الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
20 - ومنها: الإعراض عن طلب العلم، والحكمة، والموعظة الحسنة
.
روى عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: قال عيسى بن مريم عليهما السلام للحواريين: يا معشر الحواريين! لا تلقوا اللؤلؤ للخنازير؛ فإنها لا تصنع به شيئاً، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها؛ فإن الحكمة أحسن من اللؤلؤ، ومن لا يريدها أشر من الخنزير (1).
وروى ابن ماجه عن أنس رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيْضَة عَلَى كْلِّ مُسْلِمٍ، وَوَاضعُ الْعِلْمِ فيْ غَيرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الدُّرِّ في أَعْنَاقِ الخَنَازِيْرِ"(2).
قال في "الإحياء": جاء رجل إلى ابن سيرين رحمه الله تعالى قال: رأيت كأني أقلد الدر أعناق الخنازير.
قال: أنت تعلم الحكمة غير أهلها (3).
وروى أبو نعيم عن حميد بن عبد الرحمن قال: سمعت الأعمش يقول: انظروا أن لا تنثروا هذه الدنانير على الكباش؛ يعني: الحديث.
قال حميد: وسمعت أبي يقول: [سمعت] الأعمش يقول:
(1) رواه الإمام أحمد في "الزهد"(ص: 93).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (4/ 23).
لا تنثروا اللؤلؤ تحت أظلاف الخنازير (1).
وعن أبي سفيان بن حسين قال: أخذ الأعمش ناحية هذا السواد، فأتاه قوم منهم، فسألوه أن يحدثهم، فأبى، فقال بعض جلسائه: يا أبا محمد! لو حدثت هؤلاء المساكين.
فقال الأعمش: من يعلق [الدر] على الخنازير (2).
وروى الشيخ تاج الدين السبكي في "طبقاته" عن أبي عمرو العثماني قال: لما دخل الشافعي إلى مصر كلَّمه أصحاب مالك، فقال:[من الطويل]
أَأَنْثُرُ دُرًّا بَيْنَ راعِيَةِ الغَنَمْ
…
وَأَنْثُرُ مَنْظُوماً لِراعِيَةِ النَّعَمْ
لَئِنْ كُنْتُ قَدْ ضُيِّعْتُ فِي شَرِّ بَلْدَةٍ
…
فَلَسْتُ مُضِيْعاً بَيْنَهُمْ غُرَرَ الكَلِمْ
فَإِنْ فَرَّجَ اللهُ الكَرِيْمُ بِلُطْفِه
…
وَأَدْرَكْتُ أَهْلاً لِلْعُلُومِ وَلِلْحِكَمْ
بَثَثْتُ مُفِيداً وَاسْتَفَدْتُ وِدادَهُمْ
…
وَاِلَاّ فَمَخْزُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 52).
(2)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 52).
وَمَنْ مَنَحَ الْجُهَّالَ عِلْماً أَضاعَهُ
…
وَمَنْ مَنَعَ الْمُسْتَوِجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ (1)
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله، وما آوى إلى ذكر الله، والعالم والمتعلم في الأجر سواء، وسائر الناس همج لا خير فيهم (2).
قال صاحب "المنفرجة"(3): [من الخبب المحدث]
وَخِيارُ النَّاسِ هُداتُهُمُ
…
وِسواهُمْ مِنْ هَمَجِ الْهَمَجِ (4)
الهمج: ذباب صغير كالفراش.
وروى أبو نعيم عن كُميل بن زياد قال: أتيت علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فأخذني إلى ناحية الجَبَّان، فلما صحرنا جلس، ثم تنفس، ثم قال: يا كميل بن زياد! القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة، فعالمٌ رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رَعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤوا بنور العلم، ولم
(1) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (1/ 294).
(2)
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد"(ص: 137).
(3)
هو ابن النحوي، و"المنفرجة" هي قصيدة له اشتهرت بهذا الاسم، وسماها السبكي:"الفرج بعد الشدة". ومطلعها:
اشتدي أزمة تنفرجي
…
قد آذن ليلك بالبلج
(4)
انظر: "شرح المنفرجة" لزكريا الأنصاري (ص: 39).
يلجؤوا إلى ركن وثيق، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة، ومحبة العالم دِين يُدان بها، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خُزَّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه إن هاهنا - وأشار بيده إلى صدره - علماً لو أصبت له حملة، بل أصبته لفتى غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين للدنيا، يستظهر بحجج الله تعالى على كتابه، وينعمه على عباده، أو منقاد لأهل الحق، لا بصيرة له في أحيائه، يقتدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، لا ذا ولا ذاك، أو منهوم باللذات، سَلِس القياد للشهوات، أو مُغرى بجمع الأموال والادخار، وليس من دعاة الدين، أقرب شَبَهاً بهم الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى، لن تخلو الأرض من قائم لله بحجة لكي لا تبطل حجج الله وتبيانه، أولئك هم الأقلون عدداً، والأعظمون عند الله قدراً، بهم يدفع الله عز وجل عن حججه حتى يؤدوها إلى نظرائهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة الأمر، فاستلانوا ما استوعر منه المترفون، وأَنِسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان معلقة بالمنظر الأعلى، أولئك خلفاء الله في بلاده، ودعاته إلى دينه، هاه هاه شوقاً إلى رؤيتهم، وأستغفر الله لي ولك، إن شئت فقم (1).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 80).