الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبخاتم الذهب؛ فإنَّ ظاهره يدل على أنَّ المعصفر والحرير والذهب من باب واحد. كيف وسببُ الكراهة فيها واحد. وقد امتنع من ردِّ السلام على لابسها، وإنما يُترَك ردُّ السلام المفروض على المتلبِّس بمعصية.
وقد أمر عبد الله بن عمرو بتحريقهما
(1)
، ولو كان الانتفاع بهما
(2)
جائزًا لم يأمره بإتلاف ماله، [ص 126] فعُلِمَ أنَّ ذلك كإراقة الخمر. وإنما لم يأذن له في الغسل ــ والله أعلم ــ لأنَّ اللون لا يزول بالغسل مرة أو مرتين.
وأما قوله في الرواية الأخرى لمَّا أخبره أنه حرَّقَهما
(3)
: «هلَّا كسوتَها بعضَ أهلك، فإنه لا بأس بذلك للنساء» ، فيحتمل أن يكون لما استأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم في غسلها لِيلبَسها بعد الغسل أراد صلى الله عليه وسلم أن يقطع طمعَه في اللبس قبل الغسل وبعده، وأن يعرِّفه أنَّ إتلافه المضرَّج وإخراجه عن ملكه هو الواجب دون الغسل. فلما رآه قد سمَح بذلك قال: فإذا كنت كذلك، فأن تعطيه بعضَ أهلك خيرٌ من أن تتلفه.
فصل
فأمَّا الأصفر، فلا يُكرَه، سواء صُبغ بزعفران أو غيره
. وكذلك الأحمر المورَّد ونحوه. نصّ عليه
(4)
في مواضع. وقال: لا بأس بالمورَّد. وكان يصبغ بالزعفران. وقيل له: الثوب المصبوغ بالزعفران للرجل؟ فلم ير به
(1)
في المطبوع: «بإتلافها» ، والمثبت من الأصل.
(2)
في المطبوع: «بها» ، والمثبت من الأصل.
(3)
في المطبوع: «حرَّقها» ، والمثبت من الأصل.
(4)
«الآداب الشرعية» (3/ 516).
بأسًا. وهو قول أكثر أصحابه حتى جعلها الخلال رواية واحدة.
ونقل صالح
(1)
عنه أنه سأله: أيصلِّي الرجلُ وعليه القميص المصبوغ بالنَّشَاسْتَج
(2)
؟ فقال: قد: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل
(3)
، ونهى عن المعصفَر. فأمَّا النَّشَاسْتَج والزعفران، فإن كان شيئًا خفيفًا فلا بأس. وهذا يقتضي كراهة المزعفَر، وهو قول أبي الخطاب وأبي محمد
(4)
، لما روى أنس بن مالك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل. رواه الجماعة
(5)
.
وفي حديث يعلى بن أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له وقد أحرم في جُبَّة، وهو متضمِّخ بخَلوق:«اغسل عنك أثرَ الخَلوق، واصنع في عمرتك ما كنت صانعًا في حَجِّك» متفق عليه
(6)
.
(1)
لم أجده في «مسائله» المطبوعة. وفيها (2/ 19 - 20) سؤال آخر عمن صلى وبيده شيء من أثر زعفران أو خلوق أو على أنفه، فقال:«أرجو، وقد نهى أن يتزعفر الرجل» .
(2)
قال الجوهري في تفسير الأرجوان: «صبغ أحمر شديد الحمرة. قال أبو عبيد: وهو الذي يقال له: النشاستج. والبهرمان دونه» . وصوَّبه أبو هلال العسكري في «التلخيص» (1/ 296). وقال البيروني في الياقوت البهرماني: إن البهرمان هو العصفر، ولا يقصدون في وصف الياقوت به زهرته لأنها صفراء، وإنما يعنون «صبغة السائل بعد خروج نشاستجه الأصفر» . «الجماهر» (ص 109). وفسَّره ابن أبي موسى في «الإرشاد» (ص 24) بماء العصفر.
(3)
سيأتي في الحديث الذي بعده.
(4)
«الهداية» (ص 78) و «المغني» (2/ 299).
(5)
أحمد (11978)، والبخاري (5846)، ومسلم (2101)، وأبو داود (4179)، والترمذي (2815)، والنسائي (2706، 5256).
(6)
البخاري (1789)، ومسلم (1180).
والأول هو الصحيح، لما روي عن ابن عمر أنه كان يصبغ بالصفرة، وقال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبِغ بها. متفق عليه
(1)
.
ولأبي داود والنسائي
(2)
عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يصبغ ثيابه بالخَلوق كلَّها حتى عمامته. ولفظ أبي داود: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصبغ بها. ولم يكن شيءٌ أحبَّ إليه منها. وكان يصبغ بها ثيابه كلَّها حتى عمامته.
