المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصليجوز أن يقضي الفوائت بسننها الرواتب وبدونها - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الصلاة في أصل اللغة:

- ‌مسألة(2): (فمَن جحَد وجوبَها لجهله عُرِّف ذلك، وإن جحَدها عنادًا كفَر)

- ‌ مسألة(5): (فإنْ ترَكها تهاونًا استُتيب ثلاثًا. فإن تاب وإلّا قُتِل)

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌مسألة(1): (وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء)

- ‌الفصل الثاني: أنه لا يُشرَع الأذان والإقامة إلا للصلوات الخمس

- ‌الفصل الثالث: أنَّ النساء لا يُشرَع لهن أذان ولا إقامة

- ‌مسألة(2): (ويقول في أذان الصبح: «الصلاةُ خيرٌ من النوم» مرَّتَين بعد الحَيعلة)

- ‌مسألة(2): (ولا يؤذن قبل الوقت إلا لها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذِّن ابن أم مكتوم»)

- ‌مسألة(3): (قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَ ما يقول»)

- ‌يستحَبُّ للمؤذن أن يقول سرًّا مثل ما يقول علانية

- ‌يُستحبُّ إذا سمع الإقامة أن يقول مثلَ ما يقول المؤذِّن

- ‌فصلالسنَّة أن يقيم من أذَّن

- ‌السنَّة أن يكون الأذان والإقامة في موضع واحد

- ‌فصليستحبُّ أن يفصل بين الأذان والإقامة للمغرب بجلسة بقدر ركعتين

- ‌باب شرائط(1)الصلاة

- ‌مسألة(2): (وهي ستة

- ‌ مسألة: (أحدها: الطهارة من الحدث، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاةَ مَن أحدَث حتَّى يتوضَّأ»(1). وقد مضى ذكرها

- ‌مسألة(3): (الثاني: الوقت)

- ‌مسألة(3): (ووقت الظهر(4): من زوال الشمس إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيء مثلَه)

- ‌مسألة(3): (ووقت العصر ــ وهي الوسطى ــ من آخر وقت الظهر إلى أن تصفرَّ الشمس. ثم يذهب وقتُ الاختيار، ويبقى وقتُ الضرورة إلى غروب الشمس)

- ‌الفصل الثالث: أن وقت الضرورة يبقى إلى أن تغيب جميع الشمس

- ‌مسألة(4): (ووقت المغرب: من الغروب إلى مغيب الشفق الأحمر)

- ‌مسألة(2): (ووقت العشاء من ذلك إلى نصف الليل. ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني)

- ‌مسألة(1): (ووقت الفجر: من ذلك إلى طلوع الشمس)

- ‌مسألة(1): (ومن كبَّر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها)

- ‌مسألة(1): (والصلاة في أول الوقت أفضل، إلَّا عشاءَ الآخرة، وفي شدة الحرِّ الظهر)

- ‌الفصل الثاني في(2)تفصيل الصلوات

- ‌أمَّا الجمعة، فالسنَّة أن تصلَّى في أول وقتها في جميع الأزمنة

- ‌فصليجوز أن يقضي الفوائت بسننها الرواتب وبدونها

- ‌مسألة(2): (الشرط الثالث: ستر العورة بما لا يصف البشَرة)

- ‌مسألة(2): (وعورة الرجل والأَمة: ما بين السرَّة والركبة. والحرَّة كلُّها عورة إلا وجهها وكفَّيها. وأمُّ الولد والمعتَق بعضُها كالأمة)

- ‌الفصل الثاني في عورة المرأة الحرَّة البالغة

- ‌مسألة(1): (ومن صلَّى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصحَّ صلاتُه)

- ‌مسألة(2): (ولبسُ الحرير والذهب مباحٌ للنساء، دون الرجال إلا عند الحاجة

- ‌من حَرُم عليه لبسه حَرُم عليه سائر وجوه الاستمتاع به

- ‌الفصل الثاني في الذهب

- ‌القسم الثاني: التحلِّي به

- ‌مسألة(2): (ومن صلَّى من الرجال في ثوب واحد، بعضُه على عاتقه، أجزأه ذلك)

- ‌مسألة(4): (فإن لم يجد إلا ما يسترُ عورته ستَرها)

- ‌الصورة الثانية: أن يستر الثوبُ منكبيه وعجيزته، أو عورته

- ‌مسألة(1): (فإن لم يكفِ جميعَها ستَر الفرجَين. فإن لم يكفهما ستَر أحدهما)

- ‌مسألة(1): (فإن عَدِم بكلِّ حال صلَّى جالسًا يومئ بالركوع والسجود. وإن صلَّى قائمًا جاز)

- ‌مسألة(3): (ومن لم يجد إلا ثوبًا نجسًا أو مكانًا نجسًا صلَّى فيهما، ولا إعادة عليه)

- ‌فصلإذا وجد السترة في أثناء الصلاة قريبةً منه استتر وبنى

- ‌متى ضاق وقتُ الوجوب عن تحصيل الشرط والفعل قُدِّم الفعلُ في الوقت بدون الشرط

- ‌فصليُكرَه السَّدْلُ في الصلاة

- ‌فصليُكرَه للمصلِّي تغطيةُ الوجه، سواء كان رجلًا أو امرأةً

- ‌فصلفأمَّا الأصفر، فلا يُكرَه، سواء صُبغ بزعفران أو غيره

- ‌مسألة(1): (الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته، إلا النجاسةَ المعفوَّ عنها كيسير الدم ونحوه)

- ‌مسألة(2): (فإن صلَّى وعليه نجاسة لم يكن علِمَ بها، أو علِمَها ثم نسيها، فصلاته صحيحة. وإن علِمها في الصلاة أزالها وبنَى على صلاته)

- ‌مسألة(1): (والأرضُ كلُّها مسجدٌ تصح الصلاة فيها إلا المقبرةَ والحُشَّ والحمَّامَ وأعطانَ الإبل)

