الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الموجب للصلاة قد يكون هو الوقت المشروط لصحتها، كالزوال للظهر، والغروب للمغرب. وقد يكون غيره كالزوال للجمعة، ومصير الظلِّ مثلَ الشخص للعصر في حق المعذور
(1)
، فإنَّ هذا الوقت ليس شرطًا للصحة، وهو سبب الوجوب.
والوقت شرط مع العلم والجهل، والعمد والنسيان. فمتى صلَّى قبل الوقت لزمته الإعادة في الوقت. لكن إن كان معذورًا مثل المطمور
(2)
والمغيم عليه فلا إثم عليه، وإن فعل ذلك عمدًا أثِمَ.
مسألة
(3)
: (ووقت الظهر
(4)
: من زوال الشمس إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيء مثلَه)
.
بدأ الشيخ رحمه الله بالظهر. وكذلك جماعة من أصحابنا، منهم الخِرَقي
(5)
والقاضي، في بعض كتبهم
(6)
، لأنَّ جبريل لمَّا أقام للنبي صلى الله عليه وسلم المواقيتَ بدأ بها، وكذلك تسمَّى «الأولى» ، ولأنه بدأ بها في حديث
(1)
في حاشية الأصل: «خ من يجوز له الجمع» .
(2)
في الأصل: «الممطور» ، وصوابه من المطبوع. يعني المحبوس في المطمورة، وهي حفرة أو بناء تحت الأرض.
(3)
«المستوعب» (1/ 144 - 145)، «المغني» (2/ 8 - 14)، «الشرح الكبير» (3/ 126 - 140)، «الفروع» (1/ 424).
(4)
في المطبوع: «وقت الظهر» ، حذف واو قبل «وقت» .
(5)
في «مختصره» (ص 17).
(6)
كذا في الأصل. ونقله في «الإنصاف» (3/ 125) على هذا الوجه: «
…
والقاضي في بعض كتبه وغيرهما بالظهر».
عبد الله بن عمرو
(1)
وأبي هريرة
(2)
فاقتدي به في ذلك. وقال بعض أصحابنا: هي أولُ ما فرض الله من الصلوات. ولأن الله سبحانه بدأ بها في قوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [الإسراء: 78].
ومنهم من يبدأ بالفجر كابن أبي موسى
(3)
، وأبي الخطاب
(4)
، والقاضي في بعض كتبه
(5)
. وهذا أجود إن شاء الله، لأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وإنما تكون وسطى إذا كانت الفجر الأولى. ولأن [ص 19] النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«المغربُ وترُ النهار، فأوتِروا صلاةَ الليل» رواه أحمد من حديث ابن عمر
(6)
. فجعل جميع الصلوات مُوتَرة
(7)
، فلو كانت الظهر هي الأولى لخرجت الفجر عن أن تكون داخلةً في وتر النهار أو وتر الليل، وذلك لا يجوز. ولأن الفجر هي المفعولة في أول النهار، فحقيقة الابتداء موجود
(8)
فيها.
ولأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا بيَّن المواقيت في المدينة بفعله في حديث أبي
(1)
في الأصل: «عمر» ، وصوابه من المطبوع. وسيأتي حديثه.
(2)
سيأتي تخريجهما.
(3)
في «الإرشاد» (ص 49).
(4)
في «الهداية» (ص 71).
(5)
انظر: «الجامع الصغير» له (ص 26).
(6)
برقم (4847)، من طريق هشام، عن ابن سيرين، عن ابن عمر به.
رجاله ثقات، وصححه ابن حزم في «المحلى» (3/ 48)، وابن حجر في «تسديد القوس» (2/ 539)، ووقع خلاف في رفعه ووقفه كما في «العلل» للدارقطني (13/ 190).
(7)
في المطبوع: «موتورة» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(8)
كذا في الأصل والمطبوع بالتذكير، وكأنه نظر في الخبر إلى المضاف إليه.
