الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و
من حَرُم عليه لبسه حَرُم عليه سائر وجوه الاستمتاع به
، مثل الجلوس عليه، والاستناد إليه، وتعليقه ستورًا؛ فإنَّ لفظ اللباس يشمل ذلك، بدليل قول أنس: ولنا حصيرٌ قد اسودَّ من طول ما لُبِسَ
(1)
.
وقد جاء ذلك صريحًا، فروى أبو أمامة أنه دخل على خالد بن يزيد، فألقى له وسادةً، فظنَّ أبو أمامة أنها حرير، فتنحَّى، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يستمتع بالحرير من يرجو أيام الله» رواه أحمد
(2)
.
وعن حذيفة بن اليمان قال: نهانا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة، وأن نأكل فيها؛ وعن لُبس الحرير والديباج، وأن نجلس عليه. رواه البخاري
(3)
.
وعن البراء بن عازب أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن المياثر الحُمْر. متفق عليه
(4)
. ورواه الترمذي
(5)
ولفظه: نهى عن ركوب المياثر.
(1)
أخرجه البخاري (380) ومسلم (658). ولفظهما: «فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ
…
».
(2)
برقم (22302)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن حبيب بن عبيد، عن أبي أمامة به.
إسناده ضعيف، أبو بكر متكلم فيه، وقد تفرد به كما أشار إليه أبو نعيم في «حلية الأولياء» (6/ 90)، وقال الهيثمي في «المجمع» (5/ 141):«فيه أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط» .
(3)
تقدَّم قريبًا.
(4)
تقدَّم قريبًا.
(5)
برقم (1760).
وقال: «حسن صحيح» ، وهو في البخاري بلفظه (6235).
والمياثر: المراكب التي تكون على الرَّحل والسَّرج. سُمِّيت مياثرَ لوَثارتها
(1)
ولِينها. ومنه الوِثْر والوَثير، وهو الفراش الوطيء. قال أبو عبيد
(2)
: وأما المياثر الحُمْر التي جاء فيها النهي، فإنها كانت من مراكب الأعاجم من ديباج أو حرير.
وعن علي بن أبي طالب قال: نهاني ــ يعني النبيَّ صلى الله عليه وسلم ــ عن لُبس القَسِّيِّ، وعن الجلوس على المياثر. والمياثر: شيء كان يجعله النساء لبعولتهن على الرَّحل كالقطائف الأُرْجُوان. رواه مسلم
(3)
.
ولأنَّ تحريمه إنَّما هو ــ والله أعلم ــ لما فيه من السَّرَف والفخر والخيلاء ونحو ذلك. وذلك موجود في لُبسه على البدن، وفي افتراشه، وجعله ستورًا؛ بل ربما كان ذلك بغير اللُّبس أعظمَ، إلا أنه أرخص فيه للنساء لأنَّ بهنَّ حاجةً إلى التزيُّن للبعولة في الجملة، كما أرخِص لهن في التحلِّي بالذهب، وكما أُرخِص لهن في إطالة الثياب لمصلحة السَّتْر؛ ولأنهن خُلِقن في الأصل ناقصاتٍ محتاجاتٍ إلى ما يتجمَّلن به ويتزيَّنَّ. قال سبحانه:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف: 18].
ويباح لهن افتراشُه والاستناد إليه، كما يباح لهن لبسُه على أبدانهن، في المشهور من المذهب الذي عليه جمهور أصحابنا.
(1)
في المطبوع: «لدثارتها» ، تحريف.
(2)
في «غريب الحديث» (1/ 285).
(3)
برقم (2078/ 64). وجاء تفسير «القَسِّي» أيضًا في الحديث عن علي رضي الله عنه، قال:«ثياب مضلَّعة يؤتى بها من مصر والشام، فيها شبه كذا» . وسيأتي المزيد في تفسير «القَسِّي» بعد فصلين.
وقال
(1)
ابن عقيل: [ص 85] لا يباح ذلك، لأنَّ حاجة المرأة إنما هي إلى لُبسه على بدنها دون افتراشه وتوسُّده، ولأنه أحد المحرَّمَين، فلم يُبَح للنساء منه إلا ما تبِع أبدانَهن كالذهب.
ووجه الأول: عموم أحاديث الرخصة، ولأنَّ ذلك كلَّه لباس، وقد أبيح لهن لَبوسُ الحرير
(2)
.
فصل
وما يحرم على الرجال فإنه عامٌّ في حقِّ الكبير والصغير، في المشهور من الروايتين.
وفي الأخرى: لا بأس بإلباسه الصبيَّ، لأنه غير مكلَّف، ولأنه ضعيف العقل، فأبيحت له الزينة كالمرأة، كما يباح له من اللعب ما لا يباح للبالغ، بحيث لا يُمنَع منه.
