الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه الخلال.
مسألة
(1)
: (الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته، إلا النجاسةَ المعفوَّ عنها كيسير الدم ونحوه)
.
الطهارة من النجاسة شرط في صحة الصلاة في الجملة، من غير خلاف نعلمه في المذهب. فلو صلَّى بالنجاسة عالمًا بها قادرًا على اجتنابها لم تصحَّ صلاته. وفي الجاهل بها والعاجز عن إزالتها، روايتان كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وكذلك قال بعض أصحابنا
(2)
: «يجب اجتناب النجاسة. وهل ذلك شرط في صحة الصلاة؟ على روايتين. أصحُّهما: أنه شرط. فمن صلَّى في موضع نجس حاملًا للنجاسة
(3)
، أو أصابها ببدنه أو ثوبه، عالمًا بها، قادرًا على اجتنابها، لم تصحَّ صلاته قولًا واحدًا؛ إلا [ص 135] النجاسةَ المعفوَّ عنها. وإن صلَّى في نجاسة بعلمه، ولم يمكنه اجتنابُها، أو علِمَها وأُنْسِيَها، أو لم يعلم بها إلا بعد الفراغ، فهل يلزمه الإعادة؟ على روايتين».
فصاحب هذه العبارة لا يسمِّيها شرطًا إذا قلنا: تسقط بالعجز والجهل والنسيان، كما لا تسمَّى واجباتُ الصلاة أركانًا إذا سقطت بالنسيان. وإنما يسمَّى شرطًا ما لا يسقط عمدًا ولا نسيانًا، كطهارة الحدث والسترة. وأكثر
(1)
«المستوعب» (1/ 165)، «المغني» (2/ 464 - 467، 478 - 485)، «الشرح الكبير» (3/ 279 - 289)، «الفروع» (2/ 91 - 104).
(2)
هو صاحب «المستوعب» (1/ 165).
(3)
ذكر الناسخ في الحاشية أن في أصله: «أو جاهلًا بالنجاسة» ، وفي هامشه:«صوابه حاملًا للنجاسة» ، وأنه أثبت كما في الهامش.
أصحابنا يسمُّونها شرطًا وإن قلنا: تسقط بالنسيان، كما عبَّر به الشيخ رحمه الله؛ كما أن استقبال القبلة شرط، وقد يسقط بالجهل؛ وكما تسقط سائر الشروط ببعض الأعذار. ولأن مخالفة هذا الشرط غيرَه من الشروط في بعض الأحكام لا يمنع اشتراكَها في أكثر الأحكام. وإنما سُمِّي الشرط شرطًا، لتقدُّمه على الصلاة، ووجوبه من حين الدخول فيها، كأشراط الساعة، وشروط الطلاق، وشرط الحمل، والشروط في العقود ونحو ذلك؛ سواء وجب في كلِّ حال، أو سقط في بعض الأحوال. وفي الجملة، فالخلاف في عبارة، لا في معنًى.
وإنما قلنا: إنَّ طهارة البدن من النجاسة شرطٌ للصلاة، لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«تنزَّهوا من البول، فإنَّ عامَّةَ عذاب القبر منه»
(1)
وقال: «إنهما لَيعذَّبان، وما يعذَّبان في كبير. أمَّا أحدهما فكان لا يستتر من البول»
(2)
.
وأمر في الاستنجاء بثلاثة أحجار، وقال:«إنها تُجزئ عنه»
(3)
. ونهى عن الاستنجاء بدون ثلاثة أحجار
(4)
. وهذا كلُّه دليل على أن إزالة النجاسة فرض.
وإنما قلنا بوجوب ذلك في الثياب أيضًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء:«حُتِّيه، ثم اغسليه، ثم صلِّي فيه»
(5)
. وقال في حديث النعلين: «فإن رأى
(1)
تقدم تخريجه
(2)
تقدم تخريجه.
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
أخرجه البخاري (227)،ومسلم (291).
فيهما خَبثًا فَلْيمسَحْه، ثم ليصلِّ فيهما»
(1)
.
