المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب النهي عن تشبه العاقل بالمجانين والحمقى - حسن التنبه لما ورد في التشبه - جـ ١٠

[نجم الدين الغزي]

فهرس الكتاب

- ‌(1) بَابُ النَّهي عَنْ تَشَّبُّهِ العَاقِلِ بِالمَجَانينِ وَالحَمْقَى

- ‌1 - ومن أحوال الحمقى، والمجانين: الكبر، والعجب، والخيلاء، والإعجاب بالرأي

- ‌2 - ومن أحوال الحمقى:

- ‌3 - ومن أحوال الحمقى: عدم معرفتهم بعيوب أنفسهم

- ‌4 - ومنها: الاغترار بمدح من يجهل حاله، أو يمدحه بما ليس فيه

- ‌5 - ومن أحوال المجانين، والحمقى: أنهم يطمعون فيما لا يكون

- ‌6 - ومن أحوالهم: كثرة الأماني

- ‌7 - ومن أحوال المجانين، والحمقى: الإخبار بالأشياء المعلومة ضرورة كالسماء فوق الأرض

- ‌8 - ومن أقبح أنواع البله، والحمق والجنون، وأشدها ضرراً على أصحابها: الوسوسة، والانتهاء فيها إلى حد إنكار الأمور اليقينية، والحقائق

- ‌9 - ومن أحوال المجانين، والحمقى، والمعتوهين: الولع بالشيء، والعبث به، وكثرة الحركة والالتفات لغير فائدة ظاهرة، واستحسان ما يضر أو يؤول إلى الضرر

- ‌10 - ومن أحوال الحمقى: ما ذكره ابن الجوزي عن بعض الحكماء قال: يعرف الأحمق بست خصال:

- ‌11 - ومنها: أن أحدهم يجمع بين اعتقاد أنه أكمل من غيره، فيزعم الكمال لنفسه

- ‌12 - ومنها: قلة الأدب، والتهور المانع من حسن المجالسة، ولطف المعاشرة

- ‌13 - ومنها: أن الأحمق متى سمع حديثاً صدقه وإن لم يتبين حقيقته ولم يتصور إمكانه

- ‌14 - ومنها: الخروج كل ساعة في طور غير الطور المتقدم من حيث الأخلاق

- ‌15 - ومن أحوال المجانين، والحمقى: أنهم ربما أتلفوا شيئاً من أموالهم لحفظ مال غيرهم كالذي يحمل اللحم وغيره لغيره في ثوبه وهو جديد نفيس نظيف

- ‌16 - ومن أحوال الحمقى: ما رواه المعافى بن زكريا في "الجليس والأنيس

- ‌وهذه فوائد وتتمات لهذا الباب:

- ‌(2) باب النَّهْيِ عَنْ تَشَبُّهِ الحُرِّ بِالرَّقِيقِ وَعَكْسِهِ

- ‌القسم الأوَّلُ: أن يُرِقَّ الْحُرُّ نفسه

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌القِسْمُ الثَّانِي مِنْ تَشَبُّهِ الْحُرِّ بِالرَّقِيقِ:

- ‌ تنبِيهانِ:

- ‌الأَوَّلُ:

- ‌ الثَّانِي

- ‌ الأولي

- ‌ فائِدَتَانِ:

- ‌ الثَّانِيَةُ:

- ‌(3) بَابُ النَّهي عَنْ تَشَبُّهِ الرَّجُلِ بِالمَرْأَةِ وَعَكْسِهِ

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌(4) بَابُ النَّهي عَنْ تَشَبُّهِ الرّجَال بِالصِّبيَانِ

- ‌ ومن التشبه القبيح بالشبان:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌فَصْلٌ

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌(5) بَابُ تَشَبُّه الفَقِير بِالغَنِي وَعَكْسِهِ

- ‌ أن يتشبه بالأغنياء في اللباس ونحوه من غير تكلف ستراً للفقر

- ‌ أن يتشبه بالأغنياء في اللباس لمجرد الشهوة أو للشهرة

- ‌ ومن تشبه الفقير المذموم بالغني: أن يتشبه به في الكبر والخيلاء

- ‌ ومن أخلاق الأغنياء المذمومة: أن مترفيهم إذا جلس بعضهم إلى بعض في مجلس أكثر فيه من الثناء على ماله وخدمه

- ‌فَصْلٌ

- ‌ أن يتشبه بهم في خشونة العيش

- ‌ تشبه الغني بالفقير المذموم

- ‌1 - فمنه: أن يتشبه بالفقير في التبذُّل والتقلُّل في المأكل والملبس

- ‌2 - ومن التشبه المذموم من الأغنياء بالفقراء:

- ‌3 - ومن التشبه المذموم من الأغنياء بالفقراء:

- ‌(6) بَابُ تَشَبُّه أهْلِ الحَضَرِ بِأِهْلِ البَدْوِ وَعَكْسِهِ

- ‌(7) بَابُ النَّهي عَنْ تَشَبُّهِ العَالِمِ باِلجَاهِلِ

- ‌الفَصْلُ الأَوَّلُ في تَشَبُّهِ العَالِمِ باِلجَاهِلِ في مُقْتَضَى الجَهْلِ

- ‌1 - فمنها: ترك طلب العلم، وترك الاستزادة منه، والرغبة عن ذلك

- ‌2 - ومنها: كتمان العلم عند الحاجة إليه

- ‌3 - ومنها: وضع العلم في غير أهله، ومنعه من أهله

- ‌4 - ومنها: ترك العمل بالعلم

- ‌5 - ومنها: التكبر بالعلم، والإعجاب به وبغيره مما يخصه

- ‌6 - ومنها: إنكار فضل ذوي الفضل، وتجهيلهم في علمهم، والإعراض عما يجيئون به من الحق مع العلم بأنه حق

- ‌7 - ومنها: أن لا يُنزل الناس منازلهم؛ كأن يكرم السفيه والوضيع من غير ضرورة، ويهين العالم والحكيم والشريف

- ‌8 - ومنها: المماراة والمجادلة بالعلم، والمناظرة بغير إظهار الحق

- ‌9 - ومنها: الدعوى لغير غرض صحيح، وتزكية النفس، والرضا عنها، واحتقار الناس دونها

- ‌10 - ومنها: أن يكون عالماً بفن من العلم، فيُطْري ذلك الفن مع الغلو في ذم غيره وذم أهله

- ‌11 - ومنها: الإجابة عن كل ما يسأل عنه إلا أن يقول: لا أعلم، أو: لا أدري فيما لا يدري

- ‌12 - ومنها: الاشتغال بما ينكره الشرع من العلوم؛ كالسحر، والفلسفة، والتوغل في المنطق، أو فيما لا فائدة فيه كالكيمياء

- ‌13 - ومنها: أن يطمع العالم فيما لا يكون، أو يشاء ما لم يشأ الله، أو يريد أن يكون ما لم يقدره الله؛ وهذا غاية الجهل

- ‌14 - ومنها: أنْ لا يخشى العالم الله تعالى، ولا يخاف منه، والاغترار به ولإملائه، ويتجرأ عليه، ويأمَن من مكره

- ‌15 - ومنها: كثرة الضحك والمزاح

- ‌16 - ومنها: أن يتجاوز إلى السخف وتضحيك الناس

- ‌17 - 22 - ومنها: ست خصال

- ‌23 - ومنها: كثرة الكلام

- ‌24 - ومنها: ما رواه البيهقي عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى قال: يقال: ما شر شيء

- ‌25 - ومنها: محبة الدنيا، وتمنيها، وتعظيمها، وإيثارها على الآخرة

- ‌26 - ومنها: إيثار الدنيا على الآخرة، والطمع في الدنيا

- ‌27 - ومنها: أن يأكل العالم بدينه

- ‌28 - ومنها: إطالة الأمل

- ‌29 - ومنها: اهتمام العالم بالبناء، وتعليته وزخرفته

- ‌30 - ومنها: كثرة الحركة في أمور الدنيا، وفيما لا يعنيه

- ‌31 - ومنها: الخبرة بأمور الدنيا

- ‌32 - ومنها: التردد إلى السلاطين والأمراء والأغنياء، وخدمتهم، والتملق لهم لأجل حصول شيء من الإرفاق