وفي رواية لأحمد
(3)
عنه أنه كان يصبغ ثيابه، ويدهن بالزعفران، وقال: كان أحبَّ الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدهن به، ويصبغ به ثيابه.
وعن قيَلة بنت مَخْرَمة: أنها رأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمال ملاءتين
(4)
كانتا بزعفران، وقد نفضتا. [ص 127] رواه الترمذي
(5)
.
وقد تقدم جواز صبغة اللحية بالزعفران.
(1)
البخاري (166)، ومسلم (1187).
(2)
أبو داود (4064)، والنسائي (5085)، من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر به.
في إسناده ضعف، عبد العزيز فيه لين، انظر:«الميزان» (2/ 633).
(3)
برقم (5717)، من طريق إسحاق بن عيسى، عن عبد الله بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر به.
في إسناده ضعف، عبد الله متكلم فيه من قبل حفظه، كما في «الميزان» (2/ 425).
(4)
كذا في الأصل. وفي «السنن» : «مُلَيَّتَين» ، تصغير.
(5)
برقم (2814)، من طريق عبد الله بن حسان، عن جدتيه صفية بنت عليبة، ودحيبة بنت عليبة، عن قيلة بنت مخرمة به.
قال الترمذي: «لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن حسان» ، وقال ابن حجر في «فتح الباري» (11/ 65):«إسناده لا بأس به» .
وقد نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يلبس المُحرِمُ ثوبًا فيه وَرْسٌ أو زعفران. فدلَّ على أنه لا يُنهَى عنه غيرُ المُحْرِم.
وعن يحيى بن عبد الله بن مالك قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه بالزعفران حتى العمامة
(1)
. وعن يحيى بن عبَّاد بن عبد الله بن الزبير أنَّ الزبير كان عليه يوم بدر عمامة صفراء معتجِرًا بها، فنزلت الملائكة وعليها عمائم صُفْر
(2)
. رواهما وكيع في باب اللباس.
وأمَّا نهيُه أن يتزعفر الرجل، فالمراد به أن يخلِّق بدنَه بالزعفران، فإنَّ طيب الرجل ما ظهر ريحُه وخفي لونُه. وكذلك أمرُه للذي أحرم، وعليه جُبَّة، وهو متضمِّخ بخلوق: أن ينزع عنه الجبة، ويغسل عنه أثرَ الخَلوق. وقد جاء مفسَّرًا عن أنس عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يزعفِر الرجلُ جِلدَه. رواه النسائي
(3)
.
فصل
ولا بأس بلُبس السَّواد في الحرب وغيرها، سواء كان عمامة أو غيرها. نصَّ عليه
(4)
، فقال: لا بأس بالعمامة السوداء في الحرب وغير الحرب. لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم عمامةً سوداءً. وقال أيضًا: لا بأس بلُبس العمامة السوداء. قد
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (25243)، وهو مرسل.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (33393)، والحاكم (3/ 407).
(3)
برقم (5257).
وصحح إسناده العراقي في «طرح التثريب» (5/ 51)، والعيني في «العمدة» (9/ 235).
(4)
انظر: «الآداب الشرعية» (3/ 514).
لبس النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم الفتح عمامةً سوداَء، وعمَّم
(1)
عليًّا بعمامة سوداء.
وذلك لما روى جابر قال: دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكةَ يومَ الفتح، وعليه عمامة سوداء. رواه الجماعة إلا البخاري
(2)
.
وعن عمرو بن حريث أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم خطب، وعليه عمامة سوداء
(3)
. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وعليه مِرْطٌ مرحَّل
(4)
من شعر أسود. رواهما أحمد ومسلم
(5)
.
وعن أمِّ خالد ابنة سعد بن العاص أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ألبسها بيده خَميصةً
(6)
سوداءَ. وقال: «أَبْلِي وأَخْلِقِي» رواه أحمد والبخاري
(7)
.
وقد كره أحمد رضي الله عنه لُبْسَ السواد في الوقت الذي كان شعارَ الولاة والجند. واستعفى الخليفةَ المتوكِّلَ مِن لُبسه لمَّا أراد الاجتماع به، فأعفاه بعد مراجعة. وكان هذا الزيُّ إذ ذاك شعارَ أهل طاعة السلطان في إمارة ولد العباس رضي الله عنه.
(1)
في المطبوع: «وعم» ، خطأ.
(2)
أحمد (14904)، ومسلم (1358)، وأبو داود (4076)، والترمذي (1735)، والنسائي (2869)، وابن ماجه (2822).
(3)
أخرجه أحمد (18734)، ومسلم (1359).
(4)
المرط: كساء من صوف أو خزّ يؤتزر به، وتتلفع المرأة به. والمرحَّل: الذي وُشِّي بصور الرحال.
(5)
أخرجه أحمد (25294)، ومسلم (2081).
