الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمكن إلا كذلك؛ إلّا أن يكون أميًّا، فإنه يصلِّي وحده، لأنه لا يجوز أن يؤمَّهم لأنه أمّيٌّ، وهم قُرَّاء، أو أحدهم
(1)
. ولا يأَتمُّ
(2)
، لأنه كاسٍ، وهم عراة.
فصل
يُكرَه السَّدْلُ في الصلاة
، وهو: أن يطرح على كتفيه ثوبًا، ولا يرُدَّ أحدَ طرفيه إلى كتفه الآخر.
وقال الآمدي وابن عقيل: السَّدْل: هو إسبال الثوب بحيث ينزل عن قدميه، ويجُرُّه، فيكون من باب إسبال الثوب
(3)
.
والتفسير الأول هو الصحيح، وهو المنصوص عنه
(4)
.
وعنه: إنما يكره على الإزار. أمَّا على القميص فلا
(5)
، حملًا للنهي على اللباس الذي كانوا يعتادونه، وهو الارتداء فوق المآزر، وتعليلًا للنهي بخشية انكشاف المنكب، وذلك مأمون على المتقمِّص ونحوه. وقد روى أبو الزبير
(1)
«أو أحدهم» كذا في الأصل والمطبوع.
(2)
ذكر الناسخ في الحاشية أنَّ في أصله: «ولا يأثم» . وانظر: «المغني» (2/ 322).
(3)
«المبدع» (1/ 330).
(4)
في «مسائل صالح» (1/ 374): «يلبس الثوب، فإذا لم يطرح أحد طرفيه على الآخر فهو سدل» . ونقل عن صالح في «الفروع» (2/ 56): «طرحه على أحدهما ولم يردَّ طرفيه على الآخر» . وفي «مسائل ابن هانئ» (1/ 59) أنَّ السدل «أن يرخي الرجل ثوبه على عاتقه، ثم لا يمسَّه» .
(5)
«الفروع» (2/ 56)، «المبدع» (1/ 330).
قال: رأيتُ ابن عمر يسدلُ [ص 112] في الصلاة
(1)
، فيُحمَل هذا على أنَّ عليه قميصًا.
ووجه الكراهة: ما روى عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنه نهى عن السَّدْل في الصلاة. رواه أحمد وأبو داود والترمذي
(2)
، وإسناده حسن.
وعن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنَّ أباه كره السَّدْلَ في الصلاة. قال أبو عبيدة: وكان أبي يذكر أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عنه. ورواه عبد الرزاق عن بِشْر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير عنه
(3)
.
وعن علي أنه رأى قومًا قد سدَلوا، فقال: ما لهم؟ كأنَّهم اليهود خرجوا من فُهْرهم
(4)
. رواه سعيد. ورواه ابن المبارك، ولفظه: رأى قومًا قد سدَلوا في الصلاة
(5)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (6552)، وابن المنذر في «الأوسط» (2386).
(2)
أحمد (7934)، وأبو داود (643)، والترمذي (378)، من طريق عطاء، عن أبي هريرة به.
صححه ابن خزيمة (772)، وابن حبان (2289)، والحاكم (1/ 384)، وقد وقع في إسناده اختلاف، انظر:«العلل» للدارقطني (8/ 338).
(3)
برقم (1417)، والبيهقي في «الكبرى» (2/ 243)، وقال:«تفرد به بشر بن رافع، وليس بالقوي» .
(4)
يعني: مِدراسهم. والفهر: عيد لليهود يقع في اليومين الرابع عشر والخامس عشر من آذار من شهورهم العبرية (المعجم الوسيط). وتفسيره بالمدراس مأخوذ من السياق. انظر: «سواء السبيل» (ص 146 - 148).
(5)
وأخرجه عبد الرزاق (1423)، وابن أبي شيبة (6542)، والبيهقي في «الكبرى» (2/ 243).
وعن ابن عمر أنه كان يكره السَّدْل في الصلاة
(1)
.
وقال إبراهيم: كانوا يكرهون السَّدل في الصلاة
(2)
. رواهما سعيد.
وعن ابن مسعود كراهته. ذكره ابن المنذر
(3)
.
