المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني في(2)تفصيل الصلوات - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الصلاة في أصل اللغة:

- ‌مسألة(2): (فمَن جحَد وجوبَها لجهله عُرِّف ذلك، وإن جحَدها عنادًا كفَر)

- ‌ مسألة(5): (فإنْ ترَكها تهاونًا استُتيب ثلاثًا. فإن تاب وإلّا قُتِل)

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌مسألة(1): (وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء)

- ‌الفصل الثاني: أنه لا يُشرَع الأذان والإقامة إلا للصلوات الخمس

- ‌الفصل الثالث: أنَّ النساء لا يُشرَع لهن أذان ولا إقامة

- ‌مسألة(2): (ويقول في أذان الصبح: «الصلاةُ خيرٌ من النوم» مرَّتَين بعد الحَيعلة)

- ‌مسألة(2): (ولا يؤذن قبل الوقت إلا لها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذِّن ابن أم مكتوم»)

- ‌مسألة(3): (قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَ ما يقول»)

- ‌يستحَبُّ للمؤذن أن يقول سرًّا مثل ما يقول علانية

- ‌يُستحبُّ إذا سمع الإقامة أن يقول مثلَ ما يقول المؤذِّن

- ‌فصلالسنَّة أن يقيم من أذَّن

- ‌السنَّة أن يكون الأذان والإقامة في موضع واحد

- ‌فصليستحبُّ أن يفصل بين الأذان والإقامة للمغرب بجلسة بقدر ركعتين

- ‌باب شرائط(1)الصلاة

- ‌مسألة(2): (وهي ستة

- ‌ مسألة: (أحدها: الطهارة من الحدث، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاةَ مَن أحدَث حتَّى يتوضَّأ»(1). وقد مضى ذكرها

- ‌مسألة(3): (الثاني: الوقت)

- ‌مسألة(3): (ووقت الظهر(4): من زوال الشمس إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيء مثلَه)

- ‌مسألة(3): (ووقت العصر ــ وهي الوسطى ــ من آخر وقت الظهر إلى أن تصفرَّ الشمس. ثم يذهب وقتُ الاختيار، ويبقى وقتُ الضرورة إلى غروب الشمس)

- ‌الفصل الثالث: أن وقت الضرورة يبقى إلى أن تغيب جميع الشمس

- ‌مسألة(4): (ووقت المغرب: من الغروب إلى مغيب الشفق الأحمر)

- ‌مسألة(2): (ووقت العشاء من ذلك إلى نصف الليل. ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني)

- ‌مسألة(1): (ووقت الفجر: من ذلك إلى طلوع الشمس)

- ‌مسألة(1): (ومن كبَّر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها)

- ‌مسألة(1): (والصلاة في أول الوقت أفضل، إلَّا عشاءَ الآخرة، وفي شدة الحرِّ الظهر)

- ‌الفصل الثاني في(2)تفصيل الصلوات

- ‌أمَّا الجمعة، فالسنَّة أن تصلَّى في أول وقتها في جميع الأزمنة

- ‌فصليجوز أن يقضي الفوائت بسننها الرواتب وبدونها

- ‌مسألة(2): (الشرط الثالث: ستر العورة بما لا يصف البشَرة)

- ‌مسألة(2): (وعورة الرجل والأَمة: ما بين السرَّة والركبة. والحرَّة كلُّها عورة إلا وجهها وكفَّيها. وأمُّ الولد والمعتَق بعضُها كالأمة)

- ‌الفصل الثاني في عورة المرأة الحرَّة البالغة

- ‌مسألة(1): (ومن صلَّى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصحَّ صلاتُه)

- ‌مسألة(2): (ولبسُ الحرير والذهب مباحٌ للنساء، دون الرجال إلا عند الحاجة

- ‌من حَرُم عليه لبسه حَرُم عليه سائر وجوه الاستمتاع به

- ‌الفصل الثاني في الذهب

- ‌القسم الثاني: التحلِّي به

- ‌مسألة(2): (ومن صلَّى من الرجال في ثوب واحد، بعضُه على عاتقه، أجزأه ذلك)

- ‌مسألة(4): (فإن لم يجد إلا ما يسترُ عورته ستَرها)

- ‌الصورة الثانية: أن يستر الثوبُ منكبيه وعجيزته، أو عورته

- ‌مسألة(1): (فإن لم يكفِ جميعَها ستَر الفرجَين. فإن لم يكفهما ستَر أحدهما)

