الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب أدب المشي إلى الصلاة
مسألة
(1)
: (يستحبُّ المشيُ إلى الصلاة بسكينة ووقار، ويقارب بين خُطاه، ولا يشبِّك أصابعه)
.
قال أبو عبد الله رحمه الله
(2)
في رواية مهنَّا: «ويستحَبُّ للرجل إذا أقبل إلى المسجد أن يُقبِل بخوف ووجَل وخشوع وخضوع، وأن تكون عليه السكينة والوقار، ما أدرك صلَّى وما فات قضَى، بذلك جاء الأثر عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. يعني
(3)
: وجاء عنه أنه كان يأمر بإثقال الخُطَى، يعني قُربَ الخُطَى إلى المسجد. ولا بأس إذا طمِع أن يدرك التكبيرة الأولى أن يُسرِع شيئًا، ما لم يكن عجلةً تقبُح. جاء الحديث عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يعجِّلون شيئًا إذا تخوَّفوا فوتَ التكبيرة الأولى، وطمِعوا في إدراكها»
(4)
.
وذلك لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم الإقامةَ فامشُوا، وعليكم السكينة، ولا تُسرعوا. فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا»
(5)
وعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمِع
(1)
«المغني» (2/ 116 - 117)، «الشرح الكبير» (3/ 395 - 398)«الفروع» (2/ 158).
(2)
في «رسالة الصلاة» . انظر: «طبقات الحنابلة (2/ 641).
(3)
كذا في الأصل والمطبوع. ولعل كلمة «يعني» مقحمة في المتن.
(4)
انظر: «المصنف» لعبد الرزاق (3411)، و «المصنف» لابن أبي شيبة (7473)، و «الأوسط» لابن المنذر (4/ 146).
(5)
أخرجه البخاري (636) ومسلم (602).
جَلَبةَ رجال. فلما صلَّى قال: «ما شأنكم؟» قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: «فلا تفعلوا. إذا أتيتم الصلاةَ فعليكم السكينة. فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا»
(1)
متفق عليهما.
فعلى هذا، يُكرَه الإسراعُ الشديد مطلقًا، وإن فاته بعضُ الصلاة، لنهي النبيِّ [ص 234]صلى الله عليه وسلم عن ذلك. ويكره الإسراع اليسير، إلّا إذا خاف فوتَ تكبيرة الافتتاح، وطمِع في إدراكها، لما ذكره الإمام أحمد عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يعجِّلون شيئًا إذا تخوَّفوا فوتَ التكبيرة، وطمِعوا في إدراكها
(2)
.
وقد روى سعيد في «سننه»
(3)
عن رجل من طيِّئ قال: كان عبد الله ينهانا عن السعي إلى الصلاة، فخرجتُ ليلةً، فرأيته يشتدُّ إلى الصلاة، فقلت: يا أبا عبد الرحمن كيف تنهانا عن السعي إلى الصلاة؟ فرأيتك الليلةَ اشتددتَ إليها! قال: إنِّي وأبيك بادرتُ حدَّ الصلاة. يعني: التكبيرة الأولى.
وهذا يدل على أنَّ هذا الموضع غيرُ داخل في نهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لأنَّ أصحابه أعلم بمعنى ما سمعوه منه. فإنَّ ابن مسعود من جملة رواة هذا الحديث عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وسياقُ الحديث يدل على أنَّ النهي إنما هو لمن فاتته تكبيرة الافتتاح، لأنه في أناس سمع جلَبتَهم وهو في الصلاة، وهذا بعد التحريم
(4)
. وفي الحديث الآخر: «إذا سمعتم الإقامة فامشُوا إلى الصلاة»
(1)
البخاري (635) ومسلم (603).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
وأخرجه الطبراني في «الكبير» (9/ 254)، وابن المنذر في «الأوسط» (4/ 147).
(4)
تقدم تخريجه.
فغالبُ من يكون بعيدَ الدار عن المسجد إذا أتى حين يسمع الاقامة تفوته التكبيرة.
