الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما
الحُشُّ
، فهو المكان المُعَدُّ لقضاء الحاجة، فلا تصح الصلاة في شيء من مواضع البيت المنسوب إلى ذلك، سواء في ذلك موضع التغوُّط أو موضع الاستنجاء أو غيرهما. فأمَّا المطاهر التي قد بُني فيها بيوتٌ للحاجة وللاغتسال
(1)
أيضًا، وبرَّانيُّها للوضوء فقط، أو للوضوء
(2)
والبول= فينبغي أن تكون نسبة برَّانيِّها كنسبة برَّانيِّ الحمام إليها. ولا يصلَّى فيها، بل هي أولى بالمنع من الحمام، لأنها أولى بالنجاسة والشياطين من الحمَّام. ووجود ذلك في الخارج منها أظهر من وجوده في الخارج من الحمام.
فأما ما ليس مبنيًّا للحاجة، وإنما هو موضع يُقصَد لذلك، كما في البرِّ والقرى، ومنه ما قد اعتيد لذلك، ومنه ما قد فُعِل ذلك فيه مرَّةً أو مرتَين [ص 165] فينبغي أن يكون من الحشوش أيضًا، فإنَّ الحُشَّ في الأصل هو البستان، وإنما كَنوا عن موضع التغوُّط به، لأنهم كانوا ينتابونها للحاجة، ولأن العرب لم يكونوا يتخذون الكُنُفَ قريبًا من بيوتهم، وإنما كانوا ينتابون الصحراء. فعُلِمَ أنَّ تلك الأمكنة داخلة في كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا طهر المكان وقطعت عنه هذه العادة لم يكن حُشًّا.
فصل
وأما أعطان الإبل، فالمنصوص عن أحمد أنها الأماكن التي تقيم بها الإبل وتأوي إليها
(3)
.
(1)
في المطبوع: «والاغتسال» ، والمثبت من الأصل.
(2)
في الأصل والمطبوع: «وللوضوء» .
(3)
«المغني» (2/ 471). وانظر: «مسائل صالح» (2/ 201) ورواية الأثرم في «المغني» (2/ 473).
ومن أصحابنا من قال: هي المواضع التي تصدر إليها بعد أن ترد الماء. وذلك أن الإبل بعد أن ترِد الماءَ، فإنها تُناخُ بمكان، لتُسقَى بعد ذلك عَلَلًا بعد نهَلٍ، فإذا استوفت رُدَّتْ إلى المراعي.
وعبارة بعضهم أنه المواضع التي بقرب النهر، فتُناخ فيه الإبلُ حتَّى ترِد الماءَ. فجعلها مناخها قبل الورود.
والعبارة الأولى أجود، لأنَّ هذا تفسير أهل اللغة. قالوا: أعطان الإبل: مَبارِكها عند الماء لتشرب عَللًا بعد نهَل. يقال: عطَنت الإبل تعطُن وتعطِن إذا رَوِيت، ثم برَكت
(1)
، فهي إبل عاطنة وعواطن. وقد ضربَتْ بعَطَن، أي بركت
(2)
.
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر رؤياه: «ثم أخذها ابن الخطَّاب، فاستحالت غَرْبًا. لم أر عبقريًّا من الناس يَفْري فَرْيَه، حتَّى ضرب الناسُ بعَطَن»
(3)
. كأنهم امتلؤوا من تلك البئر، ثم صدروا رِواءً كهيئة الإبل إذا رَوِيت. ومنه: إسقاءٌ رَواءٌ
(4)
. [و]
(5)
قولهم
(6)
: فلان واسع العطن والبلد. وأعطنَ الرجلُ
(1)
في الأصل والمطبوع: «تركت» ، تصحيف.
(2)
«الصحاح» (عطن).
(3)
من حديث أبي هريرة وابن عمر. أخرجه البخاري (3633، 3664) ومسلم (2392، 2393).
(4)
من قولهم: «اللهمَّ أسقِنا إسقاءً رَواء» . نقله الأزهري عن أبي زيد في «التهذيب» (9/ 231). وفي الأصل والمطبوع: «استقا» .
(5)
من هامش النسخة.
(6)
من هنا إلى آخر بيت لبيد منقول من «الصحاح» (عطن).