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌33 - ومنها: التلبس بالمعصية في صورة الطاعة، وقصد الطاعة بالمعصية أو في المعصية

- ‌34 - ومنها - وهو من أغلاط كثير ممن يدعي العلم والزهد -: تضييع العيال اشتغالاً بالعلم، أو بالعبادة من التطوعات

- ‌35 - ومنها: الاشتغال بحديث الدنيا، ووقائع الوقت، وتُرَّهات الزمان، وما لا يعنيه

- ‌36 - ومنها: أن يكره الذم، ويحب الحمد لغير فضيلة

- ‌37 - ومنها: العجلة، والطيش، والتهور لاسيما إذا نُمَّ إليه

- ‌38 - ومنها معاشرة الجهلاء منهم، ورعاية مودتهم

- ‌39 - ومنها: معاشرة العلماء بالجهل، والسفه، وقلة الأدب، ومعاشرة العوام بالعلم، والأدب، والاحترام

- ‌40 - ومنها: معاداة العلماء، وبغض الأولياء ولاسيما الصحابة رضي الله عنهم

- ‌41 - ومنها: أن يتتبع عورات الأقران وعيوبهم، ويطعن عليهم، فيسخر بمن دونه، ويَهْزَأ بمن فوقه

- ‌42 - ومنها: أن يكون اهتمامه حين يسأل خلاص السائل في الدنيا وإن ضر نفسه، وأتلف دينه، وضر السائل في دينه كأن يرتب للسائل حيلة

- ‌43 - ومنها: الجرأة على الفتوى، والمبادرة إليها من [غير] تثبت، والتلبيس فيها، والتكلف فيها

- ‌44 - ومنها: أن يعين صديقه أو حميمه

- ‌45 - ومنها: ترك الأفضل والمستحب

- ‌46 - ومنها: التجاوز من المكروهات إلى ارتكاب المعاصي والموبقات، وفعل المكروه مقدمة فعل المحرم

- ‌47 - ومنها - وهو من جنس ما قبله -: قطيعة الرحم، وأوغل منه في الجهل: عقوق الوالدين

- ‌48 - ومنها: الهجوم في الفتنة، وعدم النظر في العواقب

- ‌49 - ومنها: الثقة بالنفس ودعاويها

- ‌50 - ومنها: أن يحمله حب الدنيا والعيش فيها على ترك المعروف والنهي عن المنكر

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌الفَصْلُ الثَّانِي فِي تَشَبُّهِ العَالِمِ بِالجَاهِلِ في نَفْسِ الجَهْلِ

- ‌الوجه الأول: أن يقعد عن طلب الزيادة في العلم

- ‌ تَنْبِيهٌ:

- ‌الوجه الثاني من وجهي تشبه العالم بالجاهل في نفس الجهل:

- ‌ فَوائِدُ:

- ‌الفائدة الأُولَى:

- ‌الفائِدَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌الفائِدَةُ الثَّالِثَةُ:

- ‌الفائِدَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدَةُ الْخامِسَةُ:

- ‌الفائِدَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الفائِدَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الفائِدَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الفائِدَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌الفائِدَةُ العاشِرَةُ:

- ‌خَاتِمَةٌ لِهَذَا القِسْمِ

- ‌(8) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالبَهَائمِ وَالسِّبَاع وَالطَّيْر وَالهَوَام

- ‌1 - فمنها: الجهل من حيث هو

- ‌2 - ومنها: أن يكون الإنسان من حملة العلم الشريف

- ‌ لَطِيفَةٌ أُخْرى مِنْ مَشْرَبٍ آخَرَ:

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌3 - من الخصال المشار إليها: أن يكون الإنسان عالماً ولا يعمل بعلمه

- ‌ تنبِيهٌ:

- ‌4 - ومن الخصال المشار إليها: تشبه المتكثر بالعلوم التي لا تنفع

- ‌5 - ومنها: تشبه علماء السوء

- ‌6 - ومنها: تشبه قضاة السوء، وحكام السوء بالذئاب في كل أموال الناس بالباطل

- ‌7 - ومنها: تشبه علماء السوء في تكالبهم، وتهافتهم، وتغايرهم على المناصب، والولايات ونحوها بالتيوس

- ‌8 - ومنها: تشبه علماء السوء وقراء السوء في أكل بعضهم لمال بعض، وغيره بالدبدان

- ‌9 - ومنها: التشبه بالبهائم في عدم الانتفاع بالموعظة وإن سمعها

- ‌10 - ومنها: تشبه الملوك، والأمراء، والمتجوهين في قهر الناس، والشماخة عليهم، والزهو، والتكبر

- ‌11 - ومنها: تشبه الملوك، ونحوهم في طلب الدنيا

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ لَطِيفَةٌ:

- ‌ فائِدَهٌ زائِدَةٌ:

- ‌12 - ومن الخصال التي تدخل في التشبه بالبهائم والهوام: إنكار القدر

- ‌13 - ومن الخصال التي تلحق صاحبها بالبهائم:

- ‌14 - ومنها: تشبه العبد في معرفة أمور الدنيا

- ‌15 - ومنها: الغفلة عن طاعة الله تعالى اشتغالاً بالدنيا، ونحوها تشبهاً بالعير، والحمار، ونحوهما من البهائم

- ‌16 - ومنها: التشبه بالبعير، ونحوه أيضاً في الشَّراد عن الله تعالى، والإباء عن الانقياد له

- ‌17 - ومنها: التشبه بالبعير، وغيره في الطواف بلا ذكر ولا استلام

- ‌18 - ومنها: التعبد على جهل

- ‌19 - ومنها: التشبه في العجلة

- ‌20 - ومنها: الإعراض عن طلب العلم، والحكمة، والموعظة الحسنة

- ‌21 - ومن الخصال المذكورة:

- ‌22 - ومنها: التشبه بالبهائم في كثرة القيام بالليل مع اللهو، والتبسط في الشهوات، والخوض في الباطل بالنهار

- ‌23 - ومنها: التشبه بالقطرب في معانيه المذكورة أولاً، وبالكلاب

- ‌24 - ومنها: تشبه البليد في البلادة والفَهَاهَة بالحمار ونحوه من البهائم

- ‌25 - ومنها: التتابع في الشر، والتواطؤ على القبيح

- ‌26 - ومنها: تكسب الدنيا بالدين من غير مراعاة لأحكام الشريعة تشبهاً

- ‌27 - ومنها: التشبه بالبهائم في قِصَر العمر على مصالح الدنيا، وشهوات النفس دون الاشتغال بشيء من أمر المعاد

- ‌28 - ومنها: التشبه بالكلب في الذل عند الجوع

- ‌29 - ومنها: شم الطعام قبل أكله، والأولى ترك ذلك

- ‌30 - ومنها: التشبه في كثرة الأكل

- ‌ تَتِمَّةٌ:

- ‌31 - ومن الخصال المذكورة: تقصد السمن بالمآكل والمشارب

- ‌ تَنْبِيهاتٌ:

- ‌الأَوَّلُ:

- ‌ الثَّانِي:

- ‌ الثَّالِثُ:

- ‌32 - ومن الخصال المشار إليها: البطالة، والفراغ عما ينتفع به العبد في معاده، أو في معاشه

- ‌ فائِدَةٌ:

- ‌33 - ومن الخصال المذكورة: التشبه بالبهائم في الغفلة عن الموت

- ‌ تَنْبيهانِ:

- ‌الأَوَّلُ:

- ‌ الثانِي:

- ‌34 - ومن الخصال المذكورة: تشبه الإنسان في جمع الأموال، وتركها للورثة بدود القَزِّ

- ‌35 - ومنها: التشبه بالدود في ركوب البحر، والأسفار الشاقة البعيدة في طلب الدنيا

- ‌36 - ومنها: تشبه الكافر والفاجر في انشراح الصدر بالكفر أو بالمعصية

- ‌37 - ومنها: أن يتأخر الإنسان عن الانقياد إلى الحق

- ‌38 - ومنها: تشبه الناس في قتل بعضهم بعضاً عصبيةً وهوىً بالحيات، والذئاب، ونحوها