وعلى هذا، فإنه يُكرَه السَّدلُ، سواء كان تحته ثوب أو لم يكن.
فإن صلَّى سادلًا قال أبو بكر: إن لم تبد عورته فلا يعيد باتفاق
(4)
. وقال ابن أبي موسى
(5)
: في الإعادة روايتان، أظهرهما: لا يعيد.
فصل
ويكره اشتمال الصَّمَّاء، لما روى أبو هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ليس على فرجه
(6)
منه شيء، وأن يشتمل الصماء بالثوب الواحد ليس على أحد شقَّيه. يعني: منه شيء. متفق عليه
(7)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (6545).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (6543).
(3)
«الأوسط» (2384).
(4)
«المبدع» (1/ 330).
(5)
لفظه في «الإرشاد» المطبوع (ص 25): «في الإعادة روايتان، إحداهما: لا إعادة عليه» .
(6)
في الأصل والمطبوع: «عاتقه» ، وقال الناسخ في حاشية الأصل:«كذا» ، وفوق «عاتقه» بين السطر:«حـ فرجه صح» . ولعله يعني أن الصحيح في متن الحديث: «فرجه» ، وكذا في «صحيح البخاري» .
(7)
البخاري (5821) ومسلم (1511).
وعن أبي سعيد قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لِبستَين: واللِّبْستان: اشتمالُ الصمَّاء، والصمَّاءُ: أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحدُ شقَّيه، ليس عليه ثوب. واللبسة الأخرى: احتباؤه بثوبه وهو جالس، ليس على فرجه منه شيء. رواه البخاري
(1)
.
وعن جابر أنَّ نبيَّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ترتدوا الصَّمَّاءَ في ثوب واحد» رواه أحمد
(2)
.
واشتمالُ الصَّمَّاء عند أحمد وأصحابه: أن يضطبع بالثوب، وهو أن يجعل وسطَه تحت عاتقه الأيمن، وطرفَيه فوق عاتقه الأيسر، أو بالعكس؛ لأنه كذلك جاء مفسَّرًا في الحديث: أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحد شقَّيه، ليس عليه ثوب
(3)
. وفي الآخر: ليس على أحد شقيه منه شيء
(4)
.
وفي لفظ لأبي سعيد من رواية أحمد وأبي داود
(5)
: واللِّبْسَتان: اشتمالُ الصمَّاء، يشتمل في ثوب واحد، يضع طرفَي الثوب على عاتقه الأيسر، ويُبرِز شقه الأيمن. والأخرى: أن يحتبي في ثوب واحد، ليس عليه غيرُه، يفضي بفرجه إلى السماء. وفي رواية
(6)
: أن يجعل وسطَ الرداء [ص 113] تحت
(1)
برقم (5820).
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
تقدم تخريجه.
(6)
تقدم تخريجه.
منكبه الأيمن، ويرُدَّ طرفَيه على منكبه الأيسر.
وهذا مكروه في الصلاة وخارج الصلاة، إذا لم يكن عليه إلا الثوب الذي اشتمل به. فإن كان عليه ثوب آخر من سراويل أو إزار أو قميص
(1)
، ففي الكراهة روايتان:
إحداهما: يُكرَه. وهي اختيار ابن أبي موسى
(2)
، لما روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحدكم أن يشتمل في إزاره إذا ما صلَّى، إلا أن يخالف بطرفيه على عاتقه. رواه أحمد
(3)
.
وذكر أحمد عن ابن عباس أنه كرهه، وإن كان عليه قميص
(4)
. وقد روى سعيد عن ابن عباس أنه كان يكره اشتمال الصمَّاء في الصلاة
(5)
. وفي لفظ
(6)
: كان يكره أن يلتحف الرجل بثوبه في الصلاة، فيُخرج يدَه من قبل صدره. ولأنه تخصيص لأحد العضوين المتشابهين باللباس، فكُرِه، كالمشي في نعل واحد.
فإن قيل: الحديث المشهور مقيَّد بالثوب الواحد، فيحمل هذا المطلق عليه؛ ولأنَّ الاضطباع لِبسة المُحرم، فكيف تكون مكروهةً؟
(1)
في المطبوع: «وقميص» ، والمثبت من الأصل.