ووجه الأول
(3)
: عموم النهي، فإنه قال:«حرامٌ على ذكور أمَّتي»
(4)
، ولم يفرِّق بين الكبير والصغير. ومعنى التحريم في الصغير: أنه يُمنَع منه، كما يُمنَع من شُرب الخمر، ومن الكذب وغير ذلك من المحرَّمات؛ وأنَّ كافله يأثم بتمكينه من ذلك، وأنَّ لكلِّ واحد ولايةَ منعه من ذلك، لأنه من باب النهي عن المنكر.
(1)
في المطبوع سقطت الواو قبل «قال» .
(2)
في المطبوع: «لباس الحرير» ، والمثبت من الأصل.
(3)
في «مجموع الفتاوى» (22/ 143) أنه أظهرهما. وكذا فيه (29/ 298) و (30/ 51).
(4)
تقدم تخريجه.
ولِما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال: كنَّا ننزِعه عن الغلمان، ونتركه على الجواري. رواه أبو داود
(1)
. ومعلومٌ أنهم إنما يفعلون هذا مفرِّقين هذا التفريق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّهم لا يُقدمون على نزع لباسٍ كانوا يُلبِسونه أولادَهم، ثم ينزعونه عن أحد الصنفين دون الآخر، إلا عن توقيف.
وأيضًا لما
(2)
روي أن عبد الرحمن بن عوف دخل على عمر، ومعه ابنه محمد، عليه قميصٌ من حرير. فأدخلَ عمرُ يده في جيبه، فشقَّه. فقال عبد الرحمن بن عوف: فزَّعتَ الصبيَّ، أطرتَ قلبَه! فقال عمر: تُلبِسونهم الحرير
(3)
!
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: كنتُ جالسًا عند عبد الله بن مسعود، فأتاه ابن له صغير، وقد ألبسته أمُّه قميصًا من حرير، وهو مُعجَب به، فقال له: يا بُنيَّ من ألبسك؟ قال: أمِّي. قال: اُدنُه. فدنا منه، فشقَّه، ثم قال: اذهب إلى أمِّك، فَلْتُلبِسْكَ ثوبًا غيَره
(4)
.
وعن سعيد بن جبير قال: قدِم حذيفة من سفر، وعلى صبيانه قُمُصٌ من حرير، فمزَّقه على الغلمان، وتركه على الجواري
(5)
.
رواهنَّ الخلَّال.
(1)
برقم (4059)، من طريق مسعر، عن عبد الملك بن ميسرة، عن عمرو بن دينار، عن جابر به، قال مسعر:«فسألت عمرو بن دينار عنه فلم يعرفه» .
(2)
في الأصل: «فما» ، وفي المطبوع:«كما» .
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (25147).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (25145) بنحوه، والبيهقي في «الشعب» (8/ 197).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (25146) بنحوه.
وهذا كلُّه دليل على أنهم فهموا من الحديث عمومَ التحريم في الرجال
(1)
. وعمرُ وحذيفةُ من رواة حديث التحريم، فهم أعلم بمعنى ما سمعوا.
ولأنَّ ذلك إجماع منهم، فإنه لم يبلغنا أنَّ
(2)
أحدًا منهم أرخص فيه. وعبد الرحمن لم يخالف عمر في إنكاره عليه إلباسَه الحريرَ، بل أقرَّه على إنكاره عليه إلباسَهم الحرير، وإنما قال له: أفزعتَ الصبيَّ. فعُلِم أنه وافق عمرَ على أنَّ الصبيان ممنوعون من لُبس الحرير، وأنَّ ذلك الإلباس إمَّا يكون مِن فعلِ [ص 86] النساء، أو يكون
(3)
عبد الرحمن لم يكن سمع النهي.
وقد روي
(4)
أنه قاس ابنه على نفسه، لأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان قد أرخص له في لُبس الحرير للحِكَّة، فقال له عمر: إنه ليس مثلَك. وهذا دليل على أنَّ أحدًا منهم لم يفرِّق بين الصغير والكبير.
ولأنَّ تزيين الغلام بما تُزيَّن به الجاريةُ ليس بجائز، لأنه ليس محلًّا للشهوة، بل يجب صونُه عمَّا يُشبِه به النساءَ، ويصير به بمنزلة المخنَّث؛ فإنَّ ذلك سببٌ لاعتياده التشبُّهَ بالنساء وتخنيثه إذا كبر؛ وربما كان سببًا للفتنة به، إلى غير ذلك من المفاسد.
وأما إلباسُه الذهبَ، فالمنصوص عنه فيه التحريم، لكن أصحابنا أجرَوا
(1)
في الأصل بعده: «والنساء» ، ولعله خطأ من الناسخ.
(2)
«أنَّ» ساقط من المطبوع.
(3)
في المطبوع: «ويكون» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(4)
عند مسدّد وابن منيع في «مسنديهما» ، كما في «المطالب العالية» (2243، 2245).
