الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على استتباع النجاسة، فلا يضرُّ حملُه لما يلاقيها، كما لو أمسك سفينة عظيمة فيها نجاسة، أو أمسك
(1)
شجرة على غصنها نجاسة. وهذا يوافق قول ابن عقيل.
وقال الآمدي: إذا كانت النجاسة في مركب، فشُدَّ حبلُه إلى وسطه، كانت صلاته باطلة. ولم يفرِّق بين أن يستطيع أن يجُرَّها أو لا.
مسألة
(2)
: (فإن صلَّى وعليه نجاسة لم يكن علِمَ بها، أو علِمَها ثم نسيها، فصلاته صحيحة. وإن علِمها في الصلاة أزالها وبنَى على صلاته)
.
هذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
والرواية الأخرى: أنه يعيد صلاته سواء علِمَها قبل الصلاة ثم نسيها، أو لم يعلم بها حتى سلَّم، أو علِمَها في أثناء الصلاة. هذه الطريقة المشهورة، وهذه الرواية اختيارُ كثير من أصحابنا كابن أبي موسى والقاضي وأصحابه
(3)
.
وذكر القاضي في «المجرَّد» والآمدي أن الناسي يعيد، روايةً واحدةً؛ لأنه مفرِّط، وقد وجبت عليه الإزالة، وإنما الروايتان في الجاهل
(4)
.
(1)
في المطبوع: «وأمسك» ، والمثبت من الأصل.
(2)
«المستوعب» (1/ 165)، «المغني» (2/ 465 - 467)، «الشرح الكبير» (3/ 289 - 293)، «الفروع» (2/ 98 - 99).
(3)
انظر: «الإرشاد» (ص 80) و «المبدع» (1/ 345).
(4)
انظر: «المبدع» (1/ 345) و «الإنصاف» (3/ 290).
والروايتان منصوصتان عن أحمد في الجاهل بالنجاسة. فأما الناسي فليس فيه عنه نصٌّ، فلذلك اختلفت الطريقتان. فإن قلنا: يعيد مطلقًا، [ص 144] فلأنها إحدى الطهارتين، فلم يسقط بالجهل والنسيان كطهارة الحدث، ولأنه شرطٌ من شروط الصلاة، فلم يسقط بالجهل والنسيان كاللباس والقبلة.
وإن قلنا: لا يعيد، وهي اختيار طائفة من أصحابنا، وهي أظهر؛ فلما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم. فلما انصرف قال:«لِمَ خلعتم؟» قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعتَ، فخلعنا. فقال:«إنَّ جبريل أتاني، فأخبرني أنَّ بهما خَبَثًا. فإذا جاء أحدُكم المسجدَ فليقلب نعليه، فلينظر فيهما. فإن رأى خبَثًا فليمسحه بالأرض، ثم ليصلِّ فيهما» رواه أحمد وأبو داود
(1)
.
واحتجَّ به إسحاق بن راهويه، وذكر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حين أخبره جبريل عليه السلام أنَّ في نعليه قذرًا كان راكعًا، فخلَعهما، ومضى في صلاته. ولو أبطل
(2)
حملُهما بغير علم لاستأنف الصلاةَ.
ولا يصح أن يقال: لعله كان مُخاطًا أو بُصاقًا أو نحو ذلك مما لا يُبطل الصلاة، أو كان يسيرًا من دم ونحوه. فقد قيل: إنه كان دم حَلَمة، لأنَّ الخبَث اسم للغائط، وكذلك القذَر حقيقة في النجاسة.
ولأنه لو كانت الصلاة تصح معه لم يخلع نعليه في الصلاة، فإنه عبث،
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
في المطبوع: «أطيل» ، وكذا في الأصل، ولكن علَّق كاتبه:«لعله: ولو أبطل. وهي كذلك بخط الناسخ، لكنها مصلحة: ولو أطيل، إمَّا من الناسخ أو غيره» .
والعبث في الصلاة مكروه جدًّا، لا سيما وهو راكع، وخلعُ نعليه يحتاج إلى نوع علاج.
