الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما قصدُ الإمام لاستئذانه في الإقامة، فلا بأس به، لأن بلالًا كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الإقامة
(1)
، لأنَّ الإمام أملَكُ في الإقامة.
فصل
ويكره أن يوصل الأذان بذكرٍ قبله، مثل قراءة بعض المؤذنين قبل الأذان:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} الآية [الإسراء: 111]، وقول بعضِ من يقيم الصلاة: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، ونحو ذلك؛ لأن هذا محدَث، وكلُّ بدعة ضلالة، لا سيَّما وهو تغييرٌ للشعار المشروع.
وكذلك إن وصَله بذكرٍ بعده.
مسألة
(2)
: (ولا يؤذن قبل الوقت إلا لها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذِّن ابن أم مكتوم»)
.
أمَّا غير صلاة الفجر فلا يجوز، ولا يجزئ الأذان لها إلا بعد دخول الوقت. فإن أذَّن قبله أعاد إذا دخل الوقت، لأنَّ المقصود بالأذان: الإعلام بدخول الوقت ودعاء الناس إلى الصلاة، وهذا لا يكون إلا في الوقت. ولأن
(1)
تقدم تخريجه.
(2)
«المستوعب» (1/ 152)، «المغني» (2/ 62 - 67)، «الشرح الكبير» (3/ 88 - 93)، «الفروع» (2/ 20).
الأذان معتبر للصلاة، فلا بدَّ من حصوله في وقتها، كسائر أسبابها من الشرائط والأركان. فإنَّ الشرط وإن جاز فعله قبل الوقت، فلا بد من بقائه حكمًا إلى آخر الصلاة، والأذان لا يبقى.
ويُستحَبُّ أن يكون الأذان في أول الوقت، لما روى جابر بن سمُرة قال: كان بلال يؤذِّن إذا زالت الشمس، لا يَخْرِم
(1)
. ثمَّ لا يقيم حتى يخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فإذا خرج أقام حين يراه. رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
(2)
.
وأمَّا الفجر، فيجوز الأذان لها قبل وقتها، لما روى ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذِّن ابنُ أم مكتوم» متفق عليهما
(3)
. وفي رواية للبخاري
(4)
: «فإنه لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر» .
وعن سمُرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله [ص 4]صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعنَّكم
(5)
من سحوركم أذانُ بلال ولا الفجرُ المستطيلُ، ولكنِ الفجرُ
(1)
أي لا يؤخِّره عن الوقت، كما جاء في حديث جابر في سنن ابن ماجه (713).
(2)
أحمد (20849)، ومسلم (606)، وأبو داود (806)، وابن ماجه (713)، ولم أجده عند النسائي.
(3)
تقدَّم حديث ابن عمر قبل قليل. وحديث عائشة في البخاري (622) ومسلم (1092).
(4)
برقم (1918).
(5)
في المطبوع: «لا يمنعكم» ، والمثبت من الأصل ومصادر التخريج.
المستطيرُ في الأفق» رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
(1)
.
وعن عبد الله بن مسعود أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يمنعنَّ أحدَكم أذانُ بلال من سَحوره، فإنَّه يؤذِّن ــ أو قال: ينادي ــ بليل لِيَرجِعَ قائمَكم ويُوقظَ نائمَكم» رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي
(2)
.
فقد نبَّه صلى الله عليه وسلم على حكمة تقديم الأذان في الفجر. وذلك لأنَّ آخرَ الليل مظنَّةُ نوم النائم وقيام القائم للصلاة. فإذا أذَّن قبل الفجر استيقظ النائم وتأهَّب للصلاة بالتخلِّي والتطهُّر واللباس، ليتمكَّن من الصلاة في أول الوقت. ولذلك خُصَّت بالتثويب فيها، بخلاف سائر الصلوات، فإنَّ الناس عند النداء بها يكونون أيقاظًا، والأهبَةُ
(3)
للصلاة إذ ذاك خفيفةٌ
(4)
على أكثرهم. وأمَّا القائم فإنه يعلم دنوَّ الفجر، فيبادر الفجرَ بالوتر.
فصل
ويُستحَبُّ الأذان قبل الفجر لما تقدَّم. ويُستحبُّ أن يكون مؤذنان: أحدهما يؤذِّن قبل الفجر، والآخر بعده، كما كان للنبيِّ
(5)
صلى الله عليه وسلم؛ وليحصل الإعلام بدخول الوقت. فإن أذَّن المؤذِّن مرّتين فقال الآمدي: هو مستحَبٌّ
(1)
أحمد (20158)، ومسلم (1094)، وأبو داود (2346)، والترمذي (706)، والنسائي (2171).