فيه الروايتين، لعدم الفرق بينه وبين الحرير
(1)
.
فصل
ويباح لبسُ الحرير، وهو ما كان بقدر
(2)
أربع أصابع مضمومة، إذا كان تابعًا لغيره، مثل العَلَم، والرُّقعة في الثوب، ولِبْنة الجيب الذي تسمِّيه العامَّة «الزِّيق» ، وسُجُفِ
(3)
الفِرَاء وغيرها، والأزرار، وكفِّ الأكمام
(4)
، والفُرُوج به، وطرَف العمامة. هذا هو المذهب المنصوص عنه في عامَّة جواباته
(5)
.
وقد روي عنه كراهة العَلَم، لأنَّ ابن عمر كان ينزعه من الثوب. قال: وهو أسهل من المُصْمَت
(6)
. قال الخلال: ذكر حنبل عن أبي عبد الله العلَم في موضعين. أحدهما: توقَّف فيه، والآخر: أباحه على رواية أصحابه، وهو إجماع التابعين.
وذلك لما روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة. رواه الجماعة إلا البخاري
(7)
.
(1)
انظر: «المبدع» (1/ 337) و «الإنصاف» (3/ 268).
(2)
«بقدر» ساقط من المطبوع.
(3)
جمع سِجاف، وهو ما يركَّب على حواشي الثوب.
(4)
سيأتي شرحه بعد قليل.
(5)
انظر: «مسائل ابن هانئ» (2/ 146).
(6)
وهو الذي جميعه حرير خالص لا يخالطه قطن أو غيره. والأثر أخرجه ابن أبي شيبة (25174)، وأبو داود (4054)، وابن ماجه (3594).
(7)
أحمد (240، 365)، والبخاري (5829)، ومسلم (2069)، وأبو داود (4042)، والترمذي (1721)، والنسائي (5312)، وابن ماجه (3593).
وفي لفظ أحمد وأبي داود
(1)
: «وأشار بكفِّه» . وذلك إنما يكون إذا كانت مضمومة، فإنها إذا فُرِّقت كان موضعها أكثر من أربع أصابع، لأجل الفُرَج.
وعن أسماء ابنة أبي بكر رضي الله تعالى عنهما أنها أخرجت جُبَّةَ طيالسةٍ عليها لِبْنَةٌ شِبْرٌ من ديباج كِسْرَواني، وفَرْجَيها مكفوفَين
(2)
به. فقالت: هذه جبةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يلبسها، كانت عند عائشة، فلمَّا قُبِضَت عائشُة قبضتُها إليَّ، فنحن نغسلها للمريض يَستشفي بها. رواه أحمد ومسلم
(3)
، وهذا لفظ أحمد. وفي رواية: قالت: يا جاريةُ ناوليني جُبَّةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخرجَتْ جُبَّةَ طيالسةٍ مكفوفةَ الجَيب والكمَّين والفَرْجين بالدِّيباج. رواه أبو داود وابن ماجه
(4)
.
وعن معاوية بن أبي سفيان أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير إلا مقطَّعًا. رواه أحمد
(5)
.
(1)
أحمد (356، 365)، وأبو داود (4042).
(2)
قال النووي في «شرح صحيح مسلم» (14/ 44): «كذا وقع في جميع النسخ. وهما منصوبان بفعل محذوف، أي ورأيت فرجيها مكفوفين. ومعنى المكفوف أنه جعل لها كُفَّة بضم الكاف، وهو ما يكفُّ به جوانبها ويعطف عليها. ويكون ذلك في الذيل وفي الفرجين وفي الكمَّين» .
(3)
أحمد (26942)، ومسلم (2069).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
لم أقف عليه، وحديث معاوية في المسند ـ وسيأتي تخريجه ـ جاء في النهي عن لبس الذهب إلا مقطعًا، والله أعلم.
فأما [ص 87] اليسير المفرد، كالتِّكَّة والشُّرَّابة
(1)
والمنطقة والخيط ونحو ذلك، فيحرُم في المنصوص
(2)
، لأنه نهى عن الحرير إلا مقطَّعًا، والمقطَّع: المفرَّق في غيره. وكذلك قوله عليه السلام: «إلا موضع إصبعين أو ثلاثة أو أربعة» يدل على أنه موضوع في غيره. ولأنه قرَن الحريرَ بالذهب، والذهبُ يحرُم منفردًا، فكذلك الحرير. ولأنَّ الذهب والفضة في الآنية والذهب في اللباس إنما يباح يسيرُه إذا كان تابعًا، فكذلك يسيرُ الحرير؛ لأنَّ هذه الأشياء تجتمع في السرف والفخر والخيلاء.
