المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[محل الترجيع وصفته: ] - جواهر الدرر في حل ألفاظ المختصر - جـ ١

[التتائي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌المبحث الأول التعريف بالشارح

- ‌ اسمه ولقبه:

- ‌ مشايخه:

- ‌حياته ومحنته:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌آثاره:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثاني وصف نسخ المخطوط

- ‌وهو حسبي وبه ثقتي

- ‌فائدتان:

- ‌تمهيد:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة التنبيه:

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌تذييل:

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌تنكيت:

- ‌[المراد بالمشهور: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[مفاتيح المختصر: ]

- ‌تتميم:

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌تذييل:

- ‌باب ذكر فيه أحكام الطهارة، وما يتعلق بها

- ‌[ما يرفع الحدث: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[تعريف الماء المطلق: ]

- ‌فرع:

- ‌تنبيه:

- ‌تفريع:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيهان:

- ‌تنبيه:

- ‌[حكم الماء المتغير بما ينفك عنه غالبًا: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تنكيت:

- ‌[الماء المكروه للعبادة: ]

- ‌[ما تزول به النجاسة: ]

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌[الشك بمغير الماء: ]

- ‌[الأعيان الطاهرة، والأعيان النجسة]

- ‌[أولًا - الأعيان الطاهرة: ]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنكيتان:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[حالات القيء: ]

- ‌[الأعيان النجسة: ]

- ‌تنكيت:

- ‌تذييل:

- ‌[مسألة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[المذهب في دباغ الجلد: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[حكم حلول الطاهر في النجس والعكس: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[ما يجوز الانتفاع به من المتنجس: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[ما يحرم استعماله على الذكور: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تذنيب:

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌فصل ذكر فيه إزالة النجاسة، وما تزول به، وما يعفي عنه منها، وما لا يعفى عنه، وغير ذلك مما يتعلق بها

- ‌تنبيه:

- ‌تتمة:

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيهات:

- ‌تنكيت:

- ‌فائدة:

- ‌تنكيت:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تكميل:

- ‌تنبيه:

- ‌تنكيت:

- ‌تنبيه:

- ‌[كيفية تطهير المحل النجس: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[حكم الماء المزال به النجاسة: ]

- ‌فرع:

- ‌[حكم زوال عين النجاسة بغير المطلق: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[تفسير النضح: ]

- ‌تنكيت:

- ‌تنبيه:

- ‌[الاشتباه في الماء الطهور: ]

- ‌تنكيت:

- ‌تتمة:

- ‌تنبيهان:

- ‌[ولوغ الكلب في الإناء: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌فصل ذكر فيه أحكام الوضوء مِن فرائض وسنن وفضائل ومكروهات وممنوعات

- ‌[فرائض الوضوء: ]

- ‌فائدة:

- ‌[العمل في غسل اللحية: ]

- ‌[ما يدخل في حد الوجه: ]

- ‌فائدة:

- ‌تنكيت:

- ‌[ما لا يغسل: ]

- ‌تذييل:

- ‌تنبيه:

- ‌[ذهاب بعض أعضاء الوضوء: ]

- ‌فائدة:

- ‌[الوضوء بالخاتم: ]

- ‌[الشعر المضفور للرجل والمرأة: ]

- ‌[غسل الرأس بدل مسحه: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[تخليل أصابعهما: ]

- ‌فائدة:

- ‌[حكم قص أو حلق ما غسل أو مسح: ]

- ‌[المعتبر في الطول: ]

- ‌[أنواع النية: ]

- ‌[ما يضر الوضوء وما لا يضره: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[سنن الوضوء: ]

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌تذنيب:

- ‌[ما يتفرع عن الترتيب: ]

- ‌[حكم ترك فرض: ]

- ‌فائدة:

- ‌[حكم ترك سنة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌[فضائل الوضوء: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[ما لا يندب في الوضوء: ]

- ‌فصل

- ‌[مندوبات قضاء الحاجة: ]

- ‌[ما يتعلق بالفضاء في قضاء الحاجة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[قضاء الحاجة بالكنيف: ]

- ‌[استقبال القبلة واستدبارها: ]

- ‌تنبيه:

- ‌فائدة:

- ‌تنبيهان:

- ‌فائدة:

- ‌[استقبال بيت المقدس: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[ما يجب على قاضي الحاجة: ]

- ‌[ما يندب للمستنجي: ]

- ‌[ما يتعين فيه الماء: ]

- ‌[ما لا يستنجى منه: ]

- ‌[ما يستنجى به وما لا يستنجى به: ]

- ‌خاتمة:

- ‌[صفة إنقاء الدبر: ]

- ‌[صفة إنقاء القبل: ]

- ‌فائدة:

- ‌فصل ذكر فيه نواقض الوضوء من حدث وسبب

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[معنى الحدث: ]

- ‌[صفة الخارج الناقض: ]

- ‌[من النواقض السلس: ]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[وقت اعتبار الملازمة: ]

- ‌[اعتبار المخرج المعتاد: ]

- ‌[ما يؤدي للحدث: ]

- ‌تنبيهات:

- ‌[الوضوء من النوم: ]

- ‌فائدة:

- ‌[من نواقض الوضوء اللمس: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تنكيت:

- ‌[مس الذكر: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[نقض الوضوء بالردة والشك: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[حكم المستنكح للشك: ]

- ‌فائدة:

- ‌[مسائل خلافية مع المذاهب الأخرى في نواقض الوضوء: ]

- ‌[ما يندب للمتوضئ: ]

- ‌[الشك في الطهارة في الصلاة: ]

- ‌تذييل:

- ‌تتمة:

- ‌[ما يمنعه الحدث: ]

- ‌فائدة:

- ‌تتمة:

- ‌فصل ذكر فيه أحكام الغسل وموجباته وما يتعلق به

- ‌[موجبات الغسل: ]

- ‌[من يندب له الغسل: ]

- ‌[ما لا يوجب الغسل بمني: ]

- ‌[عود على موجبات الغسل: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيهات:

- ‌تتمة:

- ‌[فرائض الغسل: ]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[سنن الغسل: ]

- ‌[مندوبات الغسل: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[ما يبطل وضوء الجنابة: ]