- ‌مسألة(1): (فإن عَدِم بكلِّ حال صلَّى جالسًا يومئ بالركوع والسجود. وإن صلَّى قائمًا جاز)

- ‌مسألة(3): (ومن لم يجد إلا ثوبًا نجسًا أو مكانًا نجسًا صلَّى فيهما، ولا إعادة عليه)

- ‌فصلإذا وجد السترة في أثناء الصلاة قريبةً منه استتر وبنى

- ‌متى ضاق وقتُ الوجوب عن تحصيل الشرط والفعل قُدِّم الفعلُ في الوقت بدون الشرط

- ‌فصليُكرَه السَّدْلُ في الصلاة

- ‌فصليُكرَه للمصلِّي تغطيةُ الوجه، سواء كان رجلًا أو امرأةً

- ‌فصلفأمَّا الأصفر، فلا يُكرَه، سواء صُبغ بزعفران أو غيره

- ‌مسألة(1): (الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته، إلا النجاسةَ المعفوَّ عنها كيسير الدم ونحوه)

- ‌مسألة(2): (فإن صلَّى وعليه نجاسة لم يكن علِمَ بها، أو علِمَها ثم نسيها، فصلاته صحيحة. وإن علِمها في الصلاة أزالها وبنَى على صلاته)

- ‌مسألة(1): (والأرضُ كلُّها مسجدٌ تصح الصلاة فيها إلا المقبرةَ والحُشَّ والحمَّامَ وأعطانَ الإبل)

- ‌الفصل الثانيفي المواضع المستثناة التي نُهِيَ عن الصلاة فيها

- ‌ المقبرة والحمَّام

- ‌ أعطان الإبل

- ‌ قارعة الطريق

- ‌الفصل الثالثفي الصلاة في المواضع المنهيِّ عن الصلاة فيها

- ‌الفصل الرابعأنَّ أكثر أصحابنا لا يصحِّحون الصلاة في شيء من هذه المواضع، ويجعلونها كلَّها من مواضع النهي

- ‌الفصل الخامسفي تحديد هذه الأماكن

- ‌ المقبرة

- ‌ الحُشُّ

- ‌الفصل السادسفي عُلو هذه الأمكنة وسطوحها

- ‌فصلقال الآمدي وغيره: تُكرَه الصلاة في الرَّحَى

- ‌فصلالسنَّة أن يكون موضع الصلاة مستقرًّا مع القدرة

- ‌السبب الثاني: الوحل

- ‌السبب الثالث: المرض

- ‌مسألة(1): (الشرط الخامس: استقبال القبلة، إلَّا في النافلة على الراحلة للمسافر، فإنه يصلِّي حيث كان وجهُه

- ‌الفصل الثاني: أن استقبال القبلة يسقط مع العلم بجهتها في موضعين:

- ‌أحدهما: إذا عجز عن استقبالها

- ‌الموضع الثاني: في صلاة النافلة في السفر

- ‌مسألة(4): (فإن كان قريبًا منها لزمته الصلاة إلى عينها. وإن كان بعيدًا فإلى جهتها)

- ‌مسألة(3): (وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدلَّ بمحاريب المسلمين، فإن أخطأ فعليه الإعادة. وإن خفيت في السفر اجتهد وصلَّى، ولا إعادة عليه وإن أخطأ)

- ‌ دلائل السماء

- ‌فصلومنها: النجوم

- ‌مسألة(3): (وإن اختلف مجتهدان لم يتبَع أحدُهما صاحبَه. ويتبع(4)الأعمى والعامِّيُّ أوثقهَما في نفسه)

- ‌مسألة(1): (الشرط السادس: النية للصلاة بعينها)

- ‌مسألة(1): (ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها)

- ‌فصلإذا قطع النيةَ في الصلاة بطلت

- ‌باب أدب المشي إلى الصلاة

- ‌مسألة(1): (يستحبُّ المشيُ إلى الصلاة بسكينة ووقار، ويقارب بين خُطاه، ولا يشبِّك أصابعه)

- ‌مسألة(1): (ثم يقول: بسم الله {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} الآيات إلى قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 78 - 89]. ويقول(2): اللهم إني أسألك بحقِّ السائلين عليك، إلى آخره)