ولو لبس ثيابًا، في كلِّ ثوب حريرٌ يسيرٌ، بحيث لو جُمِع ما في جميعها صار ثوبًا= جاز ذلك، وإن لم يُجز لُبسُ ذلك الحرير لو جُمِعَ ونُسِج ثوبًا على حِدةٍ، لأنَّ هذا هو معنى قوله:«نهى عن لُبس الحرير إلا مقطَّعًا» ، فإنه إذا فُرِّق في الثياب صار مقطَّعًا، لأنَّ كلَّ ثوب له حكمُ نفسِه.
فصل
فإن نُسج مع الحرير غيرُه كالقطن والكتَّان والوَبْر والصوف ونحو ذلك، فالذي ذكره أكثرُ المتأخرين من أصحابنا: القاضي وأصحابه ومَن بعدهم: أنه إن كان الحرير هو الغالب حَرُم، وإن كان الحرير هو الأقلّ جاز، قال بعضهم: قولًا واحدًا.
وإن استويا فوجهان:
(1)
ضبطت في «معجم تيمور» (4/ 189) بضم أولها. وفي «محيط المحيط» (458) بفتحه، وفسِّرت بأنها ضمَّة من خيوط يعلق أحد طرفيها بالطربوش وغيره، ويتدلَّى طرفها الآخر. وانظر «تكملة دوزي» (6/ 282).
(2)
انظر: «الفروع» (2/ 66) والآداب الشرعية (3/ 493).
أحدهما: يحرُم أيضًا. وهو أشبه بكلام أحمد
(1)
، لأنَّ الرخصة إنما جاءت في اليسير الذي هو مقدار أربعة أصابع، وفي الخِّز، فألحقنا بذلك ما إذا كان الحرير هو الأقلّ، لأنَّ الحكم للأكثر. أمَّا إذا تساويا فأحاديث التحريم تعُمُّه، ولم يجئ فيه رخصة. ولأنه قد تعارض المبيح والحاظر، فغُلِّب الحاظرُ
(2)
، كالمتولِّد من بين ما يؤكل وما لا يؤكل.
والآخر: يُكرَه، ولا يحرُم؛ لما روى ابن عباس قال: إنما نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الثوب المُصْمَت من الحرير. قال ابن عباس: فأمَّا العلَم من الحرير وسَدَى الثوب، فلا بأس به. رواه أبو داود
(3)
وأحمد واحتجَّ به. ولأنه قد تعارض الحاظر والمبيح فيرجع إلى الأصل، وهو الحِلُّ. وإذا شككنا هل هو من القسم المباح أو القسم المحرَّم كُرِه لُبسُه، ولا يثبت التحريمُ بالشكِّ.
وجعل بعضُ المتأخرين من أصحابنا المُلحَم
(4)
والقَسِّيَّ والخَزَّ
(5)
من
(1)
ومثله في «اختيارات ابن اللحام» (ص 75)، ونقل في «تصحيح الفروع» (2/ 67) عن كتابنا هذا قوله:«الأشبه أنه يحرم لعموم الخبر» .
(2)
في الأصل: «الحظر» ، والمثبت من المطبوع.
(3)
برقم (4055)، من طريق خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس به.
قال الزيلعي في «نصب الراية» (4/ 231): «خصيف بن عبد الرحمن ضعفه غير واحد» ، وكذا قال ابن كثير في «تحفة الطالب» (52). وصححه ابن الملقن في «تحفة المحتاج» (1/ 537)، والألباني بشواهده في «إرواء الغليل» (1/ 310).
(4)
فسَّر في «جمهرة اللغة» (2/ 1065)«السِّيَراء» بقوله: «ضرب من الثياب، يقال إنه الذي يسمَّى المُلْحَم» . وفي «كشاف القناع» (1/ 281): «الملحم: ما سُدِي بغير الحرير وألحِمَ به» .
(5)
في «الإقناع» مع «الكشاف» (1/ 281): «هو ما سُدي بإبريسم وأُلحم بوبر أو صوف ونحوه» . وانظر ما يأتي (ص 305) أن الخزّ اسم لثلاثة أشياء.
صور الوجهين، وجعل التحريمَ قولَ أبي بكر لأنه حَرَّم المُلحَم والقَسِّيَّ، والإباحةَ قولَ ابن البناء، لأنه أباح الخَزَّ. وهذا مع أنَّ أبا بكر قال: ويلبس الخزَّ، ولا يلبس المُلحَم ولا الديباج. وقال: نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن لُبس القَسِّيِّ، وعن الحرير والذهب.
وأما المنصوص عن أحمد وقدماء الأصحاب، فإباحة الخَزِّ دون المُلَحَم وغيره. وهذا أكثر في كلامه
(1)
. قال: أكره لباسَ المُلحَم للرجال، فأمَّا الخَزُّ فلا بأس به. [ص 88] الخَزُّ ثخين يلي الجلد، والحرير لا يكاد يستبين من تحته.