(6)
الخميصة: ثوب خزٍّ أو صوف معلَم.
(7)
أحمد (27057)، والبخاري (5823).
وكان مَن لم يلبسه ربما اتُّهِمَ بمعصية السلطان والخروج عليه. والقصة في ذلك مشهورة لمَّا أظهر المتوكل إحياء السنَّة وإطفاءَ ما كان الناس فيه من المحنة، وأجاز أبا عبد الله وأهل بيته بالجوائز المعروفة، وطلب اجتماعه به، وكان يرسل إليه يستفتيه ويستشيره، [ص 128] فأحبَّ أبو عبد الله أن لا يدخل في شيء من أمر السلطان، ولم يقبل الجوائز، ونهى أهل بيته عن قبولها. ففي تلك المرَّة استعفى من لُبس السَّواد.
وسأله رجل عن خياطة الخزِّ الأسود، فقال: إذا علمتَ أنه لجنديِّ فلا تَخِطْه
(1)
.
وسأله رجل: أخيط السواد؟ قال: لا.
وسئل عن المرأة تأمر زوجها أن يشتري لها ثوبَ خزِّ
(2)
أسود. فقال: هو للمرأة أسهل.
قيل له: فأَيْشٍ
(3)
ترى للرجل؟ قال: لا يروِّع به. قيل: فترى للخياط أن يخيط له؟ قال إذا خاطه فأيشٍ قد بقي؟ قد أعانه. وقال في رجل مات وترك سوادًا، وأوصى إلى رجل. فقال: يُحرَق حتى لا يُروَّع به مسلم.
قيل: له صبيانٌ
(4)
، ترى أن يُحرَق؟ قال: يحرقه الوصيُّ.
(1)
«مسائل ابن هانئ» (2/ 147).
(2)
في الأصل: «اخر» ، وتصحيحه من حاشيته.
(3)
استبدل به في المطبوع: «فأيَّ شيء» . ومن الطريف أن الناسخ كتب الكلمة هنا وفيما يأتي «أيشن» بالنون.
(4)
في المطبوع: «الصبيان» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
وكان يعذِر في لُبسه من يعلم منه الخير وأنه كالمكره عليه. وهذا لأنه كان لباسَ الولاة والأمراء وأعوانهم، مع ما كانوا فيه من الظلم والكبرياء وإخافة الناس وترويعهم. ولم يكن يلبسه إلا أعوان السلطان. وكان الرجل المسوِّدي إذا رُئي خِيفَ ورُعِب منه، لأنه مظنة الترويع، حتَّى قال بعضُ أهل العلم يَضرِبُ المثلَ بذلك: ترى الرجل مطمئنًّا ثابتَ القلب ساكنَ الأركان، فإذا عاين صاحبَ سَوادٍ رعَب من سلطانه، ودخله من الرُّعب ما غيَّر لونَه، ورجَف قلبهُ، واسترخت قدماه، وذهب فؤاده. فلمّا كان معونةً على الظلم والشرِّ وإيذاء المسلمين صارت خياطته وبيعه بمنزلة بيع السلاح في الفتنة. وكُرِه أن يلبسه الرجلُ إذ ذاك، لأنه من تشبَّه بقوم فهو منهم؛ ولأنه يصير بذلك من أعوان الظلَمة، أو يُخاف عليه أن يدخل في أعوانهم.
وفي معنى هذا كلُّ شعار وعلامة يدخل بها المرءُ في زمرة من تُكرَه طريقتُه بحيث يبقى كالسِّيما عليه، فإنه ينبغي اجتنابها وإبعادها
(1)
. وكلُّ لباس يغلب على الظنِّ أنه يستعان بلُبسه على معصية، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم. ولهذا كُره بيعُ الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه، وبيعُ الرياحين لمن يعلم أنه يستعين به على الخمر والفاحشة. وكذلك كلُّ مباح في الأصل عُلِم أنه يستعان به على معصية. وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأوقات والأحوال، فهذه كراهة لسبب عارض.
فأمَّا لبسُ الجند أو غيرهم له في دار الحرب أو غيرها، إذا لم يكن مظِنَّةَ
(1)
الكلمة غير محررة في المتن، وعلق كاتبها في الحاشية:«لعله: وإبعادها» . وكذا في المطبوع.
الظلمِ، ولاسِيمَا الظَّلمةِ، فلا يُكرَه البتَّة.
وكذلك أيضًا لو لبست المرأة السوادَ تُحِدُّ به على ميِّت، أو لبسه الرجلُ، لم يجُز لبسُه إحدادًا على [ص 129] الميِّت، لأنَّه لا يحِلُّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحِدَّ على ميِّت فوق ثلاثة أيام، فهذه كراهة للإحداد؛ حتَّى لو فُرِض أن الإحداد كان بلُبس القطن أو بتغيير
(1)
الهيئة ونحو ذلك دخل في النهي، كما يُذكر إن شاء الله تعالى في موضعه.
