الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكره أو يلبس
(1)
جلود السباع ويصلِّي، ثم يتبيَّن له رجحان القول الآخر لم تجب عليه الإعادة مع سمعه للحجَّة. فالذي لم يسمع الحجة يجب أن يُعذَر لذلك، إذ لا فرق بين أن يتجدَّد له فهمٌ لمعنًى لم يكن قبل ذلك، أو سماعٌ لعِلمٍ لم يكن قبل ذلك، إذا كان معذورًا بذلك؛ بخلاف من جهل بطلانَ الصلاة في الموضع النجس، فإنَّ هذا مشهور.
ولو صلَّى في موضع لم يعلم أنه مقبرة، ثم تبيَّن له أنه مقبرة، فهنا ينبغي أن يكون كما لو صلَّى في موضع نجس لا يعلم بنجاسته، ثم علِمَ بعد ذلك، وقد تقدَّم قولُ عمر لأنس:«القبرَ، القبرَ» . ولم يأمره بالإعادة لأنه لم يكن يعلم أنَّ بين يديه قبرًا.
الفصل الرابع
أنَّ أكثر أصحابنا لا يصحِّحون الصلاة في شيء من هذه المواضع، ويجعلونها كلَّها من مواضع النهي
ومنهم من لم يعدَّ مواضع النهي إلا أربعة فقط، وهي: المقبرة، والحُشّ، والحمّام، وأعطان الإبل؛ سوى الموضع النجس والمغصوب. وهذا هو الذي ذكره الشيخ رحمه الله، وهو مقتضى كلام الخِرَقي وغيره لوجهين:
أحدهما: أنَّ النهي إنما صحَّ في المقبرة والحمَّام وأعطان الإبل. والحُشُّ أسوأ حالًا منها، فأُلحِقَ بها. وسائرُ الأمكنة مدارها على حديث ابن عمر، وإسناده ليس بالقوي، ولا يعارض عموم الأحاديث الصحيحة، لاسيَّما
(1)
في الأصل: «يلمس» ، وتصحيحه من حاشية كاتبه.
وقد استثنى في حديث أبي سعيد المقبرة والحمام خاصَّةً دون غيرهما، وقال:«الأرض كلُّها مسجد» .
الثاني: أنَّ النهي إنما كان لأنها مظِنَّة النجاسة. وهذه العلة يمكن الاحتراز عنها غالبًا في تلك المواضع، فلا تبطل الصلاة مع تيقُّن اجتناب النجاسة غالبًا.
والأول أظهر لوجهين:
أحدهما: الحديث المذكور. وقد تقدَّم الجواب عن تضعيفه، لاسيَّما والحديثُ الذي يسمِّيه [ص 154] قدماء المحدِّثين ضعيفًا مثل هذا خيرٌ من القياس والمجمل، أعني ما ذُكِر فيه الحكمُ جملةً وإن كان بصيغة العموم. وهو أحقُّ أن يتَّبع منه، على ما هو مستوفًى في مواضعه من أصول الفقه، فكيف إذا لم يعارضه إلا عمومٌ ضعيفٌ لكونه مخصوصًا بصور كثيرة، أو قياس ضعيف؟ ثم إن بعض تلك المواضع قد جاء فيها نصوص أخرى مثل جوادِّ الطريق
(1)
ومثل ظهر بيت الله الحرام
(2)
، فإنَّ فيه آثارًا عن الصحابة.
والمزبلة والمجزرة أولى بالمنع من الطريق والحمَّام، فصار ذلك الحديث معتضدًا بالآثار التي توافقه، وبفحوى الخطاب الذي يطابقه. وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد:«الأرض كلُّها مسجدٌ إلا المقبرة والحمام»
(3)
يشبه ــ والله أعلم ــ أن يكون إنما استثنى ما على هيئة مخصوصة لا يصلح أن
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
تكون إلا على الوجه المنهيِّ عنه، فإنَّ المقبرة والحمَّام لهما هيئة مخصوصة يتميزان بها عن سائر البقاع. وأعطانُ الإبل والمزبلةُ ونحو ذلك فإنَّها لا تتميَّز بنفس هيئة الأرض، وإنما تتميَّز بما يكون فيها.
الوجه الثاني: القياس في المسألة. وفي ذلك ثلاثة
(1)
مسالك.