وقال أيضًا: يُكرَه لباسُ المُلحَم إلا الخَزَّ، فإنه على جلده الخَزُّ.
وقال: لا يعجبني إلا الخَزُّ، قد لبسه القوم. وأمَّا هذا المُلحَم المحدَث فما يعجبني.
وسئل في موضع آخر عن الثوب سَداه حرير، ولَحمته قطن. فقال: هذا شبيه
(2)
بالخز لأنَّ الخَزَّ سَداه حرير، وهو الذي لبسه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
.
وكره هذا لأنَّ سَداه قطن، وهو محدَث. وكذلك ذكر أبو بكر وعامة قدماء الأصحاب أنَّ الخزَّ الذي لبسته الصحابة رضوان الله عليهم مباح،
(1)
انظر بعض أقوال الإمام أحمد في الملحم في «مسائل ابن هانئ» (2/ 147) والكوسج (9/ 4697) و «الآداب الشرعية» (3/ 499).
(2)
في الأصل والمطبوع: «يشبه» ، وهو تصحيف ما أثبت من «مسائل صالح» .
(3)
«مسائل صالح» (2/ 203).
وكرهوا الملحَم وغيره، وصرَّحوا بأنَّ هذه كراهة تحريم. فمن زعم أنَّ في الخزِّ خلافًا فقد غلط.
والأصل في إباحة الخزِّ: ما روى عبد الله بن سعد عن أبيه قال: رأيتُ رجلا ببخارى
(1)
على بغلة بيضاء، عليه عمامةُ خَزٍّ سوداءُ، فقال: كسانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود
(2)
.
وقد صحَّ عن خلق من الصحابة أنهم لبسوا الخزَّ، وأرخصوا فيه. منهم: عبد الرحمن بن عوف
(3)
، وأبو قتادة
(4)
، وعمران بن حصين
(5)
، وعائشة
(6)
، والحسن بن علي
(7)
، وأبو هريرة
(8)
، وابن عباس
(9)
، وابن
(1)
في المطبوع: «رجلًا نجارًا» ، تحريف.
(2)
برقم (4038)، والترمذي (3321)، من طريق عبد الرحمن بن عبد الله الرازي، عن عبد الله بن سعد، عن أبيه سعد به.
إسناده ضعيف، قال ابن القطان في «بيان الوهم» (2/ 607):«عبد الله بن سعد، وأبوه، لا تعرف أحوالهما» ، وانظر:«نصب الراية» (4/ 231).
(3)
لم أقف عليه.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (25121)، والطبراني في «الكبير» (3273).
(5)
أخرجه أحمد (19933)، والطبراني في «الكبير» (200).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (25118)، والطحاوي في «شرح المعاني» (6737).
(7)
لم أقف عليه، وأخرجه ابن أبي شيبة (25114)، والطبراني (2796) في «الكبير» عن الحسين بن علي.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (25130)، والطحاوي في «شرح المعاني» (6736، 6738، 6741)، والطبراني في «الكبير» (3273)، والبيهقي في «الشعب» (8/ 268).
(9)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (3273، 11939).
الزبير
(1)
، وابن عمر
(2)
، وابن أبي أوفى
(3)
، وأنس بن مالك
(4)
، وأبو أبيّ الأنصاري ابن أمِّ حرام
(5)
، ووابصة
(6)
، ومروان
(7)
؛ في أوقات متفرقة. ولم ينكِر ذلك أحد، فصار إجماعًا، فثبت إباحةُ الخزِّ، وهو الذي يكون سَداه حريرًا ولَحمتُه وبرًا أو صوفًا ونحوه. وكذلك في حديث ابن عباس: فأمَّا العلَم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس
(8)
. وقد احتجَّ به أحمد.
وإنما كرهنا المُلحَم لعموم أحاديث التحريم. وإنما استُثني منها ما استُثني، وليس الملحم في معناه
(9)
، كما سيأتي. ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن لُبس القَسِّي
(10)
، والقَسِّيُّ ثياب مخلوطة بحرير. قال البخاري في «صحيحه»
(11)
:
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (25118، 25123)، والطحاوي في «شرح المعاني» (6737).
(2)
أخرجه البيهقي في «الشعب» (8/ 268).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (25115).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (25113)، والطحاوي في «شرح المعاني» (6736، 6739، 6740)، والبيهقي في «الشعب» (8/ 268).
(5)
أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (13).
(6)
أخرجه أبو داود (948).
(7)
أخرجه الطحاوي في «شرح المعاني» (6738).
(8)
تقدم تخريجه.
(9)
في المطبوع: «في الملحم معناه» ، والمثبت من الأصل.
(10)
تقدم تخريجه.
(11)
في أول باب لُبس القَسِّيِّ قبل الحديث (5838). ولفظه: «فيها حرير، وفيها أمثال الأُتْرُنْج» .