موسى، وبريدة، وجابر، ووصيته لمعاذ
(1)
= بدأ بالفجر. وهذا متأخِّر عن حديث جبريل، وناسخ له، إذ كان بمكة؛ وفي هذا جواب عن الاحتجاج بقصة جبريل.
ولأنَّ بيان جبريل للمواقيت كان صبيحة ليلة الإسراء، وهو صلى الله عليه وسلم لم يخبر الناس بها حتى أصبح، وفات الفجر. فلعله أخَّر البيان إلى وقت الظهر، ليعلم المسلمون، ويأتمُّوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يأتمُّ هو بجبريل.
ولأنَّ أكثر آيات القرآن بدأت بالفجر، مثل قوله:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: 114]، وقوله: {وَسَبِّحْ
(2)
بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: 130]، وقوله:{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39].
وإنما بدأ بالظهر تارةً، كما بدأ بالمغرب
(3)
في قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الآية [الروم: 17]. فتارةً يبدأ بأول النهار، وتارةً بأوسطه، وتارةً بأول الليل. ولأن النائم إذا استيقظ أولَ النهار كان بمنزلة الخلق الجديد، فإنَّ الانتباه حياة بعد الموت، ونشور بعد السكون، فما فعَلَه حينئذ كان أولَ أعماله. وبهذا يتبيَّن أنَّ أعمالَ النهار سابقة لأعمال الليل، وأنَّ أعمال النهار فواتيح، وأعمالَ الليل خواتيم، وإن كان الليل هو المتقدِّم على النهار خلقًا وإبداعًا.
(1)
سيأتي تخريجها.
(2)
هنا وفي الآية الآتية وقع في الأصل: «فسبِّح» بالفاء.
(3)
في المطبوع: «في المغرب» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
فصل
الظهر: أربع ركعات، بالنقل العامِّ المستفيض والإجماع المستيقن، في حقِّ المقيم. فأمَّا المسافر فيذكر إن شاء الله في موضعه.
وتسمَّى الظهرَ، والهجيرَ، والأُولى.
وأول وقتها: هو زوال الشمس عن كبد السماء. وهذا مما أجمعت عليه الأمة، وجاءت به السنَّة المستفيضة. فمن ذلك
(1)
: ما روى جابر بن عبد الله أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام
(2)
، فقال: قُمْ، فصَلِّه. فصلَّى الظهرَ حين زالت الشمس. ثم جاءه العصر، فقال: قُمْ، فصَلِّه. فصلَّى العصر حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه. ثم جاءه المغربَ فقال: قُمْ [ص 20] فصَلِّه. فصلَّى المغربَ حين وجبت الشمس. ثم جاءه العشاءَ فقال: قُمْ فصَلِّه فصلَّى العشاءَ حين غاب الشفق. ثم جاءه الفجرَ
(3)
فقال: قُمْ، فصَلِّه. فصلَّى الفجرَ حين برَق الفجرُ ــ أو قال: سطع ــ ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قُمْ، فصَلِّه. فصلَّى الظهرَ حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه. ثم جاءه العصرَ فقال: قُمْ، فصلِّه. فصلَّى حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَيه. ثم جاءه المغربَ وقتًا واحدًا لم يزُل عنه. ثم جاءه العشاءَ حين ذهب نصفُ الليل ــ أو قال: ثلثُ الليل ــ فصلَّى العشاء. ثم جاءه حين أسفر جدًّا، فقال: قُمْ، فصَلِّه. فصلَّى الفجرَ. ثم قال: ما بين هذين وقت.
(1)
في المطبوع: «من ذلك» ، والمثبت من الأصل.
(2)
الجملة «عليه السلام» ساقطة من المطبوع.
(3)
في المطبوع: «جاء الفجر» ، والمثبت من الأصل.
رواه أحمد والنسائي والترمذي. وقال البخاري: هو أصحُّ شيء في المواقيت
(1)
.