وأيضًا فإنه صلى الله عليه وسلم قد أمر المصلِّيَ أن يبصُق في ثوبه، إذا لم يجد مكانًا يبصق فيه. وكانوا إذا وجدوا يسيرَ الدم مضوا في صلاتهم
(1)
. فعُلِم أنَّ حملَ شيءٍ من البصاق ونحوه وحملَ شيءٍ من يسير النجاسة المعفوِّ عن يسيرها لا كراهة فيه، ولا يُشرَع لإزالته شيءٌ من العمل.
وأيضًا فقوله في الحديث: «فإن رأى خَبثًا فليمسحه، ثم ليصلِّ فيهما» دليل على أن الصلاة لا تصح مع وجوده، وهذا لا يكون إلا في خبثٍ هو نجسٌ.
ولأن النسيان يجعل الموجود كالمعدوم، ويبقى المعدوم على حاله، لأن الله سبحانه قد استجاب دعاء نبيه والمؤمنين حيث قالوا:{لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، فإنه قال: قد فعلتُ. رواه مسلم
(2)
. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عُفِيَ لأمتي عن الخطأ والنسيان»
(3)
.
(1)
انظر: «مصنف» عبد الرزاق (1/ 143)، و «مصنف» ابن أبي شيبة (1/ 137).
(2)
برقم (126) من حديث ابن عباس.
(3)
أخرجه بهذا اللفظ ابن حزم في «المحلى» (8/ 334) معلقًا من طريق الربيع بن سليمان المؤذن، عن بشر بن بكر، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس به.
وقد اختلف على الأوزاعي في هذا الحديث.
فأخرجه ابن ماجه (2045)، والطبراني في «الأوسط» (8/ 161)، من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس، بلفظ:«إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» ، قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (2/ 126): «هذا إسناد صحيح إن سلم من الانقطاع، والظاهر أنه منقطع
…
وليس ببعيد أن يكون السقط من صنعة الوليد بن مسلم؛ فإنه كان يدلس تدليس التسوية».
وأخرجه ابن حبان (7219)، والطبراني في «الصغير» (2/ 52)، والدارقطني (4/ 170) ، من طريق الأوزاعي، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن ابن عباس، بلفظ:«إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه» .
صححه الحاكم (2/ 216)، وجود إسناده ابن كثير في «تحفة الطالب» (232).
وأنكر هذا الحديث أحمد كما في «العلل ومعرفة الرجال» رواية عبد الله (1/ 561)، وأبو حاتم كما في «العلل» لابنه (4/ 116).
وقد روي هذا الحديث بمعناه عن عدد من الصحابة، انظر:«نصب الراية» (2/ 64)، «جامع العلوم والحكم» (2/ 361)، «البدر المنير» (4/ 177).
فإن ترك المأموَر به ناسيًا لم يؤاخَذ بالترك، ولم تبرأ ذمته من عهدة الإيجاب، لأنه لم يفعله. وإن فعل المنهيَّ عنه ناسيًا كان كأنه لم يفعله، فلا يضرُّه وجودُه. وحملُ النجاسة في الصلاة من باب المنهيات، فإذا وقع كان معفوًّا عنه، بخلاف الوضوء والاستقبال والسترة، فإنها من باب المأمورات، [ص 145] فإذا لم يفعلها بقيت عليه. ولهذا لم يفسد الصومُ بالأكل ناسيًا.
ومن فرَّق بين الجاهل والناسي ينتقض عليه بمن ذكر فائتةً، ثم نسيها حتَّى صلى الحاضرةَ، فإنَّ حاضرته تصحُّ في ظاهر المذهب.
فإن قيل: فلو جهِل أن النجاسة محرَّمة في الصلاة.
قلنا: إن كان ممن يُعذَر بهذا الجهل، فسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. فعلى هذا إن علم النجاسة في أثناء الصلاة ابتدأ
(1)
الصلاة على
(1)
في المطبوع: «فابتدأ» ، وفي المصورة التي بين يديَّ «وابتدأ» ، وفوق الواو ثلاث نقاط كأنها علامة للشك والحذف والظاهر أن الواو مقحمة.