الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بديار قوم لوط، فأخذت حجراً مما رجموا به، فطرحته في مخلاة، ودخلت مصر، فنزلت في بعض الدور في الطبقة الوسطى، وكان في سفل الدار حدث، فأخرجت الحجر من خرجي، ووضعته في روزنة في البيت، فدعا الحدث الذي كان أسفل صبياً، واجتمع معه، فسقط الحجر من الروزنة على الحدث، فقتله (1).
12 - ومن الخصال التي تدخل في التشبه بالبهائم والهوام: إنكار القدر
.
روى الشيخ المحدث شمس الدين محمد بن طولون الصالحي في "تعليقته" التي روى فيها عن البهائم، والطيور، والهوام عن داود بن أبي هند رحمه الله تعالى قال: كانت العنقاء عند سليمان بن داود عليهما السلام، وكان سليمان بن داود عليهما السلام قد عُلِّم كلام الطير، وسُخِّرت له الشياطين، وأعطي ما لم يعط أحد، فذكر عنده القضاء والقدر، وكانت العنقاء حاضرة فقالت: وأي شيء القضاء والقدر؟
وقيل لسليمان عليه السلام: تولد في المشرق جارية، ويولد في المغرب غلام في يوم واحد في ساعة واحدة، وإنهما يجتمعان على الفجور، فقالت العنقاء: إن هذا لا يكون، وكيف يكون وهذا بالمشرق وهذا بالمغرب؟
فقال لها سليمان: إن هذا بالقضاء والقدر.
(1) رواه ابن الجوزي في "ذم الهوى"(ص: 205).
قالت: لا أقبل ذلك، أنا آخذ الجارية فأصيرها في موضع لا يصل إليها مخلوق، وأحفظها حتى يكون ذلك الوقت الذي ذكرت أنهما يجتمعان فيه.
فقال سليمان عليه السلام: اذهبي وخذي الجارية، وتحرزي بما قدرت، فإذا كان ذلك الوقت آمرك أن تجيئي أنت بالجارية، ونجيء نحن بالغلام.
فانطلقت العنقاء، فاحتملت الجارية حتى صيرتها في جزيرة من جزائر البحر، وكان في تلك الجزيرة جبل عظيم في رأسه قلة لا يصل إليها مخلوق، وفي ذلك الرأس كهف، فصيرت الجارية في ذلك الكهف، ثم جعلت تختلف إليها حتى كبرت وشبت، وصارت امرأة.
ثم إن الغلام لم يزل يشب وينشأ حتى صار رجلاً، فركب في البحر سفينة ومعه فرس، فلما انتهى إلى تلك الجزيرة، كسر به المركب، فخرج هو وفرسه إلى تلك الجزيرة، وغرقت السفينة فلم ينج منها أحد غيره، فبينما هو يدور في تلك الجزيرة إذ رفع رأسه فبصر بالجارية وبصرت به، فدنا منها، وكلمها وكلمته، فأخذ بقلبها وأخذت بقلبه، فمكثا يطيلان الحيلة كيف يصل كل واحد منهما إلى صاحبه، فقالت الجارية: إن التي ربتني طير عظيم الشأن، وليس لك حيلة تصل بها إلي الآن إلا أن تذبح فرسك، ثم ترمي بما في جوفه في البحر، وتدخل أنت فيه، فإنها إن أبصرتك قتلتك، فإني سأسألها أن تحمل الفرس إلي، فإذا فعلت صرت عندي.
ففعل، فلما جاءت العنقاء قالت لها الجارية: يا أمه! لقد رأيت في البحر شيئاً عجباً لم أر مثله قط.
قالت: وما هو؟
فقالت: ذاك الذي ترين على شط البحر.
قالت: هذا فرس ميت ألقاه البحر.
قالت: فجيئيني به حتى أنظر إليه.
