الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باختلاف الأصوات، بخلاف الخطبة.
ولا يقيم إلا بإذن الإمام، فإنَّ أمرَ الصلاة إليه. قال علي رضي الله عنه: المؤذِّن أملَكُ بالأذان، والإمام أملَكُ بالإقامة. رواه سعيد وأبو حفص
(1)
.
و
السنَّة أن يكون الأذان والإقامة في موضع واحد
. فإذا أذَّن في مكان استُحِبَّ أن يقيم فيه، لا في الموضع الذي يصلِّي فيه، لما احتجَّ به الإمام أحمد رحمه الله عن بلال رضي الله عنه أنه قال: يا رسولَ الله، لا تَسْبِقْني بآمين. رواه أحمد وأبو داود
(2)
. وقال إسحاق بن راهويه: وكذلك أبو هريرة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا لأئمتهم. ولو كانت الإقامة موضعَ الصلاة لم يخشوا أن يُسْبَقوا بآمين. فعُلِمَ أنَّ الإقامة كانت حيث يسمعها الغائبون عن المسجد: إمَّا موضعَ الأذان أو قريبًا منه.
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم الإقامة فامشُوا إلى الصلاة. وعليكم بالسكينة» متفق عليه
(3)
. وقد تقدَّم
(4)
قولُ ابن عمر رضي الله عنه: كنَّا إذا سمعنا
(1)
وأخرجه عبد الرزاق (1836)، وابن أبي شيبة (4194)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (5/ 441).
(2)
أحمد (23883)، وأبو داود (937)، من طرق عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، قال: قال بلال به.
في إسناده ضعف، اختلف فيه على أبي عثمان وصلًا وإرسالًا، ورجح الحفاظ إرساله، قال أبو حاتم:«هذا خطأ، رواه الثقات عن عاصم، عن أبي عثمان، أن بلالًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم، مرسل» ، «العلل» (2/ 206 - 207)، ووافقه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 23)، وابن رجب في «فتح الباري» (4/ 489 - 490).
(3)
من حديث أبي هريرة. أخرجه البخاري (636) ومسلم (602).
(4)
فيما سقط من أول النسخة.
الإقامة توضَّأنا، ثم خرجنا إلى الصلاة
(1)
. ولأنَّ الإقامة أحد الندائين، فاستُحِبَّ إسماعُها للغائبين كالأذان؛ ولأنَّ المقصود بها الإعلامُ بفعل الصلاة لمنتظِرها في المسجد وغيره.
[ص 11] فإن شقَّت الإقامة قريبًا من موضع الأذان بأن يكون الأذان في المنارة أو في موضع بعيد من المسجد، فإنه يقيم في غيره بحيث يُعلِم الغائبين أيضًا؛ لما روى عبد الله بن شقيق قال: الأذان في المنارة، والإقامة في المسجد. وقال: هي السنَّة. رواه سعيد
(2)
.
فصل
وإذا أذَّن قريبًا من المسجد جاز، وإن كان بينهما طريق، كما يجوز الأذان في منارة المسجد، لما تقدَّم
(3)
من حديث بلال أنه كان يؤذِّن على سطح امرأة من الأنصار
(4)
.
وإن أذَّن في مكان بعيد من المسجد، فقال أحمد
(5)
: معاذ الله، ما سمعنا
(1)
أخرجه أحمد (5569)، وأبو داود (510)، والنسائي (668).
وصححه ابن خزيمة (374)، وابن حبان (1674).
(2)
وأخرجه ابن أبي شيبة (2345).
(3)
فيما سقط من أول النسخة.
(4)
أخرجه أبو داود (519)، ومن طريقه البيهقي (1/ 425)، من حديث عروة بن الزبير، عن امرأة من بني النجار به.
وحسنه ابن القطان في «بيان الوهم» (5/ 337)، وابن حجر في «الدراية» (1/ 120)، وانظر:«صحيح أبي داود: الكتاب الأم» (532).
(5)
في رواية إبراهيم الحربي، فيمن يؤذِّن في بيته على سطح. انظر:«المغني» (2/ 91).
