن تسقط على عضو من أعضائه، والأول هو ظاهر كلام مق وغيره.
وقال مق: "ومعنى كلام المص: إن سقوط النجاسة على ثوب المصلي أو بدنه أو مكانه وهو في الصلاة مبطل لها، وإن زالت عنه سريعًا. انتهى.
ونحوه قول بعض الشراح: سواء استمرت أو سقطت عنه مكانها. انتهى.
والثاني: ظاهره إن تعلق به شيء منها وإلا فلا تبطل.
الثالث: قال مق: "تنبيه: ما ذكره من بطلان سقوط النجاسة، هو رأي سحنون على رواية ابن القاسم، أما على رواية أبي الفرج فإنه يتمادى، ورأي سحنون استحسان، كتأويل بعضهم المدونة عليه، بل هذه أخف، والصواب رواية أبي الفرج لما في الصحيح من حديث السباع، ولا رأي لأحد مع السنة، كما ذكره ابن بطال وغيره". انتهى.
وقوله: "هو رأي سحنون على رواية ابن القاسم" عبارة الشر في هذا، أي: سقوط النجاسة على المصلي مبطل لها.
قال سحنون: أرى أن يبتدئ.
الباجي: وهذا على رواية ابن القاسم. انتهى.
قال مق: في مسألة: (كذكرها فيها) فقد بان لك أن ما ذكره المص من بطلانها إن ذكرها فيها ثم تمادى ناسيًا إنما هو على قول ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون، لا على قول ابن القاسم، وكذلك في بطلان صلاة من صلى بها متعمدًا ليس صريحًا من قول ابن القاسم لا في المدونة ولا في غيرها، وإنما هو لابن حبيب، وأيضًا =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= البطلان في هذه أجري على التي قبلها، وهذا الاعتراض وارد أيضًا على ابن الحاجب وابن شاس وابن بشير وابن عرفة، وهو عليهم أشد؛ لأن المص لم ينسب البطلان ولا الإعادة أبدًا للمدونة، ولعله قصد الصر لغتي بمذهب ابن حبيب، وان كان بعيدًا، أو إما هؤلاء المذكورون، فكل منهم ذكر عن اللخمي أنه نسب وجوب الإعادة على غير المعذور وإن خرج الوقت للمدونة، وسلموا له ذلك، واللخمي لم ينسب ذلك للمدونة على ما تقدم، وإنما نسبه لمالك، ولعله أراد ما ذكر ابن حبيب أن مطرف وابن الماجشون روياه عن مالك، والعجب من غفلته هو لا الأشياخ عن هذا المعنى وغفلة من بعدهم عن التنبيه على ذلك انتهى كلامه رحمه اللَّه تعالى.
قلت: ذكر ابن عرفة ما يوافق ما ارتضاه مق من عزو البطلان لابن حبيب عن رواية مطرف وابن الماجشون، وعزو الصحة لابن القاسم، ووقع له في محل آخر نحو ما عزاه له واعترضه، ونص كلامه في المحل الأول: ولو هم بالقطع والإعادة لرؤيتها في الصلاة أو بعدها في الوقت ففي إعادتها فيه أو أبدًا قولًا الشيخ عن سحنون مع ابن القاسم وابن حبيب مع الآخرين، ورأيتهما. انتهى.
ونصه في المحل الثاني: الذي اعترضه مق آخر بحث النجاسة، ومن علم نجاسة ثوبه في صلاته ففيهما يقطع.
الباجي: وعليه قال سحنون: إن ألقي عليه ثوب نجس فسقط مكانه ابتدأ، وروى أبو الفرج وإسماعيل إن أمكنه نزع ثوبه وإلا قطع.
اللخمي عن ابن الماجشون: وإلا تمادى، وأعاد.
ابن العربي عن أشهب: يخرج لغسلها. انتهى.
ولم يعز ابن عبد السلام وابن الحاجب للمدونة القطع فيما إذا علمها في الصلاة ونسيها، وإنما عزاه لها فيما إذا علمها فيها ولم ينسها، فإنه قال: فلو رأى نجاسة في الصلاة ففيها: ينزعه ويستأنف ولا يبني.