بعيرَه إذا لم يشرب، فردَّه إلى العطَنِ ينتظر به. قال لبيد:
عافتا الماءَ فلم نُعطِنهما
…
إنما يُعطِن مَن يرجو العَلَلْ
(1)
وتوسَّعوا في ذلك حتَّى قالوا لمرابض الغنم حول الماء: معاطن.
والصواب أنَّ الأماكن التي تقيم بها مراد من الحديث
(2)
كما نصَّ أحمد؛ لأنَّ في بعض ألفاظ الحديث أنَّ السائل قال: أنُصلِّي في مبارك الإبل؟
(3)
قال: والمبارك: التي يكثر بروكُها فيها. والمواضع التي تقيم بها أولى بهذ الاسم من مصادرها. ولأنه قابَلَ بين مَعاطن الإبل ومُراح الغنم ومَرابضها، فعُلِمَ أن المعاطن للإبل بمثابة المُراح والمرابض للغنم. ومُراح [الغنم]
(4)
: ما تقيم فيه وتأوي إليه، فكذلك معاطن الإبل.
ولأنه إذا نُهي عن الصلاة في المواضع التي تقيم بها ساعةً أو ساعتين، فالمواضعُ التي تبيت بها وتأوي إليها أولى بهذا الحكم. فإما أن يكون الحكم أريد في مبيتها بطريق الفحوى والتنبيه [ص 166] أو يكونوا قد توسَّعوا في العطَن حتى جعلوه اسمًا لكلِّ مأوى لها، كما توسَّعوا فيه حتى جعلوا للغنم أعطانًا وللناس أعطانًا. فإذا قلنا: إنه لا تجوز الصلاة فيما تقيم فيه وتأوي إليه كما نصَّ عليه جازت في مصادرها عند الشرب، فيما ذكره من رجَّح هذا القول من أصحابنا.
(1)
«شرح ديوان لبيد» (ص 185). وفي الأصل: «يعطنهما» ، تصحيف.
(2)
كذا في الأصل والمطبوع.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
زيادة يقتضيها السياق.
والصحيح: أنَّ المعاطن تعُمُّ هذا كلَّه على ظاهر كلام أحمد، فإنه قال: هي الأماكن التي تقيم بها وتأوي إليها، وعلى هذا، فسواءٌ أوت بالليل أو النهار. وهذا لأنَّ لفظ المعاطن والمبارك يعمُّ هذا كلَّه كما تقدَّم، فلا وجه لإخراج شيء منه من الحديث. وهذا لأنَّ اللفظ إذا توسَّع أهلُ العُرف فيه حتى صار معناه عندهم أعمَّ من معناه في اللغة لم يخرج ذلك المعنى اللغوي عن اللفظ، بل يصير بعضه. ولأنه مكان تعتاده الإبل وتأوي إليه، فأشبه مبيتَها، وهذا لأنَّ العطن الذي يكون عند البئر أو الحوض أو النهر قد أعِدَّ لمقام الإبل وبُروكها فيها، فكان من مبركها، كما لو أُعِدَّ لمقامها فيه نهارًا دون الليل.
قال أصحابنا: ولا فرق بين أن تكون الإبل في المعاطن أو لا تكون، ولا فرق بين أن تكون قائمةً حال الصلاة أو غيرَ قائمة، لأن النهي تناول الموضع.
وقال ابن حامد والقاضي وسائر أصحابنا: فأما مكانُ نزولها في سيرها، أو مكانُ مقامها لِتتنقل عنها، أو مكانُ علفها أو ورودها لتسقى الماء= فالصلاةُ فيه جائزة، لأنه لا يسمَّى عطنًا. وقد قال الأثرم: سمعتُ أبا عبد الله يُسأل عن موضع فيه أبعار الإبل، نُصلِّي فيه؟ فرخَّصَ، ثم قال: إذا لم يكن من معاطن الإبل التي نُهِي عن الصلاة فيها، التي تأوي إليها الإبل
(1)
.
وذلك لأنَّ هذه الاماكن ليست مُعَدَّة لمقام الإبل، وإنما مقامها فيه عارض، فلا يتناولها النهيُ لفظًا ولا معنًى. ولأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما كانوا يرتحلون في أسفارهم في الحجِّ والعمرة والغزو وغير ذلك على
(1)
«المغني» (2/ 473).
