الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثَمَّ أخبار تدل على أشراط ما تتعلق بالعلم والعلماء استقريتها في غير هذا الكتاب.
الفائِدَةُ التَّاسِعَةُ:
روى ابن أبي الدنيا في "الصمت" عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: لا يتعلم العلم لثلاث، ولا يترك لثلاث: لا يتعلم ليُمارى به، ولا ليباهى به، ولا ليُراءى به، ولا يترك حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضا بالجهل منه (1).
وقال مجاهد: لا ينال العلم مستحي، ولا متكبر (2).
وفي "الصحيح" عن عائشة رضي الله عنها: "نِعْمَ النِّساءُ نِساءُ الأَنْصارِ؛ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَياءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ"(3).
وقيل:
الْعِلْمُ حَرْبُ الفَتَى الْمُتَعالِي
…
كَالسَّيْلِ حَرْبٌ لِلْمَكانِ العالِي (4)
وفي التنزيل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [الأعراف: 146] الآية.
الفائِدَةُ العاشِرَةُ:
روى الشيخان من حديث أبي موسى رضي الله
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان"(ص: 102) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِيَ، وَإِسْرافِي فِي أَمْري، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَئِي وَعَمدِي، وَهَزْلي وَجِدِّي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ"(1).
وفي نسبة الجهل إلى نفسه صلى الله عليه وسلم دليل على أنه لا يخلو إنسان من جهل ولو كان معصوماً؛ فإنه لا يمكنه الإحاطة بالمعلومات كلها؛ إذ لا يكون ذلك إلا لله عز وجل، وكأنه صلى الله عليه وسلم عدَّ على نفسه جهل ما لم يصل علمه إليه ذنباً، فاستغفر منه.
والجهل من صفات الإنسان التي طُبع عليه، كما وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
فهو جهول بكل معلوم إلا ما علمه الله تعالى، وكذلك غيره من الخلق؛ ألا ترى إلى قول الملائكة عليهم السلام:{لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة: 32]؟
وقال تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85]
ثم أشار إلى أن العبد لا ينال من العلم شيئاً إلا بتعليمه بقوله: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269].
{وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282].
(1) رواه البخاري (6035)، ومسلم (2719).
وقال حكاية عن يوسف عليه السلام: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: 37].
وقال: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: 101].
وقال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة: 255].
وقال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79].
فإذاً ينبغي للعبد أن يسأل من الله تعالى أن يعلمه ويزيده من العلم.
وروينا عن ابن خبيق قال: سمعت إبراهيم البكَّاء يقول: قلت لمعروف الكرخي رحمه الله تعالى: أوصني.
قال: توكَّل على الله حتى يكون هو معلمك، ومؤنسك، وموضع شكواك؛ فإن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك (1).
وقلت في معناه: [من السريع]
ما نَفَعَ النَّاسُ وَلا ضَرُّوا
…
وَاللهُ مِنْهُ النَّفْعُ وَالضُّرُّ
فَحَسْبِيَ اللهُ تَوَكَّلْتُ فِي
…
أَمْرِي عَلَيْهِ فَانتُهَى الأَمْرُ
إِنْ لَمْ يُعَلِّمْنِي فَلا عِلْمَ لِي
…
وَكَلَّ مِنِّي الذِّهْنُ وَالْفِكْرُ
أُنْسِي بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْنِسي
…
ما كانَ لِي أُنْسٌ وَلا قَرُّ
(1) وروه السلمي في "طبقات الصوفية"(ص: 83).
وَهُوَ الَّذِي إِنْ مَسَّنِي نائِبٌ
…
أَشْكُو إِلَيْهِ ما جَنَى الدَّهْرُ
فَعادَ لَمَّا اسْتَحْكَمَتْ عُسْرَتِي
…
عَلَيَّ مِنْهُ اليُسْرُ وَالنَّصْرُ
وَاللهِ لَوْلا اللهُ ما كَانَ لِي
…
فِي الْحالَتيْنِ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ
ولقد أتينا في هذا الباب مع ما ذكرناه في التشبه بالصدِّيقين ما فيه مقنع لمن وفقه الله تعالى إلى الخير، فمن وفقه الله تعالى للعمل به كان ممن تم له شرف العلم ونوره، وانزاح عنه ظلام الجهل وديجوره؛ وفقنا الله تعالى للعمل بما فيه، والسعي في طاعاته ومراضيه.