ابن الماجشون: يتمادى مطلقًا.
مطرف: إن أمكن نزعه نزعه ويتمادى، وإلا استأنف، ولو رآها في الصلاة ثم نسي فتمادى فقولان. انتهى.
قال شارحه عقب قوله: (فقولان): البطلان لابن حبيب، وهو الجاري على مذهب المدونة، واقتصر عليه صاحب المختصر، واختار ابن العربي عدم البطلان انتهى من شرحه للشيخ تت، ولم يقف بعض الشراح على ما ذكره مق، بل تبع القول الذي اعترضه مق.
الرابع: محل كون سقوطها مبطلًا حيث لم يكن ما لابسه ملبوس غيره، كما تقدم في مسألة من صلى بجانب من بثوبه نجاسة وسقطت عليه. =
لا إن ذكرها قبلها ثم نسيها حتى فرغ منها، فإنها لا تبطل على المعروف، ويعيد في الوقت.
أو كانت النجاسة أسفل نعل ونسيها (1)، ثم ذكرها، أو رآها فخلعها، أي: النعل، وهو في صلاته لم تبطل، قاله الأبياني (2).
وفهم من قوله: (أسفل): أنها لو كانت بغير أسفله لبطلت، لكن حكى المازري عن بعضهم: أن من علمها بنعله فأخرج رجله دون تحريكها صحت صلاته. . انتهى.
= الخاص: إذا كانت النجاسة أو ملابسها مربوطًا بطرف حبل وطرفه الآخر متصل بالمصلي فإن لم يربط بعضو من أعضائه بل كان واقف عليه لم يضره، وكذا إذا كان مربوطًا بعضو من أعضائه وملابس النجاسة حيوان وإلا بطلت بذلك. .
(1)
قال الأجهوري: قوله: (أو كانت أسفل نعل فخلعها) ش: أي خلعها وهو في الصلاة، سواء تحركت بحركته أم لا، لم يرفع رجله فيكون حاملًا لها، فتبطل صلاته. وقوله:(فخلعها) أما لو لم يخلعها فظاهر كلام د البطلان، وظاهر كلام تت الصحة، وهذه ليست كمسألة الهيدورة، وإلا لما وجب خلع النعل، مع أنه واجب كما ذكره بعض الشراح تبعًا لغيره، وهذا واضح حيث كان عدم خلعها يوجب حملها في الصلاة، فإن لم يوجبه كمن صلى على جنازة قائمًا قائمًا قائمًا أو إيماءً فإنه لا يجب عليه نزعها، ولا كمسألة اللباس، وإلا لبطلت صلاته إن دخل الصلاة وهو عالم بها، أو دخل غير عالم؛ لأن وجوب خلعها فرع تذكرها.
وقول ابن ناجي: والفرق بين النعل ينزعها والثوب يطرحه حمله له، والنعل واقف عليها، والنجاسة في أسفلها، فهي كما لو بسط على نجس طاهر. انتهى، فيه بحث؛ إذ لو كان كذلك لما وجب عليه خلع النعل.
وأفهم قيد الأسفلية بطلانها بنجاسة في أعلى النعل ولو نزعها دون تحريك، وهو كذلك خلافًا للمازري.
وقال الرماصي: تت: (ونسيها) لا خصوصية للنسيان، وكذلك إذا تعمد ذلك ابتداء؛ بدليل تعليلهم بكون ذلك كنجاسة فرش عليها طاهر، ولم يقيد الأبياني الذي تكلم على المسألة، ولا القرافي الناقل لها عنه بالنسيان، وسواء تحركت بحركته أم لا.
(2)
هو: عبد اللَّه بن أحمد التونسي، أبو العباس المعروف بالأبياني، (000 - 352 هـ = 000 - 963 م): فقيه مالكي، روى عنه جماعة، منهم ابن أبي زيد والأصيلي، وصنف:"مسائل السماسرة في البيوع - خ" في خزانة الرباط: (33 ك). ينظر: الأعلام (4/ 66).