والفرق بين هذا الموضع وغيره: أنه جاء فضل عظيم فيمن يدرك حدَّ الصلاة. وإدراكُ الحدِّ أن يدرك أولها، وهو أن يدرك الصلاة قبل تكبيرة الإمام، ليكون خلف الإمام إذا كبَّر للافتتاح. وهذا القدر لا ينجبر إذا فات لأنه يكون مُدرِكًا للركعة ولو أدرك الإمامَ في الركوع، بخلاف ما إذا فاتته الركعة، فإنه يمكن أن يقضي ما فاته؛ وبخلاف ما إذا فاته حدُّ الصلاة فإنه قد أيس من إدراك الحدِّ. فإذا كان هذا المقصود العظيم الذي لا ينجبر فواته يحصُل بإسراع يسير لم يُكرَه ذلك.
فأمَّا الإسراع لإدراك الركعة، فباقٍ على عموم الحديث؛ بل هو المقصود منه لأنَّ الفوات إنما يكون بفوات الركعة، لأنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرة لمَّا أسرع لإدراك الركوع:«زادك الله حرصًا، ولا تَعُد»
(1)
.
وإن خشي فواتَ الجماعة أو الجمعة بالكلِّيّة، فلا ينبغي أن يُكرَه له الإسراع هنا، لأنَّ ذلك لا ينجبر إذا فات. وقد علَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الأمرَ بالسكينة بقوله
(2)
: «فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتِمُّوا»
(3)
. فمن لا يرجو إدراكَ شيء إذا مشى وعليه السكينة، يدخل في هذا الحديث. وقد قيَّده في الحديث الآخر [ص 235]:«إذا سمعتم الإقامة»
(4)
، فعُلِمَ أنَّ الخطاب لمن
(1)
أخرجه البخاري (783).
(2)
في المطبوع: «لقوله» .
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
يأتي الصلاةَ طامعًا في إدراكها.
ولا فرق فيما ذكرناه من كراهة الإسراع لمن رجا الإدراك بين الجمعة وغيرها، لعموم الحديث.
وقد روى الحسن عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الأناة من الله، والعجلة من الشيطان»
(1)
. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ فيك لَخَلَّتين يحبُّهما الله: الحلم والأناة» رواه مسلم
(2)
.
وكان قد استأنى في دخوله على النبيِّ صلى الله عليه وسلم دون رجال قومه. وأصلُ ذلك في قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: 63]. قال الحسن وغيره: سكينة ووقار
(3)
. وقال لقمان في وصيته لابنه {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} [لقمان: 19].
ولأنَّ الإسراع الشديد يذهب بالحلم، ويغيِّر العقل والرأي، فكُرِه لما فيه
(1)
أخرجه من طريق الحسن مرسلًا بإسناد ليّن الخرائطي في «مكارم الأخلاق» (687) وفيه: «إن التبين من الله والعجلة من الشيطان فتبينوا» ، ويشهد له حديث سهل بن سعد عند الترمذي (2012) بلفظ الشارح سواء، وحديث أنس بن مالك عند الحارث «بغية الباحث» (868)، فالحديث حسن بمجموع طرقه، وانظر:«المقاصد الحسنة» (312).
(2)
برقم (560).
(3)
ومثله في «مجموع الفتاوى» (22/ 565). وهو تفسير مجاهد وعكرمة وغيرهما. ولفظ الحسن: «علماء حلماء لا يجهلون» ، وهو راجع إلى الوقار أيضًا. انظر:«تفسير الطبري» (17/ 492).
من هذه المفاسد وغيرها. ولأنه إذا استأنى، وصلَّى البعضَ في الجماعة والبعضَ منفردًا، كان أصلح وأبلغ في اجتماع همِّه على الصلاة من الإسراع الشديد الذي تتعقبه الصلاة. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكرة:«زادك الله حرصًا، ولا تَعُدْ»
(1)
ولهذا أمرَ صلى الله عليه وسلم بتقديم العَشاء والخَلاء على الصلاة ليجمع القلب عليها
(2)
.
فإن قيل: فقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9].
قلنا: «السعي» في كتاب الله لمعنى الفعل والعمل، دون العَدْو. قال تعالى:{إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: 4]. وقال: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19]. وقال: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} [البقرة: 205]. وقال تعالى عن فرعون: {ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى} [النازعات: 22]. وقال: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس: 8]. وقال: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} [المائدة: 33].