(2)
أحمد (3654)، والبخاري (621)، ومسلم (1093)، وأبو داود (2347)، والنسائي (2170)، وابن ماجه (1696).
(3)
في الأصل والمطبوع: «وأهبة» .
(4)
في المطبوع: «فكانت خفيفة» ، زاد «فكانت» دون تنبيه.
(5)
في الأصل والمطبوع: «النبي» ، والصواب ما أثبت.
أيضًا كالمؤذِّنَين. وإن أذَّن واحدٌ جاز، لما روى الحارث بن زياد الصُّدَائي قال: لما كان أوَّلُ
(1)
أذان الصبح أمرني النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فناديتُ، فجعلتُ أقول: أقيم أقيم
(2)
يا رسول الله؟ فجعل ينظر إلى ناحية المشرق، فيقول:«لا» . حتَّى إذا طلع الفجر نزَل فتبرَّز، ثم انصرف إليَّ، وقد تلاحق أصحابُه، فتوضَّأ. فأراد بلال أن يقيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إن أخا صُدَاءٍ قد أذَّن، ومن أذَّن فهو يقيم» قال: فأقمتُ. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه
(3)
.
ويستحبُّ أن يكون التأذين قريب الفجر، ليحصل المقصود، وهو إيقاظ النائم ورجع القائم، فإنه لا يُقصَد قبل ذلك. وفي «الصحيحين»
(4)
أنه لم يكن بين أذان بلال وابن أم مكتوم إلا أن ينزلِ هذا ويرقَى هذا.
ويستحبُّ أن يكون الأذان في وقت واحد، لأنه إذا قدَّم تارةً وأخَّر أخرى اضطرب على الناس أمرُ الوقت، ولم يُنتفَع بأذانه، بل قد يُتضرَّر به، فأشبه مَن
(1)
«أول» ساقط من المطبوع.
(2)
كذا جاء مكررًا في الأصل، و «المغني» (2/ 72). وفي «سنن أبي داود» (514) مرة واحدة.
(3)
أبو داود (514)، والترمذي (199)، وابن ماجه (717)، وأحمد (17537)، من طرق عن عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، عن زياد بن نعيم، عن زياد بن الحارث الصدائي به.
قال الترمذي: «حديث زياد إنما نعرفه من حديث الإفريقي، والإفريقي ضعيف عند أهل الحديث» ، وبذلك ضعفه ابن عبد البر في «التمهيد» (21/ 102)، وأضاف ابن رجب إعلاله بالاضطراب، «فتح الباري» (3/ 526)، وانظر:«البدر المنير» (3/ 406 - 414).
(4)
البخاري (1918) ومسلم (1092).
عادته الأذان أولَ الوقت، فأذَّن في أثنائه.
وعلى ذلك ما حمل
(1)
بعضُ أصحابنا ما روى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر: أنَّ بلالًا أذَّن قبل طلوع الفجر، فأمره النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يرجع، فينادي:«ألا إنَّ العبد نام» . فرجع، فنادى:«ألا إنَّ العبد نام» . رواه أبو داود
(2)
،
وقال الترمذي: هو غير محفوظ. وقال الدارقطني
(3)
: [ص 5] الصواب عن نافع عن ابن عمر أنَّ مؤذنًا لعُمر أذَّن قبل الصبح، فأمره أن
(1)
كذا في الأصل والمطبوع، و «ما» زائدة.
(2)
برقم (532)، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر به.
رجاله ثقات غير أنه معلول بالتفرد والمخالفة، اتفق أئمة الصنعة على إعلاله بذلك: ابن المديني والذهلي وأحمد والبخاري وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم، قال الترمذي عقب الحديث (203) ما حاصله: «هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغيره، عن نافع، عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن بلالًا يؤذن بليل
…
»، وروى عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع:«أن مؤذنًا لعمر أذن بليل، فأمره عمر أن يعيد الأذان» ، وهذا لا يصح، ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث، ولو كان حديث حماد صحيحًا لم يكن هناك معنى لحديث:«إن بلالًا يؤذن بليل» ، فإنما أمرهم فيما يستقبل، ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل:«إن بلالًا يؤذن بليل» ».