أحدها ــ وهو مسلك كثير من أصحابنا، منهم أبو بكر والقاضي وغيرهما ــ: أنَّ الحكم ثبَت تعبُّدًا، فيتعلَّق
(2)
بنفس الأسماء ومفهومها من غير زيادة ولا نقص.
وإذا قال بعض الفقهاء: هذا الحكم تعبُّد، فله تفسيران:
أحدهما: أن يكون الحكم شُرع ابتلاءً وامتحانًا للعباد، ليتميز المطيع عن العاصي، ويثاب المطيع على محض الطاعة والانقياد والإسلام، كما يعاقَب العاصي على محض المعصية والمخالفة، وإن لم يكن في نفس العمل ــ لولا الأمر ــ معنًى يقتضي العمل. ومثلُ هذا أمرُ الله خليلَه بذبح ابنه، وتحريمُه على أصحاب طالوت أن يطعَموا من النهر إلا غرفة واحدة. وكثيرٌ من الأحكام من هذا النمط. وهذا التعبد حقٌّ واقعٌ في الشريعة عند أهل السنَّة خلافًا للمعتزلة ونحوهم، إلَّا أنَّ الصلاة في هذه الأماكن ليست ــ والله أعلم ــ من هذا القبيل؛ لأنه قد أشير فيها
(3)
إلى التعليل.
ولأنَّ مواضع الصلاة مبنيَّة على التوسعة والإطلاق في شريعتنا، ولا تناسب الحَجْر والتضييق. ولأنه لا بد أن تشتمل هذه الأماكن على معانٍ
(1)
في الأصل: «وذلك فيها ثلاث» ، وفي المطبوع: «
…
ثلاثة».
(2)
في المطبوع: «يتعلق» ، والمثبت من الأصل.
(3)
في الأصل والمطبوع: «منها» .
اقتضت المنعَ عن الصلاة فيها وامتازت بتلك المعاني عن غيرها، وإلا كان النهيُ عنها دون غيرها تخصيصًا بغير مخصِّص. ولأنَّ من أنعَمَ
(1)
النظرَ علِمَ اشتمالَها على معانٍ انفردت بها عن غيرها.
التفسير الثاني: أن يُعنَى بالتعبد أن المكلَّف لم يطَّلِع على حِكمة [ص 155] الحكم جملةً ولا تفصيلًا، مع أنَّ العمل يكون مشتملًا على وصفٍ لأجله عُلِّق به الحكم، سواء كان الوصف حاصلًا قبل نزول الشريعة وإرسال نبيِّنا صلى الله عليه وسلم، أو إنما حصل بعد الرسالة.
والحكم المعلَّق به قد يُطلَق على نفس خطاب الله الذي هو الأمر والنهي والإباحة، وعلى موجَبِ الخطاب الذي هو الوجوب والحرمة والحِلّ. والأول إضافة إلى الفعل، والثاني: صفة ثابتة للفعل لكنها صفةٌ أثبتها الشارع له. وقد يطلَق الحكمُ على التعلُّق الذي بين الخطاب وبين الفعل. وقد يعنى بالحكم أيضًا صفة ثابتة للفعل قبل الشرع، أظهرها الشرع، كما يقوله بعض أصحابنا، منهم التميمي وأبو الخطاب. وأكثرهم لا يُثبت حكمًا قبل الشرع، وإنما كان ثابتًا عندهم بعضُ علل الأحكام. فمن قال: إنَّ الحكم في هذه المواضع تعبد بهذا التفسير، فقد ذكر أنه لم يظهر له حكمةُ الحكم على وجه منضبط، فأدار الحكمَ على الاسم. فهذا مسلك سديد
(2)
في نفسه، وإن لم يكشِف فقهَ المسألة.
والمسلك الثاني: مسلك طائفة من أصحابنا وغيرهم. علَّلوا الصلاة
(1)
في المطبوع: «أمعن» تبعًا لما علَّقه كاتب النسخة في هامشها: «لعله أمعن» . وما ورد في النسخة هو كلام العرب.
(2)
في الأصل والمطبوع: «شديد» ، تصحيف.
بالمقبرة، بأن التراب يختلط بصديد الموتى ورطوباتهم، فيتنجَّس. ومن قال هذا من أصحابنا قال: لما كانت المقبرة في الجملة مظنَّةَ النجاسة عُلِّق الحكم، وإن تخلَّفت الحكمة في
(1)
آحاد الصور، لأنَّ المذهب لا يختلف عندنا أنه لا فرق بين المقبرة الحديثة والعتيقة، وإن كان بعض الفقهاء يجوِّز الصلاة في المقبرة الجديدة لزوال هذه المفسدة.