وعن ابن عباس أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أمَّني جبريلُ عند البيت مرَّتَين. فصلَّى الظهرَ في الأولى منهما حين كان الفيءُ مثل الشِّراك، ثم صلَّى العصَر حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه، ثم صلَّى المغربَ حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلَّى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلَّى الفجر حين برَق الفجرُ وحرمُ الطعام على الصائم. وصلَّى المرَّة الثانية الظهر حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلَّى العصر حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثليه، ثم صلَّى المغرب لوقته الأول، ثم صلَّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلثُ الليل، ثم صلَّى الصبحَ حين أسفرت الأرض. ثم التفت إليَّ جبريلُ فقال: يا محمد، هذا وقتُ الأنبياء من قبلك. الوقتُ فيما بين هذين الوقتين» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حديث حسن
(2)
.
وقد دلَّ على ذلك قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} وقوله: {وَحِينَ تُظْهِرُونَ} وقوله تعالى: {وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} .
ومعنى زوال الشمس: أن تحاذي رأسَ المصلِّي ثم تميل عنه. يقال: زالت، وزاغت، ودلَكت، ودحَضت. ويُعرَف ذلك بازدياد الظل بعد كمال
(1)
أحمد (14538)، والنسائي (524)، والترمذي (150).
وصححه البخاري فيما نقله عنه الترمذي، وابن حبان (1472)، والحاكم (1/ 195).
(2)
أحمد (3081)، وأبو داود (393)، والترمذي (149).
حسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة (325)، والحاكم (1/ 193).
انتقاصه
(1)
. وذلك أنَّ الشمسَ ما دامت مرتفعةً في رأي العين، فإنَّ الظل ينقُص ويتقلَّص، فإذا وقفت في رأي العين فإنَّ الظلَّ يبقَى على حاله، فإذا أخذت في الانحطاط أخذ الظلُّ في الزيادة. فإذا جئتَ إلى شخصٍ
(2)
من جبل أو شجر أو جدار، أو نصبت عودًا، وأعلمت رأسَ ظلِّه، ثم نظرتَ بعد ذلك، فإن وجدته قد نقص فالشمسُ لم تستوِ ولم تزُل، وإن وجدته قد زاد فقد زالت الشمس. وكذلك [ص 21] إن وجدته على حاله لأنه يكون قد تكامل نقصه، ثم أخذ في الزيادة، فعاد إلى حاله الأولى، لأن الشمس لا تقف أبدًا.
وقد ذكر بعض أهل العلم
(3)
قدرَ ظلِّ الإنسان حين تزول الشمس بالأقدام في شهور السنة. وهذا مع أنه تقريب، إذ الزوال لا يكون في يومين متواليين على حدٍّ واحد، لا يستمرُّ
(4)
في جميع الأمصار، وإنما ضُبط في الأصل لبعض البلدان كالكوفة والبصرة.
(1)
في المطبوع: «نقصانه» ، والمثبت من الأصل.
(2)
في المطبوع: «شاخص» ، والمثبت من الأصل.
(3)
اسمه في «المغني» (2/ 11) و «الشرح الكبير» (3/ 129): «أبو العباس السِّنجي» ، وقال محِّققاهما:«لعله أبو العباس أحمد بن محمد بن سراج السنجي الطحان راوي كتاب أبي عيسى الترمذي عن أبي العباس المحبوبي، مات بعد الأربعمائة. «الأنساب» 7/ 166».
والظاهر أن ما طبع في الكتابين تصحيف. والصواب: «أبو العباس الشِّيحي» واسمه أحمد بن سعيد. توفي سنة 406. ذكر صاحب «طبقات الحنابلة» (3/ 324) أنَّ له كتابًا في «الزوال وعلم مواقيت الصلاة».
(4)
في المطبوع: «ولا يستمرُّ» ، زاد الواو، فاضطرب السياق.
