الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا أدرك بعضَ الصلاة في الوقت، فبعضها المفعول خارجَ الوقت هل يكون أداءً أو قضاءً؟ على وجهين، أشهرهما: تكون أداءً، لظاهر قوله:«فقد أدركها» . فمن زعم أنَّ بعضَها أو كلَّها يقع قضاءً لم يكن قد أدركها كلَّها عنده، وهو خلاف النص. ولأنَّ المشهور في المذهب أنَّ الجمعةَ تُفعَل بعضُها بعد خروج الوقت، مع أنها لا تكون قضاءً.
والثاني: تكون قضاءً، لأنَّ حقيقة القضاء ما فُعِل بعد الوقت، وهذا كذلك. ولأنَّ مدرِك الجمعة والجماعة يكون منفردًا بعد سلام الإمام حقيقةً وحكمًا، وإن كان قد أدرك فضل الجماعة في الجملة، فكذلك هذا.
وبكلِّ حال فيجب عليه أن يفعل جميع الصلاة قبل خروج الوقت، كما تقدَّم. ومتى أخَّر شيئًا منها عن الوقت عمدًا أثِمَ بذلك، لأنَّ النصوص المتقدِّمة في المواقيت [ص 39] تدلُّ على وجوب فعل جميع الصلاة قبل خروج الوقت.
مسألة
(1)
: (والصلاة في أول الوقت أفضل، إلَّا عشاءَ الآخرة، وفي شدة الحرِّ الظهر)
.
هذا الكلام فيه فصلان، لأن الكلام في تعجيل الصلوات إمَّا أن يكون على سبيل الإجمال، أو على سبيل التفصيل.
(1)
«المستوعب» (1/ 144 - 145)، «المغني» (2/ 32 - 46)، «الشرح الكبير» (133، 150، 156، 162، 166)، «الفروع» (427 - 435).
الفصل الأول
إن الأصل في الصلاة في أول الوقت
(1)
أفضل من آخره، إلا لمعنًى يقتضي استحباب التأخير، لأن الله تعالى قال:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} [البقرة: 148]، وقال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133]، وقال تعالى:{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد: 21]، وقال تعالى:{يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ} [الأنبياء: 90]، وقال تعالى:{أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61]، وقال:{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة: 10]، أي إلى الأعمال الصالحة في الدنيا هم السابقون إلى الدرجات في الجنة. وقال تعالى:{فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]، وقال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة: 100]، وقال عن نبيِّه موسى:{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه: 84].
وهذه الآيات تقتضي أنَّ المسارعة إلى الخيرات مأمور بها، وأنَّ فاعلها مستوجِب لثناء الله ورضوانه. ولذلك يقتضي الاستباقُ إلى الخيرات وإلى أسباب المغفرة أمرًا بها، وثناءً على أهلها، وتفضيلًا لهم على غيرهم. والصلاةُ من أفضل الخيرات، وأعظم أسباب المغفرة.
وعن محمد بن [عمر بن علي بن أبي طالب]
(2)
عن أبيه عن علي بن
(1)
كذا في الأصل والمطبوع. وقد يكون الصواب: «إن الأصل أن الصلاة
…
» أو «إن الأصل في الصلاة أن أول الوقت
…
».
(2)
في الأصل بياض بقدر كلمة، والمثبت من الترمذي.
أبي طالب رضي الله عنه
(1)
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثٌ يا عليُّ لا تؤخِّرْهُنَّ: الصلاةُ إذا أتت، والجنازةُ إذا حضرت، والأيِّمُ إذا وجدتَ لها كفؤًا» . رواه أحمد والترمذي وقال: «حديث حسن
(2)
غريب، وما أرى إسناده بمتصل». لكن هذا الانقطاع هو من رواية ولده، ومثل ذلك يكون من أقوى المراسيل، فإنهم أعلم بحديثهم
(3)
.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً لوقتها الآخر
(4)
حتى قبضه الله
(5)
. رواه أحمد والترمذي
(6)
.
ورواه الدارقطني
(7)
(1)
في المطبوع: «رضي الله عنهما» خطأ.
(2)
كذا في الأصل. ولم يرد «حسن» في «سنن الترمذي» (1075) طبعة شاكر (3/ 378) وبشار (2/ 373).
(3)
أحمد (828)، والترمذي (171، 1075).
إسناده ضعيف، فيه سعيد بن عبد الله الجهني مجهول، وبذلك أعله ابن حبان في «المجروحين» (1/ 323)، وابن حجر في «الدراية» (2/ 63)، فضلًا عن الانقطاع الذي أشار إليه الشارح، انظر:«السلسلة الضعيفة» (5751).
(4)
في الأصل: «الأخير» ، والمثبت من مصادر التخريج.
(5)
هذا لفظ إحدى روايتي الدارقطني. وفي «المسند» والترمذي: «لوقتها الآخر مرَّتين حتى
…
».