وكذلك علَّلوا الصلاة في الحمَّام بأنه مصَبُّ الاقذار والأوساخ من البول والدم وما تولَّد منه والقيء وغير ذلك. وهذا في الحُشِّ والمزبلة والمجزرة ظاهر. وكذلك الطريق هو مظنَّة أرواث الدواب وأبوالها.
وأمَّا أعطان الإبل، فعلَّلها بعضُ الناس بنجاسة أبوالها. وأجاب أبو بكر وغيره عن ذلك بأنه لو كان كذلك لم يكن فرق بين أعطان الإبل وبين مرابض الغنم، لأنَّ فيها أبوالها أيضًا، وحكمُ بول الإبل والغنم واحد.
وعلَّل ذلك بعضهم بأنَّ فيها شِماسًا
(2)
ونُفورًا، فربما نفرت، فأفزعت المصلِّي، وقطعت
(3)
صلاته، وخَبَطته. وهذا المعنى معدوم في الغنم لضعف حركتها وسكونها. وأجاب [أبو]
(4)
إسحاق بن شاقْلا وغيره عن ذلك بأنه لو كان كذلك لما صلَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى البعير
(5)
، ولما صلَّى عليه
(6)
. وأيضًا لو
(1)
في الأصل: «أفي» ، وفي المطبوع:«إلى» .
(2)
في المطبوع: «شموسًا» ، والمثبت من الأصل، وكلاهما مصدر.
(3)
في المطبوع: «وقت» ، تحريف.
(4)
ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل والمطبوع.
(5)
كما في الحديث الذي أخرجه البخاري (507) ومسلم (502) عن ابن عمر رضي الله عنهما.
(6)
كما في حديث ابن عمر أيضًا. أخرجه البخاري (999) ومسلم (700).
كان كذلك لما صلَّى بين الإبل في السفر؛ وهو خلافُ سنَّة المسلمين، وخلافُ ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وأيضًا فلو كانت هذه العلَّة لكان النهيُ عن الصلاة عندها سواء كان في أعطانها، أو غير أعطانها ولم يكن [ص 156] النهي عن الصلاة في مباركها وأعطانها، سواء كانت حاضرة أو غائبة.
وقال بعضهم: إن مواضعها مناخ الركبان، وكانوا يبولون ويتغوَّطون في أمكنتهم، ثم يرتحلون. فنهى أن يصلَّى في أمكنتها لموضع أبوال الناس.
وقال بعضهم: معنى الحديث أنه كره الصلاة في السهول من الأرض، لأنَّ الإبل إنما تأوي إليها، وتعطِنُ فيها. والغنم إنما تُبَوَّأ
(1)
وتُراح إلى الأرض الصلبة. قال: والمعنى في ذلك أنَّ الأرض الخوَّارة التي يكثر ترابها ربما كانت فيها النجاسة، فلا يبين موضعها، ولا يأمن المصلِّي أن تكون صلاته فيها على نجاسة. فأمَّا العَزَاز الصُّلب من الأرض، فإنَّه ضاحٍ بارز، لا يخفى موضع النجاسة إذا كانت فيه.
وهذا تكلُّف بارد. فإنَّ الأول يقتضي أن النهي عن مواضعها في الأسفار. وليس بشيء، فإنَّ الصلاة في تلك المواضع جائزة بالسنة الماضية، ولأنَّ المعطِن إمَّا موقفها
(2)
عند صَدَرها عن الشرب، أو المكان الذي تأوي اليه.
والثاني يقتضي كراهةَ الصلاة في كلِّ موضع سهل، وهو باطل. ثم هو خلاف تعليل الشارع صلى الله عليه وسلم. ثم إنَّ ما ذكره من الفرق بين معاطن الإبل
(1)
الكلمة مضبوطة في الأصل.
(2)
في المطبوع: «بوقوفها» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
ومرابض الغنم ليس بمطَّرِد
(1)
، بل ربما كان الأمر بخلاف ذلك.