فعلَّق إذنه في الصلاة في الثوب والنعل على إزالة النجاسة منه. وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رجلًا يسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: أصلِّي في الثوب الذي آتي فيه أهلي؟ قال: «نعم، إلا أن ترى فيه شيئا، فتغسله» ، رواه أحمد وابن ماجه
(2)
. فإنما أباح الصلاة فيه إذا رأى فيه نجاسة بعد غسله.
وإنما قلنا بوجوب طهارة المكان الذي يصلِّي فيه، لقوله سبحانه:{وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26]
(3)
. وهذه تعُمُّ تطهيرَه من النجاسة الحسِّيَّة، ومن الكفر والمعاصي والأصنام وغيرها. وقال تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} [التوبة: 28]، فعلَّل منعَهم منه بنجاستهم. فعُلِمَ أنَّ مواضع الصلاة يجب صونُها عن الأنجاس.
(1)
أخرجه أحمد (11877)، وأبو داود (650)، من طريق حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري به.
وصححه ابن خزيمة (786)، وابن حبان (2185)، والحاكم (1/ 391).
وقد اختلف على أبي نعامة في هذا الحديث وصلًا وإرسالًا، ورجح الموصول أبو حاتم، والدارقطني. انظر:«العلل» لابن أبي حاتم (2/ 226)، «العلل» للدارقطني (11/ 328).
(2)
أحمد (20825)، وابن ماجه (542)، من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة به.
صححه ابن حبان (2333)، ورجح أبو حاتم وقفه كما في «العلل» لابنه (2/ 506).
(3)
في الأصل: «والعاكفين والركع» وذلك في سورة البقرة: 125.
ولأن [ص 136] النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «جُعِلت لي كلُّ أرضٍ طيِّبةٍ مسجدًا وطهورًا» رواه الخطابي
(1)
بإسناد صحيح من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس. وقال ابن المنذر: ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
. والطيِّبة: هي الطاهرة. فلما اختصَّ الأرضَ الطيبة بالذكر دلَّ على اختصاصها بالحكم في كونها مسجدًا طهورًا. ولأنَّ الحكم المعلَّق بوصف مناسب دليلٌ على أنَّ ذلك الوصف علَّة له. فعُلِم أن طهارتها مؤثِّرة في كونها مسجدًا وطهورًا.
ولأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يصبُّوا على بول الأعرابي ذَنوبًا من ماء، وقال:«إن المساجد لا تصلح لشيء من هذا» . فدلَّ على وجوب تطهير موضع الصلاة، ووجوب تنزيهه من النجاسات. ولأنه نهى عن الصلاة في الأماكن التي هي مظنة النجاسات، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فالموضع الذي قد تحقَّق وصولُ النجاسة فيه أولى أن لا تجوز فيه الصلاة. والنهي يقتضي فسادَ المنهيِّ عنه، لا سيما إذا كان من العبادات، وكان النهي لمعنًى في المنهيِّ عنه.
وقد استدلَّ كثير من المتأخرين من أصحابنا وغيرهم على وجوب تطهير الثياب بقوله سبحانه: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4]، حملًا لذلك على ظاهر اللغة التي يعرفونها. فإنَّ الثياب هي الملابس، وتطهيرها بأن تُصان عن النجاسة وتُجَنَّبها بتقصيرها وتبعيدها منها، وبأن تُماطَ عنها النجاسة إذا أصابتها.
(1)
في «معالم السنن» (1/ 147).
(2)
وكذا في «شرح الزركشي» (1/ 352) و (2/ 30) ولم أجد قوله في «الأوسط» .
وقد نُقل هذا عن بعض السلف، لكنَّ جماهيرَ السلف فسَّروا هذه الآية بأن المراد: زكِّ نفسَك، وأصلِحْ عملَك. قالوا: وكنى بطهارة الثياب عن طهارة صاحبها من الأرجاس والآثام
(1)
.
وذلك أنَّ هذه الآية في أول سورة المدَّثِّر، وهي أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة اقرأ، ولعل الصلاة لم تكن فُرضت حينئذ فضلًا عن إحدى
(2)
الطهارتين التي هي من توابع الصلاة. ثم هذه الطهارة من فروع الشريعة وتتمَّاتها، فلا تُفرَض إلا بعد استقرار الأصول والقواعد، كسائر فروع الشريعة، إذ ذاك
(3)
لم تكن قد فرضت الأصول والقواعد. ثم إنَّ الاهتمام في أول الأمر بجُمَل الشرائع وكلِّيّاتها، دون الواحد من تفاصيلها، والجزء من جزئياتها، هو المعروف من طريقة القرآن، وهو الواجب في الحكمة.