- ‌الفصل الثانيفي المواضع المستثناة التي نُهِيَ عن الصلاة فيها

- ‌ المقبرة والحمَّام

- ‌ أعطان الإبل

- ‌ قارعة الطريق

- ‌الفصل الثالثفي الصلاة في المواضع المنهيِّ عن الصلاة فيها

- ‌الفصل الرابعأنَّ أكثر أصحابنا لا يصحِّحون الصلاة في شيء من هذه المواضع، ويجعلونها كلَّها من مواضع النهي

- ‌الفصل الخامسفي تحديد هذه الأماكن

- ‌ المقبرة

- ‌ الحُشُّ

- ‌الفصل السادسفي عُلو هذه الأمكنة وسطوحها

- ‌فصلقال الآمدي وغيره: تُكرَه الصلاة في الرَّحَى

- ‌فصلالسنَّة أن يكون موضع الصلاة مستقرًّا مع القدرة

- ‌السبب الثاني: الوحل

- ‌السبب الثالث: المرض

- ‌مسألة(1): (الشرط الخامس: استقبال القبلة، إلَّا في النافلة على الراحلة للمسافر، فإنه يصلِّي حيث كان وجهُه

- ‌الفصل الثاني: أن استقبال القبلة يسقط مع العلم بجهتها في موضعين:

- ‌أحدهما: إذا عجز عن استقبالها

- ‌الموضع الثاني: في صلاة النافلة في السفر

- ‌مسألة(4): (فإن كان قريبًا منها لزمته الصلاة إلى عينها. وإن كان بعيدًا فإلى جهتها)

- ‌مسألة(3): (وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدلَّ بمحاريب المسلمين، فإن أخطأ فعليه الإعادة. وإن خفيت في السفر اجتهد وصلَّى، ولا إعادة عليه وإن أخطأ)

- ‌ دلائل السماء

- ‌فصلومنها: النجوم

- ‌مسألة(3): (وإن اختلف مجتهدان لم يتبَع أحدُهما صاحبَه. ويتبع(4)الأعمى والعامِّيُّ أوثقهَما في نفسه)

- ‌مسألة(1): (الشرط السادس: النية للصلاة بعينها)

- ‌مسألة(1): (ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها)

- ‌فصلإذا قطع النيةَ في الصلاة بطلت

- ‌باب أدب المشي إلى الصلاة

- ‌مسألة(1): (يستحبُّ المشيُ إلى الصلاة بسكينة ووقار، ويقارب بين خُطاه، ولا يشبِّك أصابعه)

- ‌مسألة(1): (ثم يقول: بسم الله {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} الآيات إلى قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 78 - 89]. ويقول(2): اللهم إني أسألك بحقِّ السائلين عليك، إلى آخره)

- ‌مسألة: (فإن سمع الإقامةَ لم يَسْعَ إليها)

- ‌مسألة(1): (وإذا أتى المسجدَ قدَّم رجله اليمنى في الدخول، وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌مسألة(4): (وإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، يجهَر بها الإمام وسائرِ التكبير، لِيُسْمِعَ مَن خلفه، ويُخفيه غيرُه)

- ‌مسألة(5): (ويرفع يديه عند ابتداء تكبيره إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه)

- ‌مسألة(6): (ويجعلهما تحت سُرَّته)

- ‌مسألة(5): (ويجعل نظره إلى موضع سجوده)

- ‌وخشوع البصر: ذُلُّه واختفاضه

- ‌يستحَبُّ في التشهد أن ينظر إلى إشارته

- ‌مسألة(2): (ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك»)

- ‌فصلإذا نسي الاستفتاح في موضعه لم يأت به في الركعة الثانية

- ‌مسألة(1): (ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)

- ‌أحدها: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»

- ‌ثانيها: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»

- ‌مسألة(1): (ثم يقرأ: بسم الله الرحمن الرجيم، ولا يجهر بشيء من ذلك

- ‌السنَّة: الإسرار بها

- ‌مسألة(1): (ثم يقرأ الفاتحة، ولا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، إلا المأموم فإنَّ قراءة الإمام له قراءة

- ‌الفصل الثانيأن المأموم لا تجب عليه القراءة

- ‌فيه لغتان: «أمين» على وزن فعيل، و «آمين» على وزن فاعيل

- ‌مسألة(4): (ثم يقرأ سورةً تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي سائر الصلوات من أوساطه)

- ‌ينبغي أن يطيل الركعة الأولى على الثانية من جميع الصلوات

- ‌لا بأس أن يقرأ سورتين وأكثر في ركعة في النافلة

- ‌[باب صلاة الخوف]

- ‌[مسألة(1): (وتجوز صلاة الخوف على كلِّ صفة صلَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمختار منها: أن يجعلهم الإمام طائفتين: طائفة تحرُس، والأخرى تصلِّي معه ركعةً

- ‌الصفة الثانية:

- ‌ الصفة الثالثة

- ‌مسألة(3): (وإذا(4)اشتدَّ الخوف صلَّوا رجالًا وركبانًا إلى القبلة أو إلى غيرها يومئون بالركوع والسجود. وكذلك كلُّ خائف على نفسه يصلّي على حسب حاله، ويفعل كلَّ ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره)

- ‌متى أمِن في صلاة خوف أتمَّها صلاة أمن

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌مسألة: (كلُّ من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة، إذا كان مستوطنًا ببناء بينه وبينها فرسخ فما دون، إلا المرأة، والعبد، والمسافر، والمعذور

الفصل: ‌فصليجوز أن يقضي الفوائت بسننها الرواتب وبدونها

وإن علِم قدرَ الواجب عليه، وشكَّ بقدر ما فاته منه، مثلَ أن يقول: بلغتُ منذ سنة، وصلَّيت بعضَها وتركتُ الباقي= فإنه يجب عليه أن يقضي حتى يعلم أنه قضى جميعَ الفوائت، لأنه متيقِّن لوجوب الصلاة عليه، شاكٌّ في براءة ذمته منها. وكذلك من شكَّ في فعل الصلاة في الوقت أو بعد خروج الوقت.