المسلك الثالث: تفسيرُ النهي عن الصلاة في هذه المواضع وتوجيهه بما دلَّ عليه كلامُ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما القبور، فإنَّ الصلاة عندها تعظيمٌ لها، شبيهٌ بعبادتها، وتقرُّبٌ بالصلاة عندها إلى الله سبحانه. أما من يقصد هذا فظاهر، مثل من يجيء إلى قبر نبيٍّ أو رجلٍ صالحٍ، فيصلِّي عنده متقرِّبًا بصلاته عنده إلى الله سبحانه. وهذا نوع من الشرك وعبادة الأوثان، بل هو أحد الأسباب التي عُبِدَت بها الأوثان.
قيل: إنهم كانوا يصلُّون عند قبور صالحيهم، ثم طال العهد حتى صوَّروا صُوَرَهم، وصلَّوا عندها، وعكفوا عليها، وقالوا: إنما نعبدهم ليقرِّبونا إلى الله زلفى. ولمَّا كان النصارى قد {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، كان العكوف عند القبور والتماثيل فيهم أكثرَ.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عن الكنيسة التي أُخبِر عنها: «إنَّ أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح، فمات بنَوا على قبره مسجدًا، وصوَّروا فيه تلك الصور. أولئك شِرارُ الخلق عند الله يوم القيامة»
(2)
.
(1)
في المطبوع: «بمضطرد» ، خلافًا للأصل.
(2)
سبق تخريجه.
وقال: «اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبَد. واشتدَّ غضبُ الله [ص 157] على قوم اتخذوا قبورَ أنبيائهم مساجد»
(1)
.
وقال عليه السلام: «إنَّ من كان قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. ألا، فلا تتخذوا القبورَ مساجدَ، فإنِّي أنهاكم عن ذلك»
(2)
.
فإنما نهى عن ذلك، لأنَّ الصلاةَ عندها واتخاذَها مساجدَ ضربٌ من عبادة الأوثان، وسببٌ إليه، لأنَّ عُبَّاد الأوثان ما كانوا يقولون: إنَّ تلك الحجارة والخشب خَلَقتهم، وإنما كانوا يقولون: إنها تماثيل أشخاص معظَّمين من الملائكة أو النجوم أو البشر، وإنَّهم بعبادتهم يتوسَّلون إلى الله. فإذا توسَّل العبد بالقبر إلى الله فهو عابدُ وثن، حتَّى يعبد الله مخلصًا له الدين، من غير أن يجعل بينه وبينه شفعاء وشركاء، كما أمر الله تعالى بذلك في كتابه؛ ويعلمَ أنه ليس من دون الله وليٌّ ولا شفيعٌ، كما أخبر تعالى.
ولهذا جمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين مَحْق التماثيل وتسوية القبور المُشْرِفة، إذ كان بكلاهما
(3)
، يُتوسَّل بعبادة البشر إلى الله. قال أبو الهيَّاج الأسدي: قال لي عليٌّ رضي الله تعالى عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ أن لا تدعَ تمثالًا إلا طمستَه، ولا قبرًا مُشْرفًا إلا سوَّيته. رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
(4)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
كذا في الأصل، وقد سبق الكلام عليه في كتاب الطهارة (ص 276).
(4)
سبق تخريجه.
وأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ هذه
(1)
الأمة ستتبع سَنَنَ من كان قبلها حذوَ القُذَّة بالقُذَّة حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلوا معهم. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال:«فمَن؟»
(2)
.
وأخبر أنه لا تقوم الساعة حتى تُعبد اللَّاتُ والعُزَّى
(3)
، وحتَّى تضطربَ ألَياتُ [نساءِ]
(4)
دوس حول ذي الخَلَصَة، صنمٌ كان لهم في الجاهلية
(5)
.
ولهذا قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: لا يجوز أن يُبنَى مسجدٌ على قبر، ولا فيما بين القبور. والواجب في المساجد المبنيَّة على تُرَبِ الأنبياء والعلماء والشيوخ والملوك وغيرهم أن لا تُتَّخذ مساجدَ، بل يُقطَع ذلك عنها إمَّا بهدمها، أو سدِّها، أو نحو ذلك، مما يمنع أن تُتَّخذ مسجدًا. ولا تصح الصلاة في شيء منها، ولا يجوز الوقف عليها، ولا إسراج ضوء فيها، سواء كان بدهن أو شمع، ولا يصح النذر لها، بل هو نذر معصية، فتجب فيه كفَّارةُ يمين، لأنه صلى الله عليه وسلم لعن مَن يتخذ القبورَ مساجدَ
(6)
، ولعن من يتخذ عليها السُّرُج
(7)
، ونهى عن اتخاذها مساجد
(8)
، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيلُ القول في ذلك.
