الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قدمنا في التشبه بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه يحتج يوم القيامة على الأرقاء بيوسف عليه السلام.
ومهما أمكنه الانفلات من الرق أو الأسر بدعوى أو هرب، ولم يخف على نفسه ضرراً، تعيَّن عليه بخلاف المرقوق بحق؛ فإن تفلته من رق سيده إباق، وهو كبيرة.
القِسْمُ الثَّانِي مِنْ تَشَبُّهِ الْحُرِّ بِالرَّقِيقِ:
أن يُدخل الإنسان نفسه تحت ذل الديون من غير ضرورة، أو تحت مِنَّةِ الرجال.
وإلى ذلك أشار الشافعي رضي الله تعالى عنه حين قال له رجل: أوصني.
قال: إن الله خلقك حراً؛ فكن كما خلقك (1).
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى تسمية الدين رِقًّا فيما رواه البيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "أَقِلَّ مِنَ الذُّنُوبِ يَهُنْ عَلَيْكَ الْمَوْتُ، وَأَقِلَّ مِنَ الدَّيْنِ تَعِشْ حُرًّا"(2).
وروى الإمام أحمد، وغيره، وصححه الحاكم، وسنده جيد، عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُخِيفُوا
(1) انظر: "تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (1/ 77).
(2)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(5557) وقال: في إسناده ضعف. وكذا ابن أبي الدنيا في "التوبة"(ص: 38).
أَنْفُسَكُمْ بَعْدَ أَمْنِها".
قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟
قال: "الدَّيْنُ"(1).
وصحح الحاكم أيضاً عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الدَّيْنُ رايَةُ اللهِ فِي الأَرْضِ؛ فَإِذا أَرادَ اللهُ أَنْ يُذِلَّ عَبْداً وَضَعَهُ فِي عُنُقِهِ"(2).
وروى الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه عن حذيفة، والإمام أحمد، والطبراني في "الأوسط"، والبيهقي عن ابن عمر، وعن علي رضي الله تعالى عنهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ".
وفي رواية: قيل: كيف يذل نفسه؟
قال: "يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلاء لِما لا يُطِيقُ"(3).
قلت: ولا شك أن في تحمل مِنَنِ الناس ذلَاّ ظاهراً.
وقال الماوردي: أنشدني عن الربيع للشافعي رحمه الله تعالى:
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(4/ 146)، والحاكم في "المستدرك"(2) رواه الحاكم في "المستدرك"(2210).
(2)
قال المنذري في "الترغيب والترهيب"(2/ 370): فيه بشر بن عبيد الدارسي واه.
(3)
تقدم تخريجه.
[من مجزوء الكامل المرفَّل]
لا تَحْمِلَنَّ مِنَ الأَنامِ
…
لمن يَمُنُّ عَلَيْكَ مِنَّةْ
وَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ حَظَّها
…
وَاصْبِرْ فَإِنَّ الصبْرَ جُنَّةْ
مِنَنُ الرِّجالِ عَلى الْقُلُو
…
بِ أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ الأَسِنَّةْ (1)
ومن اللطائف في هذا الباب ما ذكره عبد الكريم بن السمعاني فقال: أنشدنا أبو محمد بن طوق الرقي قال: أنشدنا أبو البركات بن الوكيل المقرئ لرافع الحمال: [من مجزوء الرمل]
كُدَّ كَدَّ العَبْدِ إِنْ أَحْـ
…
بَبْتَ أَنْ تُحْسب حُرَّا
وَاقْطَعِ الآمالَ عَنْ فَضـ
…
ـل بَنِي آدَمَ طُرَّا
لا تَقُلْ ذا مَكْسَبٌ يُزْ
…
ـري فَفَضْلُ النَّاسِ أَزْرى
أَنْتَ ما اسْتَغْنَيْتَ عَنْ
…
مِثْلِكَ أَعْلَى النَّاسِ قَدْرا (2)
وإذا قدر الله تعالى على العبد أن يدخل تحت رق الدين أو المنة لم يبق إلا الاحتيال في الخروج عن العهدة بالوفاء في الدين، وبالمكافأة في المنة، ومهما كان لأحد عليه من دين أو نعمة فينبغي أن يشكر فضله لقوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللهَ تَعالَى"(3)،
(1) انظر: "أدب الدنيا والدين" للماوردي (ص: 251).
(2)
وانظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (18/ 24).
(3)
تقدم تخريجه.