وقد أطلق طائفة من أصحابنا فيمن لم يعلَم ما عليه في

(1)

أنه يقضي حتى يتيقَّن براءة ذمته، لأن أحمد قال

(2)

فيمن ضيَّع الصلاة: يعيد حتى لا يشكَّ أنه قد صلَّى ما ضيَّع. وقال فيمن فرَّط في صلاة يوم الظهر ويوم العصر صلواتٍ لا يعرف عينَها= قال

(3)

: يعيد حتى لا يكون في قلبه شيء. وكلام أحمد إنما هو فيمن يتيقَّن الوجوب كغالب الخلق، لما قدَّمناه.

‌فصل

يجوز أن يقضي الفوائت بسننها الرواتب وبدونها

، لأنَّها متأكِّدة. ولهذا يفعلها العبد والأجير؛ لأنها تابعة للصلاة، فأشبهت السورة في الأوليين وما زاد على المرة من التسبيح والاستغفار. ثم إن كانت كثيرة فالأولى أن يقتصر على الفرائض؛ لأن المبادرة إلى براءة الذمة أولى. ولذلك لما قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأربع يوم الخندق قضاهنَّ متواليات

(4)

، ولم يُنقَل أنه قضى بينهن شيئًا، إلا

(1)

كذا في الأصل والمطبوع، ولعلها مقحمة.

(2)

في رواية صالح كما في «المغني» (3/ 346) ولم أجده في مسائله. وانظر: «مسائل ابن هانئ» (1/ 73).

(3)

في رواية أبي داود. انظر: «مسائله» (ص 73).

(4)

سيأتي تخريجه بعد قليل.

ص: 237

ركعتي الفجر، فإنَّ الأولى أن يقضيهما لتأكُّدهما. والوتر إن شاء قضاه وإن شاء لم يقضه. وإن كانت صلاةً أو صلاتين فالأولى أن يقضي، كما فعل النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم فاتته الصبح، فإنه قضاها بسنَّتها

(1)

.

وكذا ينبغي أن يجوز له الاشتغال بالسنن المؤكدة كسننن الحاضرة وصلاة الكسوف والاستسقاء والتراويح قبل الفوائت، وإن كان الأولى المبادرة إلى الفرائض.

فأمَّا غيرُ الرواتب من النوافل المطلقة فلا يجوز أن يشتغل بها عن قضاء الفوائت.

وهل تنعقد؟ على روايتين مومأ إليهما.

إحداهما: تنعقد. قال الآمدي: وهو ظاهر المذهب، لأنَّ النهي عنه لمعنًى في غيره. ولهذا تُكمَل فريضة العبد يوم القيامة من تنفُّلاته.

والثانية: لا يصح، لأن النهي يقتضي الفساد. وقد قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه في وصيته لعمر: واعلم أنَّ الله لا يقبل النافلة حتى تؤدَّى الفريضة

(2)

. وذكره الإمام أحمد في «الرسالة»

(3)

، فقال: وقد جاء الحديث: «لا يقبل الله النافلةَ حتى تؤدَّى الفريضة» .

[ص 61] وكذلك كلُّ نافلة تشغل عن فريضة، كالنفل بعد الشروع فيه بعد إقامة الصلاة، والتنفُّل بعد ضيق وقت الحاضرة.

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

سيأتي تخريجه في كتاب الصيام (ص 283).

(3)

انظر: «طبقات الحنابلة» (2/ 461). ولم نقف على الحديث مرفوعًا.

ص: 238

فأما ما كان النهي عنه لمعنًى في الوقت، كالنافلة عند الطلوع والغروب، فلا تنعقد النية. وقد روي ما يدل على انعقادها، كما يُذكر إن شاء الله تعالى في موضعه.

فصل

ويجب الترتيب بين الفوائت، وبين الحاضرة والفوائت، لما روى ابن مسعود رضي الله عنه: أنَّ المشركين شغَلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يومَ الخندق حتَّى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالًا، فأذَّن، ثم أقام فصلَّى الظهر، ثم أقام فصلَّى العصر، ثم أقام فصلَّى المغرب، ثم أقام فصلَّى العشاء. رواه أحمد والنسائي والترمذي

(1)

. ولأحمد والنسائي

(2)

مثلُه من حديث أبي سعيد إلا أنَّ النسائي لم يذكر المغرب، لكنه قد صحَّ من حديث جابر. وفعلُه صلى الله عليه وسلم للصلوات يقتضي الوجوبَ؛ لأنه خرج بيانًا وامتثالًا للأمر. والفعلُ منه

(3)

إذا خرج امتثالًا كان حكمُه حكمَ الأمر.

وعن أبي جمعة بن سِباع: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عام الأحزاب صلَّى المغربَ، فلما خرج قال:«هل علِمَ أحدٌ منكم أنِّي صلَّيتُ العصر؟» قالوا: يا رسول الله

(1)

أحمد (3555)، والنسائي (662)، والترمذي (179)، من طريق أبي الزبير، عن نافع بن جبير، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه به.

قال الترمذي: «حديث عبد الله ليس بإسناده بأس، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله» ، وضعفه الألباني في «إرواء الغليل» (1/ 256). وانظر:«السنن الكبرى» للبيهقي (1/ 403).

(2)

أحمد (11198)، والنسائي (661).

وصححه ابن خزيمة (996)، وابن حبان (2890).

(3)

كأنَّ في الأصل: «فيه» ، تصحيف. وهو ساقط من المطبوع.

ص: 239

ما صلَّيتها. فأمر بالمؤذِّن، فأقام، فصلَّى العصر، ثم صلَّى المغرب. رواه أحمد

(1)

.