- ‌[ما تمنعه الجنابة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[علامات المني: ]

- ‌[الاكتفاء بالغسل عن الوضوء: ]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌فصل ذكر فيه نيابة مسح الخف عن غسل الرجلين في الوضوء

- ‌تنكيت:

- ‌[حكم مسح خف فوق خف: ]

- ‌تنبيهان:

- ‌تتمة:

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[مدة المسح: ]

- ‌[شروط المسح: ]

- ‌[شروط الماسح: ]

- ‌[حكم فقدِ أحد الشروط: ]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[حكم المسح للمحرم: ]

- ‌[حكم المسح على خف مغصوب: ]

- ‌[حكم المسح للهارب من الغسل: ]

- ‌[غسل الخفين: ]

- ‌[تكرار المسح: ]

- ‌[تتبع الغضون: ]

- ‌[ما يبطل المسح عليه: ]

- ‌[المراد بالمبادرة: ]

- ‌[حكم تعذر نزع أحد الخفين: ]

- ‌تنكيت:

- ‌[مندوبات المسح على الخف: ]

- ‌[صفة المسح: ]

- ‌فصل

- ‌[من له التيمم: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تنكيت:

- ‌[شرطا التيمم: ]

- ‌تنبيهات:

- ‌تتميم:

- ‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌تكميل:

- ‌[جواز التيمم لخوف فوات الوقت: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[أداء غير الفرض بتيمم فرض أو سنة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[أداء فرضين بتيمم: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[ما يلزم في التيمم: ]

- ‌تنكيت:

- ‌تنبيه:

- ‌[ما يسقط به طلب الماء: ]

- ‌[محل لزوم الطلب: ]

- ‌فرع:

- ‌[النية في التيمم: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[التيمم لا يرفع الحدث: ]

- ‌تتمة:

- ‌[أعضاء التيمم: ]

- ‌فائدة:

- ‌تنبيه:

- ‌تكميل:

- ‌فائدة:

- ‌[نزع الخاتم في التيمم: ]

- ‌[ما يتيمم به: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[كل أجزاء الأرض يتيمم به: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[أفضل أجزاء الأرض للتيمم: ]

- ‌[عد ما يجوز التيمم عليه: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[اختصاص المريض بالتيمم على الحائط: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[متى يتيمم: ]

- ‌تنكيت:

- ‌تنبيه:

- ‌[مسنونات التيمم: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[مندوبات التيمم: ]

- ‌[مبطلات التيمم: ]

- ‌[ما لا يبطله: ]

- ‌[حكم المقصر في طلب الماء: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[ما يمنع لفاقد الماء: ]

- ‌[مسألة: ]

- ‌[فاقد الطهورين: ]

- ‌فصل ذكر فيه المسح على الجرح بدلًا عن غسل محلّه

- ‌تنبيه:

- ‌[المسح على الجبيرة: ]

- ‌فائدة:

- ‌[المسح على العصابة: ]

- ‌[شروط هذا المسح: ]

- ‌خاتمة:

- ‌فصل ذكر فيه الحيض ومدته والاستحاضة والنفاس وما يتعلق بذلك

- ‌فائدة:

- ‌[المبتدأة من النساء: ]

- ‌[المعتادة: ]

- ‌تذييل:

- ‌[المرأة الحامل: ]

- ‌[المستحاضة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[الدم المميز حيض: ]

- ‌[ما يحصل به الطهر: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[موانع الحيض: ]

- ‌[أمد المنع: ]

- ‌[عود على موانع الحيض: ]

- ‌خاتمة:

- ‌[النفاس: ]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[موانع النفاس: ]

- ‌[حكم الهادي: ]

- ‌باب ذكر فيه أوقات الصّلاة والآذان وشروطها وأركانها وموانعها، وحكم قراءتها والسهو فيها، وغير ذلك مما يتعلق بها

- ‌فائدة:

- ‌[تقسيم وقت الأداء: ]

- ‌[الوقت الاختياري للظهر: ]

- ‌تنبيهات:

- ‌[وقت العصر الاختياري: ]

- ‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌[القدر المشترك بين الظهرين: ]

- ‌[وقت المغرب المختار: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[الوقت المختار للعشاء: ]

- ‌[الوقت المختار للصبح: ]

- ‌تنبيه:

- ‌تتمة:

- ‌تنبيهان:

- ‌[المراد بالصلاة الوسطى: ]

- ‌تتمة:

- ‌[مسألة: ]

- ‌تنكيت:

- ‌[قسما الوقت الاختياري: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[الأفضل للجماعة: ]

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[مذهب المدونة في أداء العشاء: ]

- ‌[الشك في دخول الوقت: ]

- ‌[الوقت الضروري: ]

- ‌[الضروري للصبح: ]

- ‌[الضروري للظهرين: ]

- ‌[ضروري العشاءين: ]

- ‌[القدر الذي يدرك به الوقت: ]

- ‌تتمة:

- ‌‌‌تنبيهان:

- ‌تنبيه

- ‌[حكم تأخير الصلاة للضروري: ]

- ‌[أصحاب الأعذار: ]

- ‌ تنبيهً

- ‌[ما ليس بعذر: ]

- ‌[اعتبار الطهارة مع عدد الركعات: ]

- ‌تنبيهات:

- ‌[الكافر يؤدي مشتركتين: ]

- ‌تنكيت:

- ‌‌‌‌‌[مسألة: ]

- ‌‌‌[مسألة: ]

- ‌[مسألة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[الأعذار مسقطة: ]

- ‌[أمر الصبيان بالصلاة: ]

- ‌[أوقات النوافل: ]

- ‌[أوقات كراهة النفل: ]

- ‌[النفل قبل صلاة العصر: ]

- ‌[غاية الكراهة: ]

- ‌فائدة:

- ‌‌‌تنبيه:

- ‌تنبيه:

- ‌[استثناء ركعتي الفجر والورد: ]

- ‌[النافلة للمحرم: ]

- ‌تنكيت:

- ‌تتمة:

- ‌[أمكنة الصلاة: ]

- ‌[شرط الصلاة فيما سبق: ]