- ‌مسألة: (فإن سمع الإقامةَ لم يَسْعَ إليها)

- ‌مسألة(1): (وإذا أتى المسجدَ قدَّم رجله اليمنى في الدخول، وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌مسألة(4): (وإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، يجهَر بها الإمام وسائرِ التكبير، لِيُسْمِعَ مَن خلفه، ويُخفيه غيرُه)

- ‌مسألة(5): (ويرفع يديه عند ابتداء تكبيره إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه)

- ‌مسألة(6): (ويجعلهما تحت سُرَّته)

- ‌مسألة(5): (ويجعل نظره إلى موضع سجوده)

- ‌وخشوع البصر: ذُلُّه واختفاضه

- ‌يستحَبُّ في التشهد أن ينظر إلى إشارته

- ‌مسألة(2): (ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك»)

- ‌فصلإذا نسي الاستفتاح في موضعه لم يأت به في الركعة الثانية

- ‌مسألة(1): (ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)

- ‌أحدها: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»

- ‌ثانيها: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»

- ‌مسألة(1): (ثم يقرأ: بسم الله الرحمن الرجيم، ولا يجهر بشيء من ذلك

- ‌السنَّة: الإسرار بها

- ‌مسألة(1): (ثم يقرأ الفاتحة، ولا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، إلا المأموم فإنَّ قراءة الإمام له قراءة

- ‌الفصل الثانيأن المأموم لا تجب عليه القراءة

- ‌فيه لغتان: «أمين» على وزن فعيل، و «آمين» على وزن فاعيل

- ‌مسألة(4): (ثم يقرأ سورةً تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي سائر الصلوات من أوساطه)

- ‌ينبغي أن يطيل الركعة الأولى على الثانية من جميع الصلوات

- ‌لا بأس أن يقرأ سورتين وأكثر في ركعة في النافلة

- ‌[باب صلاة الخوف]

- ‌[مسألة(1): (وتجوز صلاة الخوف على كلِّ صفة صلَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمختار منها: أن يجعلهم الإمام طائفتين: طائفة تحرُس، والأخرى تصلِّي معه ركعةً

- ‌الصفة الثانية:

- ‌ الصفة الثالثة

- ‌مسألة(3): (وإذا(4)اشتدَّ الخوف صلَّوا رجالًا وركبانًا إلى القبلة أو إلى غيرها يومئون بالركوع والسجود. وكذلك كلُّ خائف على نفسه يصلّي على حسب حاله، ويفعل كلَّ ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره)

- ‌متى أمِن في صلاة خوف أتمَّها صلاة أمن

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌مسألة: (كلُّ من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة، إذا كان مستوطنًا ببناء بينه وبينها فرسخ فما دون، إلا المرأة، والعبد، والمسافر، والمعذور

الفصل: ‌الفصل الثاني في(2)تفصيل الصلوات

عنه»

(1)

.

فالعفو عن الصلاة في آخر الوقت بمعنى أنه رُفِعَ الحرج والعقوبةُ عمَّن صلَّى فيه، وقد كان يمكن أن يضيق الوقت. ولأنَّ الصلاة تجب بأول الوقت وجوبًا موسَّعًا كقوله تعالى:{أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، ففي المبادرة إلى فعلها إبراءٌ لذمَّته عن الواجب، كالمبادرة إلى فعل الواجبات المطلقة من الحجِّ وغيره. وتحصل المبادرة المشروعة بأن يشتغل عقبَ دخول الوقت بالوضوء والصلاة، لأنَّ الله تعالى أمرَ بالوضوء عند القيام إلى الصلاة. وإن توضَّأ قبل الوقت فهو مبادر أيضًا هذا ما لم يشقَّ على غيره، كما سيأتي.

‌الفصل الثاني في

(2)

تفصيل الصلوات

أما الظهر، فإنَّ الأفضل أن يصلِّيها عقب الزوال، لما روى أبو بَرْزة

(3)

الأسلمي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي الهجيرَ

(4)

التي تدعونها «الأولى» حين تدحَض الشمس، ويصلِّي العصرَ، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة، والشمسُ حيَّةٌ. ونسيتُ ما قال في المغرب. وكان يستحِبُّ

(1)

أخرجه الترمذي (1726)، وابن ماجه (3367)، من حديث سلمان الفارسي به.