ومنه يقال: السعي على الصدقات، كما يقال: العامل عليها. وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: فامضُوا إلى ذكر الله، وذروا البيع
(3)
. ويقول: لو قرأتُها:
(1)
سبق تخريجه قريبًا.
(2)
أخرجه البخاري (671) ومسلم (560) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
أخرجه البخاري تعليقًا قبل الحديث (4897). وأخرجه مالك في «الموطأ» (13) عن الزهري، وعقَّب عليه بتفسير لفظ «السعي» .
«فاسعَوا» لسعَيتُ حتى يسقط ردائي
(1)
. فقد اتفقوا على أنه ليس المراد بالعَدْو، ولكن من فهم من «السعي» أنه العَدْو ــ كما في الحديث ــ اختار الحرف الآخر. وأمَّا حرف العامَّة فقد تبيَّن معناه.
وإنما استحببنا المقاربة بين الخُطَى لما روى أبو هريرة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تطهَّر الرجل ثم خرج إلى المسجد، لا يُخرجه إلا الصلاة، لم يخطُ خطوةً إلا رُفِعت له بها درجة، وحُطَّت عنه بها خطيئة» متفق عليه
(2)
.
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ص 236]: «إذا تطهَّر الرجلُ ثم أتى المسجدَ يرعى الصلاةَ كَتَب له كاتباه بكلِّ خطوة يخطوها إلى المسجد عشرَ حسنات. والقاعد يرعَى الصلاةَ كالقانت، ويُكتَب من المصلِّين من حين يخرج من بيته حتى يرجع إليه» رواه أحمد
(3)
.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أقيمت الصلاة، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
لم أقف عليه بهذا السياق، وأخرج عبد الرزاق (5350)، وابن أبي شيبة (5605)، عن ابن عمر أنه قال:«لقد توفي عمر وما يقرأ هذه الآية التي في سورة الجمعة إلا فامضوا إلى ذكر الله» ، وأخرجها بمثل سياق الشارح من قول عبد الله بن مسعود: عبد الرزاق (5349)، وابن أبي شيبة (5604)، وابن جرير في «جامع البيان» (22/ 639).
(2)
البخاري (647) ومسلم (649).
(3)
برقم (17440).
وصححه ابن خزيمة (1492)، وابن حبان (2045)، والحاكم (1/ 331).
يمشي، وأنا معه، فقارَب الخُطَى، ثم قال:«تدري لِمَ فعلتُ هذا؟ لِتكثُر خطاي في طلب الصلاة» رواه عبد بن حميد
(1)
.
وأما التشبيك بين الأصابع، فيُكَره من حين يخرج. وهو في المسجد أشدُّ كراهةً، وفي الصلاة أشدُّ وأشدُّ، لما روى كعب بن عُجْرة رضي الله عنه قال سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إذا توضأ أحدكم، ثم خرَج عامدًا إلى الصلاة، فلا يشبِّكَنَّ بين يديه، فإنه في صلاة» رواه أحمد وأبو داود والترمذي
(2)
.
وعنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يشبك أصابَعه في الصلاة، ففرَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه. رواه ابن ماجه
(3)
.
(1)
وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (162)، والطبراني في «الكبير» (5/ 118)، من طريق الضحاك بن نبراس، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، عن زيد بن ثابت به.
في إسناده مقال، قال أبو حاتم:«روى هذا الحديث جماعة، عن ثابت البناني، فلم يوصله أحد إلا الضحاك بن نبراس، والضحاك لين الحديث، وهو ذا يتابعه محمد بن ثابت، ومحمد أيضًا ليس بقوي، والصحيح موقوفًا» «العلل» (1/ 91)، وقال الهيثمي في «المجمع» (2/ 151) بعد أن عزاه إلى الطبراني:«فيه الضحاك بن نبراس، وهو ضعيف. ورواه موقوفًا على زيد بن ثابت، ورجاله رجال الصحيح» .
(2)
أحمد (18103)، وأبو داود (562)، والترمذي (386)، من طرق عن كعب بن عجرة به.
صححه ابن خزيمة (441)، وابن حبان (2036)، وقال ابن رجب في «فتح الباري» (2/ 586):«في إسناده اختلاف كثير واضطراب» ، انظر:«السنن الكبرى» للبيهقي (3/ 230)، «صحيح أبي داود: الكتاب الأم» (3/ 94).
(3)
برقم (967).