(1)
في الأصل: «هذا» ، ونبَّه عليه كاتبه في الحاشية.
(2)
من حديث أبي سعيد الخدري. أخرجه البخاري (3456) ومسلم (2669).
(3)
من حديث عائشة. أخرجه مسلم (2907).
(4)
من «الصحيحين» . ونبَّه على ذلك كاتب الأصل في حاشيته.
(5)
من حديث أبي هريرة. أخرجه البخاري (7116) ومسلم (2906).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
سبق تخريجه.
(8)
سبق تخريجه.
وأمَّا من يصلِّي عند القبر اتفاقًا من غير أن يقصده، فلا يجوز أيضًا، كما لا يجوز السجود بين يدي الصنم والنار وغير ذلك مما يُعبد من دون الله، لما فيه من التشبُّهِ [ص 158] بعُبَّاد الأوثان، وفتحِ باب الصلاة عندها، واتهامِ من يراه أنه قصَد الصلاةَ عندها. ولأنَّ ذلك مظِنَّة تلك المفسدة، فعُلِّق الحكمُ بها، لأنَّ الحكمة قد لا تنضبط؛ ولأنَّ في ذلك حسمًا لهذه المادة، وتحقيقَ الإخلاص والتوحيد، وزجرَ النفوسِ
(1)
أن تتعرض لها بعبادة
(2)
، وتقبيحًا
(3)
لحال من يفعل ذلك.
ولهذا نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس، لأنَّ الكفار يسجدون للشمس حينئذ
(4)
. ونهى أن يصلِّي الرجلُ، وبين يديه قنديل أو نحوه
(5)
. وكان إذا صلَّى إلى سترة انحرف عنها، ولم يصمُد لها صَمْدًا
(6)
.
(1)
في الأصل: «زجرًا لنفوس» ، وقال كاتبه في الحاشية:«لعله: للنفوس» . وكذا أثبت في المطبوع.
(2)
في الأصل: «بها لعبادة» . والمثبت من المطبوع. وفي الأصل والمطبوع: «أن يتعرض» .
(3)
في الأصل: «وتقبيح» ، وصوابه من حاشية كاتبه.
(4)
كما في حديث عمرو بن عبسة الذي أخرجه مسلم (832).
(5)
لم أقف عليه.
وقد أثر عن بعض السلف كراهة الصلاة إلى ما فيه نار، أخرج ابن أبي شيبة (7665) عن ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور، وقال:«بيت نار» . وانظر: «فتح الباري» لابن رجب (3/ 227).
(6)
أخرجه أحمد (23820)، وأبو داود (693)، من طريق الوليد بن كامل، عن المهلب بن حجر، عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود، عن أبيها.
إسناده ضعيف، الوليد فيه لين، والمهلب مجهول، وقد اضطرب في إسناده ومتنه، وضعفه ابن القطان في «بيان الوهم» (3/ 351)، وابن رجب في «فتح الباري» (2/ 646)، وابن حجر في «الدراية» (1/ 181).
كلُّ ذلك حسمًا لمادة الشرك صورةً ومعنًى، كما نهى سعدًا أن يدعو بإصبعين، وقال:«أحِّدْ أحِّدْ»
(1)
، وأن يقول الرجل ما شاء الله وشاء فلان
(2)
، وأن يحلف الرجل بغير الله، وقال:«من حلَف بغير الله فقد أشرَكَ»
(3)
.
ولعلَّ بعض الناس يخيَّل إليه أنَّ ذلك كان في أول الأمر، لقرب العهد بعبادة الأوثان؛ وأنَّ هذه المفسدة قد أمِنت اليوم. وليس الأمر كما تخيَّله، فإنَّ الشركَ وتعلُّقَ القلوب بغير الله عبادةً واستعانةً غالبٌ على قلوب الناس في كلِّ وقت، إلا من عصَم الله. والشيطانُ سريعٌ إلى دعاء الناس إلى ذلك، وقد قال الحكيم الخبير {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، وقال إمام الحنفاء:{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 35 - 36]، وقد قال الناس
(1)
أخرجه أبو داود (1499)، والنسائي (1273)، من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن سعد بن أبي وقاص به.
وصححه الحاكم (1/ 536)، والألباني في «صحيح أبي داود: الكتاب الأم» (5/ 235)، وقد اختلف فيه على الأعمش، كما بينه الدارقطني في «العلل» (4/ 397)، وله شواهد من حديث أنس وأبي هريرة ورجل من الأنصار.