قال الترمذي: «هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه .. وكأن الحديث الموقوف أصح. وسألت البخاري عن هذا الحديث، فقال: ما أراه محفوظًا» ، وكذا أعله أحمد وابن معين وأبو حاتم، انظر:«جامع العلوم والحكم» (277).

(2)

في الأصل: «ان في» ، والظاهر أن «ان» مقحمة.

(3)

في الأصل: «أبو بردة» ، تصحيف.

(4)

في المطبوع: «الهجيرة» ، خطأ.

ص: 195

أن يؤخِّر العشاءَ التي تدعونها «العَتَمة» وكان يكره النومَ قبلها، والحديثَ بعدها. وكان ينفَتِل من صلاة الغداة حين يعرف الرجلُ جليسَه، ويقرأ فيها بالستِّين إلى المائة. متفق عليه

(1)

.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيتُ أحدًا [ص 41] أشدَّ تعجيلًا للظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا من أبي بكر، ولا من عمر. رواه الترمذي وقال: حديث حسن

(2)

.

وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلَّي صلاة الظهر في أيام الشتاء، وما ندري لَمَا

(3)

ذهب من النهار أكثرُ أو ما بقي منه. رواه أحمد

(4)

.

وكتب عمر إلى أبي موسى: أنْ صلِّ الظهر حين تزيغ أو تزول الشمس

(5)

.

(1)

البخاري (547) ومسلم (647).

(2)

برقم (155)، وأخرجه أحمد (25038).

حسنه الترمذي، وأعله البخاري بالاضطراب فيما نقله الترمذي في «العلل الكبير» (64)، ومداره على حكيم بن جبير وهو ضعيف صاحب مناكير، كما في «الميزان» (1/ 584)، وبه ضعفه ابن الجوزي في «التحقيق» (1/ 291)، وانظر:«العلل» للدارقطني (15/ 74).

(3)

في الأصل والمطبوع: «يدري ايما» ، والمثبت من «المسند» (19/ 381)، (20/ 81). وفي «الأحاديث المختارة» (2672): «أما ذهب

».

(4)

برقم (12388)، من طريق موسى أبي العلاء، عن أنس بن مالك به.

في إسناده ضعف، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/ 48):«رواه أحمد من رواية موسى أبي العلاء، ولم أجد من ترجمه» .

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (3250)، وابن دكين في «الصلاة» (225)، وابن المنذر في «الأوسط» (2/ 359).

ص: 196

قال الترمذي: هو الذي اختاره أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.

فإن قيل: ففي حديث جبريل أنه صلَّى الظهر حين كان الفيء مثل الشِّراك، وكان عمر يؤخِّرها حتى يصير الفيء ذراعًا، وكتب إلى عمَّاله بذلك

(1)

.

قلنا: أما حديث جبريل، ففي رواية جابر أنه صلَّى حين زالت الشمس. فعُلِمَ أنَّ ذلك الفيء هو فيء الزوال، لا سيما والفرض يتبيَّن أول الوقت. وأما حديث عمر، فلعلَّه أمر بذلك في شدَّة الحرِّ ليقصد الإبراد بها، أو في أوقات وأمكنة يكون الفيء فيها قدرَ ذراع حين الزوال.

ولا يقال: الفيء هو الظل بعد الزوال، وما قبل ذلك إنما يسمَّى ظلًّا، لا فيئًا؛ لأنَّ الشمس إذا زالت فلا بدَّ أن يفيء الظلُّ أدنى الفيء، فيسمَّى الظلُّ كلُّه حينئذ فيئًا، ولا يصح أن يراد الفيء الزائد على فيء الزوال، لأن ذلك لا يتميَّز؛ وليس في الحديث ما يدلُّ عليه. ثم إنَّ ذلك إنما يصير قريبًا من انتصاف الوقت، ومثل ذلك لا يكون هو الأفضل في غير الحرِّ بلا تردُّد.

فصل

فأمَّا في شدة الحرِّ، فإنَّ الأفضل الإبراد بها، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدوا بالصلاة، فإنَّ شدّة الحرِّ من فَيح

(1)

أخرجه مالك في «الموطأ» (1/ 6).

ص: 197

جهنَّم» رواه الجماعة

(1)

. وللبخاري عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري مثلُه. وعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحرُّ أبرَد بالصلاة، وإذا كان البردُ عجَّل. رواه النسائي والبخاري بمعناه

(2)

.