وهذا صريح بالإعادة إذا أخلَّ بالترتيب. وهذا الحديث فيه ضعف إلا أنه يقوِّيه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يومئذ لم يصلِّ المغرب إلا بعد هَوِيٍّ من الليل، وبعيدٌ أن يكون نسيها إلى ذلك الوقت، فإنَّ وقت المغرب ضيِّق.

ولأنه قد قال صلى الله عليه وسلم: «صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي»

(2)

، على أنَّ كثيرًا من أصحابنا يجعل الأصل في جميع أفعاله الوجوبَ، وهو إحدى الروايتين.

ولأنَّ الفائتة يجب قضاؤها على الفور لما تقدَّم، والحاضرة يجوز تأخيرها إلى آخر الوقت، فوجب الابتداء بما يجب على الفور، كسائر الواجبات. ولأنَّ الفائتة الأولى استقرَّت في ذمَّته، وخوطب بقضائها إذا أدركها قبل الثانية، فإذا أخَّرها عن وقت الذكر أثِمَ بذلك. وأما الثانية، فإنما يجب عليه فعلُها بعد الأولى، إذ لا يكلَّف فعلَهما معًا.

فإن قيل: هذا يقتضي وجوبَ الابتداء. أمَّا عدمُ الصحة فلا يلزم، كما لو أخَّر الواحدة عن حين ذكرها

(3)

.

(1)

برقم (16975)، من طريق عبد الله بن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن محمد بن يزيد، عن عبد الله بن عوف، عن أبي جمعة بن سباع به.

إسناده ضعيف، قال ابن عبد الهادي في «تنقيح التحقيق» (2/ 513):«فيه ابن لهيعة وهو ضعيف، لا يحتج به إذا انفرد» ، وفيه أيضًا محمد بن يزيد الثقفي مجهول، كما في «التقريب» (513).

وقد ضعف الحديث الزيلعي في «نصب الراية» (1/ 232)، وابن رجب في «فتح الباري» (5/ 154).

(2)

أخرجه البخاري (631) من حديث مالك بن الحويرث.

(3)

في المطبوع: «ذكره» ، والصواب ما أثبت من الأصل.

ص: 240

قلنا: يتوجَّه أن يخرَّج في انعقاد الثانية قبل الأولى ما خُرِّج في انعقاد النفل المطلق قبلها وأولى، إذ النهيُ عنها بالمعنى في غيرها. وإنما المذهب أنها لا تصحُّ [ص 62] لأنَّ هذا الترتيب مستحَقّ في الصلاة، فلم ينعقد مع الإخلال به، كترتيب السجود على الركوع. ولأنهما صلاتان مكتوبتان

(1)

، فوجب الترتيب بينهما كالمجموعتين. ولأنه إذا فعل الثانيةَ قبل الأولى فقد فعَلَها قبلَ وقت وجوبها فلم تُجزئه، كما لو صلَّى الحاضرة قبل وقتها؛ بخلاف النافلة فإنها لا تختصُّ بوقتْ.

ولأنَّ الفرائض من جنس واحد مختلف

(2)

، فوجب الترتيبُ بينها بخلاف النفل. ولهذا يجوز له أن يتنفَّل قبل المجموعتين. وليس له أن يقدِّم الثانية على الأولى، لأن بعض الصلوات متعلِّق ببعض، بدليل أنَّ المغرب وترُ النهار، وأنَّ الصلاة الأخرى وترُ الليل، فإذا قدَّم بعضَها على بعضٍ خرجت الصلواتُ عن نظمها. وسواء قلَّت الفوائت أو كثرت، لما ذكر.

فإن نسي الترتيب، مثل أن يصلِّي الظهر، ثم يذكر أنه لم يصلِّ الفجر؛ أو أنه صلَّاها بغير طهارة= سقط الترتيب عنه في ظاهر المذهب.

وحكي عنه

(3)

: لا يسقط؛ لأنه ترتيب مستحَقّ، فلم يسقط بالنسيان،

(1)

في الأصل: «مكتوبان» ، والتصحيح من حاشيته.

(2)

كذا في الأصل والمطبوع.

(3)

حكاها ابن عقيل. قال أبو حفص: هذه الرواية تخالف ما نقله الجماعة عنه، فإمَّا أن تكون غلطًا أو قولًا قديمًا. وقال القاضي: سقط وجوبه رواية واحدة. انظر: «الإنصاف» (3/ 190).

ص: 241

كترتيب السجود على الركوع، وترتيب ثانيتي الجمع على أولاهما

(1)

، وترتيب أعضاء الوضوء؛ ولحديث أبي جمعة المتقدم.

ووجه الأول: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فَلْيُصلِّها إذا ذكرها»

(2)

، مع علمه أنه قد لا يذكرها إلا بعد عدة صلوات، ولم يفصِّل. ولأنَّ المنسيَّة لا يخاطب بأدائها إلا حين ذكَرها، وذلك هو الوقت المأمور بفعلها فيه. والمذكورةُ يخاطَب بها حين

(3)

الذكر، فلا يجوز أن يبطل ما وجب فعلُه. وهذا بخلاف ترتيب الأركان والوضوء، فإنَّ الأول شرط في صحة الثاني، وهو مرتبط به بحيث لا يصح إلا بصحته، ولا يفسد إلا بفساده، فلا يصحُّ أن يتأخَّر عنه. وصلاتا الجمع لا يكاد يعرض فيهما نسيان، بخلاف الفوائت.

وأما الجاهل بوجوب الترتيب، إذا بدأ بالحاضرة، ثم بالفائتة، ثم صلَّى بعد ذلك، ثم علِم فيجزئه ما صلَّى بعد الفائتة، لأنه صلَّى معتقدًا أن لا صلاة عليه. وأما ما صلَّى قبلها، فيعيده، لأنه صلَّاه في غير موضعه. ويتوجَّه أن يكون الجهل كالنسيان.