- ‌39 - ومنها: التشبه في الغدر والسطوة بجوارح السباع والطير

- ‌40 - ومنها: التشبه في السفاهة والفحش والبذاء - ولا سيما على الأكابر والعلماء

- ‌41 - ومنها: التشبه بالكلب والخنزير في التكبر

- ‌42 - ومنها: التشبه بالكلب في النظر إلى ظاهر الهيئة، واعتبار الأغنياء دون الفقراء

- ‌43 - ومنها: التشبه في أكل لحم المؤمن بالغيبة بالذي يأكل الميتة من السباع

- ‌44 - ومنها: اتفاق المتصادقين والمترافقين في غرض

- ‌45 - ومنها: التشبه بالبوم في الحسد، وتمني زوال النعمة عن من خصه الله تعالى بها بموت، أو فقد عزيز، أو خراب ديار

- ‌46 - ومنها: التشبه في الزنا بالتيس، والكلب، والقرد، والهر،وغيرها

- ‌47 - ومنها: التشبه بالبهائم في إتيان البهيمة

- ‌48 - ومنها: التشبه بالقرد في الاستمناء بشيء من بدنه

- ‌49 - ومنها: التشبه بالخنزير، والحمار، والسِّنَّور في اللواط فاعلية ومفعولية

- ‌ فائِدَةٌ:

الفصل: ‌(1) باب النهي عن تشبه العاقل بالمجانين والحمقى

(1) بَابُ النَّهي عَنْ تَشَّبُّهِ العَاقِلِ بِالمَجَانينِ وَالحَمْقَى

ص: 13

(1)

بَابُ النَّهي عَنْ تَشَّبُّهِ العَاقِلِ بِالمَجَانينِ وَالحَمْقَى

قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ (170)} [البقرة: 170].

إنما يتبعون آباءهم ولو كانوا مجانين ضُلَاّلاً.

وفيه إشارة إلى أنه لا يصلح لأن يقتدى به إلا من كان عاقلاً مهتدياً، وأن من اقتدى بمن يتصف بالجنون والضلال، وتشبه به حَرِيٌّ بالذم والإنكار عليه.

وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا (92)} [النحل: 92].

قال مقاتل، والكلبي: نزلت في امرأة خَرْقاء حمقاء من قريش يقال لها: ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب بن زيد بن مناة بن تميم، وكانت بها وسوسة، كانت تغزل الغزل من الصوف، والشعر، والوبر، وتأمر جواريها بذلك، فكنَّ يغزلن من الغداة إلى نصف النهار، فإذا

ص: 15

انتصف النهار أمرتهن بنقض جميع ما غزلنه، فهذا كان دأبَها. حكاه الثعلبي، وغيره (1).

وروى ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص، وابنُ مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه: أنها نزلت في سعيدة الأسدية، وكانت مجنونة تجمع الشعر والليف؛ أي: لتغزله وتبرمه، ثم تنقضه (2).

وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي: أنها كانت امرأة بمكة تسمى: خرقاء مكة؛ كانت تغزل، فإذا برمت غزلها تنقضه (3).

وعن قتادة في الآية قال: لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها بعد إبرامه لقلتم: ما أحمقَ هذه.

قال: وهذا مثل ضربه الله تعالى لمن نكث عهده (4).

والأنكاث: جمع نكث - بالكسر -: وهو النقض بعد الفتل، غزلاً كان أو حبلاً.

(1) انظر: "تفسير الثعلبي"(6/ 38).

(2)

انظر: " الدر المنثور" للسيوطي (5/ 162).

(3)

رواه الطبري في "التفسير"(14/ 166).

(4)

رواه الطبري في "التفسير"(14/ 166)، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (5/ 163).

ص: 16

نهى الله تعالى عن التشبه بهذه الحمقاء المختلة في نقض ما غزلته، وهدم ما بنته؛ فإنَّ فِعْلَها اشتمل على إضاعة المال، وإضاعة الزمان في غير فائدة ولا عائدة.

ولقد روى الدينوري في "المجالسة" عن خلس قال: قيل لأعرابي - وأراد الحجاج قتله -: اشهد على نفسك بالجنون.

قال: لا أكذب على ربي وقد عافاني، فأقول: قد بلاني (1).

فتأمل كيف عرض على هذا أن يشهد على نفسه بالجنون؛ أي: بأن يتجامن ويتجانن لينجو من القتل، [فآثر القتل](2) على الاتصاف بعدم العقل!

وذكر أقضى القضاة الماوردي في "أدب الدين والدنيا" عن الأصمعي قال: قلت لغلام حَدَثٍ من أولاد العرب كان يحادثني فأمتعني بفصاحته: يسرك أن يكون لك مئة ألف درهم وأنت أحمق؟

قال: لا والله.

قلت: ولم؟

قال: أخاف أن يجني عَلَيَّ حُمقي جناية تذهب بمالي، ويبقى عَلَيَّ حمقي.

قال الماوردي: فانظر إلى هذا الصبي كيف استخرج لفرط

(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 271).

(2)

ما بين معكوفتين زيادة من المحقق.

ص: 17

ذكائه، واستنبط بِجَودة قريحته ما لعله يدق على من هو أكبر منه سناً وأكثر تجرِبة (1).

ومن أول دليل على قبح التشبه بالمجانين والحمقى ما رواه ابن عدي في "كامله" عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِيَّاكُمْ وَرَضاعَ الْحَمْقاءِ"(2).

والحكمة في ذلك أن الرضاع يغير الطباع، فنهى عن إرضاع الصبي من الحمقاء لئلا يسري إليه من حمقها شيء.

ولعل التشبه بالمجانين أبلغ من سريان حالهم إلى المتشبه من الرضاع في طباع الرضيع.

ولقد قال حجة الإسلام الغزالي: لا يتجنن إلا المجنون (3).

قلت: بل المتشبه بالمجنون أسوأ حالاً منه من وجهين: الأول: أن المجنون سُلِبَ نعمة العقل فلا يطالب بشكرها، والعاقل المتشبه كفر نعمة العقل من حيث إنه لم يستعمله فيما خلق له، وهو بذلك متعرض لزوال تلك النعمة؛ فإن كفران النعم يبيدها، كما أن الشكر يفيدها ويزيدها، ولذلك قال بعض الحكماء: ما تجنن أحد قط إلا وانتهى أمره إلى الجنون.

(1) انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 8).

(2)

رواه ابن عدي في "الكامل"(2/ 360) وأعله بالحسين بن علوان، وقال: كان يضع الحديث.

(3)

انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 151).

ص: 18

والثاني: أن المجنون رفع عنه قلم التكليف فلا عقاب عليه، والمتشبه به مكلف فيعاقب بما أخل به من التكليفات بسبب التجني، فالمتجنن قد سلب حلاوة العقل في الدنيا وثوابه في الآخرة.

قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10 - 11].

والمجنون مثاب على مصيبته كالمريض، كما نص عليه الشافعي رضي الله تعالى عنه في "الأم".

وروى الشيخان عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟

فقلت: بلى.

قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف؛ فادع الله لي.

قال: "إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ يُعافِيكِ".

فقالت: أصبر (1).

والمتجنن لا يثاب على مصيبته، بل هو من أشقى الناس.

روى الطبراني في "الأوسط" عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَشْقَى النَّاسِ مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ فَقْرُ الدُّنْيا

(1) رواه البخاري (5328)، ومسلم (2576).

ص: 19

وَعَذابُ الآخِرَةِ" (1).

ومن كان فقره في عقله فهو أسوأ حالاً ممن فقره في ماله لأنه سلب أحب النعم إلى الله تعالى وهو العقل، والفقير من المال سلب الدنيا وهي أبغض خلق الله تعالى إليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقًا هُوَ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيا، وَما نَظَرَ إِلَيْها مُنْذُ خَلَقَها بُغْضاً لَها".

رواه الحاكم في "تاريخ نيسابور" عن أبي هريرة رضي الله عنه (2).

وبين الدنيا وبين الحمقى مناسبة، ومن ثم تروق لهم ما لا تروق لغيرهم، وكلما تأخر الزمان نقصت العقول، وكلما نقصت العقول توافقت الدنيا مع أربابها.

ومن ثم قال بشر بن الحارث رحمه الله تعالى: يأتي على الناس زمان لا تقر فيه عين حكيم، ويأتي على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس. نقله المبارك ابن الأثير الجزري في كتاب "المختار من مناقب الأخيار"(3).