فصل
ولا يجوز لبسُ ما فيه صور الحيوان من الدوابِّ والطير وغير ذلك، ولا يلبسه الرجل ولا المرأة. ولا يعلَّق سِتْر فيه صورة. وكذلك جميع أنواع اللباس إلا الافتراش، فإنه يجوز افتراشها. هذا قول أكثر أصحابنا، وهو المشهور عن أحمد.
قال في رواية صالح: الصورة لا ينبغي لبسها
(2)
.
وقال في رواية الأثرم وسئل عن الستر عليه يكون صورة قال: لا. وما لم يكن له رأس فهو أهون. وإن كان له رأس فلا
(3)
.
وقال أيضًا: إنما يُكرَه منها ما عُلِّق.
وقال أيضًا: إنما يُكرَه ما كان نصبًا. وإذا كان تمثالًا منصوبًا يُقطَع رأسُه.
(1)
في المطبوع: «تغيير» ، والمثبت من الأصل.
(2)
«مسائل صالح» (1/ 252).
(3)
انظر: «مسائل أبي داود» (ص 350) و «الآداب الشرعية (3/ 504).
وقال في الرجل يصلِّي، وفي كمِّه منديل حرير، فيه صور: أكرهه.
وقال: التصاوير ما كُرِه منها فلا بأس
(1)
.
وسئل عن الرجل يصلِّي على مصلًّى عليه تماثيل. فلم ير به بأسًا
(2)
.
وقال أيضًا: إذا كانت توطأ، فلا بأس بالجلوس عليها
(3)
.
وعنه: أنَّ الصور التي على الثياب تُكرَه، ولا تحرُم. قال في رواية، وقد سئل عن الوليمة، يرى الجدرانَ قد سُتِرَتْ، أيخرُج؟ قال: قد خرج أبو أيوب وعبد الله بن يزيد. قيل
(4)
: وإذا رأى على الجدران صورًا يخرج؟ فقال: نعم. قيل له: فإن كان في السِّتر؟ فقال: هذا أسهل من أن تكون على الجدران. لا تضيِّق علينا. وضحك. ولكن إذا رأى هذا وبَّخهم ونهاهم. فقد نصَّ على التفريق بين الصور في الثياب، فحرَّمها في الجدران، وكرهها في الثوب.
وكذلك قال ابن أبي موسى
(5)
: جميع التماثيل [و]
(6)
الصور في الأسِرَّة والقِباب والجُدران وغير ذلك مكروهة عنده، إلا أنها في الرَّقْم أيسر، وتركُه أفضل وأحسن. وكذلك قال ابن عقيل: يُكرَه لبسُ ما فيه صور حيوان،
(1)
كذا في الأصل والمطبوع.
(2)
«مسائل الكوسج» (9/ 4702).
(3)
انظر المصدر السابق (4701).
(4)
وهي رواية الفضل بن زياد كما في «المغني» (10/ 202). ولعل ما سبق أيضًا من هذه الرواية.
(5)
في «الإرشاد» (ص 537).
(6)
زيادة من كتاب «الإرشاد» .
ولا يحرُم
(1)
.
وأما صنعتها واتخاذها في غير الثياب
(2)
والأبنية ونحوها مثل السقوف والحيطان والأسِرَّة، أو اصطناعها مجسَّدة للبنات أو غير البنات
(3)
، فيحرُم ذلك كلُّه قولًا واحدًا. وسنذكر إن شاء الله تعالى حكمَ الدخولِ في بيتٍ فيه صور، والصلاةِ فيه.
ومن أصحابنا من جعل تعليقَ السِّتْر المصوَّر حرامًا قولًا واحدًا، وجعل الخلاف في الكراهة أو التحريم في الملابس خاصَّة. والصواب أن لا فرق بينهما.
ومن لم يحرِّم [ص 130] ذلك استدلَّ بما روى أبو طلحة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورةٌ إلا رَقْمًا في ثوب» متفق عليه
(4)
. فاستثنى الرَّقْمَ في الثوب، وذلك مختصُّ بما رُقِمَ في اللِّباس والستور ونحوها. لكن كُره ذلك أيضًا، لأنَّ الأصل في التصوير [أنه] محرَّم
(5)
بالاتفاق، وليس في الحديث إلا الاستثناء
(6)
مما يوجب التحريم، وذلك يكون مع الكراهة.
(1)
«المغني» (2/ 308).
(2)
في المطبوع: «الثوب» ، والمثبت من الأصل.
(3)
في المطبوع: «غير ذلك» ، خلافًا للأصل.
(4)
البخاري (5958) ومسلم (2106). وقوله «متفق عليه» ساقط من المطبوع.
(5)
في الأصل: «الأصل التصوير في محرم» . وفي المطبوع: «في الأصل التصوير أنه محرم» .
