الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو اطلعوا على عذاب القبر لم يدفنوا موتاهم، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المار في التشبه بقابيل:"لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوْا لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُم عَذَابَ القَبرِ"(1).
34 - ومن الخصال المذكورة: تشبه الإنسان في جمع الأموال، وتركها للورثة بدود القَزِّ
.
قال أبو طالب المكي في "القوت": وقد مثَّل بعضُ الحكماء ابن آدم بدود القز لا يزال ينسج على نفسه بجهله حتى لا يكون له مخلص، فيقتل نفسه، ويصير القز لغيره، وربما قتلوه إذا فرغ من نسجه؛ لأن القز يلتف عليه فيروم الخروج منه فيشمس، وربما غمز بالأيدي فيموت لئلا يقطع القز، وليخرج القز صحيحاً.
قال: فهذه صورة المكتسب الجاهل الذي أهلك عمره وماله، فتتنعم ورثته بما شقي به؛ فإن أطاعوا به كان أجره لهم وحسابه عليه، وإن عصوا به كان شريكهم في المعصية لأنه أكسبهم إياه، فلا يدري أي الحسرتين عليه أعظم: أذهابه وتركه لغيره؟ أو نظره إلى ماله في ميراث غيره (2)؟
أخبرنا أبي شيخ الإسلام عن قاضي القضاة زكريا، وغيره عن ابن حجر الحافظ قال: قرأت على أبي إسحاق التنوخي، عن يحيى بن سعد عن جعفر بن علي: أنا السلفي قال: أنشدنا أبو سعيد الشيرازي
(1) تقدم تخريجه.
(2)
انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (1/ 153).
قال: أنشدنا أبو علي بن شبل لنفسه: [من البسيط]
يُعْنَى (1) البَخِيلُ بِجَمْعِ الْمالِ مُدَّتَهُ
…
وَلِلْحَوادِثِ وَالوُرَّاثِ ما يَدَعُ
كَدُودَةِ القَزِّ ما تَبْنِيهُ يُهْلِكُها
…
وَغَيْرُها بِالَّذِي تَبْنِيهِ يَنْتَفِعُ (2)
ولأبي الفتح البستي: [من الطويل]
ألمْ تَرَ أَنَّ الْمَرْءَ طُولَ حَياتِهِ
…
مُعَنًّى بِأَمْرٍ لا يَزالُ يُعالِجُهْ
كَدُودٌ كَدُودِ القَزِّ يَنْسُجُ دائِماً
…
وَيَهْلَكُ غَمَّاً وَسْطَ ما هُوَ ناسِجُهْ (3)
وروى البخاري، والنسائي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ "
قالوا: يا رسول الله! ما منا أحد إلا ماله أحب إليه.
قال: "فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثهِ مَا أَخَّرَ"(4).
(1) في مصدري التخريج: "يفنى" بدل "يعنى".
(2)
انظر: "نهاية الأرب" للنويري (10/ 181).
(3)
انظر: "معجم الأدباء" لياقوت الحموي (1/ 103).
(4)
رواه البخاري (6077)، والنسائي (3612).