الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وذكر ابن قتيبة في "عيون الأخبار" عن المثنى بن زهير: أنه رأى ذكراً من الحمام يقمط ذكراً (1).
قلت: وأخبرني رجل ثقة أنه رأى ثوراً نزا على ثور، وأصاب.
وأخبرني جماعة أن التيوس إذا جمع بعضها مع بعض ولا أنثى بينها، استذلت واحداً منها فنزت عليه، فإن بقي بينها لا تزال تنزو عليه حتى يهلك.
*
فائِدَةٌ:
روى الزبير بن بكار في "الموفقيات"، والديلمي، والخطابي في "غريب الحديث" - وقال: لا أصل له - عن علي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن المسوخ فقال: "هُمْ ثَلاثَةَ عَشَرَة: الفِيْلُ، وَالدُّبُّ، وَالخِنْزِيْرُ، وَالقِرْدُ، وَالخِريتُ، وَالضَبُّ، وَالوَطْوَاطُ، وَالعَقْرَبُ، وَالدُّعموصُ، وَالعَنْكَبُوْتُ، وَالأَرْنَبُ، وَسُهَيْلٌ، وَالزهرةُ".
فقيل: يا رسول الله! وما سبب مسخهن؟
فقال: "أَمَّا الفِيْلُ: فَكَانَ رَجُلاً حَبَّارًا لُوْطِيًّا لا يَدَعُ رَطْبًا وَلا يَابِسًا.
وَأَمَّا الذِّئْبُ: فَكَانَ مُخَنَّثًا يَدْعُوْ الرِّجَالَ إِلى نَفْسِهِ.
وَأَمَّا الخِنْزِيْرُ: فَكَانَ مِنَ النَّصَارَىْ الّذِيْ سَأَلُوْا المائِدَةَ فَلَمَّا نَزَلَتْ كَفَرُوْا.
وَأَمَّا القِرْدُ: فَيَهُوْدِيٌّ اِعْتَدَى فيْ السَّبْتِ.
(1) انظر: "عيون الأخبار" لابن قتيبة (ص: 174).
وَأَمَّا الخَرِيْتُ: فَكَانَ دَيُّوْثًا يَدْعُوْ الرِّجَالَ إِلى حَلِيْلَتِهِ.
وَأَمَّا الضَّبُّ: فَكَانَ أَعْرَابِيًّا يَسْرِقُ الحَاجَّ بمحجنهِ.
وَأَمَّا الوَطْوَاطُ: فَكَانَ رَجُلاً يَسْرُقُ الثِّمَارَ مِنُ رُؤُوْسِ النَّخْلِ.
وَأَمَّا العَقْرَبُ: فَكَانَ لا يَسْلَمُ أَحَدٌ مِنْ لِسَانِهِ.
وَأَمَّا الدُّعْمُوْصُ: فَكَانَ نَمَّامًا يُفَرِّقُ بَينَ الأَحِبَّةِ.
وَأَمَّا العَنْكَبُوْتُ: فَاِمْرَأَةٌ سَحَرَتْ زَوْجَهَا.
وَأَمَّا الأَرْنَبُ: فَاِمْرَأَةٌ كَانَتْ لا تَتَطَهَّرُ مِنْ حَيْضٍ.
وَأَمَّا سُهَيْلٌ: فَكَانَ عَشَّارًا بِاليَمَنِ.
وَأَمَّا الزهرَةُ: فَكَانَتْ بِنْتًا لِبَعْضِ مُلُوْكِ بَنيْ إِسْرَائِيْلَ اِفْتَتَنَ بِهَا هَارُوْتُ وَمَارُوْتُ" (1).
قلت: المشهور أن قصة هاروت وماروت كانت في زمن إدريس السلام، وذلك قبل بني إسرائيل بزمن كثير.
وعلى ذكر المسوخ؛ فروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فُقِدَتْ أُمةٌ مِنْ بَنيْ إِسْرَائِيْلَ لا أَدْرِي مَا فَعَلَت،
(1) رواه الخطابى في "غريب الحديث"(2/ 185) وقال: لا أصل له، وانظر:"الدر المنثور" للسيوطي (1/ 249). قال ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 130): هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وضعه إلا ملحد يقصد وهن الشريعة بنسبة هذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو مستهين بالدين لا يبالي ما فعل، والمتهم به مغيث، - قال أبو الفتح الأزدي: خبيث كذاب لا يساوي شيئاً، روى حديث المسوخ، وهو حديث منكر.