وأما آخر وقتها، فأن
(1)
يصيرَ ظلُّ كلِّ شخص مثلَه بعد ظلِّه حين الزوال. فمن صلَّاها بعد ذلك من غير نيةِ جمعٍ كان قاضيًا، لا مؤدِّيًا. وهذا لما تقدَّم من حديث جبريل، فإن معنى قوله في اليوم الثاني:«فصلَّى بي الظهرَ حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه» أي فرغ منها حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه. ومعنى قوله في العصر في اليوم الأول: «إنه صلَّاها حين صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه» أنه ابتدأها حينئذ، لأنَّ المراد تحديد الوقت وضبطه، وإنما يقع حدُّ آخره بوقوع حدِّ آخرِ الصلاة فيه، كما يقع حدُّ أوله بوقوع أول الصلاة فيه.
وقد جاء ذلك مفسَّرًا فيما رواه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وقتُ الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظلُّ كلِّ شيء كطوله، ما لم تحضر العصر. ووقتُ العصر ما لم تصفرَّ الشمس. ووقتُ المغرب ما لم يغرُب
(2)
الشفق. ووقتُ العشاء إلى نصف الليل الأوسط. ووقتُ الفجر من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس» رواه أحمد ومسلم
(3)
. وهذا أتمُّ أحاديث المواقيت بيانًا، لأنه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بحكاية فعلٍ.
وقد روي نحوه من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للصلاة أولًا وآخرًا، وإن أولَ وقت
(1)
في الأصل: «فانه يصير» . وغيَّره في المطبوع إلى «فانه بصيرورة» دون تنبيه، ولعل صواب «فانه»:«فأن» كما قال أبو عبد الله لماسئل: وأيُّ شيءٍ آخرُ وقت الظهر؟ قال: أن يصير الظلُّ مثلَه. انظر: «المغني» 2/ 112).
(2)
في المطبوع: «يغب» ، والمثبت من الأصل.
(3)
أحمد (6966)، ومسلم (612).
صلاة الظهر حين تزول الشمس، وآخرَ وقتها حين يدخل وقت العصر. وإنَّ أول وقت العصر حين يدخل وقتها، وإنَّ آخر وقتها حين تصفرُّ الشمس. وإنَّ أول وقت المغرب حين تغرب الشمس، وإنَّ آخر وقتها حين يغيب الأفق. وإنَّ أول وقت العشاء حين يغيب الأفق، وإنَّ آخر وقتها حين ينتصف الليل. وإنَّ أول وقت الفجر حين يطلع الفجر، وإنَّ آخر وقتها حين تطلع الشمس» رواه أحمد والترمذي
(1)
، إلا أن محمد بن فضيل رواه عن الأعمش هكذا، وغيره يرويه عن الأعمش عن مجاهد مرسلًا، ومراسيل مجاهد حسنة، لا سيما [ص 22] وقد رُوي مسندًا من وجوه صحيحة.
وكذلك أيضًا في حديث السائل عن مواقيت الصلاة، قد بيَّن أنه أخَّر الظهرَ حتى كان قريبًا من وقت العصر. وقال لما ناموا عن الصلاة:«ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة أن يؤخِّر صلاةً حتى يدخلَ وقتُ الأخرى»
(2)
.
(1)
أحمد (7172)، والترمذي (151)، من طرق عن محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به.
قال الدارقطني في «السنن» (1/ 262): «هذا لا يصح مسندًا، وهم في إسناده ابن فضيل، وغيره يرويه عن الأعمش، عن مجاهد مرسلًا» ، وهذا هو الصحيح عند ابن معين والبخاري والترمذي وأبي حاتم والبزار والعقيلي وغيرهم، كما في «فتح الباري» لابن رجب (3/ 167).
وصحح الحديث بعض المتأخرين كابن الجوزي في «التحقيق» (1/ 279)، وابن القطان في «بيان الوهم» (5/ 675).
(2)
تقدم تخريجه.