(2)
أخرجه أحمد (23265)، وأبو داود (4980)، من حديث حذيفة به.
وصححه النووي في «الأذكار» (444)، وقال الذهبي في «المهذب» (3/ 1145):«إسناده صالح» ، ووقع في سنده اختلاف، انظر:«العلل الكبير» للترمذي (254).
(3)
أخرجه أحمد (6072)، وأبو داود (3251)، والترمذي (1535)، من طرق عن الحسن بن عبيد الله، عن سعد بن عبيدة، عن ابن عمر به.
لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين عقيبَ فتح مكة: اجعل لنا ذات أنواط. فقال: «الله أكبر. قلتم كما قال قوم موسى لموسى: اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة. إنها السُّنَن. لتتبعُنَّ سُنَنَ من قبلكم»
(1)
. وسيعود الدين غريبًا كما بدأ، ويصير الصغير كبيرًا، فكيف تؤمن المفسدة؟ بل هي واقعة كثيرة. فهذه هي العلَّة المقصودة لصاحب الشرع في النهي عن الصلاة في المقبرة واتخاذ القبور مساجد، لِمن تأمَّل الأحاديث، ونظَر فيها. وقد نصَّ الشارع على هذه العلَّة، كما تقدَّم.
فأما إن كان التراب نجسًا، فهذه علَّة أخرى قد تُجامع الأولى، لكن تكون المفسدة الناشئة من اتخاذها أوثانًا أعظم من مفسدة نجاسة التراب، فإنَّ تلك تقدح في نفس التوحيد والإخلاص، الذي هو أصلُ الدين وجِماعُه ورأسُه، والذي بُعثت به جميعُ المرسلين، كما قال سبحانه وتعالى:{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف: 45]، وقال:{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} إلى قوله: {أَنْ أَقِيمُوا [ص 159] الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} [الشورى: 13]. ولهذا كانت فاتحة دعوة المرسلين من نوح وهود وصالح
(1)
حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (4358)، والحاكم (1/ 65)، وأعله البيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 29) بالانقطاع بين سعد وابن عمر، وانظر:«البدر المنير» (9/ 460).
() أخرجه أحمد (21897، 21900)، والترمذي (2180)، من حديث أبي واقد الليثي.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح» ، وصححه ابن حبان (6702).
وشعيب وغيرهم {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59، 65، 73، 85].
وقد تفارق الأولى إذا كان بينه وبين التراب حائل من البِساط ونحوه، أو كانت المقبرة جديدة لاسيَّما المسجدُ المبنيُّ على قبر نبيٍّ أو رجل صالح، فإنَّ تربته لم يُدفَن فيها غيرُه، فلا نجاسة هناك البتَّة، مع ما فيه من نهي الشارع.
وأما أعطان الإبل، فقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه ذلك بأنها من الشياطين
(1)
، وبأنها خُلقت من الشياطين
(2)
.
وفي رواية
(3)
: أنها جِنٌّ خُلِقت من جِنٍّ. وفي حديث آخر: «على ذِروةِ كلِّ بعير شيطان»
(4)
.
والشيطان: اسم لكلِّ عاتٍ متمرِّد من جميع الحيوانات، والشياطينُ من ذرِّية ابليس تُقارب شياطينَ الإنس والدوابِّ؛ فمعاطنها مأوى الشياطين. أعني أنها في أنفسها جِنٌّ وشياطينُ لمشاركتها لها في العتوِّ والتمرُّد والنَّفْر
(1)
في حديث البراء بن عازب، سبق تخريجه في كتاب الطهارة.
(2)
أخرجه أحمد (16788)، وابن ماجه (769)، وابن حبان (1702)، من طرق عن الحسن، عن عبد الله بن مغفّل رضي الله عنه مرفوعًا.
رجاله ثقات، وقد صححه ابن حبان، ومغلطاي في «الإعلام» (1/ 1281). وانظر:«فتح الباري» لابن رجب (2/ 420).
(3)
لحديث عبد الله بن مغفل، رواها الشافعي في «الأم» (2/ 208) بإسناد ضعيف. انظر:«فتح الباري» لابن رجب، و «السلسلة الضعيفة» (2210).
(4)
أخرجه أحمد (16039)، والدارمي (2709)، والنسائي في «الكبرى» (9/ 188)، من طريق أسامة بن زيد، عن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي، عن أبيه به.
