الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2)
باب النَّهْيِ عَنْ تَشَبُّهِ الحُرِّ بِالرَّقِيقِ وَعَكْسِهِ
أما الحر بالرقيق فهو على قسمين:
القسم الأوَّلُ: أن يُرِقَّ الْحُرُّ نفسه
؛ بأن يصادق غيره أنه عبدُه ، وهو كبيرةٌ من الكبائر.
روى الإسماعيلي في "معجمه" عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَومَ القِيامَةِ؛ حُرٌّ باعَ حُرًّا، وَحُرٌّ باعَ نَفْسَهُ، وَرَجُلٌ أَبْطَلَ كِراءَ أَجِير حِينَ جَفَّ رَشْحُهُ"(1).
وأما مصادقة الخضر عليه السلام للمسكين الذي باعه بأربع مئة درهم وانتفع بها، فليس ذلك من شريعتنا، بل هو من قبيل ما اتفق له مع موسى عليه السلام من خرق السفينة، وقتل الغلام، وإقامة الجدار بغير قول، وهو من العلم الذي قال فيه الخضر لموسى عليه
(1) رواه الإسماعيلي في "معجمه"(2/ 613)، والسهمي في "تاريخ جرجان"(1/ 185).
السلام: "إني على علم عَلَّمنيه الله تعالى لا تعلمه"، كما في "البخاري"، وغيره (1).
روى الطبراني - ورجاله موثوقون - عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أَلا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الْخَضِر عليه السلام؟ ".
قالوا: بلى.
قال: "بَيْنَما هُوَ ذاتَ يَومٍ يَمْشِي فِي سُوقِ بَنِي إِسْرائِيلَ أَبْصَرَهُ رَجُلٌ مُكاتبٌ فَقالَ: تَصَدَّقْ عَلَيَّ بارَكَ اللهُ فِيكَ.
فَقالَ الْخَضِرُ: آمَنْتُ بِاللهِ، ما شاءَ اللهُ مِنْ أَمْرٍ يَكُونُ، ما عِنْدِي شَيْء أعْطِيكَهُ.
فَقالَ الْمِسْكِينُ: أَسْألكَ بِوَجْهِ اللهِ لَما تَصَدَّقْتَ عَلَيَّ؛ فَإِنيِّ عَرَفْتُ السَّماحَةَ فِي وَجْهِكَ، وَرَجَوْتُ البَرَكَةَ عِنْدَكَ.
فَقالَ الْخَضِرُ عليه السلام: آمَنْتُ بِاللهِ! ما عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَهُ إِلَاّ أَنْ تأْخُذَنِي وَتَبِيعَنِي.
فَقالَ الْمِسْكِينُ: وَهَلْ تَسُومُ هَذا؟
قالَ: نعمْ، أقولُ: لَقَدْ سَأَلْتَنِي بِأَمْر عَظِيم، أَما إِنِّي لأُجِيْبَنَّكَ بِوَجْهِ رَبِّي، بِعْنِي.
قالَ: فَقَدَّمَهُ، فَباعَهُ بِأَرْبَعِ مِئَةِ درْهَم، فَمَكَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي زَماناً
(1) رواه البخاري (122) عن أبي بن كعب رضي الله عنه.
لا يَسْتَعْمِلُهُ فِي شَيْءٍ، فَقالَ لَهُ: إِنَّكَ اشْتَرَيْتَنِي الْتِماسَ خَيْرٍ عِنْدِي، ما وَصَّيْتَنِي بِعَمَل! قالَ: أَكْرَهُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ؛ إِنَّكَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَعِيفٌ.
قالَ: لَيْسَ يَشُقُّ عَلَيَّ.
قالَ: قُمْ فَانْقُلْ هَذِهِ الْحِجارَةَ - وَكانَ لا يَنْقُلُها دُونَ سِتَّةِ نَفَر فِي يَوْم - فَخَرَجَ الرَّجُلُ لِبَعْضِ حاجَتِهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ نَقَلَ الْحِجارَةَ فِي ساعَةٍ.
قالَ: أَحْسَنْتَ وَأَجْمَلْتَ، وَأَطَقْتَ ما لَمْ أَرَكَ تُطِيقُهُ.
قالَ: ثُمَّ عَرَضَ لِلرَّجُلِ سَفَرٌ، قالَ: إِنِّي أَحْسِبُكَ أَمِيناً فَاخْلُفْنِي فِي أَهْلِي خِلافةً حَسَنَة.
قالَ: فَأَوْصِنِي بِعَمَلٍ.
قالَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ.
قالَ: لَيْسَ يَشُقُّ عَلَيَّ.
قالَ: فَاضْرِبْ مِنَ اللَّبِنِ لِنَبْنِيَ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَيْكَ.
فَخَرَجَ الرَّجُلُ لِسَفَره، قالَ: فَرَجَعَ مِنَ السَّفَرِ وَقَدْ شَيَّدَ بِناءه فَقالَ: أَسْألكَ بِوَجْهِ اللهِ ما سَبِيلُكَ؟ وَما أَمْرُكَ؟
قالَ: سَأَلْتَنِي بِوَجْهِ اللهِ، وَوَجْهُ اللهِ أَوْقَعَنِي فِي الْعُبُودِيَّةِ، سَأُخْبِرُكَ مَنْ أَنَا، أَنا الْخَضِرُ الَّذِي سَمِعْتَ بِي، سَأَلَنِي مِسْكِينٌ صَدَقَةً فَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي شَيْء أُعْطِيهِ، فَسَأَلَنِي بِوَجْهِ اللهِ، فَأَمْكَنتهُ مِنْ