الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأنهما نوران يتبعان الشمسَ، فتعلَّق الوقت باقترابهما
(1)
إلى الشمس كالفجرين. وهذا لأن البياض الذي يمتدُّ في المغرب في الأفق بعد مغيب الحمرة نظير البياض الذي يستطيل في المشرق قبل طلوع الفجر الثاني، وذلك لم يتعلَّق به حكم.
مسألة
(2)
: (ووقت العشاء من ذلك إلى نصف الليل. ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني)
.
أمَّا أول وقتها، فقد تقدَّم. وأمَّا آخر وقتها في حال الاختيار، ففيه روايتان:
إحداهما: إلى ثلث الليل، وهو أكثر الروايات عنه. واختارها الخرقي
(3)
والقاضي
(4)
وغيرهما، لأنه كذلك في حديث جبريل، وفي حديث السائل أيضًا من رواية أبي موسى وبريدة. ورواية جابر شكَّ فيها، قال بعضهم: ثلث الليل، وقال بعضهم: شطره. فتُحمَل روايةُ من روى «نصف الليل»
(5)
على أنه قال بالتحرِّي والاجتهاد. وروى النسائي
(6)
عن عائشة أن
(1)
كذا في الأصل والمطبوع، ولعل الصواب:«بأقربهما» .
(2)
«المستوعب» (1/ 145)، «المغني» (2/ 27 - 29)، «الشرح الكبير» (3/ 158 - 164)، «الفروع» (1/ 432).
(3)
في «المختصر» (ص 17).
(4)
في «الجامع» . انظر: «شرح الزركشي» (1/ 478) و «الإنصاف» (3/ 158).
(5)
في الأصل: «على نصف الليل» ، والظاهر أن «على» مقحمة.
(6)
برقم (535).
قال ابن رجب في «فتح الباري» (3/ 187): «هذا غير محفوظ، والظاهر أنه مدرج من قول الزهري» .
النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلُّوها ما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل» . أو أراد مقاربة نصف الليل.
والرواية الثانية: إلى نصفه. اختارها طائفة من أصحابنا، لأنَّ في حديث عبد الله بن عمرو المتقدِّم:«وقتُ صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط» وهو أبين شيء في المواقيت. وكذلك في حديث أبي هريرة: «وإنَّ آخر وقتها حين ينتصف الليل» .
وعن أبي برزة
(1)
: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان لا يبالي بتأخير العشاء إلى نصف الليل. رواه مسلم
(2)
.
وعن أنس قال: أخَّر النبيُّ صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل، ثم صلَّى، ثم قال:«قد صلَّى الناسُ وناموا. أمَا إنكم في صلاةٍ ما انتظرتموها» [ص 34] متفق عليه
(3)
.
ولمسلم
(4)
: حتى كان قريبًا من نصف الليل.
وعن أبي سعيد الخدري قال: انتظرنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليلةً صلاةَ العشاء، حتى ذهب نحوٌ من شطر الليل، فجاء، فصلَّى بنا، وقال:«لولا ضعفُ الضعيف، وسقمُ السقيم، وحاجةُ ذي الحاجة= لأخَّرتُ هذه الصلاة إلى شطر الليل» رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه
(5)
.
(1)
في الأصل: «أبي هريرة» ، ووضع الناسخ على «هريرة» علامة، وكتب في الحاشية:«خ برزة» وهو الصواب.
(2)
برقم (647).
(3)
البخاري (572) ومسلم (640/ 222).
(4)
برقم (640/ 223).
(5)
أحمد (11015)، وأبو داود (422)، والنسائي (538)، وابن ماجه (693).
صححه ابن خزيمة (345)، وقال ابن رجب في «فتح الباري» (3/ 202):«إسناده على شرط مسلم» .
وهذا كلام مفسَّر من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يُقضَى به على ما سواه من الحكايات المحتملة.
وفي هذه الأحاديث زيادة، فيجب الأخذُ بالزائد، ويُحمَل
(1)
قولُ من روى «ثلث الليل» على
(2)
أنه أراد ثلثَ الليل الممتدَّ إلى طلوع الشمس؛ فإنَّ ما بعد طلوع الفجر قد يُجعَل ليلًا. ولهذا يسمَّى وقتُ الزوال نصف النهار في كثير من الأحاديث التي تقدَّمت. وإنما يكون نصفَ النهار إذا كان أولُه من حين طلوع الشمس، كما يقوله بعض أهل اللغة والحساب والفقه. وإذا كان الغالب على لسان الشرع انتهاء الليل إلى طلوع الفجر، وابتداء النهار من حينئذ، وثلُث الليل بهذا الاعتبار أكثر من ثلثه بالاعتبار الأول= فإذا انضمَّ إلى هذا احتياطُ الراوي وإخبارهُ بالمستيقن جاز أن يسمَّى ما يقارب النصف ثلثًا.