(1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"(1887، و (9269). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(10/ 267): رواه الطبراني في "الأوسط" بإسنادين؛ في أحدهما خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، وقد وثقه أبو زرعة، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات، وفي الأخرى أحمد بن طاهر بن حرملة، وهو كذاب.

(2)

ورواه ابن أبي الدنيا في "الزهد"(1/ 41)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(10500) من حديث موسى بن يسار مرسلاً.

(3)

ورواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 46).

ص: 20

والحكمة في كون الدولة آخراً للحمقى لغلبة الحمقى على الناس، فتتوافق عقول الرعاة والرعية.

قال عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد": حدثنا أبو عبد الله السلمي قال: حدثنا بشر بن الحارث بحديث حدثني به أحمد بن حنبل عن وكيع، وغير واحد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس قال: دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده عائشة رضي الله تعالى عنها، فقالت عائشة: من هذا؟

قال: "هَذا أَحْمَقٌ مُطاعٌ".

فقال بشر: نعم، هذا من المداراة.

قال لي بشر: أَقِلَّ من مخالطة الناس، واستخفف عنهم حتى تكون عزيزًا (1).

والمعنى: أنه صلى الله عليه وسلم كان يلاطف عيينة ويداريه، وكان يكرمه ويعطيه، وهو من المؤلفة قلوبهم لكونه أحمق مطاعاً.

وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم تعليم لمن أدرك دولة الحمقى كيف يداريهم، فأما إخلاصهم المودة لأجل الدنيا والتوصل إلى مستلذاتها فغير مقبول.

والعاقل يتخلَّق بأخلاق أمثاله وأقرانه في زمانه ومكانه، فإن خالف ذلك فإما أن يكون الباعث له على المخالفة الانحطاط عن

(1) ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(25347) دون قول بشر.

ص: 21

درجة العقل، أو الانسلاخ منه بالكلية فيكون من جملة الحمقى والمجانين، وإما أن يكون الباعث عليه الفاقة والإضاقة، أو طلب مساواة الناس في الدنيا والثراء، فيرضى بالتشبه بالحمقى والْمَساخر ليثرى ويتسع رزقه، ويؤثر ذلك على العقل، وقد وقع ذلك في الناس كثيرًا حتى قيل:[من مجزوء الكامل المرفّل]

والعَيْشِ خَيْرٌ فِي خِلا

لِ النَّوكِ (1) مِمَّنْ عاشَ كَدَّا (2)

وروى الدينوري عن الأصمعي قال: سأل أعرابي عن رجل فقالوا: أحمق مرزوق، فقال: ذاك والله الكامل (3).

فلا يستفزنك شيء من ذلك على أن تخرج عن السمت اللائق بك، والزي الذي تزينت به أولاً فتكون أحمق في نفس الأمر، وفي أعين الناس يُضرب المثل بك، ألا ترى أن العالم لا ينبغي له أن يتزيا بزي الأجناد، ولا بزي السُّوقة والغوغاء؟ ولا العامي ينبغي له أن يتخلق بخلق العلماء أو الأجناد؟ وليس العالم ولا لذي الهيئة أن يأكل في الأسواق إلا أن يعتاد عدم التقيد بذلك.

وقد سَفَّه قضاة الإسلام وشيوخ العلم أنفسهم إلا من حفظ الله عليهم عقولهم فاعتادوا الآن دخول بيوت القهوة بحيث يتساوى

(1) النوك: الحمق.

(2)

البيت للحارث بن حلزة، كما "الأغاني" للأصبهاني (11/ 52).

(3)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 361).

ص: 22

القاضي والشيخ هما والسَّائس والحَمَّال والخادم في المجلس؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون!

قال العلماء: ولو اعتاد الفقيه التعمم ولباس الفرجية والطيلسان فلا ينبغي له أن يخرج بلا عمامة ولا فرجية لإخلال ذلك بمروءته ما لو لم يعتد التقيد بذلك، وينبغي أن يعتبر أحوال السلف والخلف بهذا الميزان.

وروى أبو نعيم عن الجعيد قال: سمعت عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى للسائب بن يزيد رضي الله عنه: هل رأيت أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزر بالرداء، أو يرتدي بالإزار ثم يخرج؟

قال: نعم.

قال: لو صنع اليوم ذلك أحد لقيل: مجنون (1).

نعم، تتغير أحوال الناس في الزي والملابس باعتبار اختلاف عقولهم، وما أرى الناس كما تأخرت الأزمان تختلف أحوالهم إلا بالنقص عن الكمال لتقهقرهم في العقول، فمتى استحسن الناس في زمن من الأزمنة زياً أو حالاً فلا يكون مقبولاً غير مأمون العاقبة إلا إن وافق الشرع ولم يصادم السنة، ولعل اختلال العقل يحمل الناس على دعوى أن بدعتهم سنة، واستحسانهم شريعة كما وقعت الإشارة في الحديث إلى ذلك، وعلى دعوى أن العلم

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 361).

ص: 23

ما علموه، وأن كل علم عورضوا به جهل، ومَنْ سُلِب التوفيق وقع في ذلك كله.

ومما يدل على ذم الحماقة والجنون: أن العلم لا يصلح من فسادهما شيئًا، ولا يزين العلم شيء مثل العقل ونزاهته عن الرُّعونة، حتى قال أرسطاطاليس: زيادة العلم في الرجل الأحمق كزيادة الماء في أصول الحنظل؛ كلما ازداد علماً ازداد حماقة.

ومن ثم استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم واسع (1)؛ فإنه لا ينفع إلا مع العقل.

وقيل [من الكامل]:

الْعِلْمُ لِلرَّجُلِ اللَّبِيبِ زِيادَةٌ

وَنَقِيصَةٌ لِلأَحْمَقِ الطَّيَّاشِ

مِثْلَ النَّهارِ يَزِيدُ إِبْصارَ الوَرَى

نُورًا وَيُعْشِي أَعْيُنَ الْخَفَّاشِ

* تَنْبِيهٌ:

قال ابن الأعرابي: الحماقة مأخوذة من: حمقت السوق: إذا كسدت، وكأن الأحمق كاسد العقل والرأي، فلا يُشاور، ولا يلتفت إليه في أمر حرب أو غيره (2).

قال في "الصحاح": الْحُمق والْحَمَق: قلة العقل (3).

(1) كذا في "أ"، ولعل الصواب:"لا ينفع".

(2)

انظر: "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي (ص: 22).

(3)

انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1464)(مادة: حمق).

ص: 24

وفرَّق ابن الجوزي بين الحمق والجنون بأن الحمق هو الغلط في الوسيلة والطريق إلى المطلوب مع صحة المقصود، بخلاف الجنون؛ فإنه عبارة عن الخلل في الوسيلة والمقصود جميعاً (1).

ثم ذهب أكثر الناس إلى أن الحمق غريزة، حتى قال أبو إسحاق السبيعي رحمه الله تعالى: إذا بلغك أن غنياً افتقر فصدق، وإذا بلغك أن فقيراً استغنى فصدق، وإذا بلغك أن حياً مات فصدق، وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تصدق.

وقال الأوزاعي رحمه الله تعالى: بلغني أنه قيل لعيسى عليه السلام: يا روح الله! إنك تحي الموتى؟

قال: نعم بإذن الله.

قيل: وتبرئ الأكمه والأبرص؟

قال: نعم بإذن الله.

قيل: فما دواء الحمق؟

قال: هذا الذي أعياني.

رواهما ابن الجوزي (2).

(1) انظر: "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي (ص: 22).

(2)

انظر: "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي (ص: 23).

ص: 25

وأنشد بعض الحكماء [من الخفيف]:

وَعِلاجُ الأَبْدانِ أَيْسَرُ خَطْباً

حِينَ تَعْتَلُّ مِنْ عِلاجِ الْعُقُولِ (1)

وقيل: [من البسيط]

لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ يُسْتَطَبُّ بِهِ إِلَاّ

الْحَماقَةَ أَعْيَتْ مَنْ يُداوِيها (2)

وفي معناه ما أنشده الجوهري لقيس بن الحطيم [من الوافر]:

وَداءُ الْجِسْمِ مُلْتَمِسٌ شِفاءً

وَداءُ النُّوكِ لَيْسَ لَهُ شِفاءُ (3)

والنوك - بالضم -: الحمق.