- ‌[أماكن الكراهة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[حكم تارك الصلاة: ]

- ‌تنبيه:

- ‌خاتمة:

- ‌فصل ذكر فيه أحكام الأذان والإقامة، وما يتعلق بكل منهما

- ‌‌‌فائدة:

- ‌فائدة:

- ‌[حكم الأذان: ]

- ‌[صفة الأذان: ]

- ‌تنبيهات:

- ‌[محل الترجيع وصفته: ]

- ‌تنكيت:

- ‌تنبيه:

- ‌تتمة:

- ‌[شرط وجوب الأذان: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[شروط صحة الأذان: ]

- ‌تنكيت:

- ‌فرع:

- ‌[ما يندب للمؤذن: ]

- ‌تنبيه:

- ‌[ما يجوز في الأذان: ]

- ‌فائدة:

- ‌[كراهة الأجرة على الصلاة وحدها: ]

- ‌[كراهة السلام على المؤذن: ]

- ‌[إقامة الراكب: ]

- ‌[ما يسن في الإقامة: ]

- ‌تنبيهات:

- ‌[الصلاة دون إقامة: ]

- ‌سؤال:

- ‌وجوابه:

- ‌[إقامة المرأة: ]

- ‌[القيام للإقامة: ]

الفصل: ‌[محل الترجيع وصفته: ]

مرة واحدة، وظاهره: أنها تقال حضرًا وسفرًا، وهو كذلك، حكاه ابن يونس عن مالك، وليس في كلامه ما يشعر باختصاصها بالصبح، وكأنه اتكل على شهرة ذلك، خلافًا للنخعي (1) في قوله في أذان سائر الصلوات.

وظاهر كلامه: اختصاص التثويب بهذا اللفظ، ورأيت في شرح الكنز للقصراوي: وتثويب أهل كل بلد على ما يتعارف أهلها: إما بالتنحنح، أو بقول المؤذن: الصلاة خير من النوم؛ فإن المقصود الزيادة في الإعلام، وهي يتحصل بما يتعارفونه.

[محل الترجيع وصفته: ]

مرجع الشهادتين: مثناة؛ لعمل أهل المدينة، خلافًا لأبي حنيفة، قال مالك: العمل أثبت من الأحاديث (2).

(1) هو: إبراهيم بن مالك الأشتر بن الحارث النخعي: قائد شجاع، من أصحاب مصعب بن الزبير، (000 - 71 هـ = 000 - 690 م): شهد معه الوقائع، وولي له الولايات، وقاد جيوشه في مواطن الشدة، كان مصعب يعتمد عليه، ويثق به، وآخر ما وجهه فيه حرب عبد الملك بن مروان بمسكن، فقتل ابن الأشتر، ودفن بقرب سامراء. النخعي نسبة إلى النخع بفتحتين: قبيلة باليمن من مذحج، أخباره في كتب التاريخ وافره. ينظر: الأعلام (1/ 58).

(2)

قال القاضي عياض في ترتيب المدارك: "باب فضل علم أهل المدينة، وترجيحه على علم غيرهم، واقتداء السلف بهم:

قال زيد بن ثابت: إذا رأيت أهل المدينة على شيء فاعلم أنه السنة، قال ابن عمر: لو أن الناس إذا وقعت فتنه ردوا الأمر فيه إلى أهل المدينة فإذا اجتمعوا على شيء -يعني: فعلوه- صلح الأمر، ولكنه إذا نعق ناعق تبعه الناس.

قال مالك: كان ابن مسعود يسأل بالعراق عن شيء، فيقول فيه، ثم يقدم المدينة فيجد الأمر على غير ما قال، فإذا رجع لم يحط راحلته ولم يدخل إلى بيته حتى يرجع إلى ذلك الرجل فيخبره بذلك.

قال: وكان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار يعلمهم السنن والفقه، ويكتب إلى المدينة يسألهم عما مضى ويعلمون بما عندهم، وكتب إلى أبي بكر بن حزم أن يجمع له السنن ويكتب بها إليه، فتوفي وقد كتب له ابن حزم كتبًا قبل أن يبعث بها إليه.

قال مالك: واللَّه ما استوحش سعيد بن المسيب ولا غيره من أهل المدينة لقول قائل من الناس، لولا أن عمر بن عبد العزيز أخذ هذا العلم بالمدينة لشككه كثير من الناس. =

ص: 470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال عبد اللَّه بن عمر بن الخطاب: كتب إلي عبد اللَّه -يعني: ابن الزبير- وعبد الملك بن مروان، كلاهما يدعوني إلى المشورة، فكتبت إليهما: إن كنتما تريدان المشورة فعليكما بدار الهجرة والسنة.

وقال رجل لأبي بكر بن عمر بن حزم في أمر: واللَّه ما أدري كيف أصنع في كذا.

فقال أبو بكر: يا ابن أخي إذا وجدت أهل هذا البلد قد أجمعوا على شيء، فلا يكن في قلبك منه شيء.

وقال الشافعي أيضًا: أما أصول أهل المدينة فليس فيها حيلة من صحتها.

قال ابن نافع: كان مالك يرى أن أهل الحرمين إذا بايعوا لزمت البيعة أهل الإسلام.

قال مالك: كان ابن سيرين أشبه الناس بأهل المدينة في ناحية ما يأخذ به.

قال أبو نعيم: سألت مالكًا عن شيء، فقال لي: إن أردت العلم فأقم -يعني: بالمدينة- فإن القرآن لم ينزل على الفرات.

قال الشافعي: رحلت إلى المدينة فكتبت اختلافهم، زاد في رواية، في الحد.

قال مسعر: قلت لحبيب بن أبي ثابت: أيما أعلم بالسنة أو الفقه أهل الحجاز أم أهل العراق؟ قال: أهل الحجاز.

وقال الشافعي: كل حديث ليس له أصل بالمدينة وإن كان منقطعًا ففيه ضعف.

وقال مالك في أثر ذكر التشهد في الوصية: هو الذي أدركت عليه الناس بهذه البلدة، فلا يشك فيه، فهو الحق.

قال عبد اللَّه بن عمر: بعث عمر نافعًا إلى مصر يعلمهم السنن.