فصل
وأما وقت الإدراك والضرورة، فيمتدُّ إلى طلوع الفجر الثاني، لما روى يحيى بن آدم عن ابن عباس قال: لا يفوت وقتُ الظهر حتى يدخل وقت العصر، ولا يفوتُ وقت العصر حتى يدخل وقت المغرب، ولا يفوت وقتُ المغرب إلى العشاء، ولا يفوت وقتُ العشاء إلى الفجر
(3)
. وروى الخلال
(1)
في الأصل: «يحتمل» وقال ناسخه في الحاشية: «لعله: ويحمل» . وهو كما قال.
(2)
في الأصل والمطبوع: «على ثلث الليل» ، وكتب «على» في غير موضعه والصواب ما أثبت.
(3)
أخرج عبد الرزاق (2226) ــ ومن طريقه ابن المنذر في «الأوسط» (2/ 345) ــ عن الثوري، عن ليث، عن ابن طاوس، عن ابن عباس قال:«وقت الظهر إلى العصر، والعصر إلى المغرب، والمغرب إلى العشاء، والعشاء إلى الصبح» ، قال الثوري:«وقد كان بعض الفقهاء يقول: الظهر والعصر حتى الليل، ولا يفوت المغرب والعشاء حتى الفجر، ولا يفوت الفجر حتى تطلع الشمس» ، وبنحوه البيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 366).
أيضًا عن ابن عباس: لا يفوت وقتُ العشاء إلى الفجر
(1)
.
وسنذكر إن شاء الله عن عبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وابن عباس أنهم قالوا في الحائض: إذا طهرت قبل طلوع الفجر صلَّت المغرب والعشاء. ولم يُنقَل عن صحابيٍّ خلافُه، بل وافقهم التابعون على أن العشاء تجب بالطهر قبل الفجر، مع قوله في حديث أبي قتادة لما ناموا:«أمَا، إنه ليس في النوم تفريط. إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاةَ حتى يجيء وقت الأخرى»
(2)
رواه أحمد ومسلم وأبو داود؛ فإنه يقتضي امتداد كلِّ صلاة إلى وقت التي تليها، وإنما استثني منه الفجر لظهور وقتها.
وظاهرُ القرآن في قوله تعالى: {وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]، وقوله سبحانه:{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78] وقوله تعالى: {وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ} [طه: 130] يعُمُّ ذلك الجملة
(3)
.
وتأخير الصلاة [ص 35] إلى هذا الوقت لغير العذر لا يجوز، كما تقدَّم في صلاة العصر.
(1)
انظر التخريج السابق.
(2)
تقدَّم تخريجه.
(3)
كذا في الأصل، وفي حاشيته ما نصّه:«فيه بياض موضع نصف سطر مذكور فيه صح» . ولم يشر في المطبوع إلى هذه الحاشية.
وهذه الصلاة أربع ركعات بالنقل العامِّ.
وتسمَّى «العشاء» ، لقوله تعالى:{وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58]. وهو أفضل من تسميتها بـ «العَتَمة» . وإن سمِّيت «العتَمة» لم يُكرَه إلا أن يُهجَر اسمُ العشاء، لأن في «الصحيحين»
(1)
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعلَمون ما في العتَمة والصبح لأتوهما ولو حَبْوًا» . وقد صحَّ من وجوه كثيرة عن أبي موسى وابن عباس وعائشة وجابر بن سمُرة
(2)
أنهم سمَّوها «العتمة» . ولأنَّ ذلك نسبة إلى وقتها، فأشبَه المغربَ والفجرَ.
وإنما كُرِه تركُ ذلك الاسم لما روى ابن عمر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تغلِبنَّكم الأعرابُ على اسم صلاتكم. ألا إنَّها العشاء. وهم يُعتِمُون بالإبل» رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه
(3)
. ولمسلم
(4)
وفيه وجه ثان: أنه يُكرَه أن تسمَّى بالعتمة لظاهر الحديث وحملًا لأحاديث الرخصة على أنها منسوخة. ذكره الآمدي
(5)
.
(1)
البخاري (615) ومسلم (437).
(2)
حديث عائشة في البخاري (864) ومسلم (638) وحديث جابر بن سمرة في مسلم (643). وحديث ابن عباس في «سنن أبي داود» (2313). وحديث أبي موسى في البخاري (567) فيه: «فأعتم بالصلاة» ، ونحوه في حديث ابن عباس في البخاري (571).
(3)
أحمد (4572)، ومسلم (644)، والنسائي (541)، وابن ماجه (704).
(4)
برقم (644/ 229).
(5)
وانظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» (1/ 408 - 409).