فإن قلت: إذا كان الحمق غريزة فهو لا يدخل تحت الاختيار، فكيف ينهى عن التحامق والتشبه بالحمقى؟

قلت: إنما يقع النهي عن محاكاة الأحمق في مثل فعله وزيه لا في نفس الحمق، ومن ثم لا يقال للحاكي: أحمق إلا على تأويل، بل يقال: متحامق ومتشبه، ومن الناس من سماه: أرعن؛ ذاهباً إلى أن الرعونة تتولد من معاشرة النساء وغيرهن من ضعفاء العقول، وزعم أن الأرعن في الذم أسهل من الأحمق، والأنوك، ثم المائق أبلغ من الأحمق.

قال في "الصحاح": الموق: حمق في غباوة، يقال: أحمق مائق، والجمع موقى؛ مثل: حمقى ونوكى (4)، وأقره صاحب "القاموس"(5).

(1) انظر: "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي (ص: 24).

(2)

انظر: "العقد الفريد" لابن عبد ربه (2/ 211).

(3)

انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1612)(مادة: نوك).

(4)

انظر: "الصحاح" للجوهري (4/ 1557)(مادة: موق).

(5)

انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1193)(مادة: موق).

ص: 26

والحماقة تختلف اختلافًا كثيرًا كالجنون، وكما قيل: الجنون فنون، والحماقة أيضًا فنون وألوان لا تكاد تنضبط.

قال أبو بكر النقاش: قيل لإبراهيم النظام: ما حد الحمق؟

قال: سألتني عما ليس له حد. رواه الخطيب، وغيره (1).

(1) انظر: "أخبار الحمقى والمغفلين" لابن الجوزي (ص: 25).

ص: 27

فَصْلٌ

اعلم أن الجنون تارة يقع به الاختلال في أمور الدنيا، وتارة في أمور الآخرة.

فأما الأول: فهو أن الجنون قد يغلب عليه الخوف والحزن، فلا يلتفت إلى نعيم الدنيا، فربما ترك النساء ولم يلتفت إليهن، وربما أعرض عن أكل الخشكنان (1)، وأكل خبز الخشكار (2)، وربما ترك شم الرياحين، ونام في مجتمع القمامات والسراجين.

وقد يغلب عليه الأنس والطرب، فيموت ولده ولا يحزن، وَيخْرَب بيته ولا يهتم، ويذهب ماله ولا يتأثر، ويصفع عنقه ولا يغضب، وتتوالى عليه المصائب ولا يضجر، ولا يوحشه من غاب، ولا يؤنسه من حضر؛ فهذه الأحوال قد يحسن التوصل إليها والتخلق بها من العقلاء، لا من حيث تصدر من المجانين، بل من

(1) الخشكنان: فارسي وهو خبزة تصنع من خالص دقيق الحنطة، وتملأ بالسكر واللوز أو الفستق وتقلى.

(2)

الخشكار: فارسي وهو الخبز الأسمر غير النقي.

ص: 28

حيث النظر في العواقب؛ فإن التلذذ بالدنيا على وجه الغفلة قد يمنع من لذة الآخرة أو بنفعها، والاشتغال بالدنيا ونعيمها ليس من العقل في شيء إلا من حيث الاستعانةُ بها على الآخرة، وذلك بأن يستكثر العاقل من ذكر الموت، والبعث والنشور، والسؤال والحساب، والقصاص في الآخرة، وذكر عظمة الله تعالى وسطوته حتى يخاف، ويرهب ويحزن على ما فات من عمره في غير الطاعة، فتغلب عليه هذه الأحوال حتى تمنعه عن الالتفات إلى نعيم الدنيا، والتمتع بالنساء، والتقلب في الأموال والملابس، والمطاعم والمشارب، وسائر الملاذ، وهذا حال عقلاء المجانين وكثير من أولياء الله تعالى.

روى أبو عبيد القاسم بن سلام عن سليمان بن سُحيم قال: أخبرني من رأى ابن عمر رضي الله عنه يصلي وهو يترجح ويتمايل ويتأوه، حتى لو رآه غيرنا ممن يجهله لقال: لقد أصيب الرجل، وذلك لذكر النار إذا مر بقوله تعالى:{وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ} [الفرقان: 13] ، أو نحو ذلك (1).

وروى الدينوري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن الفتى الذي كلم أيوب عليه السلام في بلائه قال له: يا أيوب! أما علمت أن لله عباداً أسكتتهم خشية الله من غير عِي ولا بَكَم، وإنهم لهم النبلاء الطلقاء، الفصحاء العالمون بالله وبأيامه، ولكنهم إذا ذكروا

(1) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن"(1/ 159).

ص: 29

عظمة الله تقطعت قلوبهم، وكَلَّت ألسنتهم، وطاشت عقولهم فَرَقاً من الله وهيبته (1).

وعن ذي النون رحمه الله تعالى قال: إن لله عباداً نصبوا أشجار الخطايا نصب روانيق القلوب، وسَقَوها بماء التوبة، فأثمرت ندماً وأحزاناً، فجَنُّوا من غير جنون، وتبلَّدوا من غير عي ولا بكم، وإنهم لهم الفصحاء البلغاء، الدرباء العارفون بالله عز وجل، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وبأمر الله تعالى (2).

وروى أبو نعيم عن الحسن رحمه الله تعالى قال: إن عباداً كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، قلوبهم محزونة، وسرورهم مأمونة، حوائجهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أياماً قصاراً تعقب راحة طويلة، أما الليل فصافَّة أقدامهم، تسيل دموعهم على خدودهم، فيجأرون لبارئهم؛ ربَّنا ربَّنا، وأما النهار فحلماء علماء، بررة أتقياء، كأنهم القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم مرض، أو خولطوا ولقد خالط القوم من ذكر الآخرة أمرٌ عظيم (3).

وقال أبو سعيد الخراز رحمه الله تعالى: لقيت مرة شيخاً متظاهراً

(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 179).

(2)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 53).

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 151).

ص: 30

بالجنون فناديته: قف يا مجنون، فالتفت إلي، وقال لي: أتدري من المجنون؟

فقلت: لا.

فقال: المجنون من يخطي خطوة ولم يذكر الله تعالى (1).

وروى ابن جهضم عن ذي النون رحمه الله تعالى قال: قلت لفليح المجنون: ما الذي جنَّنك وأذهب عقلك؟

فقال لي: لما طال حبسي في الدنيا صرت مجنوناً لخوف فراقه.

وروى الدينوري عن ابن أبي فديك رحمه الله تعالى قال: كان هاهنا بالمدينة في سنة سبع وثمانين رجل يكنى: أبا نصر بن جهينة، ذاهب العقل في غير ما الناس فيه، لا يتكلم في شيء من أمر الدنيا، وكان يجلس مع أهل الصفة في آخر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إذا سئل عن الشيء أجاب جواباً معجباً حسناً.

قال ابن أبي فديك: فأتيته يوماً وهو مع أهل الصفة منكِّساً رأسه، واضعاً جبهته بين ركبتيه، فجلست إلى جنبه، فحركته، فانتبه، فأعطيته شيئاً كان معي، فأخذه، وقال: قد صادف منا حاجة.

فقلت له: يا أبا نصر! ما الشرف؟

فقال: حمل ما ناب العشيرة أدناها وأقصاها، والقبول من محسنها، والتجاوز عن مسيئها.

(1) انظر: "الطبقات الكبرى" للشعراني (ص: 133).

ص: 31

قلت: فما المروءة؟

قال: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وتوقي الأدناس، واجتناب المعاصي صغيرها وكبيرها.

قلت: فما السخاء؟

قال: جهد المقل.

قلت: فما البخل؟

قال: أُفٍّ، وحوَّلَ وجهه عني.

فقلت: إنه لم تجبني بشيء.

قال: بل قد أجبتك.

قال ابن أبي فديك: وقدم هارون أمير المؤمنين، فأحب أن ينظر إليه، فلما أتاه هارون حرك أبا نصر بيده، فرفع رأسه وهارون واقف، فقيل له: يا أبا نصر! هذا أمير المؤمنين واقف عليك.