قال النسائي بعد إخراجه إياه: «أسامة بن زيد ليس بالقوي في الحديث» ، وصححه ابن خزيمة (2546)، وابن حبان (1703)، والحاكم (1/ 612).
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن خزيمة (2547).
وغير ذلك من الأخلاق، وأنَّ ذرية إبليس مقترنة بها.
وإذا كان كذلك فالمواضع التي هي مألف الشياطين ومثواهم، نهى الشارع عن الصلاة فيها، لما في الصلاة فيها من المفسدة التي تعكِسُ على المصلي مقصودَه من العبادة؛ بل هي من أبلغ الأسباب المانعة من صحة العبادة وصلاحها؛ كما فضَّل الأماكنَ التي هي مألف الملائكة والصالحين مثل المساجد الثلاثة، لما يرجى هناك من مزيد الرحمة والبركة وكمال العبادة؛ ولما يُخاف هنالك من نقص الرحمة والبركة ونقص العبادة. ألا ترى إلى قوله:{وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (97) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97 - 98]؟ ألا ترى أنَّ المسجد صِينَ عن كلِّ ما ينفِّر الملائكةَ من التماثيل والجنُب وارتفاع الأصوات ونحو ذلك؟
فعُلِمَ أنَّ مواضع العبادة يُقصَد أن تكون مما تنزل فيه الرحمة والسكينة والملائكة، وأنَّ ما كان محلًّا لضدِّ ذلك لم يُجعَل موضعَ صلاة. وهذه العلَّة التي أومأ إليها الشارع هنا أومأ إليها في مواضع أخَر، فإنَّهم لما ناموا عن صلاة الفجر بعد القفول من غزوة خيبر واستيقظوا قال صلى الله عليه وسلم:«ليأخذ كلُّ رجل منكم برأس راحلته، فإنَّ هذا منزلٌ حضَرَنا فيه الشيطانُ»
(1)
، مع أمره بصلاة الفائتة حين يُنتبَه لها وقوله صلى الله عليه وسلم:«لا كفارة لها إلا ذلك»
(2)
. فعُلِم أنَّ الصلاةَ ببقعةٍ يحضرها الشيطانُ أمرٌ محذورٌ في الشرع.
واعتُبِر هذا المعنى في قطع الصلاة بمرور المارِّ [ص 160] فقال لمَّا سئل عن الفرق بين الكلب الأسود والأبيض والأحمر: «الكلب الأسود
(1)
سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه.
شيطان»
(1)
. وقال: «إنَّ عفريتًا من الجنِّ تفلَّتَ عليَّ البارحةَ ليقطعَ عليَّ الصلاةَ، فأمكنني الله منه، فذَعَتُّه»
(2)
الحديث
(3)
. وفي رواية: «مرَّ علي الشيطانُ، فتناولتُه، فأخذتُه فخنقتُه»
(4)
.
ونحن نقول بجميع هذه السنن، ونعلِّل بما علَّل به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يعلم ما لا نعلم، وأمرُه يتبَع علمَه، بأبي هو وأمي. وحينئذ فيجب طردُ هذه العلَّة، فإنَّ الحُشَّ مع أنه مظِنة النجاسة، فإنَّ الشياطين تحضره، كما قال صلى الله عليه وسلم:«إن هذه الحشوش محتضرَة» وأمَر عند دخولها بالتسمية والاستعاذة من الشيطان الرجيم
(5)
.
وكذلك الحمَّام، فإنه مع أنه مظِنة النجاسة، فإنه بيتُ الشيطان، كما جاء في الأثر الذي ذكرناه في الطهارة: أنَّ الشيطان قال: أيْ ربِّ اجعل لي بيتًا. قال: بيتك الحمَّام
(6)
وهو محلٌّ للخبَث، والملائكةُ لا تدخل بيتًا فيه خبَث.
وأما المجزرة والمزبلة، فهي كالحمَّام سواء، وأسوأ لأنها مظنَّة النجاسة. وهي ــ والله أعلم ــ محتضَرة من الشياطين، فإنَّهم أبدًا يأوون
(1)
من حديث أبي ذرٍّ، أخرجه مسلم (510).
(2)
أي خنقته.
(3)
من حديث أبي هريرة، أخرجه البخاري (461) ومسلم (541).
(4)
أخرجه أحمد (3926)، والبيهقي (2/ 219)، من طريق إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود به.