(6)
كذا في الأصل، وكتب ناسخه في الحاشية:«لعله: إلا استثناء» ومثله في المطبوع.
ولما يأتي من الأحاديث الدالَّة على كراهة الصور المرقومة في الثياب، فتحمل تلك الأحاديث على الكراهة، وهذا على عدم التحريم، جمعًا بينهما.
والفرق بين المرقوم في الثوب وغيره: أنَّ الصورة على غيره من الأجسام الصلبة تبقى ثابتة منتصبة على هيئة الصورة التي خلقها الله، فتتحقق فيها مفسدة الصور، بخلاف الصورة على الثوب، فإنها تلتوي وتنطوي ويغيَّر
(1)
وضعها بطيِّ الثوب ونشرِه، فلا تبقى
(2)
على صورة الحيوان الذي خلقه الله. وفيه ابتذال لنفس الصورة، فأشبهت الصورةَ التي توطأ وتُداس.
ووجه الأول: ما روي عن علي رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكةُ بيتًا فيه صورةٌ ولا كلبٌ ولا جنُبٌ» رواه أحمد وأبو داود
(3)
.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال لأبي الهيَّاج: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا تدع تمثالًا إلا طمستَه، ولا قبرًا مُشْرِفًا إلا سوَّيته. وفي
(1)
في المطبوع: «ويتغيَّر» ، وليس بعيدًا. والمثبت من الأصل.
(2)
في المطبوع: «ولا تبقى» خلافًا للأصل.
(3)
أحمد (632)، وأبو داود (227)، والنسائي (261)، من طرق عن عبد الله بن نجي، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب به، وفي وجه: عن عبد الله بن نجي، عن علي به.
في إسناده مقال، مداره على ابن نجي، واختلف في حاله، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/ 214):«فيه نظر» ، وروايته عن علي منقطعة، كما في «جامع التحصيل» (217)، وفي أبيه جهالة، وقد اضطرب عليه في رواية هذا الحديث على أوجه، قال البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 247):«مختلف في إسناده ومتنه» .
وصححه ابن حبان (1205)، والحاكم (1/ 278)، انظر:«البدر المنير» (4/ 186)، «ضعيف أبي داود: الكتاب الأم» (1/ 76).
رواية: ولا صورةً إلا طمستَها. رواه مسلم وغيره
(1)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم البيتَ فوجد فيه صورةَ إبراهيم وصورةَ مريم، فقال:«أمَّا هم فقد سمعوا أنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة» . رواه البخاري
(2)
.
وعن القاسم عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: حشوتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم وسادةً فيها تماثيل، كأنها نُمْرُقة، فقام بين البابين، وجعل يتغيَّر وجههُ، فقلت: ما لنا يا رسول الله، قال:«ما بالُ هذه الوسادة؟» قلتُ: وسادةٌ جعلتُها لك، لتضطجع عليها. قال:«أما علمتِ أنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، وأنَّ من صنع هذه الصور يعذَّب يوم القيامة، فيقال: أحْيُوا ما خلقتم!» متفق عليه
(3)
.
وعن عائشة: أنها نصبت سِتْرًا، وفيه تصاوير، فدخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فنزعه. قالت: فقطعتُه وسادتين، فكان [ص 131] يرتفق عليهما. متفق عليه
(4)
. وفي رواية أحمد
(5)
: فقد رأيته متكئًا على إحداهما وفيها صورة.
وعن عائشة: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليبُ إلا نقَضه. رواه البخاري وأبو داود وأحمد
(6)
ولفظه: لم يكن يدع في بيته ثوبًا فيه تصليبٌ إلا نقَضَه.
(1)
مسلم (969)، وأبو داود (3218)، والترمذي (1049)، والنسائي (2031).
(2)
برقم (3351).
(3)
البخاري (3224) ومسلم (2107).
(4)
البخاري (2479) ومسلم (2107 - 95).
(5)
برقم (26103).
(6)
البخاري (5952)، وأبو داود (4151)، وأحمد (24261، 26142).
ورواه البرقاني والإسماعيلي
(1)
ولفظهما: لم يكن يدع في بيته سِتْرًا أو ثوبًا فيه تصاوير إلا نقَضَه
(2)
.
[و]
(3)
رواه الخلَّال
(4)
ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرى ثوبًا فيه تصاوير إلا نقَضَه.
وهذا صريح في النهي عن الثوب والسِّتر ونحوهما.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقال
(5)
: إنِّي كنتُ أتيتُك الليلةَ، فلم يمنعني أن أدخلَ البيتَ الذي أنتَ فيه إلا أنه في البيت تمثالُ رجلٍ. وكان في البيت قِرَامُ
(6)
سِتْر فيه تماثيل، وكان في البيت كلبٌ. فمُره
(7)
برأس التمثال الذي في باب البيت يُقطَعْ يصيَّرْ كرأس شجرة. ومُرْ
(8)
بالسِّتر يُقطَعْ فيجعل وسادتَين [منتبَذتَين]
(9)
تُوطآن. وأْمُرْ بالكلب
(1)
عزاه إليهما الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (4/ 154)، وانظر:«فتح الباري» لابن حجر (10/ 398).