فرفع رأسه إليه فقال: أيها الرجل! إنه ليس بين الله وبين أمة نبيه صلى الله عليه وسلم خلق غيرك، وإن الله سائلك، فأَعِدَّ للمسألة جواباً، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لو ضاعت سخلة على شاطئ الفرات لخاف عمر أن يسأله عنها.

فبكى هارون وقال: يا أبا نصر! إن رعيتي ودهري غير رعية عمر ودهره.

فقال له أبو نصر: هذا والله غير مغنٍ عنك، فانظر لنفسك؛ فإنك

ص: 32

وعمر تسألان عما خَوَّلَكُما الله تعالى فيه.

ثم دعا هارون بِصُرَّة فيها مئة دينار فقال: ادفعوها إلى أبي نصر.

فقال: وهل أنا إلا رجل من أهل الصفة؟ ادفعوها إلى فلان يفرقها بينهم ويجعلني رجلاً منهم (1).

وروى أبو نعيم عن أبي مسلم الخولاني رحمه الله تعالى: أنه كان يرفع صوته بالتكبير حتى مع الصبيان، ويقول: اذكروا الله حتى يقول الجاهل: إنك مجنون (2).

وروى أبو نعيم عن إسحاق بن خلف قال: قال سفيان رحمه الله تعالى لشاب يجالسه: أتحب أن تخشى الله حق خشيته؟

قال: نعم.

قال: أنت أحمق؛ لو خفته حق خوفه ما أديت الفرائض (3).

معناه: أنه كان يتبلبل عقله من شدة الخوف فلا يهتدي إلى تأدية الفرائض.

ومن أحسن ما قيل في وصف أولياء الله تعالى [من الكامل]:

فَهُمُ الَّذِينَ تَجَنَّبوا الأَشْغالا. . . بَذَلُوا النُّفُوسَ وَأَنْفَقُوا الأَمْوالا

تَرَكُوا النِّساءَ كَأَنَّهُنَّ أَرامِلٌ. . . قَبْلَ الْمَماتِ وَأَيْتَمُوا الأَطْفالا

(1) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 169).

(2)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(2/ 124).

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(7/ 20).

ص: 33

وَتَجَوَّعوا وَتَعَطَّشوا وَتَضَمَّروا

طَلَبَ السِّباقِ وَخَفَّفوا الأَثْقالا

وَتَغَرَّبوا وَتَعَزَّبوا عَنْ أَهْلِهِمْ

حَذَرَ الفَواتِ وَفَكَّكوا الأَغْلالا

فَطَمُوا عَنِ الدُّنْيا نُفوساً طالَما

كانَتْ تَتِيهُ عَلى النَّعِيمِ دَلالا

خافُوا البَياتَ فَشَمَّروا بِعَزِيْمَةٍ

طَلَبَ النَّجاةِ وَكابَدوا الأَهْوالا

حَتَّى إِذا بَلِيَتْ ضَنًى أَجْسامُهُمْ

وَهَوى شُجوناً فِي الْهَوى

وَرَدوا جَنابَ مَلِيكِهِمْ فَحَباهُمُ

زَيْناً يَفُوقُ الفَرْقَدَيْنِ مِثالا (1)

وقد يكثر العاقل الفكر في سعة رحمة الله تعالى وكثرة عفوه، ويذكر لطفه بكثير من خلقه ورأفته بهم، فيغلب عليه الرجاء والفرح بفضل الله تعالى، فلا ينزعج بشيء من مصائب الدنيا، ولا يحزن على شيء فاته منها؛ خصوصاً إذا اطلع على ما أعده الله تعالى للصابرين من الأجر العظيم والثواب الكثير، وذلك عن ذوي الدنيا معدود في أحوال المجانين المولهين في الله تعالى، وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم:"اذْكُرِ اللهَ حَتَّى يَقُولُوا: مَجْنُونٌ". رواه الإمام أحمد، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم وصححاه، عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه (2).

وروى أبو نعيم عن عصام بن يزيد قال: ربما كان يأخذ سفيان رحمه الله تعالى في التفكر فينظر إليه الناظر، فيقول: مجنون (3).

(1) انظر: "التذكرة في الوعظ" لابن الجوزي (ص: 52).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 392).

ص: 34

وكذلك لو غضب الإنسان لله تعالى لمشاهدة منكر في الدين، فاضطربت أحواله، وتبلبلت أقواله حتى صار في مثل حال المجانين؛ فإنه محمود على هذه الحالة ويثاب عليها.

روى ابن أبي شيبة عن أبي سلمة رحمه الله تعالى قال: لم يكن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متحرفين ولا متهاونين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحدهم على شيء من أمر دينه دارت حَمَاليق عينيه كأنه مجنون (1).

وروى ابن عساكر عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قَلِيلُ التَّوْفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ العَقْلِ، وَالعَقْلُ فِي أَمْرِ الدُّنْيا مَضَرَّة، وَالعَقْلُ فِي أَمْرِ الدِّينِ مَسَرَّةٌ"(2).

ومقتضاه أن العبد إذا حمله التوفيق على إنكار المنكر - ولو أخل إنكاره بشيء من أحواله الدنيوية المستحسنة عقلاً عند أهل الدنيا - فلا بأس عليه، بل هو على خلق محمود وخير موجود.

ومن غلب عقله في الدين على عقله في الدنيا لمطالعة أسرار الملكوت ظهرت محاسنه، وتميز بها على أهل الدنيا، وظهر حسن فهمه، وصحة نظره كما روى الدينوري عن إبراهيم بن حبيب قال:[سمعت أبا نعيم يقول]: مر أبو الديك - وكان معتوهاً - بمعلم كتاب

(1) تقدم تخريجه، وعنده:"متماوتين" بدل "متهاونين".

(2)

رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(60/ 349).

ص: 35

[جبانة كندة](1) وهو ينشد [من الكامل]:

إِنَّ الصَّنِيعَةَ لا تَكُونُ صَنِيعَةً

حَتَّى يُصابَ بِها طَرِيقُ الْمَصْنعِ

فقال له أبو الديك: كذبت، لا يكون المعروف معروفاً حتى يصرف في أهله وفي غير أهله، ولو كان لا يصرف إلا في أهله كنت لا ينالني منه شيء (2).

وعن حفص بن غياث قال: مررت بطاق المحاملي، فإذا أنا بعليان المجنون جالس، فلما جزته سمعته يقول: من أراد سرور الدنيا وحزن الآخرة فليلتمس ما هذا فيه.

قال: فو الله لتمنيت أني كنت مت قبل أن ألي القضاء (3).

وربما غلب الوجد على أهل الله تعالى والوَلَه حتى يغيبوا عن وجودهم، فتبدو منهم أفعال وأحوال لو صدرت عن أحد وهو مشاهد العقل والإحساس بين أيديهم لحكموا عليه أنه خرج عن حد العقل، وألحقوا تلك الأفعال بأحوال المجانين كالرقص، والدوران، وتخريق الأثواب، وهي حالة شريفة علامة صحتها أن تحفظ على صاحبها أوقات الصلوات، وسائر الفرائض، فترد عليهم فيها عقولهم، وهذا حال جماعة من أولياء الله تعالى منهم: أبو بكر الشبلي، وأبو الحسين

(1) بياض في "أ" و"ت"، والمثبت من "المجالسة".

(2)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 170).

(3)

رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم"(ص: 170).

ص: 36

النوري، وسمنون المحب، وبهلول، وأمثالهم.

وروى أبو الفرج بن الجوزي في "صفة الصفوة" عن فتح بن شحرف رحمه الله تعالى قال: كان سعدون صاحب المحبة لله عز وجل وصلَ صيام ستين سنة حتى خف دماغه، فسماه الناس مجنوناً لتردد قوله في المحبة، قال: فغاب عنا زماناً، فبينا أنا قائم على حلقة ذي النون رأيته عليه جبة صوف وعليها مكتوب: لا تباع ولا تشترى، فسمع كلام ذي النون، ثم أنشأ يقول [من الطويل]:

وَلا خَيْرَ فِي شَكْوى إِلَى غَيْرِ مُشْتَكَى

وَلا بدَّ مِنْ شَكْوى إِذا لَمْ يَكُنْ صَبْرُ (1)

وروى الخطيب عن الأصمعي قال: مررت بسعدون المجنون فإذا هو جالس عند رأس سكران، فقلت له: ما باله؟

فقال: إنه مجنون.