قال عاصم عن أبي بردة: قلنا لعلي: ما القَسِّيَّةُ
(1)
؟ قال: ثيابٌ أتتنا من الشام أو من مصر، مضلَّعةٌ فيها حرير أمثال الأتْرُجِّ. وقال أبو عبيد وجماعة من أهل اللغة والحديث
(2)
: ثيابٌ يؤتى بها من مصر، فيها حرير.
قال بعضهم
(3)
: هو ضربٌ من ثياب كتَّان، مخلوطٌ بحرير، يؤتى به
(4)
من مصر، نُسِب
(5)
إلى قرية على ساحل البحر يقال لها «القَسُّ» . ويقال: القَسِّيّ: القَزِّيّ، أبدلت الزاء سينًا، كما يقال: ألسمتُه الحجَّةَ أي ألزمته الحجة. وقيل: هو منسوب إلى القَسِّ
(6)
ــ وهو الصقيع ــ لبياضه.
ونسبتُها إلى المكان هو قول الخليل بن أحمد
(7)
وغيره. فقد اتفقوا كلُّهم على أنها ثياب فيها حرير، وليست حريرًا مُصْمتًا، وهذا ليس هو المُلْحَم.
وأيضًا [ص 89] فإنَّ الخزَّ أخفُّ من وجهين:
أحدهما: أنَّ سداه حرير، والسَّدى أيسَر من اللَّحمة. وهو الذي بيَّن ابن
(1)
في المطبوع: «القسي» . والمثبت من الأصل، وكذا في «الصحيح» .
(2)
كصاحب العين وأبي عبيدة وابن وهب وابن بكر. انظر: «مشارق الأنوار» (2/ 193). والنص الآتي منقول من «غريب الحديث» لأبي عبيد (1/ 283).
(3)
هو الزمخشري. وقوله منقول من «الفائق» (3/ 192) وانظر أيضًا: «أساس البلاغة» (ق س س).
(4)
في المطبوع: «بها» ، والمثبت من الأصل.
(5)
في المطبوع: «نسبة» ، والمثبت من الأصل. وكذا في مصدر النص: الفائق.
(6)
في المطبوع: «القسي» ، خطأ.
(7)
لم أجده في «العين» . وحكاه عنه القاضي عياض في «المشارق» ، كما سبق.
عباس جوازه بقوله: فأمَّا العلَم من الحرير وسَدى الثوب فلا بأس به
(1)
.
والثاني: أنَّ الخزَّ ثخين، والحرير مستور فيه بين نِير
(2)
الوبر، فيصير الحرير بمنزلة الحشوة، ويصير الذي يلي الجلد ويظهر هو الوبر. ومعلوم أنَّ الحرير الباطن ليس بمنزلة الحرير الظاهر، إذ ليس في الباطن سرَف ولا فخر ولا خيلاء، ولهذا كان الصحيح جوازَ حَشْوِ الجِباب والفُرُش به. وقد ذكر أحمد رضي الله عنه هذين الفرقين. فإذا كان الحديث عامًّا في التحريم، بل خاصًّا في الملحَم، وإنما أبيح الخَزُّ= لم يجُزْ أن يلحق به إلا ما في معناه. فعلى هذا كلُّ ما سوى الخَزِّ من الملحَم يُكرَه لذلك.
والخَزُّ: ما كان لَحمته من الوبر ونحوه، مما له ثخانة تغطِّي الحرير، فتكون الرخصة معلَّقةً بكون السَّدى حريرًا، وكونِ اللَّحمة من الوبر ونحوه.
وقال القاضي: المُلْحَم: هو الذي سَداه حرير ولَحمته غزل، أو لحمته حرير وسَداه غزل. والخَزُّ: ما كانت لَحمته أو سَداه خَزًّا. فجعل الاعتبار بنفس ما يُنسَج مع الحرير من غير فرق بين السَّدى واللَّحمة، لأنَّ أحمد علَّل بثخانة الخزِّ، وأنه يلي الجلدَ، والحريرُ لا يكاد يستبين من تحته.
وعنه: إن كان السَّدى حريرًا حلَّ مطلقًا، على ما رواه صالح
(3)
، لحديث ابن عباس
(4)
.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
«نير» ساقط من المطبوع. والكلمة واضحة في الأصل، والتي قبلها كأنها «بر» مع إهمال أولها. فقرأتها «بين». ونير الوبر: لحمته.
(3)
في «مسائله» (2/ 203).
(4)
تقدم تخريجه.
ثم كراهة الملحم كراهة تحريم. ذكره القاضي وغيره. وقال غيره من أصحابنا: هي كراهة تنزيه إلا أن يكون المنسوج مع الإبريسَم أكثر.
وقد روي عن معاوية عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تركبوا الخَزَّ ولا النِّمارَ» رواه أبو داود
(1)
.