وَلا أَرَاهَا إِلَاّ الفَأْرَةَ، أَلا تَرَوْنهَا إِذَا وضعَ لهَا أَلْبَانُ الإِبِلِ لَمْ تَشْرَبْ، وَإِذَا وضعَ لهَا أَلْبَانُ غَيرِهَا شَرِبَتْ" (1).
وروى ابن حبان، والطبراني في "الكبير"، وأبو الشيخ في "العظمة" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الحَيَّاتُ مَسْخُ الجِنِّ كَمَا مُسِخَتْ القِرَدهٌ وَالخَنَازِيْرُ مِن بَني إِسْرَائِيْلَ"(2).
وروى أبو نعيم عن وهب بن منبه قال: مسخ بختنصر أسداً فكان ملك السباع، ثم مسخ نسراً فكان ملك الطير، ثم مسخ ثور فكان ملك الدواب، وهو في ذلك يعقل عقل الإنسان، وكان ملكه قائماً يدبر، ثم رد إليه روحه فدعا إلى توحيد الله، وقال: كل إله باطل إلا إله السماء.
قيل لوهب: أمؤمناً مات؟
قال: وجدت أهل الكتاب اختلفوا (3).
وذكر ابن قتيبة في "عيون الأخبار": أن الأعراب تزعم أن الله تعالى مسخ ماكسين ضبعاً وذئباً، وبهذه القرابة يتسافدان ويتناجلان، وأنشد:[من الخفيف]
إِنَّ رَبِّي لِما يَشاءُ قَدِيرُ
…
ما لِشَيْءٍ أَرادَهُ مِنْ مَفَرِّ
(1) رواه مسلم (2997)، وكذا البخاري (3129).
(2)
رواه ابن حبان في "صحيحه"(5640)، والطبراني في "المعجم الكبير"(11946)، وأبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1642).
(3)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(4/ 64).
مَسَخَ الْماكسينِ ضَبُعاً وَذِئْباً
…
فَلِهَذا تَناجَلا أُمَّ عَمْرِو (1)
وذكر محمد بن يوسف الشيرازي المعروف بالحكيم في أرجوزة له من المسوخ أيضاً: الأسد، والكلب، والقنفذ، والزُّنبور، والقمري، والفاخت، والخنفساء، وابن عُرس، وابن آوى، والعقعق.
فأما الأسد: فكان واعظاً يخالف قوله فعله.
وأما الكلب: فكان مفسداً لذات البين.
وأما القنفذ: فكانت دلَاّلة خبيثة.
وأما الزنبور: فكان يؤذي جاره.
وأما القمري: فكان يحتكر القوت.
وأما الفاختة: فكانت تستدين ولا توفي.
وأما الخنفساء: فكانت امرأة متهتكة.
وأما ابن عرس: فكان نباشاً ينبش القبور.
وأما ابن آوى: فكان قصابا ينفح الشاة قبل أن تموت.
وأما العقعق: فكان يدخل الحمام بغير مئزر.
ولا يعارض ذلك كله ما رواه مسلم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن القردة والخنازير هي مما مسخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لَمْ يُهْلِكْ قوماً فيجعل لهم نَسْلاً، وأنَّ القِردةَ كانَتْ
(1) البيتان للحكم بن عمرو البهراني. انظر: "الحيوان" للجاحظ (6/ 148)، و"ربيع الأبرار" للزمخشري (ص: 273).
قَبْلَ ذلكَ" (1).
قال الدميري، والسيوطي: اختلف العلماء في المسوخ هل تعقب، أم لا؟ على قولين، والجمهور على الثاني (2).
قلت: قد يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم بأنهما ممسوخان من بني إسرائيل، وأن الحديث الذي رواه ابن مسعود رضي الله تعالى عنه كان مما حفظه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلم بذلك.
ويؤيده: أن أبا هريرة رضي الله تعالى عنه ممن أسلم بعد الهجرة بزمن كثير، بخلاف ابن مسعود فإنه من السابقين الأولين، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما من صغار الصحابة.
وإن قلنا بقول الجمهور، فيحمل ما روي أن الفيل كان لوطياً فمسخ، وأن الدب كان مخنثاً فمسخ، على أن معناه: أن بعض من فعل ذلك مسخ واحداً من جنس الفيل، أو واحداً من جنس الدب، وكذلك الباقي.
وعلى كل تقدير، ففي ما ذكرناه زجر عن هذه الأفعال التي مسخت أربابها شيئاً مما ذكر؛ فافهم!
(1) رواه مسلم (2663).
(2)
انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 334)، و"فتح الباري" لابن حجر (7/ 160).