فقلت له: أنت مجنون أو هو؟

فقال: لا، بل هو.

قلت: من أين قلت ذاك؟

قال: لأني صليت الظهر والعصر جماعة، وهو لم يصل جماعة ولا فرادى.

(1) رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(2/ 513)، وكذا أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 371).

ص: 37

فقلت له: فهل قلت في ذلك شيئاً؟

فأنشا يقول [من المتقارب]:

تَرَكْتُ النَّبِيذَ لأَهْلِ النَّبِيذِ

وَأَصْبَحْتُ أَشْرَبُ ماءً قراحا

لأَنَّ النَّبِيذَ يُذِلُّ العَزِيزَ

وَيَكْبُو الوُجُوهَ النِّضارَ الصِّباحا

فَإِنْ كانَ ذا جائِزاً لِلشَّبابِ

فَما العُذْرُ فِيهِ إِذا الشَّيْبُ لاحا (1)

وروى ابن جهضم عن سَرِي السَّقَطي رحمه الله تعالى قال: خرجت يوماً إلى المقابر، فرأيت بهلولاً رحمه الله تعالى قد دلى رجليه في قبر يعبث بالتراب، فقلت له: أي شيء تصنع هاهنا؟

فقال: أنا عند قوم لا يؤذونني، وإن غبت عنهم لا يغتابوني.

فقلت له: لا تكون جائعاً؟

فولى، وأنشأ يقول:[من الطويل]

تَجَوَّعْ فإِنَّ الْجُوعَ مِنْ عَلَمِ التَّقي

وَإِنَّ طَويلَ الْجُوعِ يَوماً سَيَشْبَعُ

فقلت له: إن الخبز قد غلا.

فقال: والله ما أبالي ولو بلغت حبة بمثقال؛ علينا أن نعبده كما أمر، وعليه أن يرزقنا كما وعد.

ثم ولى، وهو يقول [من الرمل]:

(1) انظر: "صفة الصفوة" لابن الجوزي (2/ 515).

ص: 38

أُفِّ لِلدُّنْيا فَلَيْسَتْ لِي بِدارٍ

إِنَّما الرَّاحَةُ فِي دارِ القَرارِ

أَبَتِ السَّاعاتُ إِلَاّ فُرْقَةً

فِي بِلى جِسْمِي بِلَيْلٍ أَوْ نَهارِ (1)

وذكر اليافعي في "روض الرياحين" عن بعضهم قال: رأيت الشبلي قائماً يتواجد وقد خرق ثوبه، وهو يقول [من المديد]:

شَقَقْتُ ثَوبِي عَلَيْكَ شَقَّا

وَما لِثَوبِي أَرَدْتُ حَقَّا

أَرَدْتُ قَلْبِي فَصَادَفَتْهُ

يَدايَ بِالْجَيبِ إِذ يُوَقَّى

لَوْ كانَ قَلْبِي مَكانَ جَيْبِي

لَكانَ لِلشَّقِّ مُسْتَحِقَّا

وروى الرافعي في "أماليه" - بسنده - أن سمنون كان جالساً على الشط وبيده قضيب يضرب به فخذه وساقه حتى تبدد لحمه، وهو يقول [من السريع]:

كانَ لِي قَلْبٌ أَعِيشُ بِهِ

ضاعَ مِنِّي فِي تَقَلُّبِه

رَبِّ فَارْدُدْهُ عَلَيَّ فَقَدْ

ضاقَ صَدْرِي فِي تَطَلُّبِه

وَأَغِثْ ما دامَ لِي رمْقٌ

يا غِياثَ الْمُسْتَغِيثِ بِه (2)

وروى ابن الجوزي عن أبي بكر الشبلي رحمه الله تعالى قال: رأيت يوم الجمعة سمنون عند جامع الرصافة عرياناً، وهو يقول: أنا

(1) ورواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(2/ 517)، ورواه البيهقي في "الزهد الكبير" (ص: 260) بمعناه مع بعض الاختلاف.

(2)

ورواه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 160).

ص: 39

مجنون الله، أنا مجنون الله.

فقلت: لم لا تدخل الجامع، وتتوارى وتصلي؟ فأنشأ يقول [من الطويل]:

يَقُولُونَ زُرْنا وَاقْضِ واجِبَ حَقِّنا

وَقَدْ أَسْقَطَتْ حالِي حُقُوقَهُمُ عَنِّي

إِذا هُمْ رَأَوْا حالِي وَلَمْ يَأْنَفُوا لَها

وَلَمْ يَأْنَفُوا مِنْها أَنِفْتُ لَهُمْ مِنِّي (1)

وأنشد الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد الزهري الشافعي مفتي دمشق معتذراً عن كشف رؤوس الفقراء في الذكر [من الطويل]:

يَلومُوننِي فِي كَشْفِ رَأْسِي وإِنَّني

لَمُعْتَرِفٌ أَنِّي عَلى ذاكَ أُوجَرُ

لِقَصْدِي بِهِ إِظْهارَ ذِلَّتِيَ الَّتِي

هِيَ الْمَقْصِدُ الأَسْنَى لِمَنْ يَتَبَصَّرُ

فأما من أظهر هذه الأحوال تعمداً للتوصل إلى الدنيا، أو ليعتقده الناس ويتبركوا به، أو لنحو ذلك، ففعله هذا من أقبح الذنوب المُهْلِكات، والمعاصي الموبقات.

(1) رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة"(2/ 519).

ص: 40

وقد روى عبد الله ابن الإمام أحمد عن أبي عمران الجوني قال: وعظ موسى عليه السلام قومه، فشق رجل منهم قميصه، فقيل لموسى عليه السلام: قل لصاحب القميص لا يشق قميصه ليشرح لي عن قلبه (1).

وربما حملته محبة الدنيا كثيراً من المتصوفة على صرف الهمة في التأنق بهذه الأحوال، والدخول في طلبها في كل باب وَلَهاً بالدنيا وولعاً بها، وهم يظهرون التولُّه في الله تعالى، ومن وصل في طلب الدنيا إلى هذه الحالة فهو أسوأ حالاً من المجانين حقيقة، وأوغل في الشرك ممن طلب الدنيا بالدُّفِّ والمزمار.

وقد روى الإمام أحمد في "الزهد"، وأبو نعيم من طريقه عن فرات ابن سلمان، [أن] أبا الدرداء رضي الله تعالى عنه كان يقول: ويل لكل جَمَّاع فاغرٍ فاهُ كأنه مجنون، يرى ما عند الناس ولا يرى ما عنده، لو يستطيع لوصل الليل بالنهار، ويله من حساب غليظ وعذاب شديد (2)!

* تَنْبِيهٌ:

روى أبو نعيم عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول: لو أن رجلاً عاقلاً تصوَّف لم يأت الظهر

(1) رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"(ص: 87).

(2)

رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"(ص: 143)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 217).

ص: 41

حتى يصير أحمق (1).

قلت: كثيراً ما كنت أحسب أن الشافعي رضي الله عنه أراد بذلك ذم التصوف كما فهمه من كلامه غير واحد، ثم ظهر لي أنه لا يريد الذم لأن العاقل لا يدخل في باب إلا خرج من عُهدة ما فيه، والتصوف إذا أريد به التعبد وتطهير القلب من الأخلاق الذميمة، وتبديل الأخلاق الجميلة بها، والتأدب بآداب الشريعة فلا ينبغي ذمه أصلاً.

وإنما أراد الشافعي رضي الله تعالى عنه أن العاقل إذا تصوف رفض الدنيا، ولم يعبأ بها، وآثر زيَّ الفقراء، وغلب عليه الحب والوَلَه، وخوف العاقبة، فتبدو عليه أحوال هي عند أهل الدنيا من صفات المجانين، وسمات الحمقى والمغفلين، وذلك على حد قوله صلى الله عليه وسلم:"أكثِرُوا ذِكْرَ اللهِ حَتَّى يَقُولُوا: مَجْنُونٌ"(2).

فقول الشافعي: حتى يصير أحمق معناه: حتى يرى الناس أنه أحمق.