ثم ثيابُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم تعرض لها نجاسة، إلا أن تكون في الأحيان، فتخصيصُها بالذكر دون طهارة البدن وغيره، مع قلَّة الحاجة وعدم الاختصاص بالحكم، في غاية البعد. وإذا حُملت الآية على الطهارة من الرِّجس والإثم والكذب والغدر [ص 137] والخيانة والفواحش كانت قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة. والكنايةُ بطهارة الثياب عن طهارة صاحبها من الفواحش والكذب والخيانة ونحو ذلك مشهورٌ في لسان العرب غالبٌ في عرفهم نظمًا ونثرًا، كما قال:
(1)
انظر: «تفسير الطبري» (23/ 405 - 410).
(2)
في الأصل والمطبوع: «أذى» ، وهو تحريف.
(3)
كذا في الأصل والمطبوع. ولعل كلمة سقطت من النص، كأن يكون:«إذ حينذاك» .
ثيابُ بني عوفٍ طَهارَى نقيَّةٌ
(1)
وقال الآخر:
وإنِّي بحمدِ الله لا ثوبَ غادر
…
لبِستُ ولا من خِزْيةٍ أتقنَّعُ
(2)
حتى إذا قيل: «فلان طاهر الثياب، طاهر الذيل» لم يُفهَم منه عند الإطلاق إلا ذلك. فيكون قد صار ذلك حقيقة عرفية، كما صار المجيءُ من الغائط حقيقةً في قضاء الحاجة، وكما صار مسيسُ النساء ومباشرتُهن حقيقةً في الجماع؛ فيجب حمل الكلام عليه. ولذلك وجهان:
أحدهما: أنَّ اللباس يضاف إليه من الحكم، ويُقصَد به الإضافة إلى الإنسان نفسه، للعلم بأن المقصود مَن في الثوب، لا نفسُ الثوب. ويُجعَل ذلك نوعًا من الكناية، كما قال الأنصار للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: لنمنعنَّك مما نمنَع منه أُزُرَنا
(3)
.
الثاني: أن يراد نفسُ تطهير الثوب، لكنَّ الطهارة في كتاب الله على
(1)
عجزه: وأوجُهُهم عند المشاهد غُرَّانُ
والبيت لامرئ القيس في «ديوانه» (ص 83). وقد استشهد به المصنف في «جامع المسائل» (4/ 225) أيضًا.
(2)
البيت لغيلان بن سلمة الثقفي. انظر: «تفسير الطبري» (23/ 405) و «غريب الحديث، لابن قتيبة (2/ 647) و «تهذيب اللغة» (6/ 172).
(3)
جزء من حديث طويل أخرجه أحمد (15798)، من طريق ابن إسحاق، حدثني معبد بن كعب بن مالك، عن أخيه عبيد الله، عن أبيه كعب بن مالك به.
قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 49): «رجال أحمد رجال الصحيح، غير ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع» .
قسمين: طهارة حِسِّيّة من الأعيان النجسة ومن أسباب الحدث المعلومة، وطهارة عقلية من الأعمال الخبيثة.
فالأول كقوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}
(1)
[التوبة: 108]، نزلت في أهل قباء لما كانوا يستنجُون من البول والغائط
(2)
. وقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
والثاني: كقوله سبحانه: {إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ} [المجادلة: 12]، وقوله تعالى:{صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]، وقوله تعالى:{أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56]، في غير موضع، وقوله سبحانه وتعالى:{هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78]، وقوله:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]، وقال:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28]، وقال:{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53]، إلى غير ذلك من الآيات.
