الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة
(1)
: (فإن عَدِم بكلِّ حال صلَّى جالسًا يومئ بالركوع والسجود. وإن صلَّى قائمًا جاز)
.
المشهور عن أحمد: أنَّ العريان ينبغي له أن يصلِّي قاعدًا، يومئ بركوعه وسجوده. وهو اختيار الخرقي وأبي بكر [ص 100] وعامَّة الأصحاب
(2)
. فإن صلَّى قاعدًا أو سجد بالأرض جاز، وهو أفضل من أن يصلِّي قائمًا. وإن صلَّى قائمًا وسجد بالأرض جاز أيضًا، مع الكراهة فيهما. هكذا ذكر أصحابنا.
وعنه: أنه يجب أن يسجد بالأرض، سواء صلَّى قاعدًا أو قائمًا. اختاره ابن عقيل
(3)
. وكان أبو بكر يقول: هذا قول لأبي عبد الله أوّلُ. فأما القيام فلا يجب قولًا واحدًا.
وروى
…
(4)
الرواية أنَّ السجود ركن في الصلاة مقصود لنفسه، بل هو أفضل أركانها الفعلية، وهو مجمع على وجوبه، فكان مراعاته أولى من
(1)
«المستوعب» (1/ 158)، «المغني» (2/ 311 - 313)، «الشرح الكبير» (3/ 236 - 238)، «الفروع» (2/ 53).
(2)
انظر: «مختصر الخرقي» (ص 22)، و «الإنصاف» (3/ 236). وفي «شرح الزركشي» (1/ 616): «ظاهر كلام الخرقي أن الجلوس على طريق الوجوب، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية أبي طالب
…
لكن عامة الأصحاب على أن الجلوس على سبيل الاستحباب، وهو ظاهر كلام أحمد في رواية الأثرم».
(3)
«الإنصاف» (3/ 239).
(4)
كذا في الأصل، بياض بقدر كلمة. وفي المطبوع حذف «وروى
…
» وأثبت مكانه «ووجه هذه» دون تنبيه.
مراعاة السترة. ولقد كان القياس يقتضي إيجاب القيام أيضًا لذلك، إلا أنه أخفُّ من السجود، ولسقوطه مع القدرة في النافلة، وخلف إمام الحيِّ إذا صلَّى قاعدًا، وهو مريض يرجى برؤه؛ وأنه يطول زمنه، وأنَّ فيه إفضاءً بعورة بارزة خارجة إلى جهة القبلة. فلمَّا فحشت العورة فيه، وطال زمنُ كشفها، وخفَّ أمره، كان الاعتياض عنه بالستر أولى، بخلاف السجود فإنَّ زمنه قصير، وهو أعظم أركان الصلاة، ولا يبدو فيه إلا عورة الدبر، وهي أخفُّ من القبل.
والأول: المذهب، لما روى سعيد وأبو بكر وغيرهما
(1)
عن نافع عن ابن عمر في قوم انكسرت بهم مراكبُهم في البحر، فخرجوا عُراةً. قال: يصلُّون جلوسًا يُومئون برؤوسهم إيماءً. ولم يبلغنا عن صحابي خلافه.
ولأنه إذا صلَّى قاعدًا مومئًا فقد أتى ببدل القيام والركوع والسجود، بل قد أتى بركوع وسجود، هو بعض الركوع والسجود التامَّين؛ فإنَّ الإيماء بالرأس يدخل في عموم الأمر بالركوع والسجود. أو أتى ببعض الركوع والسجود الواجبين مع التمكُّن، وهذه صلاة مشروعة في الجملة للراكب على الراحلة وللمريض أيضًا. وأتى أيضًا بمعظم الستر، وهو ستر العورة المغلَّظة؛ فإنه إذا تضامَّ
(2)
ستَر قُبله بفخذيه وستَر دبره بالأرض، ولم يفته إلا تكميلُ الأركان، وتكميلُ الشرط المعجوز عنه. وهذا غير خارج عن جنس الصلاة المشروعة.
(1)
وأخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (5/ 78).
(2)
في المطبوع: «انضامَّ» ، والمثبت من الأصل.
