الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإنما حملناها على هذا لأن في الحديث أن الآية نزلت بسبب هذه الصلاة، فتكون الآية تعُمُّ هذه الصفة. وفي كلِّ شيء بحسبه.
وذكر القاضي وابن عقيل وأبو الخطاب
(1)
[259/أ] أن الصفَّ الذي يلي الإمام هم الذين يحرسون في الأولى، وأنّ صفًّا غيرهم يحرس
(2)
في الثانية، لأن حراسة المتقدمين أقرب إلى العلم بحال العدو. وجوَّزوا
(3)
انتقال كلِّ طائفة إلى مقام أصحابها، من غير ذكر استحباب.
والصحيح ما تقدَّم، لما
(4)
في الحديث. وليس في هذه الصفة ما يخالف القياس إلا تخلُّفَ المأموم عن متابعة الإمام في السجدتين، ومثل هذا جائز لعذر، أو انتقالَ كلِّ طائفة إلى مقام أصحابها.
الوجه الثالث
(5)
: ما روى ابن عمر، قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه، فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو. فصلَّى بالذين معه ركعةً، ثم ذهبوا. وجاء الآخرون، فصلَّى بهم ركعةً. ثم قضت الطائفتان ركعةً ركعةً. متفق عليه
(6)
. وفي رواية
(7)
: ثم صلَّى بهم ركعة، ثم
(1)
انظر: «الهداية» (ص 107) و «الفروع» (3/ 117).
(2)
في الأصل: «تحرس» .
(3)
في الأصل: «حرروا» ، تصحيف.
(4)
في الأصل: «كما» .
(5)
يعني
الصفة الثالثة
.
(6)
البخاري (942)، ومسلم (839 - 306) واللفظ له.
(7)
عند مسلم (839 - 305)، وفي البخاري (4133) بنحوها.
سلَّم. [وفي لفظ: فصلى بهم ركعة وسجدتين، ثم سلَّم]
(1)
. رواه أحمد والنسائي
(2)
.
وصورة هذه: أن الطائفة الأولى تصلِّي معه ركعة، ثم تذهب ــ وهي في الصلاة ــ إلى مقام أصحابها. فتخالف القياس من جهة استدبار القبلة، والعمل الكثير في أول الصلاة، إلّا أن مثل هذا جائز لعذر في من سبقه الحدث وقلنا: إنّ صلاته لم تبطل، وفي من سلَّم مِن نقص، وغيرهم. وتجيء أصحابها إلى مقامها، فيصلّي بهم ركعة، ثم يسلِّم، ثم ترجع إلى مقام الأولين. ويعود الأولون إلى مقامهم، فيتمّون الركعة الثانية كفعل من سبقه الحدث [259/ب] ومن سلَّم من نقص؛ لأن الصلاة إنما تكون في بقعة واحدة. ثم تذهب، وتجيء الطائفة الثانية، فتُتِمُّ صلاتها كذلك.
وقد روى الإمام أحمد وأبو داود
(3)
من حديث ابن مسعود مثل هذه الصفة، إلّا أن الطائفة الثانية تقضي في مكانها قبل الطائفة الأولى، إذ لا فائدة في ذهابها ومجيئها، لأن الإمام قد سلَّم؛ بخلاف الطائفة الأولى، فإنها
(1)
الظاهر أنَّ ما بين الحاصرتين سقط لانتقال النظر.
(2)
أحمد (6159)، والنسائي (1541).
(3)
أحمد (3561)، وأبو داود (1244)، والبيهقي (3/ 261)، من طريق خُصَيف، عن أبي عُبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه.
قال البيهقي: «أبو عبيدة لم يدرك أباه، وخُصيف الجَزَري ليس بالقوي» . قلتُ: هو كما قال، إلا أن الأئمة، كابن المديني ويعقوب بن شيبة، استجازوا إدخال مرويات أبي عُبيدة عن أبيه في الحديث المسنَد، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه، وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر. انظر:«شرح علل الترمذي» لابن رجب (1/ 298).
تذهب ليكون سلامها بعد سلام الإمام.
الوجه الرابع: ما روى جابر بن عبد الله، قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم، بذات الرِّقاع، وأقيمت الصلاة، فصلَّى بطائفة ركعتين، ثم تأخَّروا
(1)
، وصلَّى بالطائفة الأخرى ركعتين. فكان لنبي الله صلى الله عليه وسلم[أربعُ ركَعات]
(2)
وللقوم ركعتان. متفق عليه
(3)
.
فهذه
(4)
إن أتمَّت كلُّ طائفة لأنفسها ركعتين جاز، ويكون قد صلَّى بهم صلاة الحضر، فإن إتمام الصلاة جائز. وإن اقتصرت على ركعتين تبعًا
(5)
للإمام، فقد أجازها بعض أصحابنا على ظاهر الحديث، إذ ليس فيه ذكر سلام ولا ذكر قضاء، وجعلها بعض الوجوه التي أشار إليها أحمد بقوله:«ستة أوجه أو سبعة» . وبعض أصحابنا من [هؤلاء]
(6)
أجاز هذه، ثم منهم من حمل هذا الحديث على أن كلَّ طائفة قضت ركعتين. وهو بعيد. ومنهم من حمله على أنه اقتصر على الركعتين، كما جاء مصرَّحًا به في هذا الحديث من رواية النسائي، وسيأتي.
وكذلك أحمد بيَّن أنّ حديث جابر أنه صلَّى بكلِّ طائفة [260/أ]
(1)
في الأصل: «تأخّر» والمثبت من الصحيحين.
(2)
ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل.
(3)
البخاري (4136) معلّقًا، ومسلم (843) موصولًا.