فإن ذكر الفائتة في الحاضرة، فالمشهور عنه: أنَّ الترتيب لا يسقط.

وعنه: يسقط عن المأموم خاصَّةً، فيُتمُّ الحاضرةَ، ثم يقضي الفائتة فقط، لأن الجماعة واجبة للحاضرة، وقد دخل وقتُها، فلا يجوز تفويتُها؛ بخلاف الإمام والمنفرد فإنه يمكنهما القطع من غير تفويت [ص 63] شيء.

(1)

في المطبوع: «أولهما» ، والصواب ما أثبت من الأصل.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

في المطبوع: «حيث» والصواب ما أثبت من الأصل.

ص: 242

وقيل: يسقط مطلقًا، لما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا نسي أحدكم صلاةً، فذكرها وهو في صلاة مكتوبة، فليبدأ بالتي هو فيها. فإذا فرغ منها صلَّى التي نسي» رواه الدارقطني

(1)

. فأمر بإتمام الحاضرة، ولم يأمر بإعادتها. ولأنَّ الحاضرة بالشروع فيها صارت على الفور، وتعيَّن إتمامها، فأشبه ما لو ضاق وقتها.

وعلى المشهور يُتِمُّها المأموم، ثم يصلِّي الفائتة، ثم يعيد الحاضرة.

وقد حكي عنه: المأمومُ يقطعها كالمنفرد.

والأول

(2)

هو الذي نقله عنه الجماعة، لما روى أبو يعلى الموصلي وأبو بكر والدارقطني

(3)

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نسي

(1)

«السنن» (1/ 421)، من طريق عمر بن أبي عمر، عن مكحول، عن عبد الله بن عباس به.

إسناده ضعيف، عمر بن أبي عمر مجهول كما قال الدارقطني، وانظر:«الكامل» لابن عدي (6/ 44).

ومكحول لم يسمع من ابن عباس. انظر: «التلخيص الحبير» (1/ 490). وضعفه الألباني في «السلسلة الضعيفة» (6/ 238).

(2)

في الأصل: «والأولى» .

(3)

أخرجه أبو يعلى الموصلي كما في «إتحاف الخيرة المهرة» (2/ 239)، والدارقطني (1/ 421)، والبيهقي في «الكبرى» (2/ 221)، من طرق عن أبي إبراهيم الترجماني، عن سعيد بن عبد الرحمن، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر به.

إسناده معلول، والصواب وقفه، قال الدارقطني:«وهم في رفعه (الترجماني)، فإن كان قد رجع عن رفعه فقد وفق للصواب» ، وقال البيهقي:«تفرد أبو إبراهيم الترجماني برواية هذا الحديث مرفوعًا، والصحيح أنه من قول ابن عمر موقوفًا» . وانظر: «العلل» لابن أبي حاتم (2/ 171)، و «العلل» للدارقطني (13/ 24).

ص: 243

أحدكم صلاةً، فذكرها وهو مع الإمام، فليصلِّ مع الإمام. فإذا فرغ فليصلِّ الصلاة التي نسي، ثم ليُعِد صلاته التي صلَّى مع الإمام» والمشهور أنه عن ابن عمر موقوفًا.

ولأنه حين ذكر الفائتة صار ذلك وقتها، فوجب فعلُها فيه، ولم يصحَّ أن يصلِّي فيه غَيرها، كما لو ذكر قبل الشروع؛ لكن بدخوله مع الإمام صار ملتزمًا لصلاةٍ، فسُنَّ تأخيرُها إلى انقضاء صلاته، كما لو أخَّرها لسنَّة راتبة، وأَولى.

وأما الإمام فإنه يقطعها. قال في رواية حرب: ينصرف هو، ويستأنف القوم الصلاةَ. قال أبو بكر: لم ينقلها غيره

(1)

. وبنى أبو بكر ذلك على جواز الاستخلاف، وجوز ائتمام المتنفِّل بالمفترض. ومن أصحابنا من حكى في إتمام الإمام إياها روايتين. ومنهم من قال: صارت نافلة. والمأمومون خلفه مفترضون، ولا يجوز اقتداء المفترض بالمتنفِّل. ومن جوَّزه صحَّح إتمامَ الإمام إياها، وائتمامَهم به فيها.

وعلى المنصوص قال القاضي: يُتِمُّها نفلًا، ثم يقضي الفائتة، ثم يصلِّي الحاضرة. وقال الآمدي وأكثر الأصحاب: عليه أن يقطعها. فإن أتمَّها فوجهان. أحدهما: تبطل، لأنَّ بقاء الفرض في ذمته يمنع صحة غيره كالمنفرد، بخلاف المأموم فإنها صحَّت تبعًا. والثاني: يُتِمُّها نفلًا.

ثم بإئتمامهم به فيها وجهان. وهذه الطريقة أصح وأشبه بالنص.

(1)

انظر: «المغني» (2/ 338).

ص: 244

وأما المنفرد، فهل يقطعها أو يُتِمُّها؟ على روايتين:

إحداهما: يُتِمُّها. وهي اختيار أبي بكر. قال الآمدي: وهي أصحُّ، لأنَّ الشروع يؤكِّد الإتمام كالسنن الرواتب.

والثانية: يقطعها، لأنها نافلة فلا يشتغل بها عن الفرض، كالنفل المبتدأ.

وإذا قلنا: يقطعها، فأتمَّها، فهو جائز. نصَّ عليه. وكذلك إن قلنا: يُتِمُّها، فقطَعها جاز. نصَّ عليه، لأنه تطوُّع، والتطوُّع لا يلزم بالشروع. وقد نصَّ أحمد

(1)

على التخيير بين الأمرين. [ص 64] ومقتضى ما ذكره بعض أصحابنا أنه يلزمه الإتمام حيث يؤمر به. ولنا في الصلاة النافلة هل تلزم بالشروع روايتان، لكن هنا دخل فيها يعتقد أنها عليه، فبان أنها ليست عليه، فإلزامه بالإتمام بعيد.

