الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإنها مشروعة في أول كلِّ قراءة.
مسألة
(1)
: (ثم يقرأ الفاتحة، ولا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، إلا المأموم فإنَّ قراءة الإمام له قراءة
. ويستحَبُّ أن يقرأ في سَكَتات الإمام وما لا يجهَر فيه).
هذا الكلام فيه فصول:
أحدها: في قراءة الفاتحة في الصلاة
أما قراءة الفاتحة في الصلاة، فهذا من العلم العامِّ المتوارث بين الأمة خلفًا عن سلف عن نبيها صلى الله عليه وسلم. وظاهر المذهب أن صلاة الإمام والمنفرد لا تصح إلا بقراءة الفاتحة، سواء تركها عمدًا أو سهوًا.
وعنه: إذا صلَّي بآية واحدة أجزأته. وقوله: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»
(2)
على طريق الفضل، لأن الله تعالى قال: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ
(1)
«المستوعب» (1/ 177 - 178)، «المغني» (2/ 154 - 164)، «الشرح الكبير» (3/ 439 - 458)، «الفروع» (2/ 172 - 178).
(2)
سيأتي تخريجه.
الْقُرْآنِ} [المزمل: 20]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي المسيء في صلاته: «كبِّر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع»
(1)
. ولأن المفروض في الصلاة هو القرآن بقوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] سمِّي الصلاة قرآنًا، وإنما يعبَّر عن الشيء باسم بعضه إذا كان ركنًا فيه، كما سُمِّي ركوعًا وسجودًا وقيامًا. [ص 276] وكذلك قوله:{قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} إلى قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 2 - 4] وسائر السورة دليل على أن الصلاة لا بد فيها من القراءة.
وقد روى أبو الدرداء أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله أفي كلِّ صلاة قرآن؟ قال: «نعم» . وقال رجل من الأنصار: وجبت هذه. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
(2)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» رواه مسلم
(3)
وغيره.
وهذا يعمُّ جميعَ القرآن، وكلُّه كلام الله، فاستوى في انعقاد الصلاة بما تيسَّر منه، كما استوى في جهة تلاوته وصحة الخطبة به، وإنما اعتبرت الآية كما اعتبرناها في الخطبة.
(1)
أخرجه البخاري (757) ومسلم (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أحمد (21720) ــ واللفظ له ــ، والنسائي (923)، وابن ماجه (842)، من طرق عن أبي الدرداء به.
رجال أحمد ثقات، وقد وقعت في الطرق الأخرى زيادة اختلف في إدراجها، انظر:«بيان الوهم» (3/ 370)، «الإعلام» لمغلطاي (5/ 228).
(3)
برقم (537).
ومن أصحابنا من قال: إذا لم تشترط الفاتحة، فعليه أن يأتي بسبع آيات. وهل يشترط أن تتضمَّن قدر الحروف؟ على وجهين. وهو مع مخالفة النصوص فاسد الوضع، لأن اعتبار سبع آيات على إيجاب الفاتحة، فكيف يوجب مع القول بعدم وجوبها؟
والصحيح: الأول لما روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» رواه الجماعة
(1)
.
فإن قيل: هو محمول على نفي الفضل والكمال، لأن حقيقة الصلاة قد وُجدت، فلا يمكن نفيها. فلا بدَّ من إضمار الإجزاء أو الكمال، إذ لا يمكن إضمارهما، لما بينهما
(2)
من التنافي. ولأنَّ المقتضَى لا عموم له، فإن الإضمار أوجبته الضرورة، فيتقدَّر بقدرها، وليس أحدهما أولى، فتقف الدلالة. أو يُحمَل على الكمال، لأنه المتيقَّن، ولما قدَّمناه من الدلالة.
قلنا: بل المنفي حقيقة الصلاة، لأن الصلاة المطلقة في لسان الشرع هي: الصلاة المشروعة المأمور بها، وهذه لم توجد مع عدم الفاتحة، كما لا توجد مع عدم الركوع والسجود. وإنما يتوجَّه مثل هذا الكلام في مثل قوله:«رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان»
(3)
، وأما الأشياء التي تناول الاسم المطلق صحيحها دون فاسدها فيكن رفع حقيقتها قد ارتفعت حقيقته
(4)
.
