الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
يجوز ويحسن أن يتولى الإنسان تأديب ولده وتعليمه بنفسه، لكن إذا دفع ولده إلى مؤدب أو معلم غيره كان ذلك أنفع له، وأقرب إلى أن يخاف الصبي منه؛ لأنه لا يخاف من أبيه ما يخاف من المؤدب والمعلم، لأنه يَعْهَد من والده من المودة والشفقة والتنزل إلى عقله بخلاف المؤدب والمعلم.
وقد روى أبو نعيم عن المزني قال: سمعت الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول: لولا أن الله تعالى أعان على عرامة الصبيان مخافة المؤدبين ما انكسرت (1).
وليختر الإنسان لولده معلماً دَيِّناً، عفيفاً، صالحاً، ملازماً للصلاة في أول وقتها، وَقوراً لا يمازح الصبيان، ولا يحادثهم بغير التعليم؛ فإنهم يقتدون بأفعاله أكثر مما يستفيدون من أقواله.
روى اللالكائي في "السنة" عن أيوب رحمه الله تعالى قال: إن
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 140).
من سعادة الحدث والأعجمي أن يوفقهما الله تعالى للعالم من أهل السنة (1).
وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه لمؤدبِ أولاد الرشيد وقد التمس منه أن يوصيه، فأقبل عليه فقال له: ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاحك نفسك؛ فإنَّ أعينَهم معقودة بعينك، فالحَسَن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تستقبحه، علِّمهم كتاب الله ولا تكرههم عليه، ولا تتركهم منه فيهجرونه، ثم رَوِّهم من الشعر أعَفَّهُ ومن الحديث أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى غيره حتى يحكموه؛ فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم. رواه أبو نعيم (2).
ومن اللطائف: ما رواه أيضًا عن شريح القاضي رحمه الله تعالى: أنه كان له ولد يدع الكتاب ويُهارش الكلاب، فدعا بقرطاس ودواة، وكتب إلى مؤدبه:[من الكامل]
تَرَكَ الصَّلاةَ لأَكْلُبٍ يَسْعَى بِها
…
طَلَبَ الْهراشَ مَعَ الغُواةِ الرُّجَّسِ
فَإِذا أَتاكَ فَخُصَّهُ بِمَلامَةٍ
…
وَعِظَنْهُ مَوْعِظَةَ الأَدِيبِ الأَكْيَسِ
وَإِذا هَمَمْتَ بِضَرْبِهِ فِبِدِرَّةٍ
…
وَإِذا ضَرَبْتَ بِها ثَلاثاً فَاحْبِسِ
وَاعْلَمْ بِأَنَّكَ ما أَتيَتَ فَنَفْسُهُ
…
مَهْما يُجْرِ عَنَّي أَعَزُّ الأَنْفُسِ (3)
(1) رواه اللالكائي في "اعتقاد أهل السنة"(1/ 60).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 147).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 137).