قال مجاهد وعمر بن دينار وغيرهما من أهل مكة: لم يزل شأننا متشابهًا، فتناظرا حتى خرج عطاء ابن أبي رباح إلى المدينة، فلما رجع علينا استبان فضله علينا.

رسالة مالك إلى الليث بن سعد في هذا:

من مالك بن أنس إلى الليث بن سعد، سلام عليكم، فإني أحمد اللَّه إليك الذي لا إله إلا هو،

أما بعد: عصمنا اللَّه وإياك بطاعته في السر والعلانية، وعافانا وإياك من كل مكروه، أعلم -رحمك اللَّه- أنه بلغني أنك تفتي الناس بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندنا، وببلدنا الذي نحن فيه، وأنت في إمامتك وفضلك ومنزلتك من أهل بلدك وحاجة من قبلك إليك واعتمادهم على ما جاءهم منك، حقيق بأن تخاف على نفسك، وتتبع ما ترجو النجاة باتباعه، فإن اللَّه -تعالى- يقول في كتابه:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار. .} الآية)، وقال تعالى:{فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ. .} الآية)، فإنما الناس تبع لأهل المدينة، إليها كانت الهجرة، وبها نزل القرآن، وأحل الحلال، وحرم الحرام؛ إذ رسول اللَّه بين أظهرهم يحضرون =

ص: 471

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه، ويسن لهم فيتبعونه، حتى توفاه اللَّه، واختار له ما عنده صلوات اللَّه عليه ورحمته وبركاته، ثم قام من بعده أتبع الناس له من أمته ممن ولي الأمر من بعده، فما نزل بهم مما علموا أنفذوه، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك في اجتهادهم وحداثة عهدهم، وإن خالفهم مخالف أو قال امرؤ غيره أقوى منه وأولى ترك قوله وعمل بغيره، ثم كان التابعون من بعدهم يسلكون تلك السبيل، ويتبعون تلك السنن، فإذا كان الأمر بالمدينة ظاهرًا معمولًا به لم أر لًأحد خلافه للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها، ولو ذهب أهل الأمصار يقولون: هذا العمل ببلدنا، وهذا الذي مضى عليه من مضى منا، لم يكونوا من ذلك على ثقة، ولم يكن لهم من ذلك الذي جاز لهم.

فانظر -رحمك اللَّه- فيما كتبت إليك فيه لنفسك، وأعلم أني أرجو أن لا يكون دعائي إلى ما كتبت به إليك إلا النصيحة للَّه -تعالى- وحده، والنظر لك والظن بك، فأنزل كتابي منك منزلته، فإنك إن فعلت تعلم أني لم آل لك نصحًا، وفقنا اللَّه وإياك لطاعته وطاعة رسوله في كل أمر وعلى كل حال، والسلام عليك ورحمة اللَّه، وكتب يوم الأحد لتسع مضين من صفر.

أتينا بها على وجهها بسرد فوائدها وهي صحيحة مروية.

وكان من جواب الليث عن هذه الرسالة:

وإنه بلغك عني أني أفتي بأشياء مخالفة لما عليه جماعة الناس عندكم، وأنه يحق علي الخوف على نفسي لاعتماد من قبلي فيما أفتيهم به، وأن الناس تبع لأهل المدينة التي إليها كانت الهجرة وبها نزل القرآن، وقد أصبت بالذي كتبت من ذلك إن شاء اللَّه، ووقع مني بالموقع الذي لا أكره ولا أشد تفضيلًا مني لعلم أهل المدينة الذين مضوا ولا آخذ بفتواهم مني والحمد للَّه، وأما ما ذكرت من مقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة ونزول القرآن عليه بين ظهراني أصحابه وما علمهم اللَّه منه، وإن الناس صاروا تبعًا لهم فكما ذكرت. .

باب ما جاء عن السلف والعلماء في الرجوع إلى عمل أهل المدينة في وجوب الرجوع إلى عمل أهل المدينة وكونه حجة عندهم وإن خالف الأكثر:

روى أن عمر بن الخطاب رضي اللَّه تعالى عنه قال على المنبر: احرج باللَّه على رجل روى حديثًا العمل على خلافه.

قال ابن القاسم وابن وهب: رأيت العمل عند مالك أقوى من الحديث.

قال مالك: وقد كان رجال من أهل العلم من التابعين يحدثون بالأحاديث وتبلغهم عن غيرهم فيقولون: ما نجهل هذا، ولكن مضى العمل على غيره. =

ص: 472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال مالك: رأيت محمد بن أبي بكر بن عمر بن حزم وكان قاضيًا، وكان أخوه عبد اللَّه كثير الحديث رجل صدق، فسمعت عبد اللَّه إذا قضى محمد بالقضية قد جاء فيها الحديث مخالفًا للقضاء يعاتبه، ويقول له: ألم يأت في هذا حديث كذا؟

فيقول: بلى.

فيقول أخوه: فما لك لا تقضي به؟ فيقول: فأين الناس عنه. يعني: ما أجمع عليه من العلماء بالمدينة، يريد أن العمل بها أقوى من الحديث.

قال ابن المعذل: سمعت إنسانًا سأل ابن الماجشون: لمَ رويتم الحديث ثم تركتموه؟

قال: ليعلم أَنَّا على علم تركناه.

قال ابن مهدي: السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خير من الحديث.

وقال أيضًا: إنه ليكون عندي أو نحوه.

وقال ربيعة: ألف عن ألف أحب إلي من واحد عن واحد؛ لأن واحدًا واحد ينتزع السنة من أيديكم.

قال ابن أبي حازم: كان أبو الدرداء يسأل فيجيب، فيقال: إنه بلغنا كذا وكذا بخلاف ما قال.

فيقول: وأنا قد سمعته، ولكني أدركت العمل على غير ذلك.

قال ابن أبي الزناد: كان عمر بن عبد العزيز يجمع الفقهاء ويسألهم عن السنن والأقضية التي يعمل بها فيثبتها، وما كان منه لا يعمل به الناس ألغاه، وإن كان مخرجه من ثقة. وقال مالك: انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من غزوة كذا في نحو كذا، وكذا ألفًا من الصحابة، مات بالمدينة منهم نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرق بالبلدان فأيهما أحرى أن يتبع ويؤخذ بقولهم؟ من مات عندهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ذكرت؟ أو مات عندهم واحد أو اثنان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟

قال عبيد اللَّه بن عبد الكريم: قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألف عين تطرف.