(1)
أحمد (22677)، والبخاري (756)، ومسلم (394)، وأبو داود (822)، والترمذي (247)، والنسائي (910)، وابن ماجه (837).
(2)
في الأصل والمطبوع: «إضمارها لما بينها» ، تصحيف.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
كذا في الأصل، وفيه تحريف. والمقصود واضح.
وأيضًا فلو كانت حقيقة الصلاة موجودة، لوجب حملُ مطلق النفي على نفي الإجزاء والصحة، لأن الشيء إذا عدم إجزاؤه وصحته كان كالمعدوم في المعنى، فيحسن إطلاق النفي عليه، ويكون أولى بالنفي من الشيء الذي هو صحيح مجزئ.
وأيضًا فإنَّ نفي الشيء باعتبار انتفاء فائدته وجدواه [ص 277] طريقة معروفة
(1)
في الكلام، بل قد صارت حقيقة عرفية، فيجب حملُ الكلام عليها. ويحتاج حملُه على انتفاء كمال وأفضليّة
(2)
إلى دليل، وفي هذا جواب عما قالوه. وهذا إنما قلناه تأسيسًا لغير هذا الموضع، وإلا فقد روي الحديث بلفظ ماض:«لا تجزئ الصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»
(3)
. رواه الشافعي والدارقطني
(4)
وقال: إسناده صحيح.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج، فينادي:«لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد» رواه أحمد وأبو داود
(5)
.
(1)
في الأصل: «معرفة» ، وفي المطبوع:«معرفته» .
(2)
في الأصل والمطبوع: «فضلية» .
(3)
كذا ورد في الأصل: ولفظ الدارقطني: «لا تجزيء صلاة لا يقرأ الرجل فيها بفاتحة الكتاب» . ولفظ الشافعي: «لا صلاة لمن لم يقرأ فاتحة الكتاب» .
(4)
«الأم» (1/ 107)، والدارقطني (1/ 321).
قال الدارقطني: «هذا إسناد صحيح» ، وصححه ابن القطان في «بيان الوهم» (4/ 161)، وابن الملقن في «البدر المنير» (3/ 541).
وأخرجه ابن خزيمة (490)، وابن حبان (1789) بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة.
وانظر: «فتح الباري» لابن حجر (2/ 241).
(5)
أحمد (9529)، وأبو داود (820)، من طريق يحيى بن سعيد، عن جعفر بن ميمون، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة به.
صححه ابن حبان (1791)، وقال الحاكم (1/ 365):«هذا حديث صحيح لا غبار عليه؛ فإن جعفر بن ميمون العبدي من ثقات البصريين، ويحيى بن سعيد لا يحدث إلا عن الثقات» ، جعفر مختلف فيه كما في ترجمته من «الميزان» (1/ 418)، ويشهد للحديث رواية عبادة بن الصامت وغيره، وقد تقدمت الروايات في ذلك.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاةً لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خداج، فهي خداج غير تمام» . رواه الجماعة
(1)
إلا البخاري.
والخداج: النقصان في ذات الشيء. فعُلِم أن الصلاة ناقصة في أركانها، لأنهم يقولون: خدَجت الناقة، إذا ولدت قبل أيامها. وأخدجت، إذا ولدت ولدًا ناقصَ الخلقة وإن تمَّت أيامه
(2)
. وربما اجتمعا. ولم يُرد النبي صلى الله عليه وسلم نقص الأيام فقط، لأنَّ ذلك لا نقص فيه حتى تشبَّه به الصلاة. فعُلِم أنه أراد الذي نقَص خلقُه، وقد فسَّر ذلك بقوله:«غير تمام» .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الفاتحة هي الصلاة، وقسمتها قسمتها. فإذا لم يقرأ الفاتحة لم تبق الصلاة المقسومة، فلم تبق صلاة أصلًا؛ لأنه أخبر بقسم مسمَّى الصلاة.
ولأن الفاتحة اختصَّت من بين القرآن بكونها أمَّ القرآن، وفاتحة الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم. ولأنه لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن مثلُها، إلى غير ذلك من الخصائص والمزايا، فلم يجُز إلحاق غيرها بها.
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
انظر: «الصحاح» (خدج).