(6)
أحمد (24614)، والترمذي (174)، من طرق عن سعيد بن أبي هلال، عن إسحاق بن عمر، عن عائشة به.
قال الترمذي: «حديث [في نسخة: حسن] غريب، وليس إسناده بمتصل» ، إسحاق لم يدرك عائشة، وهو مع ذلك مجهول، كما في «تهذيب الكمال» (2/ 461)، وضعفه ابن القطان في «بيان الوهم» (5/ 677)، وابن حجر في «الدراية» (1/ 105).
(7)
«السنن» (1/ 249).
فقال: إلا مرتين.
وعن أمِّ فروة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أحبَّ العمل إلى الله تعجيلُ الصلاة لأول وقتها» رواه الترمذي
(1)
. وإسناده
(2)
كإسناد الذي قبله، متقاربان، فيهما لين.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الرجلَ لَيصلِّي [ص 40] الصلاة لوقتها، وقد ترك من وقتها الأول ما هو خيرٌ له من أهله وماله» رواه الدارقطني
(3)
.
وقد روى الترمذي والدارقطني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الوقت الأول من الصلاة رضوان الله، والوقت الأخير عفو الله»
(4)
.
وروى الدارقطني عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول الوقت رضوان الله، وأوسط الوقت رحمة الله، وآخر الوقت عفو الله»
(5)
.
(1)
برقم (170)، وأخرجه أحمد (27105)، وأبو داود (426)، جميعهم من طرق عن عبد الله بن عمر، عن القاسم بن غنام، عن عماته، عن أم فروة به.
إسناده ضعيف، قال الترمذي:«حديث أم فروة لا يروى إلا من حديث عبد الله بن عمر العمري، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث، واضطربوا في هذا الحديث» ، وأعله الدارقطني في «العلل» (15/ 429 - 430)، والنووي في «الخلاصة» (1/ 258).
(2)
في الأصل: «وإسناد» ، وصوابه من المطبوع.
(3)
«السنن» (1/ 248).
إسناده واه، فيه إبراهيم بن الفضل المديني ضعيف منكر الحديث، كما في ترجمته من «تهذيب الكمال» (2/ 165 - 166)، وكذا ضعفه ابن رجب في «فتح الباري» (3/ 411)، وابن حجر في «الدراية» (1/ 105).
(4)
الترمذي (172)، والدارقطني (1/ 249).
قال الترمذي: «هذا حديث غريب» ، وقال البيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 435):«هذا حديث يعرف بيعقوب بن الوليد المدني، ويعقوب منكر الحديث، ضعفه يحيى بن معين، وكذبه أحمد بن حنبل وسائر الحفاظ، ونسبوه إلى الوضع، نعوذ بالله من الخذلان، وقد روي بأسانيد أخر كلها ضعيفة» .
(5)
«السنن» (1/ 249)، وأخرجه البيهقي (1/ 435).
إسناده تالف، فيه إبراهيم بن زكريا العجلي، قال البيهقي:«حدث عن الثقات بالبواطيل» ، وقال ابن حجر في «بلوغ المرام» (172):«أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدًّا» .
وهي أحاديث ليِّنة، قال الإمام أحمد: لا أعرف شيئًا ثبتَ
(1)
في أوقات الصلاة أولها كذا وآخرها كذا. يعني: مغفرة ورضوان
(2)
، إلا أنَّ هذا لا يمنع العملَ بها في الفضائل، لا سيَّما مع تعدُّد طرقها.
فإن قيل: فالعفو إنما يكون عن المسيء، ولا إساءة في التأخير.
قلنا: العفو قد يكون عن الذنب بعد وقوعه، وقد يكون عن أصل الإيجاب مع انعقاد سبب الوجوب أو التحريم، كقوله صلى الله عليه وسلم:«عفوتُ لكم عن صدقة الخيل والرقيق»
(3)
، وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما سكت الله عنه فهو مما عفا
(1)
«ثبت» ساقط من المطبوع.
(2)
انظر: «المغني» (2/ 42). وفي «التخليص الحبير» (1/ 460) من رواية الميموني عن أحمد: «لا أعرف شيئًا ثبت فيه» يعني: في هذا الباب.
(3)
أخرجه أحمد (984)، وأبو داود (1574)، والترمذي (620)، والنسائي (2477)، وابن ماجه (1813)، من حديث علي بن أبي طالب به.
قال الترمذي: «روى هذا الحديث الأعمش، وأبو عوانة، وغيرهما، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، وروى سفيان الثوري، وابن عيينة، وغير واحد، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي. وسألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: كلاهما عندي صحيح عن أبي إسحاق، يحتمل أن يكون روى عنهما جميعًا» ، ووافقه الدارقطني في «العلل» (3/ 157 - 159).