الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وجه المشابهة أن الحمار يتعب وهو يدور في الطاحون، ولا يدري ما يفعل، ولا ما يستفاد من طحنه، ولا يستفيد مما يطحنه شيئاً، ولا يدري هل يطحن بُرًّا أم خزفاً، وكذلك المتعبد على جهل فيما لا يدري حقيقة عاقبته.
19 - ومنها: التشبه في العجلة
، والطيش، وعدم التروي في العبارة خصوصاً في المناظرة بالعصفور، ونحوه في سرعة نقلبه وزقزقته.
ذكر ابن السبكي في "طبقاته": أنه لما وقع لابن تيمية في "المسألة الحموية" ما وقع، وعقد له المجلس بدار السعادة بين يدي الأمير تنكز، وجمعت العلماء، أشاروا بأن الشيخ صفي الدين الهندي يحضر، فحضر، وكان الهندي طويل النفس في التقرير، إذا شرع في وجه يقرره لا يدع شبهة، ولا اعتراضاً إلا أشار إليه في التقرير، بحيث لا يتم التقرير إلا وقد بَعُد على المعترض مقاربته، فلما شرع يقرر أخذ ابن تيمية يَعْجَل عليه على عادته، وَيخْرُج من شيء إلى شيء، فقال له الهندي: ما أراك يا ابن تيمية إلا كالعصفور، حيث أردت أن أقبضه من مكان فرَّ إلى مكان آخر (1).
(1) ذكر الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية"(14/ 36) ما يدل أن ابن تيمية رحمه الله حاجَّ الشيخ صفي الدين فقال: "وحضر الشيخ صفي الدين الهندي وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاماً كثيراً، ولكن ساقيتَه لاطمت بحراً".
بل نقل الحافظ ابن حجر في "الدرر الكامنة"(5/ 262) في ترجمة الشيخ صفي الدين الهندي: "يقال كان لا يحفظ من القرآن إلا ربعه، حتى نقل أنه قرأ {المص (1)} [الأعراف: 1] بفتح الميم وتشديد الصاد". =
وكان الأمير تنكز يعظم الهندي ويعتقده، وكان الهندي شيخ الحاضرين كلهم، فكلهم صَدَر عن رأيه، وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسألة، وهي التي تضمنت قوله بالجهة (1)، ونودي عليه في البلد وعلى أصحابه، وعُزلوا من وظائفهم (2).
= قلت: فكيف له بمناظرة مثل أبي العباس رحمه الله.
وأما كلام السبكي المتقدم، فمعلوم حدة تاج الدين السبكي لشيخ الإسلام، ولكنه على عداوته له، لم ينكر فضله، واعترف بعلمه وديانته، كما نقل هذا ابن حجر في "الدر الكامنة" (1/ 186):"وكتب الذهبي إلى السبكي يعاتبه بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيمية، فأجابه، ومن جملة الجواب: وأما قول سيدي في الشيخ تقي الدين، فالمملوك يتحقق كبير قدره وزخارة بحره وتوسعه في العلوم النقلية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً، وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل، مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق، والقيام فيه لا لغرض سواه، وجريه على سنن السلف، وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى، وغرابة مثله في هذا الزمان بل فيما مضى من أزمان"، انتهى.
ثم سامح الله المؤلف على إيراد مثل هذا على ابن تيمية، وقد عرف موضعه من العلم والعمل، مع أنه قد نقل عنه واستفاد منه أيما فائدة في أبواب كثيرة من كتابه دون الإشارة إليه كما تقدم.
(1)
تقدم التعليق سابقاً على من شنع على ابن تيمية قوله بالجهة ونسب إليه ذلك، وهو منه براء.
(2)
انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (9/ 164).