فصل

فإن ضاق الوقت عن فعل الفائتة والحاضرة سقط الترتيب في إحدى الروايتين.

وفي الأخرى: لا يسقط. اختارها الخلال وصاحبه

(2)

، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«فَلْيصلِّها إذا ذكَرها»

(3)

فإنَّ ذلك وقتُها، فجعَل وقت الذكر وقت الفائتة، فلا يجوز أن يصلِّي فيه غيرَها. ولأنَّ الصلاة في الوقت فرض، وليس بشرط، والترتيب فرض مشترط، فكانت مراعاته أولى. وقد روي في

(1)

في رواية مهنَّا. انظر: «المغني» (2/ 339).

(2)

انظر: «المغني» (2/ 341) و «شرح الزركشي» (1/ 631).

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 245

الحديث: «لا صلاة لمن عليه صلاة»

(1)

، لكنه لا يُعرَف له أصل. فعلى هذا يشتغل بقضاء الفوائت متواليات حسب الطاقة والإمكان، وإن فاته عدَّة من الصلوات، ثم يصلِّيهن إذا جاءت نوبتهن.

ووجه الأولى ــ وهي الصحيحة عند أكثر أصحابنا ــ أنَّ الوقت وقت الحاضرة، فلا يجوز أن تؤخَّر عنه كسائر المواضع، وكما لا يجوز تأخير صوم رمضان لقضاء الزمان الماضي. ولأنَّ في ذلك تفويت الصلاتين. ولأنَّ الصلاة الحاضرة في وقتها فرضٌ متفَق عليه، معلوم قطعًا؛ والترتيب مما ساغ فيه الخلاف. ولأنَّ تأخير الفائتة لسنة راتبة أو

(2)

نوع مصلحة جائز، وتأخير الحاضرة عن وقتها لمثل ذلك لا يجوز. وقال القاضي: المسألة رواية واحدة: يبدأ بالحاضرة. وذكر عن أحمد ما يدلُّ على أن الرواية الأولى مرجوع عنها

(3)

. فيكون في حكايتها مذهبًا له الطريقتان المشهورتان.

فإن خالف وبدأ

(4)

بالفائتة، ففي صحَّتها وجهان؛ لأنَّه فعلها على الوجه المنهِّي عنه، لكن لم يخالف ترتيبًا مستحَقًّا، كما قلنا فيما إذا صلَّى قبلها نافلة.

وعلى هذا يجب عليه أن يشتغل بقضاء الفوائت إذا كثرت حتَّى يضيق

(1)

نقل ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 443) عن إبراهيم الحربي: «قيل: لأحمد ما معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن عليه صلاة» . فقال: لا أعرف هذه البتة، قال إبراهيم: ولا سمعت بهذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قط».

(2)

«أو» ساقط من المطبوع.

(3)

«المغني» (2/ 341).

(4)

في الأصل: «أو بدأ» والمثبت من المطبوع.

ص: 246

وقت الحاضرة، لأن الابتداء بالفوائت واجب، والصلاة في أول الوقت سنَّة. هذا أشهر الروايتين

(1)

.

وعنه: يجوز أن يصلِّيها في أول الوقت إذا لم يتَّسع الوقت لفعلها مع الفوائت. اختارها أبو حفص العكبري وصاحب الكتاب

(2)

، لأنه لا يمكنه فعلُ جميع الفوائت قبلها، فسقط ترتيبهن عليها، كما لو ضاق

(3)

الوقت عن فعل الفائتة والحاضرة.

وإذا ضاق

(4)

وقتُ [ص 65] الحاضرة عن فعلِها في وقت الاختيار أو فعلِ بعضها بحيث لو صلَّى الفائتة، فهو كما لو ضاق عن فعل جميعها

(5)

، فإنه يجب عليه أن يفعلها كلَّها قبل دخول وقت الضرورة. وكذلك لو بقي من وقتها ما لا يتسع إلا لفعل بعض صلاة، فإنه يبدأ بالحاضرة لقوله عليه السلام:«إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم»

(6)

.

فأمَّا الجمعة إذا خشي فوتَها، مثل أن يذكر الفجر وهو فيها، أو عند قيامه إليها، ويخشى فوتَها إن اشتغل بالقضاء= فإنه يصلِّيها رواية واحدة.

ثم إن قلنا: إنّ الترتيب يسقط بضيق الوقت أجزأته كغيرها، وأَولى، لأنها

(1)

انظر: «مسائل أبي داود» (ص 73).

(2)

«المغني» (2/ 341).

(3)

في الأصل: «كما ضاق» ، وفي حاشيته:«لعله: كما لو» .

(4)

في الأصل: «خاف» وقال ناسخه في هامشه: «لعله: أن يضيق» يعني أنه ساقط بعد «خاف» . وكذا أثبته في المطبوع. والأقرب أنه تحريف «ضاق» .

(5)

كذا في الأصل والمطبوع، وكأن في الكلام سقطًا.

(6)

تقدم تخريجه.

ص: 247

لا تقضى جمعة بحال. وإن قلنا: لا يسقط، فإنه يعيدها ظهرًا بعد إعادة الفائتة. وقد نصَّ علي الروايتين.

فإن كان الذي ذكر هو الإمام، فإن ذكَر وهو فيها، فعنه: يُتِمُّها، وتجزئه ومَن خلفه جمعة، لأنَّ تبطيل جمعتهم أعظم من ضيق الوقت ونسيان الفائتة. وعنه: لا تجزئه ولا مَن خلفه، كما لو ذكر في غير الجمعة. فعلى هذا يعيدون جمعةً إن اتسع الوقت، وإلا فظهرًا. وقياسُ ما ذكروه في الجماعة أنه يعتبر اتساع الوقت.