باب بيان الحجة بإجماع أهل المدينة فيما هو، وتحقيق مذهب مالك:

اعلموا -أكرمكم اللَّه- أن جميع أرباب المذاهب من الفقهاء والمتكلمين وأصحاب الأثر والنظر إلب واحد على أصحابنا على هذه المسألة، مخطئون لما فيها بزعمهم، محتجون علينا بما سنح لهم، حتى تجاوز بعضهم حد التعصب والتشنيع إلى الطعن في المدينة وعد مثالبها، وهم يتكلمون في غير موضع خلاف، فمنهم لم يتصور المسألة ولا تحقق مذهبنا فتكلموا فيها على تخمين وحدس، ومنهم من أخذ الكلام فيها ممن لم يحققه عنا، ومنهم من أطالها وأضاف إلينا ما لا نقوله فيها، كما فعل الصيرفي والمحاملي والغزالي، فأوردوا عنا في المسألة ما لا نقوله، واحتجوا علينا بما يحتج به على الطاعنين على الإجماع، وها أنا أفصل الكلام فيها تفصيلًا لا يجد =

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المنصف إلى جحده بعد تحقيقه سبيلًا، وأبين موضع الاتفاق فيه والخلاف إن شاء اللَّه تعالى.

فاعلموا أن إجماع أهل المدينة على ضربين:

ضرب من طريق النقل والحكاية الذي تؤثره الكافة عن الكافة، وعملت به عملًا لا يخفى، ونقله الجمهور عن الجمهور عن زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الضرب منقسم على أربعة أنواع:

أولها: ما نقل شرعًا من جهة النبي صلى الله عليه وسلم من قول كالصاع والمد، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ منهم بذلك صدقاتهم وفطرتهم، وكالأذان والإقامة وترك الجهر بسم اللَّه الرحمن الرحيم اللَّه الرحمان الرحيم في الصلاة والوقوف والأحباس، فنقلهم لهذه الأمور من قوله وفعله كنقلهم موضع قبره ومسجده ومنبره ومدينته، وغير ذلك مما علم ضرورة من أحواله وسيره وصفة صلاته من عدد ركعاتها وسجداتها وأشباه هذا.

أو نقل إقراره عليه السلام لما شاهده منهم، ولم ينقل عنه إنكاره كنقل عهده الرقيق وشبه ذلك.

أو نقل تركه لأمور وأحكام لم يلزمهم إياها مع شهرتها لديهم، وظهورها فيهم كتركه أخذ الزكاة من الخضروات مع علمه عليه السلام بكونها عندهم كثيرة، فهذا النوع من إجماعهم في هذه الوجوه حجة يلزم المصير إليه ويترك ما خالفه من خبر واحد أو قياس، فإن هذا النقل محقق معلوم موجب للعلم القطعي، فلا يترك لما توجبه غلبة الظنون، وإلى هذا رجع أبو يوسف وغيره من المخالفين ممن ناظر مالكًا وغيره من أهل المدينة في مسألة الأوقاف والمد والصاع حين شاهد هذا النقل وتحققه، ولا يجب لمنصف أن ينكر الحجة هذا، وهذا الذي تكلم عليه مالك عن أكثر شيوخنا، ولا خلاف في صحة هذا الطريق، وكونه حجة عند العقلاء، وتبليغه العلم يدرك ضرورة، وإنما خالف في تلك المسائل من غير أهل المدينة من لم يبلغه النقل الذي بها.

قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: ولا خلاف بين أصحابنا في هذا ووافق عليه الصيرفي وغيره من أصحاب الشافعي، كما حكاه الآمدي، وقد خالف بعض الشافعية عنادًا، ولا راحة للمخالف في قوله: إن ما هذا سبيله فهم وغيرهم من أهل الآفاق من البصرة والكوفة ومكة سواء؛ إذ قد نزل هذه البلاد وكان بها جماعة من الصحابة، ونقلت السنن عنهم، والخبر المتواتر من أي وجه، ورد لزم المصير إليه ووقع العلم به، فصارت الحجة في النقل، فلم تختص المدينة بذلك، وسقطت المسألة في حق غيرهم، لكن لا يوجد مثل هذا النقل كذلك عند غيرهم، فإن شرط نقل التواتر =

ص: 474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= تساوي طرفيه ووسطه، وهذا موجود في أهل المدينة، ونقلهم الجماعة عن الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أو العمل في عصره، وإنما ينقل أهل البلاد غيرها عن جماعتهم حتى يرجعوا إلى الواحد أو الاثنين من الصحابة فرجعت المسألة إلى خبر الآحاد وبالحري أن تفرض المسألة في عمل أهل مكة في الآذان ونقلهم المتواتر عن الآذان بين يدي النبي عليه السلام بها، لكن يعارض هذا آخر من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والذي مات عليه بالمدينة، ولهذا قال مالك لمن ناظره في المسألة: ما أدري أذان يوم ولا ليلة هذا مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يؤذن فيه من عهده ولم يحفظ عن أحد إنكاره على مؤذن فيه.

النوع الثاني: إجماعهم على عمل من طريق الاجتهاد والاستدلال، فهذا النوع اختلف فيه أصحابنا، فذهب معظمهم إلى أنه ليس بحجة، ولا فيه ترجيح، وهذا قول كبراء البغداديين، منهم: ابن بكير، وأبو يعقوب الرازي، وأبو الحسن بن المنتاب، وأبو العباس الطيالسي، وأبو الفرج، والقاضي أبو بكر الأبهري، وأبوالتمام، وأبو الحسن بن القصار.

قالوا: لأنهم بعض الأمة، والحجة إنما هي لمجموعها، وهو قول المخالفين أجمع.