(2)
في الأصل: «قضه» ، سهو.
(3)
زيادة من المطبوع.
(4)
عزاه إليه ابن رجب في «مجموع الرسائل» (2/ 685)، وأورده في «فتح الباري» (2/ 211) من كتاب وكيع بإسناده.
(5)
يعني: جبريل.
(6)
القِرام: ثوب رقيق ملوَّن.
(7)
في المطبوع: «فأمر» خلافًا للأصل.
(8)
في المطبوع: «وأمر» ، خلافًا للأصل.
(9)
مكانها بياض في الأصل، ولم ينبه عليه في المطبوع. والزيادة من «المسند» و «الترمذي». وفي «سنن أبي داود»:«منبوذتين» .
يُخرَجْ» ففعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وإذا الكلب جِرْوٌ كان للحسن والحسين تحتَ نَضَدٍ
(1)
لهم. رواه أحمد وأبو داود والترمذي
(2)
وصحَّحه.
وفي رواية النسائي
(3)
: استأذن جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: «ادخل. فقال: كيف أدخل وفي بيتك سِتْر فيه تصاوير؟ إمَّا أن تقطع رؤوسَها، أو تجعل بساطًا يوطأ؛ فإنَّا معشرَ الملائكة لا ندخل بيتًا فيه تصاوير» .
وهذه الأحاديث دالَّة على أنَّ الملائكة لا تدخل البيتَ الذي فيه صورٌ على السُّتور والثياب ونحوها. وإنما رخَّص فيما كان يوطأ، لحديث عائشة وأبي هريرة، ولأنَّ الصورةُ تبتذَل
(4)
بذلك، وتُهانُ فتزول مظنَّةُ تعظيم الصورة التي امتنعت الملائكة من الدخول لأجله.
وأما نفسُ التصوير عملًا واستعمالًا، فحرامٌ في كلِّ موضع، لما روى ابن عمر أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال:«الذين يصنعون هذه الصور يعذَّبون يوم القيامة. يقال: أحْيُوا ما خلقتم» متفق عليه
(5)
. وروى البخاري عن عائشة نحوه
(6)
.
وعن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس، فقال: إنِّي
(1)
قال أبو داود: «والنضد: شيء توضع عليه الثياب شبه السرير» . وانظر: «غريب الحديث» لابن قتيبة (1/ 439).
(2)
أحمد (8045)، وأبو داود (4158)، والترمذي (2806).
قال الترمذي: «حديث حسن» ، وصححه ابن حبان (5854).
(3)
برقم (5365).
(4)
في الأصل: «تبذل» ، والتصحيح من حاشيته.
(5)
البخاري (5951) ومسلم (2108).
(6)
تقدَّم قريبًا.
رجلٌ أصوِّر هذه التصاوير، فأفتِني فيها. فقال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ مصوِّر في النار. يجعَلُ له بكلِّ صورة صوَّرها نفسًا
(1)
تعذِّبه في جهنم. فإن كنتَ لا بدَّ فاعلًا فاجعل الشجرةَ وما لا نفس له» متفق عليه
(2)
. وفي رواية عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صوَّر صورةً عذَّبه الله حتى يَنفُخَ فيها الرُّوحَ، وليس بنافخ. [ص 132] ومن استمع إلى حديث قوم يفِرُّون منه صُبَّ في أذنه الآنُكُ
(3)
يومَ القيامة»
(4)
قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وأما حديث أبي طلحة، فالأشبه ــ والله أعلم ــ أنَّ ذلك الاستثناء فيه ليس من كلام النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فإنَّ ابن عباس روى عن أبي طلحة أنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تدخل الملائكةُ بيتًا فيه كلبٌ ولا صورة»
(5)
وفي رواية: «ولا تمثال»
(6)
وفي رواية
(7)
: «ولا تصاوير» . قال بعض الرواة: يريد صور التماثيل التي فيها الأرواح
(8)
. متفق عليه. وكذلك رواه مسلم
(9)
من
(1)
يعني: يجعل الله سبحانه له
…
نفسًا. وفي المطبوع: «نفس» ، اغترَّ بحاشية ناسخ الأصل.
(2)
البخاري (2225) ومسلم (2110).
(3)
هو الرصاص الخالص.
(4)
أخرجها الترمذي (1751). وصححه ابن حبان (6057).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
في المطبوع: «ولا تماثيل» . والحديث أخرجه البخاري (3225) بلفظ: «ولا صورة تماثيل» .
(7)
أخرجه البخاري (5949).
(8)
البخاري (4002).