وإن ذكر قبل إحرامه، فالأولى أن يستخلفَ ويشتغل بالقضاء. ثم إن أدرك معهم ما تدرك به الجمعة، وإلَّا صلَّى ظهرًا. فإن لم يفعل وصلَّى بهم، فعلى الروايتين.

وقيل: إذا جاز له الاستخلاف، وأمكنه بعد القضاء أن يدرك معهم ما تدرَك به الجمعة، لزمه ذلك.

فإن ذكر الفائتة في الحاضرة، وضاق الوقت عن إتمام الحاضرة، وإعادة الفائتة والحاضرة، سقط الترتيب أيضًا، كما لو ضاق عن فعل الحاضرة والفائتة. وقيل: إنما يسقط إذا ضاق عن فعل الفائتة وإعادة الحاضرة، لأنَّ إتمام الحاضرة نفلٌ، فيجب تركه عند ضيق الوقت عنه.

فأمَّا إن أقيمت الجماعة وخشي فوتها بأن لا يطمع في إدراكها ولا إدراك جماعة أخرى، إن اشتغل بالقضاء= لم يسقط الترتيب، لكن يتابع الإمام في صلاته، ثم يقضي، ثم يعيد كما لو ذكر في أثنائها.

وعنه: يسقط أيضًا. وهي اختيار أبي حفص، لأنَّ الجماعة واجبة، فأشبهت الجمعة. وإن لم يخش فوتها بأن يمكنه القضاء ثم يصلِّي معهم أو

ص: 248

مع غيرهم لم يسقط الترتيب قولًا واحدًا.

فصل

ومن نسي صلاةً من يوم وليلة لا يعلم عينَها لزمه أن يصلِّي خمسًا، ينوي بكلِّ واحدة أنها هي الفائتة. قال ابن أبي موسى

(1)

: يصلِّي خمس صلوات فجرًا وظهرًا وعصرًا ومغربًا وعشاءً. نصَّ عليه

(2)

.

وعنه ما يدل [ص 66] على أنه يجزئه أن يصلِّي فجرًا ومغربًا وأربع ركعات ينوي بها ما فاته بناءً على أنَّ نية التعيين لا تجب للمكتوبة.

والأول هو المذهب، لأنه قد ثبت في ذمته صلاةٌ، وتعيينُ النية للمكتوبة هل هي فجر أو عصر أو ظهر واجب، والتشهد الأخير والتسليم فرضٌ

(3)

، فلا يتحقَّق براءة ذمته إلا بخمس صلوات على ما قلنا.

فإن فاتته من يوم واحد ظهرٌ، وصلاة أخرى لا يعلم هل هي الفجر أو المغرب، وجب عليه الصلوات الثلاث، ويبدأ بالفجر لأنه إن يبدأ

(4)

بالظهر لم يتحقق

(5)

براءة ذمته مما قبلها، كمن شكَّ في وقت الظهر هل صلَّى الفجر أم لا.

فإن نسي ظهرًا من يوم وعصرًا من يوم آخر لم يجب عليه إلا ظهر

(1)

في «الإرشاد» (ص 78).

(2)

في «مسائل الكوسج» (2/ 448).

(3)

«والتشهد الأخير والتسليم فرض» كذا جاءت العبارة في الأصل والمطبوع والظاهر أنها مُقحمة.

(4)

في المطبوع: «بدأ» ، والمثبت من الأصل.

(5)

في الأصل: «ولم يتحقق أنَّ» والظاهر أن الواو و «أنَّ» مقحمتان.

ص: 249

وعصر، وإن كان قد يفضي إلى الإخلال بالترتيب في الباطن، لأن الترتيب يسقط بالنسيان، كما لو نسي نفس الفائتة. ويتحرَّى بما يبدأ: بما يغلب على ظنِّه أنها السابقة. فإن استويا خُيِّر، لأنَّ ذلك أقرب إلى رعاية الترتيب في إحدى الروايتين. وفي الأخرى: يبدأ بالظهر كصلاتي اليوم الواحد، إذ أكثر ما فيه سقوط الترتيب بالنسيان.

ويتخرَّج

(1)

أن يلزمه قضاء ثلاث صلوات ظهرًا ثم عصرًا ثم ظهرًا، أو عصرًا ثم ظهرًا ثم عصرًا، بناءً على أنَّ الترتيب لا يسقط بالنسيان ولا يتيقَّن الترتيب المستحَقّ إلا بذلك. قال بعض أصحابنا: وهذا أقيس، كما لو نسي صلاةً من يومٍ لا يعلم عينها

(2)

. والصواب ما تقدَّم، وقد ذكر الفرق.

فصل

ومن شكَّ في دخول الوقت فلا يصلِّي حتى يتيقَّن دخوله برؤية الشمس ونحوها من معرفة الساعات وحسابها، فإن تعذَّر اليقين لتغيُّم السماء، أو لكونه في مطمورة، أو أعمَى في برِّيَّة، عمل بالاجتهاد بأن يستدل على ذلك بأعمال من قراءة أو صناعة أو نحو ذلك. فإن اجتهد وهو قادر على اليقين لم تصحَّ صلاته، كمن صلَّى بالاجتهاد عند حضور الكعبة، أو عمِل بالقياس مع وجود النصِّ، سواء أخطأ أو أصاب.

هكذا حرَّره القاضي وابن عقيل وغيرهما من أصحابنا. وأطلق أبو الخطاب

(3)

وغيره أنه يصلِّي إذا تيقَّن أو غلب على ظنِّه دخولُه. وعلى كلِّ

(1)

في المطبوع: «وتخرج» ، والمثبت من الأصل.

(2)

قاله المصنف في «المغني» (2/ 345).

(3)

في «الهداية» (ص 72).

ص: 250

حال فيستحَبُّ له أن يؤخِّر الصلاة حتى يتيقَّن دخولَ الوقت ما لم يخَف خروجه. ويجوز العمل فيه بغالب الظنِّ إذا لم يمكن العلم. هذا قول أصحابنا.