وسواء كان المصلِّي منفردًا أو في جماعة، وسواء كان في مسجد الجماعة ينتابه

(3)

الناس من البعد أو من القرب، وسواء كان المصلُّون مجتمعين أو منفردين. هذا الذي دلَّ عليه قول أحمد وفعله

(4)

، وهو قول القاضي أخيرًا

(5)

وأكثر أصحابنا، لعموم الحديث. فإنه أمر بالإبراد أمرًا عامًّا عمومًا مقصودًا، وعلَّله بعلَّة عامَّة توجد حال الصلاة وحال السعي إليها في الحرِّ، فإنَّ فَيح جهنم يصيب المصلِّي، كما يصيب الذاهبَ إلى الصلاة، مع علمه صلى الله عليه وسلم أنَّ أكثر المساجد إنما يصلِّي فيها جيرانها، فلا يجوز حملُ هذا الكلام على المساجد [ص 42] ينتابها

(6)

الناس من البعد خاصَّةً، لأنَّ هذه صور قليلة بالنسبة إلى غيرها. فحملُ العامِّ عليها يكون

(7)

حملًا لها على الأقلِّ دون

(1)

أحمد (7473)، والبخاري (536)، ومسلم (615)، وأبو داود (402)، والترمذي (157)، والنسائي (500)، وابن ماجه (678).

(2)

النسائي (499)، والبخاري (542).

(3)

في المطبوع: «الذي ينتابه» . زاد «الذي» دون إشارة.

(4)

انظر: «مسائل صالح» (3/ 51) وأبي داود (ص 41) والكوسج (2/ 435). ونقله في «المغني» (2/ 35) من رواية الأثرم.

(5)

في كتابه «الجامع» . انظر: «المغني» (2/ 37).

(6)

في المطبوع: «التي ينتابها» . زاد «التي» دون إشارة، كما زاد «الذي» من قبل.

(7)

في الأصل: «فيكون» ، والمثبت من المطبوع.

ص: 198

الأكثر، من

(1)

غير أن يكون في الكلام ما يدل عليه، وذلك لا يجوز.

ولأنه على هذا التقدير تكون العلَّة تأذِّيَ

(2)

الناس بالمشي في الحرِّ، وهذه علَّة تنفُّس الحرِّ سواء كان من فيح جهنم أو لم يكن. فلما قال:«فإنَّ شدَّة الحرِّ من فَيح جهنم» ، وعلَّل بعلَّةٍ تُعلَم بالوحي عُلِمَ أنه

(3)

قصد معنًى يخفى على أكثر الناس، وهو كراهةُ إيقاع الصلاة حالَ تسعير النار، كما كُرِه إيقاعُها وقتَ مقارنة الشيطان لها؛ وكره الصلاة وقتَ الغضب من الله، كما كره الصلاة في مكان الغضب

(4)

، لأنَّ القلوب لا تُقبل على العبادة وقتَ تلك الساعة كلَّ الإقبال، ولا ينزل من الرحمة ما ينزل في غير ذلك الوقت.

وأيضًا ما روى أبو ذرٍّ رضي الله عنه قال: كنَّا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فأراد المؤذن أن يؤذِّن للظهر، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أبرِدْ» ثم أراد أن يؤذِّن، فقال له:«أبرِدْ» . حتى رأينا فيءَ التلول، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ شدَّة الحرِّ من فَيح جهنَّم. فإذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدُوا بالصلاة» متفق عليه

(5)

.

فهذا إبراد مع اجتماع المصلِّين، وهو نصٌّ في المسألة.

ولأنَّ سبب الإبراد إنما هو في شدَّة الحرِّ من فَيح جهنم وتنفُّسِها. وهذا كما أنه يؤذي الناسَ في حال بروزهم

(6)

إلى المسجد، فكذلك في حال

(1)

في المطبوع: «منه» ، وهو أشبه برسمها في الأصل. والصواب ما أثبت.

(2)

في الأصل والمطبوع: «بأذى» ، تصحيف.

(3)

في الأصل: «أن» ، والمثبت من المطبوع.

(4)

في المطبوع بالصاد المهملة.

(5)

البخاري (539) ومسلم (616).

(6)

يشبه رسمها في الأصل: «مرورهم» ، والمثبت من المطبوع.

ص: 199

صلاتهم، بل أولى، كما تقدَّم. وكما أنه يؤذي من يصلِّي في الجماعة، فإنه يؤذي المصلِّيَ وحده.