(9)
برقم (2106 - 87).
حديث سعيد بن يسار [عن زيد بن خالد الجهني]
(1)
عن أبي طلحة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكةُ بيتًا فيه كلب ولا تماثيل» .
فلو كان أبو طلحة قد سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إلّا رقمًا في ثوب» لما جاز له أن يروي اللفظَ العامَّ دون ما استثنى منه. ولو رواه كذلك لحفظه عنه مثل ابن عباس وغيره. فعُلِمَ أنَّ حديثه عامٌّ، كما أنَّ أحاديث علي وأبي هريرة وعائشة عامَّة أيضًا، وأنَّ الصور التي على الثياب من السُّتور ونحوها مقصودة من هذا العامِّ؛ فإنَّ تلك الأحاديث صريحة في هذا، وقد ذُكِر فيها السِّتر والثياب.
يبيِّن ذلك أنَّ حديث الاستثناء مبهم محتمل، إذ
(2)
سيق بلفظه عن بُسْر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة» . قال بُسْر بن سعيد: ثم اشتكى زيد، فعُدْناه، فإذا على بابه سِتْر فيه صورة. قال: فقلتُ لعبيد الله الخَولاني ربيب ميمونة زوج النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ألم يُخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ قال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: إلَّا رقمًا في ثوب
(3)
.
فهذه الزيادة لم يقلها زيد كما قال أولَ الحديث، وإنما خفَض به صوته حتَّى سمعها عبيدُ الله، دون بُسْر بن سعيد. فلعله قالها مِن عنده، ولم يرفعها في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكثيرًا ما يُدرج المحدِّث في حديثه زيادةً يحسب
(1)
زيادة من «الصحيح» .
(2)
في الأصل والمطبوع: «إذا» .
(3)
تقدم تخريجه.
المستمع أنها مسوقة
(1)
عمَّن حدَّث عنه. يؤيد ذلك أنه اعتقد رقمَ السُّتور من جملة المستثنى منه. وقد صحَّت الأحاديث الصحيحة الصريحة أنها من الجملة التي قُصدت بالحديث، وبأنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا هي فيه. وقد روى غيرُ واحد الحديث عن أبي طلحة دون هذه الثُّنْيا.
وإن كانت هذه الزيادة محفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ص 133] فالمراد بها ــ والله أعلم ــ ما رُقِم من الصور التي لا روح فيها، أو ما
(2)
كان يُوطأ ويُداس من الصور في الثياب، كما جاء ذلك مفسَّرًا بالأحاديث الأخَر.
وقد روى عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده، فوجد عنده سهلَ بن حُنيَف. قال: فدعا أبو طلحة إنسانًا
(3)
ينزَع نمطًا تحته، فيه تصاوير. فقال له سهل: لِمَ تنزَعه؟ قال: لأنَّ فيه تصاويرَ، وقال فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ما قد علمتَ. قال سهل: أوَ لم يقلُ: «إلَّا ما كان رقمًا في ثوب» ؟ قال: بلى، ولكنَّه أطيَبُ لنفسي. رواه مالك وأحمد والترمذي
(4)
وقال: حديث حسن صحيح.
(1)
في الأصل: «متسوقة» .
(2)
«ما» ساقطة من المطبوع.
(3)
في المطبوع: «إنسان» ، تطبيع.
(4)
مالك (2/ 966)، وأحمد (15979)، والترمذي (1750)، من طريق أبي النضر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن سهل بن حنيف به.
قال الترمذي: «حديث حسن صحيح» ، وصححه ابن حبان (5851)، وضعفه ابن عبد البر بالانقطاع في «الاستذكار» (27/ 171) كما أشار إليه المؤلف.
فهذا الحديث قد قال فيه ابن عبد البر
(1)
: هو منقطع غير متصل، لأنَّ عبيد الله بن عبد الله لم يُدرك سهلَ بن حنيف ولا أبا طلحة، ولا حُفظ له
(2)
عنهما ولا عن أحدهما سماعٌ، ولا له سنٌّ يدركهما به. ولا خلاف أنَّ سهل بن حنيف مات سنة ثمان وثلاثين بعد شهود صِفِّين، وصلَّى عليه عليٌّ، وكبَّر عليه ستَّا.
وليس كما قال ابن عبد البر. فهذا الحديث يقتضي أنَّ أبا طلحة علِمَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم استثنى الرَّقْمَ في الثوب، وليس فيه أنه سمعه منه. فيجوز أن يكون المستثنى ما كان من الثياب يوطأ ويداس، أو أنَّ تلك التصاوير لم تكن صُورَ ما فيه روح، كما فسَّرته سائرُ الأحاديث.
فصل
فأمَّا تمثيلُ غير الصورة، فلا بأس به. قال أحمد وقد سئل عن الثوب الذي عليه تماثيل: لا بأس بذلك، لأنَّ النهيَ إنما جاء في الصورة.