ولهذا ذهب القاضي أبو بكر بن الخطيب وغيره، أنكر هؤلاء أن يكون مالك يقول هذا، أو أن يكون مذهبه، ولا الأئمة أصحابه، وذهب بعضهم إلى أنه ليس بحجة، ولكن يرجح به على اجتهاد غيرهم، وهو قول جماعة من متفقيهم، وبه قال بعض الشافعية، ولم يرتضه القاضي أبو بكر، ولا محققو أئمتنا وغيرهم، وذهب بعض المالكية إلى أن هذا النوع حجة كالنوع الأول، وحكوه عن مالك.

قال القاضي أبو نصر: وعليه يدل كلام أحمد بن المعذل وأبي معصب، وإليه ذهب القاضي أبو الحسين بن أبي عمر من البغداديين، وجماعة من المغاربة من أصحابنا، ورآه مقدمًا على خبر الواحد والقياس، وأطبق المخالفون أنه مذهب مالك، ولا يصح عنه كذا مطلقًا.

قال القاضي أبو الفضل رحمه اللَّه تعالى: ولا يخلو عمل أهل المدينة مع أخبار الآحاد من ثلاثة وجوه:

إما أن يكون مطابقًا لها، فهذا آكد في صحتها، إن كان من طريق النقل، وترجيحه إن كان من طريق الاجتهاد بلا خلاف في هذا؛ إذ لا يعارضه هنا إلا اجتهاد آخرين وقياسهم، عند من يقدم القياس على خبر الواحد، وإن كان مطابقًا لخبر يعارضه خبر آخر كان عملهم مرجحًا لخبرهم، وهو أقوى ما ترجح به الأخبار إذا تعارضت، وإليه ذهب الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني ومن تابعه من المحققين من الأصوليين والفقهاء من المالكية وغيرهم.

وإن كان مخالفًا للأخبار جملة فإن كان إجماعهم من طريق النقل ترك له الخبر بغير =

ص: 475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= خلاف عندنا في ذلك، وعند المحققين من غيرنا على ما تقدم، ولا يجب عند التحقيق تصور خلاف في هذا ولا التفات إليه، إذ لا يترك القطع واليقين لغلبات الظنون، وما عليه الاتفاق لما فيه الخلاف كما ظهر هذا للمخالف المنصف فرجع، وهذه نكتة مسألة الصاع والمد والوقوف وزكاة الخضروات وغيرها، وإن كان إجماعهم اجتهادًا أقدم خبر الواحد عليه عند الجمهور، وفيه خلاف كما تقدم من أصحابنا.

فأما إن لم يكن لهم عمل بخلافه ولا وفاق فقد سقطت المسألة ووجب الرجوع إلى خبر الواحد، كان من نقلهم أو من نقل غيرهم إذا صح ولم يعارض، فإن عارض هذا الخبر الذي نقلوه خبر آخر نقله غيرهم من أهل الآفاق كان ما نقلوه مرجحًا عند الأستاذ أبي إسحاق وغيره من المحققين؛ لزيادة قرب مشاهدتهم قرائن الأحوال، وتعددهم لنقل آثار الرسول عليه السلام، وإنهم الجم الغفير عن ألجم الغفير عنه.

وكثر تحريف المخالف فيما نقل عن مالك من ذلك سوى ما قدمناه فحكى أبو بكر الصيرفي وأبو حامد الغزالي أن مالكًا يقول: لا يعتبر إلا بإجماع أهل المدينة دون غيره، وهذا ما لا يقوله هو ولا أحد من أصحابه، وحكى بعض الأصوليين أن مالكًا يرى إجماع الفقهاء السبعة بالمدينة إجماعًا، ووجه قوله بأنه لعله كانوا عنده أهل الاجتهاد في ذلك الوقت دون غيرهم، وهذا ما لم يقله مالك ولا روي عنه، وحكى بعضهم عنا إنا لا نقبل من الأخبار إلا ما صححه عمل أهل المدينة، وهذا جهل أو كذب، لم يفرقوا بين قولنا برد الخبر الذي في مقابله عملهم، وبين من لا يقبل منه إلا ما وافقه عملهم.

فإن احتجوا علينا في هذا الفصل برد مالك حديث: "البيعان بالخيار" الذي رواه هو وأهل المدينة بأصح أسانيدهم، وقول مالك في هذا الحديث بعد ذكره له في موطئه، وليس لهذا عندنا حد محدود ولا أمر معمول به، وهذه المعارضة أعظم تهاويلهم وأشنع تشانيعهم، قالوا: هذا رد للخبر الصحيح؛ إذ لم يجد عليه عمل أهل المدينة حتى قد أنكره عليه أهل المدينة، وقال ابن أبي ذئب فيه كلامًا شديدًا معروفًا، فالجواب: أنه إنما أوتيت بسوء التأويل.

فإن قول مالك هذا ليس مراده به رد البيعين بالخيار، وإنما أراد بقوله ما قال في بقية الحديث، وهذا قوله إلا بيع الخيار، فأخبر أن بيع الخيار ليس له حد عندهم، ولا يتعدى إلا قدر ما نختبر فيه السلعة، وذلك يختلف باختلاف المبيعات، فيرجع فيه إلى الاجتهاد والعوائد في البلاد وأحوال المبيع.

وما يراد بهذا فسر قوله أئمتنا رحمهم الله، وإنما ترك العمل بالحديث لغير هذا، بل تأول التفرق فيه بالقول وعقد البيع، وأن الخيار لهما ما داما متراوضين، ومتساويين، وهذا هو المعنى المفهوم من المتفاعلين وهما المتكلفان للأمر، الساعيان =

ص: 476

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فيه، وهذا يدل أنه قبل تمامه، ويعضده قوله:"لا يبيع أحدكم على بيع أخيه"، وهذا أيضًا في المتساويين، فقد سماه بيعًا قبل تمامه وانعقاده، وقال بعض أصحابنا: الحديث منسوخ بقوله في الحديث الآخر: "إذا اختلف المتبايعان، فالقول ما قال البائع".

ويترادان ولو كان لهما الخيار لما احتاجا إلى تحالف وتخاصم، وقد يكون قول مالك على طريق الترجيح لأحد الخبرين بمساعدة عمل أهل المدينة، لما خالفه كما تقدم وقد قال بحديث:"البيعان بالخيار" والعمل به كثير، من أصحابنا: ابن حبيب.