فانطلقت العنقاء، فاحتملت الفرس والفتى في جوفها حتى وضعتها بين يدي الجارية، ثم انطلقت إلى سليمان عليه السلام لتخبره أن الوقت قد مضى، ولم يكن من القضاء شيء، وأن القضاء والقدر باطل.
فخرج الفتى في غيبتها، وواقع الجارية.
فلما صارت العنقاء عند سليمان عليه السلام قالت له: قد مضى الوقت الذي قلت إنهما يجتمعان فيه.
فقال لها: قد اجتمعا، وكان منهما ما أخبرتك أنه يكون.
فقالت: أنا جئت من عند الجارية الساعة، وما وصل إليها خلق، فأين الرجل؟
قال لها سليمان عليه السلام: جيئينا بالجارية فإنا نجيئك بالرجل.
فانطلقت العنقاء إلى الجارية، فلما أحست بها أمرت الفتى فدخل في جوف الفرس، فقالت لها العنقاء: إن سليمان أرسلني إليك لأحملك.
فقالت: كيف تحمليني وأنا امرأة قد كبرت وثقلت؟
وخافت على الرجل أن تتركه وحده فيموت، وكانت قد علقته ودخل قلبها حبه، فأحبت أن لا تذهب إلا به، فقالت للعنقاء: يا أمه! إن كنت لا بد فاعلة فإني أدخل جوف هذا الفرس، ثم تحمليني، فإن وقعت لم يضرَّني شيء.
فقالت: صدقت.
فدخلت في جوف الفرس، فحملتهما معا في الفرس حتى وضعتهما بين يدي سليمان عليه السلام، فقالت: هذه الجارية فأين الرجل؟
فقال: قولي للجارية تخرج، فخرجت.
فقال سليمان للرجل: اخرج، فقد جاءت بك تحملك على رغم أنفها على ظهرها.
فخرج، فاستحيت العنقاء، فخرجت على وجهها، فلم ير لها أثر حتى الساعة (1).
فهي يضرب بها المثل؛ يقال: أخفى من العنقاء.
قال ابن طولون: ورأيت في بعض الآثار: أن الطير صاحت عليها: يا عنقاء! يا قدرية! فذهبت، فلا يدرى أين ذهبت.
قيل: وكانت تشبه البوم، فلذلك ترى الطير إذا رأت البوم صاحت عليه.
(1) ورواه ابن بطة في "الإبانة"(2/ 281 - 283).
وقيل: بل هي البوم، وكانت كبيرة فصغرت بعد ذلك.
وذكر القزويني أن العنقاء أعظم الطير جثة وأكبره، تخطف الفيل، وكان في قديم الزمان بين الناس فيتأذون منه، إلى أن سلبت يوماً عروساً بحليها، فدعا عليها حنظلة النبي عليه السلام، فذهب الله تعالى به إلى بعض جزائر البحر المحيط تحت خط الاستواء، وهي جزيرة لا يصل إليها الناس (1).
وذكر الزمخشري في "ربيع الأبرار" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: خلق الله تعالى في زمن موسى عليه السلام طيراً اسمه العنقاء، لها أربعة أجنحة من كل جانب، ووجهها كوجه الإنسان، وأعطاها من كل شيء، وخلق لها ذكراً مثلها، وأوحى إليه: إني خلقت طائرين عجيبين، وجعلت رزقهما في الحوش الذي حول بيت المقدس، فتناسلا وكثر نسلهما، فلما توفي موسى عليه السلام انتقلت، فوقعت بنجد والحجاز، فلم تزل تأكل الوحوش، وتخطف الصبيان إلى أن نبئ خالد بن سنان العبسي عليه السلام قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فشكوه إليه، فدعا عليها، فانقطع نسلها وانقرضت (2).
وذهب جماعة إلى أنه لا عنقاء، وأنه من الألفاظ الدالة على غير معنى حتى قيل:[من البسيط]
(1) انظر: "حياة الحيوان الكبرى" للدميري (2/ 221).
(2)
انظر: "ربيع الأبرار" للزمخشري (2/ 12).