(2)
في «الإرشاد» (ص 25).
(3)
برقم (8251)، وأصله في «الصحيحين» .
(4)
لم أقف عليه.
(5)
لم أقف عليه.
(6)
أخرجه الحكيم الترمذي في «المنهيات» (ص 27).
فيقال: الاضطباع في الثوب الواحد أشدُّ محذورًا، لأنَّ فيه إبداء المنكب، ويُخشَى معه من ظهور العورة، ولا يحصل معه مقصود اللباس. ولهذا لا يُشرَع الاضطباعُ للطائف طواف القدوم إلا أن يكون تحته ثوب.
قال أحمد في رواية حنبل: الاضطباع إذا كان عليك إزار أو قميص. وإذا لم يكن عليك إزار ولا قميص، ففعلتَ ذلك، كانت لِبسةَ الصَّمَّاء تُبيِّن شقَّه الأيسر وفرجَه
(1)
.
بل هذه اللِّبسة محرَّمة، تبطُل الصلاة معها. قال ابن أبي موسى وغيره: إن اضطبع بثوب كان تحته غيرُه أجزأته صلاته مع الكراهة، وإن لم يكن تحته غيره أعاد الصلاة
(2)
. وهذا المعنى معنى قول أحمد: «كانت لبسةُ الصمَّاء تبيِّن شِقَّه الأيسر وفرجَه» .
وذلك لأنَّ هذا تبدو معه العورة غالبًا، وتظهر
(3)
من غير أن يشعر اللابس بذلك. والحكمة إذا كانت غالبة غير منضبطة عُلِّق الحكم بالمظنَّة، وأقيمت مقامَ الحقيقة لوجودها معها غالبًا، ولعدم انضباطها، كما أقيم النومُ مقام الحدَث.
ولأنَّ الله أمرَ بالزينة عند الصلاة، ومَن لبِسَ هذه اللِّبسةَ فلم
(4)
يتزيَّن لله في الصلاة.
(1)
«المغني» (2/ 296).
(2)
انظر: «الإرشاد» (ص 25) و «الإنصاف» (3/ 248).
(3)
في الأصل والمطبوع: «يظهر» .
(4)
كذا بالفاء في الأصل. وفي المطبوع: «لم» .
وأمَّا اضطباعُ المحرِم، فذلك موضع مخصوص من النهي، لما كان فيه أولًا من إظهار الجلَد، ثم صار سنًّة وشعارًا. ولهذا لا يُشرَع إلا في أول طواف يطوفه الأفُقيُّ [ص 114] خاصَّةً. ولهذا فإنه إذا أراد أن يصلِّي ركعتَي الطواف سوَّى ردائه.
والرواية الأخرى: أنه لا يُكرَه، إلا إذا كان عليه ثوب واحد. قال الآمدي وغيره: هو الصحيح لأنَّ الأحاديث الصِحاح المفسَّرة إنما هي في الثوب الواحد. وقد علَّله في الحديث: «يبدو أحدُ شِقَّيه» ، وهذا مفقود في الثوبين.
ومن أصحابنا من قال: يُكرَه الاضطباع على المئزر، ولا يكره على القميص
(1)
. وهذا قول قويّ، فإنَّ الأغلب على القوم كان الارتداء فوق المآزر، وقد نُهوا عن الاشتمال؛ ولأنَّ في ذلك كشفًا للمنكب في الصلاة، وهو مكروه أو مبطِل لما تقدَّم، وقد نصَّ أحمد على كراهته. ولأنَّ الذي في الحديث كراهة بروز الشقِّ الأيمن، ولو لم يكن تحته مئزر لكانت العورة قد تظهر من الناحية اليسرى، فكان التعليل بكشف العورة أولى من التعليل ببروز الشقِّ فقط.
فإن قيل: فقد قال أبو عبيد
(2)
: اشتمال الصمَّاء عند العرب: أن يشتمل الرجلُ بثوب يجلِّل به جسدَه كلَّه، ولا يرفع منه جانبًا تخرج فيه
(3)
يده. كأنه يذهب به إلى أنه لعلَّه يصيبه شيء يريد الاحتراس منه، ولا يقدر عليه.