وعن أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أحدكم في المسجد فلا يشبِّكَنَّ، فإنَّ التشبيك من الشيطان. وإن أحدكم لا يزال في الصلاة ما دام في المسجد حتى يخرج منه» رواه احمد
(1)
.
قال أبو عبد الله في «رسالته»
(2)
: «واعلموا أنَّ العبد إذا خرج من منزله يريد المسجد [إنما]
(3)
يأتي الله الجبَّارَ الواحدَ القهَّارَ العزيزَ الغفَّارَ، وإن كان لا يغيب عن الله تعالى حيث كان، ولا يعزُب عنه مثقالُ حبَّة من خردل، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، في الأرضين السبع، ولا في السماوات السبع، ولا في البحار السبعة، ولا في الجبال الصُّمِّ الصِّلاب الشوامخ البواذخ. وإنما يأتي بيتًا من بيوت الله، يريد الله، ويتوجَّه
(4)
إلى الله وإلى بيت من البيوت التي {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: 36 - 37]، فإذا خرج من
(1)
برقم (11385، 11512)، من طريق عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن عمه عبيد الله بن عبد الله بن موهب، عن مولى لأبي سعيد الخدري، عن أبي سعيد به.
إسناده ضعيف، عبيد الله بن عبد الرحمن فيه مقال، كما في «الميزان» (3/ 12)، وفي عمه جهالة، ولم يسم مولى أبي سعيد، قال ابن حجر في «فتح الباري» (1/ 566):«في إسناده ضعيف ومجهول» .
(2)
في الصلاة. انظر: «طبقات الحنابلة» (2/ 461 - 463).
(3)
في المخطوط بياض، وذكر الناسخ أن في أصله بياضًا أيضًا. والتكملة من «رسالة الصلاة» .
(4)
في الأصل والمطبوع: «وتوجه» ، ومقتضى السياق ما أثبت من «الطبقات» .
منزله فَلْيُحدِثْ لنفسه تفكُّرًا وأدبًا غيرَ ما كان عليه، وغيرَ ما كان فيه قبلَ ذلك، من حالات الدنيا وأشغالها. وَلْيَخرُج بسكينة ووقار، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك أمر
(1)
. وَلْيخرُج برغبة ورهبة، وبخوف ووجَل وخضوع وذُلٍّ وتواضع لله عز وجل، فإنه كلَّما تواضَع لله عز وجل وخشَع وذَّل لله عز وجل كان أزكى لصلاته، وأحرى لقبولها، وأشرفَ للعبد، وأقربَ له من الربِّ. وإذا تكبَّر قصَمه الله، وردَّ عمله، وليس يقبل [ص 237] من المتكبِّر عملًا. جاء الحديث عن إبراهيم عليه السلام خليل الله عز وجل أنه أحيا ليلةً، فلمَّا أصبح أُعجِبَ بقيام ليلته، فقال: نعمَ الرَّبُّ رَبُّ إبراهيم، ونعم العبد إبراهيمُ! فلما كان غداؤه لم يجِد أحدًا يأكل معه. فنزل ملَكان من السماء، فأقبلا نحوه، فدعاهما إبراهيم إلى الغداء، فأجاباه.
فقال لهما: تقدَّما بنا إلى هذه الروضة، فإنَّ فيها عينًا، وفيها ماء، فنتغدَّى عندها. فتقدَّموا إلى الرَّوضة، فإذا العين قد غارت، فليس فيها ماء. فاشتدَّ ذلك على إبراهيم، واستحيا مما قال، إذ رأى غيرَ ما قال. فقالا له: يا إبراهيم ادعُ ربَّك. واسأله أن يعيد الماءَ في العين. فدعا اللهَ عز وجل، فلم ير شيئًا فاشتدَّ ذلك عليه، فقال لهما: ادعُوَا الله. فدعا أحدُهما، فرجع و [إذا]
(2)
هو بالماء في العين. ثم دعا الآخر، فأقبلت العين. فأخبراه أنهما ملكان، وأنَّ إعجابه بقيام ليلةٍ رَدَّ دعاءَه عليه، ولم يُستجَب له».
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
في الأصل: «فرج وهو» . وفي المطبوع: «فرجع وهو» . ولعل ما زدته من «الطبقات» ساقط من النص.