أنَّ أحدًا يفعل هذا، لأنَّ المؤذن يدعو الناس إلى الصلاة، فلا بدَّ أن يكون نداؤه قريبًا من موضع الصلاة، ليقصده الناس.
فأمَّا إن أذَّن لغير المسجد، بل للإعلام بالوقت، فلا بأس بذلك بكلِّ موضع.
فصل
ولا يصح الأذان إلا مرتَّبًا متواليًا على ما جاءت به السنَّة، لأنه ذكر مجموع، فوجب أن يؤتى به على وجهه كقراءة الفاتحة؛ ولأنه بدون ذلك يختلُّ المقصود به من الإعلام والدعاء. فإن نكَسه لم يصحَّ بحال.
وإن فرَّق بين كلماته بسكوت يسير، أو كلام يسير مباح، لم يقطعه؛ لكنه إن كان لغير حاجة كُرِه. وهو في الإقامة أشدُّ كراهة من الأذان.
وإن كان لحاجةٍ مثل أن يردَّ على من سلَّم عليه، أو يأمرَ بعض أهله بحاجة، أو يأمرَ بمعروف أو ينهى عن منكر بكلام قليل= لم يُكرَه، لما ذكره الإمام أحمد عن سليمان بن صُرَد ــ وكانت له صحبة ــ أنه كان يأمر غلامه بالحاجة، وهو يؤذِّن
(1)
. وأمر ابنُ عباس مؤذِّنَه أن يقول في يوم مَطِير بعد قوله: «حيَّ على الفلاح»
(2)
: ألا، صَلُّوا في الرحال. متفق عليه. ولأنَّ ذلك
(1)
أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في «الصلاة» (167 - 168)، وابن أبي شيبة (2211)، وعلقه البخاري مجزومًا به في كتاب الأذان، باب الكلام في الأذان.
(2)
كذا في الأصل: «بعد قوله: حيَّ على الفلاح» . وفي «صحيح البخاري» (616): «فلما بلغ المؤذِّن حيَّ على الصلاة، فأمره أن ينادي: الصلاة في الرحال» . وفيه (901): «فلا تقل حيَّ على الصلاة. قُل: صلُّوا في بيوتكم» . ومثله في «صحيح مسلم» (699).
لا يُخِلُّ بمقصود الأذان، وبه إليه حاجة، فأشبه العملَ اليسيرَ في الصلاة.
وعنه: أنَّ ذلك يكره مطلقًا.
وعلى الروايتين، فالأفضل أن لا يتكلَّم بردِّ سلام في الأذان ولا غيره. فأمَّا الإقامة فلا يتكلَّم فيها، لأنَّ السنَّة حدرُها، والكلام يقطع ذلك.
فأما إن طال الكلام أو السكوت استأنَفَ، لأنَّ ذلك يُخِلُّ بمقصود الإعلام، فأشبه التنكيسَ.
وإن فصَل بينه بكلام يسير محرَّم كالسَّبِّ والقذف، فهل يبطل؟ على وجهين. ومن أصحابنا من يحكيها على روايتين:
إحداهما: يبطل. قال الآمدي: وهو الصحيح، لأنه ذكر محض مجموع، والكلامُ المحرَّمُ منافٍ له. وربما ظُنَّ متلاعبًا لا مؤذِّنًا، إذا خلط الحق بالباطل.
وفي الأخرى: لا يبطل، لأنها عبادة لا تبطل بالكلام المباح، فكذلك بالمحرَّم كالصوم والحج.
فأمَّا الكلام بين الأذانين، فلا يُكرَه لأن الفصل [ص 12] بينهما مشروع بعمل أو جلوس، والكلام من جملة الفواصل.
ولو ارتدَّ في أثناء الأذان بطَل، لأنها عبادة واحدة، فبطلت بالردة في أثنائها كسائر العبادات. فلو عاد إلى الإسلام في الحال استأنفَ.
ولو جُنَّ أو نام أو أغمي عليه ثم أفاق في الحال بنَى، لأنه لم يخرج عن كونه من أهل العبادة. وقال الآمدي: إذا أغمي عليه بطل الأذان، كما يبطل بالكلام الكثير.