وإذا كان كذلك، فالثوبُ نفسه يكتسب صفة حقيقية من لابسه إن كان صالحًا أو فاسقًا، حتى يظهر ذلك فيه إذا قوي تأثير صاحبه فيه، ويظهر ذلك في مواضع الخير ومواضع الشرّ. ولأجل الارتباط الذي بين اللباس والمقعد
وبين صاحبهما أُمِر بتطهيرهما من النجاسة. وكانت طهارة الخفَّين طهارة للقدمين. [ص 138] واستُحِبَّ تكريمُ البقاع والثياب التي عُملت فيها الصالحات، حتَّى أعدَّ سعد رضي الله عنه جُبَّته التي شهد فيها بدرًا كفنًا
(1)
، واستوهب بعضُ أزواج النبيِّ صلى الله عليه وسلم منه بردةً لتتخذها كفنًا
(2)
.
وهذا كثير. فالأمرُ بتطهير عينه من الأنجاس أمرٌ بطهارة صاحبه بالضرورة.
والأشبه ــ والله أعلم ــ أنَّ الآية تعُمَّ نوعَي الطهارة، وتشمل هذا كلَّه، فيكون مأمورًا بتطهير الثياب المتضمِّنة تطهيرَ البدن والنفس من كلِّ ما يستقذر شرعًا من الأعيان والأخلاق والأعمال، لأنَّ تطهيرها أن تجعل طاهرة، ومتى اتصل بها وبصاحبها شيء من النجاسة لم تكن مطهَّرة على الإطلاق؛ فإنَّها متى أزيل عنها نجسٌ دون نجس لم تكن قد طهرت، حتَّى يُزال عنها كلُّ نجس. بل كلُّ ما أمر الله باجتنابه من الأرجاس وجب التطهيرُ منه، وهو داخل في عموم هذا الخطاب.
يبيِّن ذلك أنَّ الطهارةَ من الخمر والبول والدم ونحو ذلك هي من تتمة الطهارة من أكلها وشربها، وتكميلٌ لذلك المقصود، وتحقيقٌ للتنزُّه من الأرجاس بكلِّ طريق. وإنما حرَّم الله سبحانه مباشرة هذه الأعيان الرجسة، كما حرَّم ممازجتها بالأكل والشرب؛ لما فيها من الخبث. وحرَّم مباشرتها بالثياب قطعًا لملابستها بكلِّ طريق، ومبالغةً في اجتنابها. وعلى هذه، فالحجة من الآية اندراج هذه الطهارة في العموم، وبذلك تندفع تلك
(1)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (1/ 143)، والحاكم (3/ 567).
(2)
لم أقف عليه.
الأسئلة
(1)
.
فإن قيل: فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي عند الكعبة، وجمع قريش في مجالسهم، إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي
(2)
؟ أيُّكم يقوم إلى جزور آل فلان، فيعمد إلى فرثها ودمها وسَلاها، فيجيء به، ثم يُمهله، حتَّى إذا سجَد وضَعه بين كتفيه! فانبعث أشقاهم
(3)
، فلما سجد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه. فاستضحكوا، وجعل بعضُهم يَميل على بعض، وأنا قائم أنظر، لو كانت لي منعةٌ طرحتُه عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم ساجد، ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان، فأخبر فاطمةَ، فجاءت ــ وهي جويرية ــ فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تسبُّهم. فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دعا عليهم. وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا. ثم قال:«اللهم عليك بقريش!» ثلاثَ مرَّات. فلما سمعوا صوته ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته. ثم قال:«اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة [ص 139] بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» وذكر السابع، ولم أحفظه. قال: فوالذي بعث محمَّدًا بالحقِّ، لقد رأيتُهم صرعَى قد غيَّرتهم الشمس. وكان يوما حارًّا. متفق عليه
(4)
. فهذا يدل ظاهره على أن اجتناب النجاسة لا يشترط لصحة الصلاة.
(1)
رسمها في الأصل: «أسؤلة» ، بالواو مع علامة الهمزة فوقها.
(2)
في المطبوع: «المرء» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(3)
هو عقبة بن أبي معيط كما في «صحيح مسلم» .
(4)
البخاري (240، 520)، ومسلم (1794).
قلنا: قد قال بعض أصحابنا: هذا منسوخ، لأنه كان بمكة في أول الأمر. ولعل الصلوات الخمس لم تكن فُرضت حينئذ، وفرضُ الطهارة إنما نزل بالمدينة.