وكذلك الحيوان إذا قُطِع رأسُه أو طُمِسَ لم يبق من الصور المنهيِّ عنها. قيل لأحمد في الرجل يكتري البيتَ فيه تصاوير، يحُكُّه
(3)
. قال: نعم
(4)
. قيل
(5)
له: وإن دخل حمَّامًا، ورأى صورةً حكَّ الرأسَ؟ قال
(6)
:
(1)
في «الاستذكار» (8/ 483).
(2)
ورد «له» في الأصل قبل «عن أحدهما» . والتصحيح من «الاستذكار» .
(3)
كذا في الأصل والمطبوع. يعني موضع التصاوير. وفي «المغني» : «يحكُّها» .
(4)
«المغني» (10/ 205).
(5)
القائل: المرُّوذي. انظر المصدر السابق.
(6)
القائل: المرُّوذي. انظر المصدر السابق.
نعم. وقال: إذا كان تمثالًا منصوبًا يقطَع رأسَه.
وسئل عن الوصيِّ يشتري للصَّبيَّة إذا طلبت منه لعبةً، فقال: إذا كانت صورةً لم يشترها. فقيل له: إذا كانت يدًا ورجلًا؟ فقال: يحُكُّ منه. كلُّ شيء له رأس فهو صورة. قيل له: فعائشة تقول: كنت ألعب بالبنات. قال: نعم.
وقال أيضًا: لا بأس بلَعِب اللُّعَب إذا لم يكن فيه صورة، فإذا كان صورة فلا
(1)
.
وقال أيضًا: الصورة: الرأس
(2)
.
وقال بعض أصحابنا: إذا قُطِع رأسُ الصورة أو لم يكن لها رأسٌ جاز لُبْسُ ما فيه ذلك مع الكراهة. وقد أومأ أحمد إلى ذلك، فإنه سئل
(3)
عن السِّتْر يكون عليه صورة. قال: لا. وما لم يكن له رأس فهو أهون. [ص 134] وإن كان له رأس فلا. وذلك لأن سائر الأعضاء أبعاضُ الحيوان، ففي إبقائها إبقاء لبعض الصورة، لكن لما كان الحيوان لا تبقى فيه حياة بدون الرأس كان بمنزلة الشَّجر. فزال عنه التحريم، وبقيت فيه الكراهة.
ووجه الأول: حديث أبي هريرة المتقدِّم، فإنَّ جبريل أمر النبيَّ صلى الله عليه وسلم برأس التمثال الذي في البيت أن يُقطَع ويُصيَّر كهيئة الشجرة
(4)
، فعُلِمَ أنَّ الكراهة تزول بذلك.
(1)
«المغني» (10/ 205) وفيه: «لا بأس باللعب ما لم تكن صورة» .
(2)
«مسائل أبي داود» (ص 350).
(3)
في رواية الأثرم. وقد سبقت في الفصل الماضي.
(4)
تقدم تخريجه.
وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس فليس بصورة. رواه الخلال وأبو حفص
(1)
.
وقد صحَّ عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها كانت تلعب البنات، وتصنع لها لُعَبًا تسمِّيها خيلَ سليمان
(2)
. وإنما ذلك لأنه لم يكن لها رؤوس.
ولأنَّ ما ليس له رأس لا يكون فيه حياة ولا روح ولا نفس، وإنما هو بمنزلة الشجر ونحوها. والنهيُ إنما كان عن تصوير ذوات الأرواح كما تقدَّم. ولهذا لم يكره أصحابنا تمثيلَ ما لا روح له، كالأتْرُجِّ والنارَنْج والشجر ونحوها، كما نصَّ عليه أحمد. فإنه لم يكره إلا الصورة، لأن النهي إنما جاء فيها خاصَّةً.
وكره بعضُ أصحابنا التَّصليبَ في الثوب، وفسَّره بصورة الصليب الذي تعَظّمه النصارى. وحمَلَ حديث عائشة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته شيئًا فيه تصاليبُ إلا نقَضه
(3)
، على ذلك. ولأنَّ هذا الشكل تعظِّمه [النصارى]
(4)
ويعبدونه، فصار بمنزلة الأصنام التي كان المشركون يعظِّمونها، فكُرِه لما فيه من التشبُّه بهم. وكلام أحمد يدل على أنه لا يكره من التماثيل سوى الصورة. وكذلك كلامُ سائر أصحابنا، فإنهم قالوا: لا بأس بلُبس ما فيه التماثيل التي لا تُشْبِه ما فيه الروح. وفسَّر القاضي وغيره حديث عائشة بالتصاوير، كما
(1)
وأخرجه البيهقي في «الكبرى» (7/ 270).
(2)
أخرجه أبو داود (4932).
وصححه ابن حبان (5864).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
زيادة من المطبوع.