(1)
«الإنصاف» (3/ 249).
(2)
في «غريب الحديث» (4/ 77) ونقله عن الأصمعي.
(3)
في «غريب الحديث» : (فيُخرج منه».
وتفسير الفقهاء: أن يشتمل بثوب واحد، ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبه، فيبدو منه فرجه. قال
(1)
: والفقهاء أعلم بالتأويل. وقد ذكر أبو عبد الله السامري من أصحابنا مثل ما حكاه أبو عبيد عن العرب، فقال: اشتمال الصمَّاء هو أن يلتحف بالثوب، ويرفعه إلى أحد جانبيه، فلا يكون ليده موضع تخرج منه
(2)
. فلذلك تسمَّى «الصمَّاء» . قال بعض الفقهاء: يحتاج أن يُخرج يده من صدره، فتبدو عورته. والتفسير الذي ذكرتموه مخالف لهذين.
قلنا: أما التفسير الذي ذكرناه فهو منصوصٌ مفسَّر في الحديث. والتفسير الذي حكاه أبو عبيد عن الفقهاء يدل عليه الحديث أيضًا، لأنه قال: الصَّمَّاء أن يجعل ثوبه على أحد عاتقيه، فيبدو أحدُ شِقَّيه. وهذا يعُمُّ ما إذا اضطبع بالثوب من الناحية الأخرى أو لم يضطبع، فإنه إذا اضطبع أبدى منكبه الأيمن، وستَر منكبه الأيسر، وبقي شقُّه الأيسر غيرَ مستور. والصورة التي ذكر أبو عبيد يكون المنكب الأيمن [فيها]
(3)
مستورًا والمنكب الأيسر، لكنَّ الشقَّ الأيسر باديًا
(4)
، وظهورُ العورة فيه أشدُّ، لكون المنكبين
(1)
يعني أبا عبيد. وقوله من «كأنه يذهب به» إلى «بالتأويل» ، عقَّب به على تفسير الأصمعي.
(2)
نقله ابن تميم عن السامِّري. قال صاحب «الإنصاف» (3/ 250): «ولم أره في «المستوعب» »، وهو كما قال. ولم يزد في باب اللباس وستر العورة على قوله:«ونهى عن اشتمال الصمَّاء على غير ثوب، لأن عورته تبدو» .
(3)
زيادة منِّي.
(4)
كذا في الأصل والمطبوع. يعني: يكون باديًا.
مستورين
(1)
. وهذا أيضًا مما يحرُم، وتبطل الصلاة معه بلا ريب. [ص 115] واشتمالُ الصمَّاء يعمُّهما.
وأما الذي نُقل عن ابن عباس
(2)
أنه يُخرج يده من قبل صدره، فإن أخرجها من فوق حاشية الرداء صار مضطبعًا، وإن أخرجها من تحت الرداء فهو الذي ذكره أبو عبيد.
وأما التفسيرُ المحكيُّ عن العرب، فهو أشبه بالاشتقاق، لأنَّ الصَّخرة الصَّمَّاء: التي لا منفذ فيها. ومنه الأصمُّ، وهو الذي لا ينفذ الصوت إليه.
ويؤيدِّه ما روى أبو بكر بإسناده عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبس الرجل ثوبًا واحدًا يأخذ بجوانبه على منكبه. فتُدعَى تلك «الصماء»
(3)
.
وروى أحمد
(4)
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصمَّاء: اشتمالِ اليهود.
واليهود تلتحف، ولا تضطبع. وهذه الصورة مكروهة أيضًا لما يخاف معها من انكشاف العورة. وهي السَّدْل المتقدِّم. وربما عرض الشيء فلا
(1)
في الأصل: «لكن المنكبان مستورين» . وفي حاشيته: «لعله مستوران» ، وكذا في المطبوع. ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
أخرجه النسائي في «الكبرى» (9669).
(4)
برقم (10535)، من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به.
قال البغوي في «شرح السنة» (4/ 306): «حديث حسن صحيح» ، ومحمد صدوق غير أنه كان يخلط في روايته عن أبي سلمة، كما في «تهذيب التهذيب» (3/ 662).