الإبل، ومع هذا فكانوا يصلُّون في مناخ إبلهم، وكانوا يصلُّون عليها وإليها، وهذا ظاهر مشهور في سِيَرهم. ولأنَّ تلك الأمكنة ليست أخصَّ بالإبل من الناس الذين نزلوا بها. والكراهة إنما نشأت لسبب في المكان الذي انفردت به، أو غلبت عليه، والله أعلم.
فصل
وأمَّا المجزرة، فقال أصحابنا: هي الموضع الذي يُذبَح فيه الحيوان معروفًا بذلك للقصَّابين والشوَّائين
(1)
ونحوهم. ولا فرق بين أن يكون الموضع نظيفا من الدماء والأرواث [ص 167] أو غير نظيف، لأنَّ النهي تناول الموضع، والعلَّةُ كونه مظِنَّةَ النجاسة ومحلًّا للشياطين، وهذا عامٌّ. وهذا هو المشهور، وعلى الوجه الذي يعلَّل الحكمُ فيه بحقيقة النجاسة، تجوز الصلاة في الموضع الذي تُيُقِّنت طهارته.
وأما المزبلة، فقالوا: هو الموضع الذي تُجمَع فيه الزُّبالة، مثل المواضع التي في الطرقات ونحوها. ولا فرق بين أن يكون عليها نجاسة من الزبالة أو تكون طاهرة.
ولفظ بعضهم: لا فرق بين أن يُرمَى فيها زبالة طاهرة أو نجسة. وهذا لأنَّ المكان مُعَدٌّ لإلقاء الزبالات النجسة والطاهرة، فخلوُّه بعضَ الأوقات عن النجاسة لا يمنعه أن يكون معدًّا لها، كالحمَّام الذي غُسِلت أرضه. وإذا كان معدًّا لها تناوله النهيُ لفظًا ومعنًى. ومن علَّل بوجود النجاسة فإنه يجوِّزه إذا تُيقِّنت طهارة المزبلة.
(1)
في المطبوع: «السوابين» . وفي الأصل بإهمال السين ونقط الياء. ولعل الصواب ما أثبت.
فصل
وأما قارعة الطريق، فقال أصحابنا: هي الجادَّة التي قد صارت محَجَّةً، وسواءٌ في ذلك طريق الحاضر والمسافر. فطريقُ الحاضر مثل الشوارع المستطرَقة بين الدُّروب والأسواق، وطريقُ المسافر هي الجادَّة التي قد صارت محجَّةً. سمِّيت جادَّةً من قولهم: أرض جَدَد، وهي الصلبة. وفي المثل: مَن سلَك الجدَدَ أمِنَ العِثارَ. وأجَدَّ الطريقُ صار جَدَدًا
(1)
. فالجادَّة هي الطريق التي اشتدَّت وصَلُبت بوطء الناس والدوابِّ. وتسمَّى «قارعة» لكثرة قرع الأرجل لها. فإما أن تكون سمِّيت بذلك لأنها تقرَع الأرجلَ إذا قرعتها الأرجلُ، أو يكون المعنى ذات قرع، أو فاعلة بمعنى مفعولة.
والمحجَّة: هي الجادَّة، سُميَّت بذلك لأنَّ الحجَّ هو القصد، والطريق هي موضع قصد الناس إلى حوائجهم.
قال أصحابنا
(2)
: وقارعة الطريق هي التي تسلكها السابلة والمارَّة. وليس المراد بذلك كلَّ ما سُلِك؛ لأنَّ المواضع لا تخلو من المشي عليها في الجملة. قالوا: ولا بأس بالصلاة فيما خرج عن قارعة الطريق يَمْنةً ويَسْرةً، لأن النهي إنما ورد عن الصلاة في محجَّة الطريق وفي جوادِّ الطريق. والمحجَّة: الوسط. والجوادُّ: ما صلُب بالمشي.
ومنهم من رخَّص الرخصة بجوانب طرقات المسافرين، لأنَّ أحمد إنما نصَّ على ذلك. قال بعضهم: ولا بأس بالصلاة في الطرقات التي يقِلُّ
(1)
«الصحاح» (جدد).
(2)
انظر: «المستوعب» (1/ 160).