وخالف جميع من تقدم بعض المتأخرين فحسنه بطرقه وشواهده، كابن التركماني في «الجوهر النقي» (1/ 384)، وابن حجر في «فتح الباري» (2/ 103) وقال:«وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا قوة ظاهرة» ، وصححه على شرط مسلم الألباني في «صحيح أبي داود: الكتاب الأم» (542).
انظر: «السنن الكبرى» للبيهقي (1/ 382 - 383)، «فتح الباري» لابن رجب (3/ 512 - 514).
(3)
في «السنن» (1/ 244) و «العلل» (2911).
يرجع، فينادي.
وكذلك ما روى شدَّاد مولى عِياض بن عامر عن بلال أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «لا تؤذِّنْ حتى يستبينَ لك الفجرُ هكذا» ومدَّ يديه عرضًا. رواه أبو داود، وقال: هو منقطع، لأنَّ شدَّادًا لم يدرك بلالًا
(1)
.
فإن صحَّا حُمِلا على نوبة بلال، فإنه كان تارةً يؤذِّن قبل ابن أم مكتوم
(2)
، وتارةً بعده. كذلك رواه أحمد والنسائي عن خُبَيب
(3)
بن عبد الرحمن عن عمَّته، وكانت حجَّت مع النبي صلى الله عليه وسلم. قالت
(4)
: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ ابن أم مكتوم ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتَّى ينادي بلال»
(5)
.
وروى أحمد عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذِّنان: بلال وعمرو بن أم مكتوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أذَّن عمرو فكلوا واشربوا،
(1)
برقم (534)، من حديث جعفر بن برقان، عن شداد مولى عياض بن عامر، عن بلال به.
إسناده ضعيف، فشداد لم يدرك بلالًا كما أشار إليه أبو داود، وهو مجهول أيضًا، كما ذكره ابن القطان في «بيان الوهم» (3/ 47).
(2)
في الأصل: «أبي محذورة» ، والظاهر أنه سهو.
(3)
في الأصل والمطبوع: «حبيب» ، تصحيف.
(4)
في الأصل: «قال» ، وفي حاشيته:«لعله: قالت» . وهو الصواب كما في «المسند» والسنن.
(5)
أحمد (27439)، والنسائي (640).
وصححه ابن خزيمة (405)، وابن حبان (3474)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 364):«رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح» ، ووقع في إسناده اختلاف، انظر:«إتحاف الخيرة» (1/ 480 - 481).
فإنه رجل ضرير. وإذا أذَّن بلال فارفعوا أيديكم، فإنَّ بلالًا لا يؤذِّن حتى يُصبح»
(1)
. قال ابن خزيمة
(2)
: إن الأذان كان نُوَبًا بين بلال وابن أم مكتوم، فكان يتقدَّم بلال ويتأخَّر عمرو، ويتقدَّم عمرو ويتأخَّر بلال.
فأما في شهر رمضان، فقد كره الإمام أحمد الأذان قبل طلوع الفجر. قال: لأنه يمنع الناس من السَّحور
(3)
. يعني: إذا لم يكن مؤذِّنان، كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا بأس به حينئذ. والكراهة المطلقة من الإمام تُحمَل على التحريم أو التنزيه؟ فيه وجهان.
وذكر الآمدي في جواز الأذان في رمضان قبل الفجر روايتين:
إحداهما: لا يجوز، لما فيه من منع الناس من السَّحور المشروع، وتحريم ما أباح الله لهم.
والثانية: يجوز، لأنه إذا عُلِم أنه يؤذِّن قبل الوقت لم يقلَّد في ذلك.
فصل
(4)
وليس عن أحمد نصٌّ في أول الوقت الذي يجوز فيه التأذين، إلا أن أصحابنا قالوا: يجوز بعد منتصف الليل، كما تجوز الإفاضةُ من مزدلفة، ورميُ الجمرة، والطوافُ وحلقُ الرأس بعد ذلك. قالوا: لأن النصف الثاني هو التابع لليوم الثاني بخلاف الأول، ولأنه حينئذ يكون قد ذهب معظمُ
(1)
برقم (25521). وصححه ابن خزيمة (407).
(2)
في «صحيحه» . انظر تعليقه على الحديث (408).
(3)
انظر: «المغني» (2/ 65).
(4)
لخَّص ابن اللحام هذا الفصل في اختياراته (ص 40).