الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك حال من يفيد مسألة في حضرة من هو أعلم منه بها، أو يخبر بخبر في حضرة من أخبره به، وحال من يتكلم في أمرٍ غيرُه أولى بالتكلم فيه لتقدمه عليه في سن، أو معرفة، أو شرف.
1 - ومن أحوال الحمقى، والمجانين: الكبر، والعجب، والخيلاء، والإعجاب بالرأي
.
وذلك يوجب ما ذكرناه آنفاً من التكلم بحضرة من هو أولى منه بالتكلم.
والمرء قد يخرج بهذه الصفات عن طباع العقلاء في لباسهم، وحليتهم، ومشيهم، وكلامهم.
وفي قوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء: 37] إشارةٌ إلى ذلك؛ لأن من مشى هذه المشية، فكأنه صار له خرق الأرض أو مطاولة الجبال، وهذا مما لا يكون، ومحاولة ما لا يكون جنون.
وقال محمد بن علي الباقر رحمه الله تعالى: ما دخل قلبَ امرئ شيءٌ من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله (1) من ذلك قل ذلك أو كثر. رواه أبو نعيم (2).
وحكي أن قومًا مشوا خلف علي رضي الله عنه فقال: [كفُّوا] عني خفق
(1) في "أ" و"ت": "مثله، والظلم" بدل "مثل ما دخله".
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(3/ 180).
نعالكم؛ فإنها مشغلة لقلوب نوكى الرجال (1).
وروى أبو نعيم عن عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله تعالى: أنه قام يوماً من مجلسه وتبعه الناس، فقال: يا قوم! لا تطؤوا عقبي، ولا تمشوا خلفي.
ووقف فقال: حدثنا أبو الأشهب عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: إن خفق النعال خلف الأحمق قلَّ ما يبقي من دينه (2).
وقال بعض القدماء: في العجب بالنعمة تهجين العقل، والعجب مأفون، أي: أحمق.
وقال آخر: ما يعجب إلا امرؤ ليس له عقل ولا دين.
وقال الماوردي في "أدبه": وحكي عن عمر بن حصن: قيل للحجاج: كيف وجدت منزلك بالعراق؟
قال: خير منزل لو كان الله تعالى بلغني أربعة، فتقربت إليه بدمائهم.
قيل: ومن هم؟
قال: مقاتل بن مسمع: ولي سجستان فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما عزل دخل مسجد البصرة، فبسط الناس له أرديتهم،
(1) رواه الدارمي في "السنن"(534).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 12).
فمشى عليها، وقال لرجل يماشيه: لمثل هذا فليعمل العاملون.
وعبد الله بن زياد بن ظبيان التيمي: حزَّب أهل البصرة، أمر فخطب خطبة فيها، فنادى الناس من أعراض المسجد: أكثر فينا مثلك، فقال: لقد كلفتم الله شططاً.
ومعبد بن زرارة: كان يوماً جالساً في طريق، فمرت به امرأة، فقالت: يا عبد الله! كيف الطريق إلى موضع كذا؟
فقال: يا هَنْتاه! مثلي يكون من عَبيد الله؟
وأبو سماك الأسدي: أضلَّ راحلته فالتمسها الناس، فلم يجدوها، فقال: والله لئن لم يرد علي راحلتي لا صليت له أبداً، فالتمسها الناس حتى وجدوها، فقالوا: قد رد الله عليك راحلتك، فصلى، فقال: إن يميني يمين مُصِرٍّ.
قال الماوردي: فانظر إلى هؤلاء كيف أفضى بهم العجب إلى حمق صاروا به نكَالاً في الأولين، ومَثَلاً في الآخرين.
قال: ولو تصور المعجب والمتكبر ما فطر عليه من جبلة، وبلي به من مهنة، لخفض جناح نفسه، واستبدل ليناً من عتوه، وسكوناً من نفوره.
قال الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر (1).
(1) انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 293).