الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قراء زماننا هذا إلا بدراهم مزوقة، أو غنم رعت الحمض، فنفخت بطونها، فذبح منها شاة، فاذا هي لا تنقي (1).
3 - من الخصال المشار إليها: أن يكون الإنسان عالماً ولا يعمل بعلمه
، أو يحمله طلب الدنيا والرغبة فيها على مخالفة ما يعلم.
قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف: 175، 176].
قال مقاتل: رضي بالدنيا (2).
{اتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176].
قال الجوهري في "الصحاح": لَهَث الكلب، يلهث لَهْثاً، ولُهثاً - بالضم -: إذا أخرج لسانه من التعب والعطش (3).
قلت: مثَّل الله تعالى العالم إذا عمل بخلاف ما يعلم لطلب الدنيا، وهو متكالب على طلبها، واتبع عليها بكليته بالكلب اللاهث بها إن طردته أولم تطرده لشدة عطشه وكَدَّه، فإن الإنسان إذا اتبع هواه
(1) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(34910).
(2)
انظر: "تفسير الثعلبي"(4/ 308).
(3)
انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 292)، (مادة: لهث).
في طلب الدنيا، واسترسل في شهواته منها، فإنه لا يكاد ينتهي منها إلى آخر، ولا يشبع مما حصل له من مستحسناتها، ولا يروى مما شرب من خمر شهواتها، ولا يفيق من سكره منها كما في الحديث:"لَوْ كانَ لابْنِ آدَمَ وَادِيانِ مِنْ ذَهَبٍ لابْتَغَى لَهُمَا ثالِثاً"(1).
فلا يستريح من تعب طلبها، ولا يسكن من نصب رغبها، فحينئذ لا ينفع فيه زجر، ولا ينجع فيه وعظ، فهو كالكلب اللاهث حملت عليه أو تركته لأن قلبه مات من الشهوات، وبردت حرارة الموعظة فيه.
قال ابن جريج رحمه الله تعالى: الكلب منقطع الفؤاد لا فؤاد له، إن تحمل عليه يلهث، أو تتركه يلهث، كذلك الذي يترك الهدى لا فؤاد له، دانما فؤاده منقطع كان ضالًّا قبلُ وبعدُ. رواه أبو الشيخ في "تفسيره"، وغيره (2).
وقال الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول": إنما شبه الله تعالى العالم المنسلخ من الآيات بالكلب من بين سائر السباع لأن الكلب ميت الفؤاد، وإنما لهث لموت فؤاده، وسائر السباع ليست كذلك.
قيل: وسبب موت فؤاد الكلب: أن آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض لاذت به سائر السباع، وسكنت إليه، ونَبَحه الكلب، فضربه آدم بعصا في يده، فانقطع قلبه.
(1) رواه البخاري (6072) واللفظ له، ومسلم (1049) عن ابن عباس رضي الله عنه.
(2)
ورواه الطبري في "التفسير"(9/ 129).
ومن ثم لا يطيق الكلب العصا متى رفعت له (1).
وقلت في المعنى: [من مجزوه الكامل المذيَّل]
إِنَّ الَّذِي حَمَلَ العُلُو
…
مَ وَلَمْ يَكُنْ ممَّنْ أَجادْ
بَلْ آثَرَ الدُّنْيا بِحيـ
…
ـثُ لأَجْلِها بِالدّينِ جادْ
لِلأَرْضِ أَخْلَد فَالْتَوَى
…
عَنْ مَنْهَجِ التَّقْوى وَحادْ
فَهْوَ الَّذِي نَطَقَ الكِتا
…
بُ بِذَمِّهِ بَيْنَ العِبادْ
كَالْكَلْبِ يَلْهَثُ دائِماً
…
وَالْقَلْبُ مُنْقَطِعُ الفُؤادْ
وهذه الآية نزلت في بلعام بن باعورا على أشهر الأقوال.
ذكر القرطبي أنه كان بحيث إذا نظر يرى العرش، وكان في مجلسه اثنا عشر ألف محبرة للمتعلمين الذين يكتبون عنه، ثم صار بحيث إنه كان أول من صنف كتاباً أن ليس للعالم صانعاً. انتهى (2).
وقال أكثر المفسرين: كان مستجاب الدعوة، فأعطاه ملكُ الجبارين مالاً عظيما، وجوائز كثيرة حتى يدعو على موسى عليه السلام في عسكره، فدعا، فرجع الدعاء عليه وعلى قومه (3).
وروى الإمام أحمد في "الزهد" عن مالك بن دينار رحمه الله تعالى قال: بعث موسى نبي الله عليه السلام بلعام بن باعورا إلى ملك
(1) انظر: "الأمثال من القرآن والسنة" للحكيم الترمذي (ص: 27).
(2)
انظر: "تفسير القرطبي"(7/ 319).
(3)
انظر: "تفسير الطبري"(9/ 124)، و "تفسير ابن كثير"(2/ 267).