وقال القاضي في «المجرَّد» وأبو الحسن الآمدي وطائفة من أصحابنا: إنما يستحَبُّ الإبراد لمن يصلِّي في مساجد الجماعات

(1)

سواء كان المسجد ينتابه البعيد منه أم لا، لأن الخروج إلى المسجد في الجملة مظنَّة المشقَّة في وقت القائلة، فاستحبَّ التأخير لتكثير الجماعة؛ بخلاف المصلِّي وحده، أو في بيته، أو في القوم المجتمعين

(2)

.

والأول هو الصحيح، لما تقدَّم.

وإنما يستحَبُّ الإبراد في البلاد التي لها حرٌّ في الجملة، سواء كان شديدًا أو قليلًا، كبلاد الحجاز والعراق والشام واليمن ومصر.

فأما البلاد الباردة التي لا حرَّ فيها، وإنما حرُّها في منزلة الربيع في غيرها مثل البلاد الشمالية وبلاد خراسان، فإنَّه لا يُستحَبُّ الإبرادُ فيها. هكذا ذكره القاضي وغيره من أصحابنا، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا اشتدَّ الحرُّ فأبرِدُوا بالصلاة» ، وقال:«فإنَّ شدَّةَ الحرِّ من فَيح جهنَّم» . وهناك لا يشتدُّ الحرُّ، ولكن تتنفَّس

(3)

بالبرد فيظهر [ص 43] هناك زمهريرها، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ النارَ اشتكَتْ إلى ربِّها، وقالت: أكل بعضي بعضًا. فأذِنَ لها بنفَسين نفَسٍ في الشتاء، ونفسٍ في الصيف. فأشدُّ ما تجدون من الحرِّ من حرِّ جهنَّم،

(1)

في المطبوع: «الجامعات» ، خطأ طباعي.

(2)

انظر: «المغني» (2/ 36) و «المبدع» (1/ 298).

(3)

في الأصل والمطبوع: «ولا يتنفس» . ومقتضى السياق ما أثبت.

ص: 200

وأشدُّ ما تجدون من البرد من زمهرير جهنَّم» متفق عليه

(1)

.

وقد حكى بعض [أصحابنا]

(2)

وجهًا أنه لا فرق بين البلاد الحارَّة والباردة، ووجهًا بأن ذلك مخصوص بالبلاد التي يشتدُّ فيها الحرُّ. والذي قدَّمناه أصوب، فإنَّ الحرَّ والبرد لا بدَّ من وجودهما في جميع الأرض المعمورة. ولولا وجودهما لما عاش الحيوان، ولا نبت الشجر. ولا بدَّ أيضًا أن يكون الحرُّ في القَيظ أشدَّ منه في فصل الصيف والربيع اللذين

(3)

يسمَّيان الربيع والخريف في كلِّ أرض بحسبها. لكن إذا كانت

(4)

شدَّةُ الحرِّ في بعض البلاد بحيث لا تُكرَه الشمسُ، ولا يؤذى الجالسَ في الصبح، فليس هذا بحرِّ شديد. فلا يستحَبُّ الإبرادُ في مثل هذه البلاد البتَّة. وإذا كان الحَرُّ يؤذي فيها، فقد اشتدَّ الحرُّ، وإن لم يكن في أرض الحجاز.

وينبغي أن يقصِد في الإبراد، بحيث يكون [بين]

(5)

الفراغ منها وبينَ آخر الوقت فصلٌ؛ لأنَّ المقصودَ من الإبراد يحصل بذلك. ولهذا فإنَّ في حديث أبي ذر: حتى رأينا فيءَ التلول

(6)

. وقال عبد الله بن مسعود: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام. رواه أبو داود

(7)

. ولأنَّ

(1)

البخاري (3260) ومسلم (617) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

ما بين الحاصرتين من المطبوع، وقد زيد فيه دون تنبيه.

(3)

في الأصل: «الذي» .

(4)

في الأصل والمطبوع: «كان في» ، ولعله تحريف ما أثبت.

(5)

ما بين الحاصرتين من المطبوع.

(6)

تقدَّم قريبًا.

(7)

برقم (400)، وأخرجه النسائي (503).

وصححه الحاكم (1/ 199)، والألباني في «صحيح أبي داود: الكتاب الأم» (429).

ص: 201