أما إذا قام وسجد بالأرض، فإنه يستقبل القبلةَ بقُبله حالَ القيام، والسماءَ بدُبره منفرجًا حالَ السجود، ويكشف في الجملة عورته. وهذه الأشياء محرَّمةٌ خارجَ الصلاة، فكيف تكون في الصلاة؟ ولهذا لم يُشرَع مثلُ هذه الصلاة في موضع آخر أبدًا، لاسيما إن كان العراة جماعة، أو كان العريان في فضاء من الأرض، فإنَّ كشفَ عورته يتفاقم فحشُه، والسترُ أهمُّ من تكميل الأركان، لأنه يجب في الصلاة وخارج الصلاة، وتكميلُ الأركان إنما يجب في الصلاة. وما كان مقصودًا [ص 101] في نفسه ومقصودًا للصلاة، فهو أولى مما يُقصَد في الصلاة فقط، لاسيما والسترُ يعُمُّ جميعَ أركان الصلاة، والركن ينقضي في أثنائها.
يوضِّح هذا أنَّ تكميل الأركان واجب في غير هذا الموضع، وكذلك كشفُ عورته والإفضاء بها إلى أشرف الجهات محرَّم في غير هذا الموضع في غير الصلاة، وهو في الصلاة أشدُّ قبحًا وتحريمًا. فإذا كان هذا الموضع لا بدَّ فيه من التزام بدل واجب أو فعل محرَّم كان تركُ الواجب أسهل، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه»
(1)
. فالمنهيُّ عنه يجب تركه بكلِّ حال، والمأمورُ به إنما يجب فعله في حال دون حال. ولهذا لو لم يمكنه فعلُ فرائض الصلاة إلا بارتكاب محرَّم لم يجب فعلُها. ألا ترى أنه لو لم يمكنه ثوبٌ يلبسه سقط عنه حضورُ الجمعة والجماعة، مع أنَّ الجمعة من أوكد الواجبات، وأنَّ شهود الجمعة والجماعة أوكد من تكميل الأركان؛ بدليل أنَّ المريض الذي يمكنه إتمام الأركان في بيته، ولا يمكنه إتمامها في الجماعة، فإنَّ صلاته في الجماعة أفضل.
(1)
سبق تخريجه.
وقد كان يتوجَّه أن لا تصحَّ صلاته قائمًا لذلك. وإنما صحَّحناها لأنه يعتاض عن ستر العورة بتكميل الأركان، وهو مقصود في الجملة. ولأنه إذا لم يكن بدٌّ من الإخلال ببعض فروض الصلاة لم يتعيَّن أحدها، لكن الأحسن ما كان أشبه بالأصول. ولأنَّ الستر قد عجز عنه إلا بترك واجب آخر، كما عجز عن تكميل الأركان إلا بترك واجب، فصارت الأدلَّة الموجبة لأحدهما بعينه معارضةً كالأخرى.
وهل يصلُّون متربِّعين أو منضامِّين؟ على روايتين
(1)
ذكرهما الآمدي:
إحداهما: يتربَّعون، كسائر من يصلِّي جالسًا من المريض والمتنفل.
والثانية: أنهم ينضامُّون ولا يتربَّعون. نصَّ على ذلك، وهو الصحيح لأن ذلك أستر، فكانت رعايته أولى من رعاية هيئة مستحبَّة. ولهذا استحببنا للمرأة أن تنضامَّ في ركوعها وسجودها، وإن كان التفرُّج هو المسنون للرجال. ولهذا لم يُسَنَّ للمرأة شيءٌ
(2)
من هيئات العبادات التي هي مظِنَّة ظهورها، كالرمل والاضطباع، والرقيِّ على الصفا والمروة ومزدلفة، ورفع الصوت بالإهلال، فكيف بهيئة تظهر بها العورة المغلَّظة من الرجل؟
فصل
فان لم يمكنه تكميلُ السجود إلا بانتقاض طهارته، مثل أن يطعن في دبره، فيصير الريح يتماسك [ص 102] في حال جلوسه، فإذا سجد خرجت منه= فإنه يسجد بالأرض. نصَّ عليه.
(1)
«المغني» (2/ 313).
(2)
في المطبوع: «بشيء» خلافًا للأصل.