ومما ذكره المخالفون عن مالك أنه يقول أن المؤمنين الذين أمر اللَّه تعالى باتباعهم هم أهل المدينة ومالك لا يقول هذا، وكيف يقول وهو يرى أن الإجماع حجة ومما عارض به المخالف أن قالوا: إذا سلمنا باب النقل الذي ذكرتم فما فائدة الإجماع والعمل؟ ومتى حصل النقل عن جماعة يحصل العلم بخبرهم وجب الرجوع إليه وإن خالفهم غيرهم فما فائدة ذكرهم الإجماع مع الاتفاق على هذا؟ فالجواب أنا نقول: إذا نقل البعض فلا يخلو الباقون أن يؤثر عنهم خلاف أو لا يؤثر، فإن لم يؤثر فهو ما أردناه، وإن علم الخلاف فإن كان من القليل لم يلتفت إليه ولم يقدح مخالفة القليل في الإجماع النقلي، وقد اختلف في مخالفة القليل فالإجماع على ما قرره أرباب الأصول الذي شرطه في التحقيق أطباق ملأ المجتهدين.

وأما النقل فإنما يحتاج فيه عدد يوجب لنا العلم فإذا خالف فيه القليل نسب إليه الغلط والوهم إذ القطع نقل، التواتر وصحته يبطل خلافه، وأما إن كان الخلاف من جماعة آخرين وجمهور ثان متواتر أيضًا فقد قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب: هذا نقل متعارض لا يكون حجة وليست مسألتنا.

قال القاضي أبو الفضل رضي اللَّه تعالى عنه: وعندي أن تصور هذه النازلة يستحيل إذ نقل المتواتر موجب للعلم الضروري إذا جاء على شروطه ولا يصح أن يعارضه تواتر آخر لأنه يقضي أن أحدهما باطل محال، وهذا مما لا يصححه العقل ولا يصح كونهما جميعًا حقًا، ولا كونهما جميعًا باطلًا، فسقط السؤال كرة، إلا أن يكون النقل المتواتر المتعارض في نازلتين معينتين أن حالين مختلفين أو وقتين متغايرين فيحكم فيهما بحكم الدليلين الصحيحين المتعارضين، وينظر إلى الجمع بينهما إن أمكن، وقصر كل واحد على نازلته وبابه أو الرجوع إلى التاريخ والحكم بالنسخ وغير ذلك من الحكم في التعارض والترجيح، وموضع بسطه أصول الفقه، قالوا: فإذا تقرر ما بسطتموه رجع إلى نقلهم وتواتر خبرهم وعملهم، وبه الحجة، فما معنى تسميتهم إجماعًا؟ قلنا: معناه إضافة النقل والعمل إلى الجميع من حيث لم ينقل أحد منهم ولا عمل بما يخالفه، فإن قيل: فقد حلتم المسألة وصرتم من إجماع إلى إجماع على نقل =

ص: 477

وكان محمد بن جرير (1) ربما قال له أخوه: لم لمْ تنظر لحديث كذا؟ فيقول: لم أجد الناس عليه.

= بقول أو عمل، فالجواب: إن موجب الكلام لنا في هذه المسألة مخالفة العراقيين وغيرهم لنا في مسائل طريقًا النقل والعمل المستفيض اعتمدوا فيها على أخبار آحاد واحتج أصحابنا بنقل أهل المدينة وعملهم المجمع عليه المتواتر على تلك الأخبار لما قدمناه.

فإن قالوا فقد قال اللَّه تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وهذا رد إلى غير الرسول إذ تقرر عندنا بالنقل المتواتر إن ذلك العمل هو سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وعمله وإقراره.

قال القاضي أبو الفضل رضي اللَّه تعالى عنه: فأما قول من قال من أصحابنا أن إجماعهم من طريق الاجتهاد حجة فحجته، ما لهم من فضل الصحبة والمخالطة والملابسة والمساءلة ومشاهدة الأسباب والقرائن، ولكل هذا فضل ومزية في قوة الاجتهاد، وقد قال أصحابنا ومخالفونا: إن تفسير الصحابي الراوي لأحد محتملي الخبر أولى من تفسير غيره وحجة يترك لها تفسير من خالفه لمشاهدة الرسول وسماعه ذلك الحديث منه وفهمه من حاله ومخرج ألفاظه وأسباب قضيته ما يكون له به من العلم بمراده ما ليس عند غيره فرجع تفسيره لذلك؛ فكذلك إجماع أهل المدينة بهذا السبيل واجتهادهم مقدم على غيره فمن نأت داره ولم يبلغه إلا مجرد خبر معرى من قرائنه سليب من أسباب مخارجه.

وهذا ما رجح الشافعي أحاديث شيوخ الصحابة على حديث أسامة في الدماء، قال: لأن ابن عمر وعبادة والمشيخة أعلم برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أسامة، ولهذا رجح الأصوليين والفقهاء قياس الصحابي على قياس غيره ولذلك رجح كثير منهم لعمل الصحابي بل للحديث إذا رواه على غيره من حديث لم يعمل به راويه.

وقد قال الشافعي مرة: إجماع أهل المدينة أحب إلي من القياس، وهذا قول بأن إجماعهم حجة في وجه بخلاف إجماع غيرهم الذي لا خلاف بين أحد أنه لا تأثير له في الأحكام، إلا ما حكي عن بعض الأصوليين أن إجماع أهل الحرمين والمصرين حجة كما قدمناه وما رجح به أهل الأصول في تعارض الأخبار بعمل أهل مكة والمدينة.

وهذا -أكرمكم اللَّه تعالى- منتهى الكلام في هذا الباب، ولباب العقول والألباب ومترع في المسألة من التحقيق والتدقيق يشهد له كل منصف بالصواب".

(1)

هو: محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر، (224 - 310 هـ = 839 - 923 م): المؤرخ المفسر الإمام، ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي بها، وعرض عليه القضاء فامتنع، والمظالم فأبى، له (أخبار الرسل والملوك - ط) يعرف بتاريخ =

ص: 478

النخعي: لو رأيت الصحابة يتوضؤون إلى الكوعين لتوضأت كذلك، وأقرأها {إِلَى الْمَرَفِقِين} ؛ لأنهم لا يتهمون في ترك السنن، وهم أرباب العلم، وأحرص الناس على أتباع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا يظن بهم أحد إلا ذو ريبة في دينه.