(4)
كذا في الأصل.
(5)
في الأصل: «تبع» .
(6)
زيادة يقتضيها السياق.
ركعتين، وسلَّم. والحديث محتمل في الأمرين، فلا يجوز إثبات صفته بالشك، لأنها تتضمّن اقتداءً بالمتمّ، وأن تكون صلاة المأموم أقلَّ من صلاة الإمام.
ولمن نصر الأولى أن يقول: هذا أقلُّ مخالفةً للقياس من غيره، فتكون أحقّ بالجواز. لكن ما خالف القياس لا يثبت إلا بالنص.
وقد روى أبو بكرة، قال: صلَّى بنا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصلَّى ببعض أصحابه ركعتين، ثم سلَّم، فتأخَّروا
(1)
. وجاء الآخرون، فكانوا في مكانهم، فصلَّى بهم ركعتين، ثم سلَّم. فصار لنبي الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان ركعتان. رواه أحمد وأبو داود والنسائي
(2)
.
وذكر أبو داود وغيره
(3)
في حديث جابر مثل ذلك.
(1)
رسمه في الأصل: «فاخروا» ، والمثبت من «المسند» .
(2)
أحمد (20497)، وأبو داود (1248)، والنسائي (836، 1551) من طريق الأشعث بن عبد الملك، عن الحسن، عن أبي بكرة. وصحّحه ابن حبان (2881)، وابن الملقّن، والألباني. وقد أعلّ بقوله:«صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، فإن من المعلوم لدى أهل السير أن أبا بكرة أسلم في حصار الطائف، ولم تكن بعده غزوة صلّى فيها النبي صلى الله عليه وسلم صلاةَ الخوف. وأجيب بأن هذا اللفظ لم يأت في أكثر الطرق، بل في بعضها:«صلّى بأصحابه» ، فغايته أن يكون الحديث من مراسيل الصحابة، وهي مقبولة.
انظر: «بيان الوهم والإيهام» (2/ 475)، «البدر المنير» (5/ 8)، «صحيح أبي داود - الأم» (4/ 415).
(3)
ذكره أبو داود عقب حديث أبي بكرة السابق بقوله: «وكذلك رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال سليمان اليشكري: عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم» .
حديث جابر من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة: أخرجه الشيخان، وقد سبق آنفًا، ولكن ليس فيه التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سلّم بالطائفة الأولى. ولا في رواية سليمان اليشكري عن جابر، عند سعيد بن منصور (2504) وأحمد (14929) وابن حبان (2882) وغيرهم.
وجاء التصريح بالتسليم بالطائفة الأولى من رواية الحسن البصري المعنعنة عن جابر، عند النسائي (1552)، وابن خزيمة (1353) والدارقطني (2/ 60 - 61). وهو منقطع، لأنه قال في رواية ابن أبي شيبة (8372):«نُبِّئْت عن جابر» .
قال ابن عبد البر
(1)
في هذين الحديثين: هما ثابتان من جهة النقل عند أهل العلم به.
فهذه الصفة منعها القاضي وغيره على المشهور في المذهب من أنه لا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفل، وحمل السلام في الحديث على التشهد، وعلى أن القوم قضوا ركعتين، أو على الوقت الذي كان إعادة الفرض فيه واجبة.
قال طائفة من أصحابنا: يجوز هذا في الخوف، وإن منعنا اقتداء المفترض بالمتنفل في الأمن. وهذا هو المنصوص عن أحمد
(2)
، لأنه جوَّز العمل بكلِّ حديث روي في صلاة الخوف، وقال: كلُّها صحاح
(3)
. وقال لما قيل له في اقتداء المفترض بالمتنفل: بلغنا أنك تحتجُّ بحديث جابر في صلاة [260/ب] الخوف أنه صلَّى بكلِّ طائفة ركعتين، فقال: هذا في صلاة
(1)
في «الاستذكار» (2/ 405).
(2)
انظر: «مجموع الفتاوى» (23/ 247).
(3)
«الإرشاد» (ص 104).
الخوف، ليس في هذا. فبيَّن الفرق بين صلاة الخوف وغيره، كما قال في حديث معاذ
(1)
: فيه معنى دقيق لا يجوز مثله اليوم
(2)
. وهذا كلُّه يدل على اقتداء المفترض بالمتنفل عند الحاجة، وحالُ الخوف حالُ حاجة، قد جاز فيه من مخالفة قياس بقية الصلوات ما هو أكثر من هذا. والحديث مصرِّح بأنهم لم يقضوا ركعتين، وأنه سلَّم بهم. ودعوى وجوب إعادة الفرض لا دليل عليها.
الوجه الخامس: ما روى عروة أن مروان سأل أبا هريرة: هل صلَّيتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال: نعم. قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر، وقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابلَ العدو، وظهورُهم إلى القبلة. فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبَّروا جميعًا: الذين معه، والذين يقابلون
(3)
العدو. ثم ركع ركعة واحدة، ثم ركعت معه الطائفة التي تليه. ثم سجد، وسجدت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابلي العدو. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو، فقابلوهم
(4)
. وأقبلت التي قابلت العدو، فركعوا وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم[261/أ] قائم كما هو. ثم قاموا
(5)
، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى،
(1)
الذي فيه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يرجع، فيؤم قومه. أخرجه البخاري (700) ومسلم (465) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(2)
قول الإمام أحمد هذا نقله إبراهيم الحربي عنه. انظر: «طبقات الحنابلة» (1/ 233).
(3)
في الأصل: «يقاتلون» ، تصحيف.
(4)
في الأصل: «فقاتلوهم» ، تصحيف.
(5)
في الأصل: «أقاموا» خطأ.