إسناده ضعيف؛ لانقطاعه، قال الهيثمي في «المجمع» (1/ 288):«أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، وبقية رجاله رجال الصحيح» ، وانظر:«جامع التحصيل» (204).
(5)
سبق تخريجه.
(6)
تقدم تخريجه
مواضعَ النجاسات. فما خبُث من الجمادات والأجساد مقرونٌ أبدًا بما خبُث من الحيوانات والأرواح، وليس اعتبارُ طهارة البقعة من الأجسام الخبيثة بدون اعتبار طهارتها من الأرواح الخبيثة، بل العنايةُ بتطهيرها من هؤلاء الخبيثين والخبيثات من الأماكن أولى. ولمَّا كان هذا مُغَيَّبًا عن عيون الناس عَلَّق الشارعُ الحكمَ بمظنَّة ذلك وعلامته
(1)
، وهو مكان النجاسات.
وأما قارعة الطريق، فقد صرَّح صلى الله عليه وسلم بأنها مأوى الحيَّات والسِّباع
(2)
. وهذا ــ والله أعلم ــ ينزع إلى ذلك؛ لأنَّ الحيَّات والسِّباع من أخبث شياطين الدوابِّ، ومأواها أسوأ حالًا من مأوى الإبل.
وقد أشار أبو بكر الأثرم
(3)
إلى نحو من هذه الطريقة، فقال لما ذكر حديث زيد بن جَبيرة، واعتمَده، وبيَّن الجمعَ بينه وبين الأحاديث المطلقة، فقال:«قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جُعلت لي الأرضُ طهورًا ومسجدًا»
(4)
إنما أراد به الخلافَ على أهل الكتاب، لأنهم لا يصلُّون إلا في كنائسهم وبِيَعهم، فقال: فُضِّلتُ على الناس بذلك وبغيره. ثم استثنى بعد الخلاف عليهم مواضعَ لمعانٍ غير معاني أهل الكتاب». قال: «[فأمّا]
(5)
الحمام والمقبرة، فإنَّ الحمام ليس من بيوت الطهارة، لأنه بمنزلة المراحيض التي
(6)
يغتسل فيها
(7)
من الجنابة والحيض.
(1)
في المطبوع: «علاقته» .
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
في كتابه «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص 116 - 117).
(4)
سبق تخريجه.
(5)
زيادة من كتاب الأثرم.
(6)
في المطبوع: «الذي» ، والمثبت من الأصل ومصدر النقل.
(7)
في الأصل والمطبوع: «فيه» .
والمقبرة أيضًا إنما كُرهت للتشبُّه بأهل الكتاب، لأنهم يتخذون قبورَ أنبيائهم وصالحيهم مساجد. وسائرُ المواضع التي استثناها إنما كرِه نجاستها [ص 161]. ومعاطنُ الإبل قال: إنها خُلِقت من الشياطين. فقد بيَّن في كلٍّ معناه». هذا كلام الأثرم.
وقد تبيَّن بما ذكرناه أنَّ العلَّة في أكثر هذه المواضع كونها مأوى الشياطين ومألفهم، وأنَّ إلفَ الشيطان إياها بسبب النجاسة وغيرها.
فإن قيل: فعندكم تجوز الصلاة في الموضع الذي نسيَ الصلاةَ فيه، وهو موضع شيطان. وتجوز في السوق بنصِّ السُّنَّة
(1)
، وبها يركُز الشيطان رايته
(2)
. وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلِّي على البعير وإليه
(3)
. ثم ما كان مأوى الشيطان فينبغي أن تكون الصلاة فيه أفضل، كما فُضِّل ذكرُ الله في السوق لأنه محلُّ الغفلة
(4)
، وكما أنَّ الأذان يطرد الشيطان
(5)
.
قلنا: الأماكن قسمان، أحدهما: ما يألفونه ويلزمونه، ولا يمكن طردهم عنه مطلقًا، لثبوت المقتضي لحضورهم، مثل الحُشِّ والحمّام وأعطان الإبل. فهذا الذي لا تصح الصلاة فيه.
(1)
انظر حديث أبي هريرة في البخاري (477) ومسلم (649).
(2)
كما قال سلمان الفارسي في حديثه في «صحيح مسلم» (2451).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
أخرجه الترمذي (3429) وابن ماجه (2235) من حديث عمر. وانظر «مجموع الفتاوى» (18/ 65).
(5)
سبق تخريجه.