قال عبد الرحمن بن مهدي (1): السنة المتقدمة من سنن أهل المدينة خير من الحديث.

وظاهره: الترجيع، ولو كثر المؤذنون، وهو كذلك عن مالك، وعن مالك: إذا كثروا رجع الأول خاصة. ذكره المازري.

بأرفع من صوته بهما أولًا؛ لأن أذان أبي محذورة (2) كان كذلك (3)،

= الطبري، في 11 جزءًا، و (جامع البيان في تفسير القرآن - ط) يعرف بتفسير الطبري، في 30 جزءًا، و (اختلاف الفقهاء - ط) و (المسترشد) في علوم الدين، و (جزء في الاعتقاد - ط) و (القراآت) وغير ذلك. وهو من ثقات المؤرخين، قال ابن الأثير: أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ، وفي تفسيره ما يدل على علم غزير وتحقيق. وكان مجتهدًا في أحكام الدين لا يقلد أحدًا، بل قلده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه. وكان أسمر، أعين، نحيف الجسم، فصيحًا. ينظر: الإعلام (6/ 69).

(1)

هو: عبد الرحمن بن مهدي بن حسان العنبري البصري اللؤلؤي، أبو سعيد، (135 - 198 هـ = 752 - 814 م): من كبار حفاظ الحديث، وله فيه تصانيف، حدث ببغداد، ومولده ووفاته في البصرة.

قال الشافعي: لا أعرف له نظيرًا في الدنيا. ينظر: الإعلام (3/ 339).

(2)

هو: أوس بن معير الجمحي، أبو محذورة، (000 - 59 هـ = 000 - 679 م): المؤذن الأول في الإسلام، قريشي، أمه من خزاعة، اشتهر بلقبه، واختلفوا في اسمه واسم أبيه أسلم بعد حنين، وكان الأذن قبله دعوة للناس إلى الصلاة، على غير قاعدة، وسمع في الجعرانة صوتا غير منسجم يقلده هزؤا به، واستحسن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صوته، ودعاه إلى الإسلام فأسلم، قال: وألفى على التأذين هو بنفسه، فقال: قل: اللَّه أكبر اللَّه أكبر. . إلخ، ولما تعلم الأذان جعله مؤذنه الخاص، وطلب أن يكون مؤذن مكة، فكان، وظل الأذان في بنيه وبني أخيه مدة، ورويت عنه أحاديث، ولبعض الشعراء أبيات فيه. ينظر: الأعلام (2/ 31).

(3)

قال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 419): وأخبرنا أبو عبد اللَّه الحافظ، أخبرنا أبو يحيى أحمد بن محمد بن إبراهيم، أخبرنا أبو عبد اللَّه محمد بن نصر، حدثنا أبو الوليد =

ص: 479

وعليه عمل الناس، وشهره ابن الحاجب، وعبر عنه ابن بشير بالصحيح.

وقيل عكسه.

عياض: وهو ظاهر المدونة والتلقين والجلاب.

مجزوم، أي: موقوف على آخر كل جملة، قاله شيوخ صقلية؛ لأنه لم يسمع إلا كذلك، لا يعرب، كما قاله شيوخ القيروان، حكاه المازري، وقال: الجميع جائز.

= أحمد بن عبد الرحمن القرشي، حدثنا الوليد بن مسلم قال: سألت مالك بن أنس عن السنة في الأذان، فقال: ما تقولون أنتم في الأذان؟ وعمن أخذتم الأذان؟ قال الوليد: فقلت: أخبرني سعيد بن عبد العزيز وابن جابر وغيرهما: أن بلالًا لم يؤذن لأحد بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأراد الجهاد، فأراد أبو بكر منعه وحبسه، فقال: إن كنت أعتقتنى للَّه فلا تحبسني عن الجهاد، وإن كنت أعتقتني لنفسك أقمت. فخلى سبيله، فكان بالشام حتى قدم عليهم عمر بن الخطاب الجابية، فسأل المسلمون عمر بن الخطاب أن يسأل لهم بلالًا يؤذن لهم، فسأله، فأذن لهم يومًا، أو قالوا: صلاة واحدة. قالوا: فلم ير يومًا كان أكثر باكيًا منهم يومئذ حين سمعوا صوته، ذكرًا منهم لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. قالوا: فنحن نرى أو نقول: إن أذان أهل الشام عن أذانه يومئذ. فقال مالك: ما أدري ما أذان يوم أو صلاة يوم أذن سعد القرظ في هذا المسجد في زمان عمر بن الخطاب وأصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم متوافرون فيه، فلم ينكره منهم أحد، فكان سعد وبنوه يؤذنون بأذانه إلى اليوم، ولو كان وال يسمع مني لرأيت أن يجمع هذه الأمة على أذانهم. فقيل لمالك: فكيف كان أذانهم؟ قال: يقول: اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر اللَّه أكبر، أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدًا رسول اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه، ثم يرجع فيقول أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن لا إله إلا اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه أشهد أن محمدًا رسول اللَّه، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، اللَّه أكبر اللَّه أكبر، لا إله إلا اللَّه. قال: والإقامة مرة مرة. (ق) قال أبو عبد اللَّه: محمد بن نصر: فأرى فقهاء أصحاب الحديث قد أجمعوا على إفراد الإقامة، واختلفوا في الأذان، فاختار بعضهم أذان أبي محذورة، منهم مالك بن أنس والشافعي وأصحابهما، واختار جماعة منهم أذان عبد اللَّه بن زيد، قال الشيخ منهم الأوزاعي كان يختار تثنية الأذان وإفراد الإقامة، وإلى إفراد الإقامة ذهب سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والحسن البصري ومحمد بن سيرين والزهري ومكحول وعمر بن عبد العزيز في مشيخة جلة سواهم من التابعين رضي الله عنهم.

ص: 480