وقد كان أبو عبد الله [ص 67]رحمه الله أحيانًا يصلِّي الفجر في الغَيم، ثم يتبيَّن له أنَّ الفجر لم يطلع، فيعيد

(1)

، كما جاء مثل ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم. وقد روى عنه حنبل: لا يصلِّي حتى لا يشكَّ في الزوال في السفر والحضر

(2)

. وقال في رواية ابن منصور: إذا شكَّ في الزوال وهو في السفر، فلا حتَّى لا يشكَّ ولا يستيقنَ

(3)

. وهذا فيما إذا لم يمكن اليقين، كما تقدَّم. وإن حُمِل على ظاهره، فله وجه.

فإن أخبره ثقة عن علمٍ بالوقت قلَّده كسائر الأمور الدينية. وكذلك المؤذِّن الثقة إذا أذَّن في الصحو لغير الفجر، أو أذَّن الفجر وكان من عادته أن لا يؤذِّن حتى يطلع الفجر. وهذا قول أكثر أصحابنا.

وقال القاضي في موضع

(4)

: لا يرجع إلى قول المؤذن ولا غيره حتى يغلب على ظنِّه دخولُ الوقت بمرور الزمان ونحوه، إلَّا الأعمى خاصَّة فإنه يرجع إلى خبر غيره.

(1)

انظر: «مسائل ابن هانئ» (1/ 40).

(2)

ومثله في «فتح الباري» لابن رجب (4/ 314).

(3)

في المطبوع من «مسائل الكوسج» (2/ 437): «قال: لا، حتى لا يشك ويستيقن. سألته مرة أخرى، فقال: حتى يستيقن. ثم سألته، فقال: حتى يستيقن» .

(4)

ولعل المصنف أشار إليه فيما ورد من قوله في «اختيارات ابن اللحام» (ص 34).

ص: 251

والأول أصحُّ، لما تقدَّم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«المؤذِّن مؤتمَن»

(1)

وغير ذلك من الأحاديث، ولأنَّ قبول قول العدل الذي لا يُتَّهم يجوز مع إمكان حذف الواسطة، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل بعضُهم الرواية من بعض في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع إمكان مراجعته.

وإن أخبره ثقة عن اجتهاد لم يقلِّده، واجتهد كالقبلة. فإن أخبره عن علمٍ كالدقائق والساعات، أو أذَّن مؤذِّن بناءً على ذلك أو على إخبار عارفٍ بذلك، فهو كالإخبار عن علم.

وإذا سمع الأعمى من يؤذِّن أو يخبر بالوقت قلَّده، ولم يلزمه أن يسأل: هل أخبر بذلك عن علم أو اجتهاد؟ لأنَّ الظاهر أنه خبرٌ عن علم.

ومن لا يمكنه الاجتهاد كالمطمور، والمستيقظ في يوم غيمٍ لا يدري أيَّ وقت استيقظ، يقلِّد غيرَه من المجتهدين.

وإذا

(2)

اجتهد ثم تبيَّن أنه صلَّى في الوقت أو بعده أجزأه ولا يضرَّه، وإن كان نواها قضاءً، فتبيَّنت في الوقت، أو نواها أداءً فتبيَّنت بعد الوقت؛ لأن الصلاة المنوية هي الواجبة، ووصفُ

(3)

القضاء والأداء إنما يُقصَد به تعيين فرض الوقت.

وإن تيقَّن أنه صلَّى قبل الوقت لم يجزئه، لما صحَّ عن ابن عمر

(4)

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

في المطبوع: «وإن» ، والمثبت من الأصل.

(3)

في المطبوع: «فوصف» ، والمثبت من الأصل.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (7278)، وابن المنذر في «الأوسط» (1071).

ص: 252

وأبي موسى

(1)

أنهما صلَّيا يوم غيم صلاة الفجر، ثم تبيَّن أنه قبل الوقت، فأعادا. وسواء تبيَّن ذلك في الوقت أو بعد الوقت، لأنه فعل العبادةَ قبل وجوبها، فوقعت نفلًا، ولم يوجد بعد الوجوب ما يبرئ ذمته، فبقي في عهدة الوجوب. وهذا في الفجر والظهر والمغرب [ص 68] ظاهر

(2)

. فأما العصر والعشاء

(3)

.

وإذا ذكر في أثناء الصلاة أنَّ الوقت لم يدخل لم تبطل صلاته، لأنَّ دخول الوقت لا يمنع التنفُّل بالصلاة، وهي قد انعقدت نفلًا، لأنَّ وصف الفرض إذا لغا

(4)

بقي مطلقُ الصلاة، ومطلقُ الصلاة ينصرف إلى النفل. وكذلك لو تصدَّق أو صام يعتقده واجبًا فتبيَّن أنه لم يكن عليه، فإنه يقع تطوُّعًا.

وقال أبو الحسن الآمدي: إذا ذكر في أثناء الصلاة أنَّ الوقت لم يدخل، فهل تبطل الصلاة، أو تكون نفلًا؟ على روايتين مخرَّجتين على من ذكر فائتةً في حاضرة، وهو منفردٌ. وكذلك لو أراد أن ينقل الفرض إلى النفل لغرض صحيح. وهذا ضعيف، لأنَّ ذكر الفائتة كان يمنع الابتداءَ بهذه الصلاة، فلهذا منع استدامتها على هذه الرواية، ونقلُ الفرض إلى النفل إنما منعه مَن منعه

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (7278)، وابن المنذر في «الأوسط» (1073)، والبيهقي في «الكبرى» (1/ 457).

(2)

في الأصل: «ظاهرًا» .

(3)

بياض في الأصل بقدر نحو أربع كلمات. وقد نبه كاتب النسخة على البياض.

(4)

في المطبوع: «أُلغي» ، والمثبت من الأصل.

ص: 253