وفي حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري: سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ليكونَنَّ من أمتي أقوام يستحِلُّون الخَزَّ والحريرَ والخمر والمعازف. ولينزلنَّ أقوام إلى جنب عَلَمٍ، تروحُ عليهم سارحةٌ
(2)
لهم، يأتيهم رجل
(3)
، فيقولون: ارجع إلينا غدًا. فيُبَيِّتُهم اللهُ، ويضَع العلَم، ويمسخ آخرين قِرَدةً وخنازيرَ إلى يوم القيامة» رواه البخاري بلفظ «الحِرَ» ، ورواه أبو داود
(4)
.
قال أصحابنا: وهذا محمول على خَزٍّ كثيرٍ حريرُه، أو نوعٍ من الحرير يسمَّى خزًّا، كما يسمَّى قَزًّا. قال بعض أصحابنا: الذي يسمِّيه الناس اليوم
(1)
برقم (4129)، وأحمد (16840)، وابن ماجه (3656)، من طرق عن وكيع، عن أبي المعتمر يزيد بن طهمان، عن ابن سيرين، عن معاوية به.
رجال إسناده ثقات، وقد حسَّنه النووي في «الخلاصة» (1/ 78)، وصححه الألباني في «الضعيفة» (10/ 269).
(2)
في المطبوع: «بسارحة» . والمثبت من الأصل، وكذا في رواية الإسماعيلي للصحيح كما ذكر الحافظ في «الفتح» (10/ 55).
(3)
في «الصحيح» : «يأتيهم ــ يعني الفقير ــ لحاجة» .
(4)
برقم (4039).
«الخَزَّ» هو ما يعملونه من سِقْط الحرير ومُشَاقَتِه
(1)
والتِّبر الذي يلقيه الصانع
(2)
من فمه من تقطيع الطاقات، فيدقُّونه كالقطن، ثم يغزلونه، ويعملونه ثيابًا؛ وهذا حكمه حكم الحرير.
فظهر بهذا أنَّ الخَزَّ اسمٌ لثلاثة أشياء: للوبر الذي [ص 90] يُنسَج مع الحرير، وهو وبر الأرانب، واسمٌ لمجموع الحرير والوبر، واسم لرديء الحرير. فالأول والثاني: هو الحلال. والثالث: حرام.
وأمَّا حَشْو الثياب والفَرش بالحرير، فالمشهور من الوجهين: أنه مباح من غير كراهة، لأنه لا يستبين، ولا يُستَمتع به، وليس فيه سرف. والوجه الآخر يحرُم.
فصل
وإذا احتاج إلى لُبس الحرير لدفع حَرٍّ أو بَردٍ، أو ستر عورة، أو تحصُّن من العدو، ولم يقُم غيره مقامه= أبيح قولًا واحدًا؛ لأنه إذا أبيح للنساء لعموم حاجتهن إليه للزينة، فَلَأن يباح عند الضرورة أولى، فإنَّ الضرورة الخاصَّة أبلغ من الحاجة العامَّة. ولأنه إذا اضطُرَّ إلى ما حُرِّم من الأطعمة أبيح له، فكذلك المحرَّم من اللباس، لأنهما يشتركان في الاضطرار.
وإن احتاج إليه لمرض أو حِكَّةٍ يُرجى نفعُ الحرير وتأثيرُه فيه، ففيه
(1)
المُشاقة: ما سقط من الشعر أو الحرير أو الكتان وغيره عند تخليصه وتسريحه. انظر: «تاج العروس» .
(2)
في المطبوع: «الصائغ» ، والمثبت من الأصل، وكذا في «الآداب الشرعية» (1/ 93) و «الإقناع» (1/ 93) وغيرهما.
روايتان:
إحداهما: لا يباح، لعموم أحاديث النهي، ولأنه تداوٍ بمحرَّم يُشتَهى، فأشبَه التداويَ بالخمر. وتُحمَل إباحةُ النبي صلى الله عليه وسلم للزبير وعبد الرحمن على تخصيصهما بذلك، لعلمه بانتفاء مفسدة اللبس في حقهما، كما شهد لأبي بكر أنه ليس ممن يجرُّ ثوبَه خيلاء
(1)
.
والثانية: يباح، وهي الصحيحة، لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم رخَّص للزبير بن العوَّام وعبد الرحمن بن عوف في لبس الحرير من حِكَّة كانت بهما. رواه الجماعة
(2)
. وما ثبت في حقِّ الواحد من الأمة ثبت في حَقّ الجميع، إلا ما خُصَّ في موضعين أو ثلاثة
(3)
، مع أنَّ أحدًا لم يُخَصَّ بحكم إلا لسبب اختُصَّ به. وهنا لم يختصَّا بالسبب لأنَّ الحِكَّة هي السبب، وهي تعرض لغيرهما كما عرضت لهما. ولأنَّ النساء أُرخِصَ لهنَّ في لبسه للحاجة إلى التزيُّن به، فالحاجةُ إلى التداوي أولى، بخلاف الخمر فإنها محرَّمة مطلقًا على كلِّ أحد، وفي كلِّ حال، وقد حُرِّم قليلُها وكثيرُها.