* تَنْبِيهٌ آخَرُ:

روى البزار عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْه"(3).

(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 142).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

ورواه ابن عدي في "الكامل"(3/ 313) وقال: بهذا الإسناد منكر، والقضاعي في "مسند الشهاب"(989)، و (990)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1368).

ص: 42

وروى البيهقي في "الشعب" عن أبي عبد الرحمن السلمي رحمه الله تعالى - مرسلاً - قال: سئل أبو عثمان عن قوله: "أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْه"، [فقال: الأبله] في دنياه الفقيه في دينه (1).

وقال الأوزاعي في الحديث: هو الأعمى عن الشر، البصير بالخير (2).

وقال سهل بن عبد الله: هم الذين ولهت قلوبهم وشغلت بالله (3). رواهما البيهقي أيضاً.

وقال الجوهري: يعني: البله في أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها، وهم أكياس في أمر الآخرة.

قال الزبرقان بن بدر: خير أولادنا الأبله العقول؛ يريد أنه لشدة حيائه كالأبله، انتهى (4).

هذا الحديث قاضٍ بمدح العقل والذكاء في الدين، والبَلَه والتعقل في أمور الدنيا، وهو مؤيد لما ذكرناه.

وفي حديث أبي الدرداء المتقدم: "قَلِيلُ التَّوفِيقِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ العَقْلِ"؛ أي: الدهاء، والعقل في أمر الدنيا مضرة، والعقل في أمر الدين مسرة.

(1) رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(1371).

(2)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(1375).

(3)

رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(1369).

(4)

انظر: "الصحاح" للجوهري (6/ 2227)(مادة: بله).

ص: 43

وأما الثاني: وهو وقوع الإخلال بالجنون في أمور الآخرة؛ فإن المجنون لا يتصور اللذة فيطلبها، ولا الشدة فيتجنبها، فلو تصور ألم العقاب لكان ربما لا يعمل معصية ولا يرتكب قبيحة، ولو تصور لذة الثواب لكان ربما لا يدع فريضة ولا يفوت فضيلة، ولكنه لا يتصور شيئاً من ذلك، ولهذا رفع عنه التكليف؛ إذ لا يهتدي إلى صلاة، ولا صيام، ولا صدقة، ولا يخرج من عهدة طاعة أصلاً، وقد تراه يصلي ويتكلم، أو يحدث في صلاته، أو يقطعها متى خطر له، أو يزيد فيها، وقد ينوي الصبح في وقت العشاء، وعكسه، وربما صفع أباه، أو بطش بسلطانه، وبمن لم يوده، وربما وقع على غير أهله، وكشف عن سوءته في ملأ الناس، ومزَّق أثوابه، وأتلف ماله أو مال غيره، وربما كسر الآنية، وأهلك الأمتعة، إلى غير ذلك من القبائح.

فتشبه العاقل به في ذلك أو في شيء منه غير سائغ ولا جائز؛ لأن المجنون يسامح في ذلك إلا لما لم يكن عقل يعقل به قبح هذه الأمور ومقاصدها، ويتعرف به ما يحمد عاقبته من أفعاله، وما تذم عاقبته في الدار الآخرة.

وأما العاقل فإنه يعقل ذلك كله، فلا عذر له في فعل شيء من ذلك، فمن تابع هواه في شيء تذم عاقبته، وأعرض عن مقتضى العقل فهو ملحق بالمجانين من حيث إنه لم ينتفع بالعقل، ولكنه غير معذور كما يعذر المجانين لأن له عقلاً.

ومن ثم أطلق الحكماء اسم الجنون على كل وصف حمل صاحبه

ص: 44

على ما لا تحمد عاقبته خصوصاً المعاصي كالشباب والعشق، ومن هنا سمي مجنون ليلى مجنوناً.

وروى الخرائطي في كتاب "اعتلال القلوب" عن زيد بن خالد الجهني رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشَّبابُ شُعْبةٌ مِنَ الْجُنونِ، وَالنِّساءُ حبالَةُ الشَّيْطانِ"(1).

ورواه القضاعي في "مسند الشهاب" من حديث عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه (2).

وقال الشاعر: [من الخفيف]

إِنَّ شَرْحَ الشَّبابِ وَالشَّعَرَ الأَسْـ

وَدَ ما لَمْ يُعاصَ كانَ جُنوناً

وأنشد ابن قتيبة في "عيون الأخبار": [من البسيط]

قالَتْ شَهِدْتُكَ مَجْنُوناً فَقُلْتَ لَها

إِنَّ الشَّبابَ جُنونٌ بُرْؤُهُ الْكِبَرُ (3)

وهذا البيت لأبي عبد الرحمن محمد بن عبيد الله العتبي البصري الشاعر المشهور، وقبله:

(1) رواه الخرائطي في "اعتلال القلوب"(1/ 208)، وكذا القضاعي في "مسند الشهاب"(116).

(2)

رواه القضاعي في "مسند الشهاب"(54) لكن عن عائشة رضي الله عنها.

(3)

انظر: "عيون الأخبار" لابن قتيبة (ص: 256)، وعنده:"عهدتك" بدل "شهدتك".

ص: 45

لَمَّا رَأتنِيَ سَلْمى قاصِراً بَصَرِي

عَنْها وَفِي الطَّرْفِ عَنْ أَمْثالِها

ذكره القاضي شمس الدين خلكان في "تاريخه"(1).

وروى ابن أبي الدنيا عن عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنه قال: ليس العاقل الذي يتحيَّل في الأمر الذي يقع فيه حتى يخلُص منه، ولكن العاقل الذي يتوقى الأمور حتى لا يقع فيها (2).

قلت: ومن ثم قال الشافعي رحمه الله تعالى: لا يدخل في الوصية أحمق أو لص. رواه أبو نعيم في "الحلية"(3).

ومن هذا القبيل - أعني: عدم النظر في العواقب - الذي هو من أحوال الحمقى والنوكى أن يكون الإنسان كامل الشهوة، واجداً لطَول الزوجة، ولا يتزوج.

روى عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قال لرجل: أتزوجت؟

قال: لا.

قال: إما أن تكون أحمق، وإما أن تكون فاجراً (4).

وروى هو وابن أبي شيبة عن إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي

(1) انظر: "وفيات الأعيان" لابن خلكان (4/ 399).

(2)

ورواه ابن أبي الدنيا في "العقل وفضله"(ص: 59).

(3)

ورواه ابن القيسراني في "المؤتلف والمختلف"(ص: 103).

(4)

رواه عبد الرزاق في "المصنف"(10383).

ص: 46

طاوس رحمه الله تعالى: لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر رضي الله تعالى عنه لأبي الزوائد: ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور (1).

ومن هذا القبيل أيضاً ما رواه الثعلبي عن شريح الكعبي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتموني أتصدق بشر ما عندي فاكووني - أي: داووني بالكَي - فإني مجنون (2).

وذلك لأن المتصدق يدخر الصدقة لنفسه في آخرته، والذي يأكل ويلبس ويتمتع به في الدنيا يبليه ويفنيه، والذي يدعه حتى يموت يتركه لغيره، وتبقى تبعته عليه، ومن يدخر لنفسه الأدنى والأردى، ويُتلف الجيد أو يدعه لغيره أقرب شيء إلى الجنون.

ومن ذلك ما ذكره المزي في "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" في ترجمة أبي مُسهر عبد الأعلى بن مُسهر عن يحيى بن معين رحمه الله تعالى قال: إن الذي يحدث بالبلد وبها من هو أولى منه بالحديث أحمق؛ إذا رأيتني أحدث ببلدة فيها أبو مسهر فينبغي للحيتي أن تحلق (3).

ووجه ذلك أن من حدث، أو أفتى في بلدة فيها أعلم منه، أو أحفظ لا يأمن أن يكون عاقبة أمره أن يخطأ من قبل من هو أعلم منه لإخلاله بشرط في الرواية، أو قيد في المسألة.

(1) رواه عبد الرزاق في "المصنف"(10384)، وابن أبي شيبة في "المصنف"(15910).

(2)

رواه الثعلبي في "التفسير"(2/ 270).

(3)

انظر: "تهذيب الكمال" للمزي (16/ 374).

ص: 47