فصل
وفي لبسه في الحرب روايتان.
إحداهما: يحرُم للعمومات فيه، ولأنه يحرُم في غير الحرب فحَرُم في الحرب كالذهب.
والأخرى: يباح، وهي أقوى، لما روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما
(1)
سيأتي تخريجه.
(2)
أحمد (12288)، والبخاري (2919)، ومسلم (2076)، وأبو داود (4056)، والترمذي (1722)، والنسائي (5310)، وابن ماجه (3592).
(3)
«في موضعين أو ثلاثة» ساقط من المطبوع.
قالت: كانت عندي للزبير ساعدان من ديباج، كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعطاهما إياه يقاتل بهما. رواه أحمد
(1)
.
وروى وكيع
(2)
بإسناده قال: قال ناس من المهاجرين لعمر بن الخطاب: إنَّا إذا لقينا العدوَّ رأيناهم
(3)
قد كفَّروا على سلاحهم [ص 91] بالحرير والديباج، فرأينا لذلك هيبةً. فقال عمر: وأنتم إن شئتم فكفِّروا على سلاحكم بالحرير والديباج.
ولأنَّ في ذلك إرهابًا للعدو، وكسرًا لقلوبهم، وإظهارًا لأُبَّهَة جيش الإسلام= فجاز ذلك، وإن كان فيه اختيال، لأنَّ الاختيال عند القتال غير مكروه؛ لما روى جابر بن عتيك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ من الخيلاء ما يحبُّ الله، ومنها ما يُبغض الله. فالخيلاءُ التي يحبُّ الله: اختيالُ الرجل في القتال، واختيالُه في الصدقة. والخيلاءُ التي يُبغِض الله: الخيلاءُ في البغي» أو قال: «في الفخر» . رواه أحمد وأبو داود والنسائي
(4)
.
(1)
برقم (26975).
في إسناده عبد الله بن لهيعة ضعيف، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 144):«فيه ابن لهيعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح» .
(2)
وأخرجه ابن أبي شيبة (33271).
(3)
في المطبوع: «ورأيناهم» ، زاد الواو.
(4)
أحمد (23750)، وأبو داود (2659)، والنسائي (2558)، من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن ابن جابر بن عتيك، عن أبيه به.
صححه ابن حبان (295، 4762)، وأعله ابن القطان بجهالة ابن جابر في «بيان الوهم» (4/ 416)، وحسنه بشواهده الألباني في «صحيح أبي داود: الكتاب الأم» (7/ 411).
وقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي دُجانة لمَّا اختال يومَ أحد: «إنها لَمِشْيةٌ يُبغضها الله إلَّا في هذا الموطن»
(1)
.
وقد ذكر بعض أصحابنا أنَّ الروايتين في لُبسه في دار الحرب، وذلك أعمُّ مِن لُبسه وقت الحرب
(2)
.
فصل
ولا بأس أن يوضع المصحف في كيس حرير أو ديباج. نصَّ عليه في مواضع
(3)
. قال القاضي: والمسألة محمولة على أنَّ ذلك قدر يسير، فلا يحرُم استعماله، كالطِّراز والذيل والجيب
(4)
.
والصواب: إقرار النصِّ على ظاهره؛ لأنَّ الكيس إنما يكون أكثر من أربع أصابع، وذلك كثير. ولأنه مفرد، ولا فرق في المفرد بين اليسير والكثير كالتِّكَّة. وإنما وجه ذلك أنَّ المحرَّم إنما هو لباسُ الحرير، والاستمتاعُ به. ووضعُ المصحف فيه إنما هو جعلُه لباسًا للمصحف، ووعاءً له ليُصان ويُحفَظ. وما شُرِع له الكسوةُ من شعائر الله جاز أن يُكسَى الحرير كالكعبة، وأولى. ولأنَّ لباسَ الحرير إنما يُكرَه للآدمي، لما فيه من العظمة والسَّرَف، وهذا أمرٌ مطلوبٌ لكتاب الله وبيته.
(1)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (7/ 104)، من طريق محمد بن طلحة التيمي، عن خالد بن سليمان بن عبد الله بن خالد بن سماك بن خرشة، عن أبيه، عن جده به.
إسناده ضعيف، سليمان وأبوه مجهولان، كما في «مجمع الزوائد» (6/ 109).
(2)
«الإنصاف» (3/ 266 - 267).
(3)
«الآداب الشرعية» (3/ 493).
(4)
وبه قال الآمدي أيضًا. انظر: «الفروع» (2/ 66) و «الآداب الشرعية» (2/ 333).