وأيضًا فإنَّ الحكم بنجاسة الدم ونجاسة ذبائح المشركين إنما عُلِمَ لمَّا حُرِّمت الميتة والدم ولحم الخنزير، ولعل هذا التحريم لم يكن نزل بعدُ.
وقيل: لعل النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يعلم ما وضعوا على ظهره حتى قضى صلاته. والنجاسة إذا لم يُعلَم بها لم تُبطِل. ثم إنه لم يطل الفصل، لأن فاطمة جاءت، فألقتها عن ظهره، وأقبلت عليهم تسبُّهم. فقد عُلِم أنهم ألقوا على ظهره شيئًا، لكن لم يدر ما هو، وأُلقي عنه ــ بأبي هو وأمي ــ ولم يدر ما هو.
وقيل: هذا يقتضي طهارة الموضوع فوق ظهره، فيفيد أنَّ فرث الإبل طاهر. و [أمَّا]
(1)
الدم، فإنه كان دمًا يسيرًا معفوًّا عنه، لأنَّ الذي يعلق بالسَّلا من الدم لا يكون كثيرًا في العادة. وأمَّا السَّلا نفسه فإنه كان من ذبيحة المشركين، لكن لم يكن قد حُرِّم أكلُ ذبائحهم وحُكِمَ بنجاستها، فإنَّ المسلمين الذين كانوا بين ظهرانيهم إنما كانوا يأكلون من ذبائحهم. وإنما حُرِّم الميتة وما أُهِلَّ لغير الله به. ثم إنه فيما بعدُ حُرِّم اللحمُ، وحُكم بنجاسته، لكونه من ذبيحة غير مسلم ولا كتابيٍّ بمنزلة الميتة. والفرثُ نفسه لم يتغيَّر حكمه؛ لأنه لا يموت، وإنما هو كاللبن، فبقي على حاله. وهذا الوجه أقرب من غيره.
(1)
زيادة منِّي.
فصل
ويجب اجتنابُ حملِ النجاسة، وملاقاتِها بشيء من بدنه أو ثيابه، وحملِ ما يلاقيها. فلو كان موضعُ قدميه أو ركبته أو جبهته في السجود نجسًا لم تصحَّ صلاته من أجل الملاقاة. وكذلك لو لاقى ثوبه نجاسةً في حال قيامه أو سجوده.
وقال ابن عقيل: إن لاقى ثوبه نجاسةً يابسةً على ثوب إنسان في حال القيام لم تبطل صلاته، لأنه ليس بمعتمد على النجاسة، ولا هي تابعة له، فأشبه النجاسةَ على طرف الحصير. قال: وإن كان ثوبه يسقط عليها حال السجود، فوجهان؛ لأن ثوبه هنا معتمد عليها، وليس بمستتبع لها
(1)
.
ووجه الأول: أنَّ
(2)
مجرَّدَ ملاقاةِ ما هو حامل له
(3)
للنجاسة مبطِل، بدليل ملاقاة الحائط النجس والأرض النجسة.
ولو وقعت عليه نجاسة، فأزالها في الحال، لم تبطل صلاته في المشهور؛ [ص 140] لأنَّ زمن ذلك يسير، وقد حصل بغير اختياره، فأشبه انكشافَ العورة في الزمن اليسير. وإن احتاجت إلى زمن كثير أو فصل طويل، فينبغي أن يكون كمن سبقه الحدث وأولى بالبناء.
ولو حمل قارورةً فيها نجاسة بطلت صلاته، وإن كانت مشدودة الرأس.
ولو حمل شيئًا من الحيونات الطاهرة كالصبي ونحوه، كما حمل النبيُّ
(1)
انظر قول ابن عقيل في «شرح الزركشي» (2/ 31).
(2)
في الأصل والمطبوع: «لأن» ، وهو تحريف، ولعل اللام المزيدة هي لام «الأول» .
(3)
كذا في الأصل والمطبوع، ولعل «له» مقحمة.
- صلى الله عليه وسلم أمامة ابنة أبي العاص، وكما كان الحسن يرتحله
(1)
= لم تبطل صلاته، وإن كان في جوفه نجاسة من الدم والخمر ونحو ذلك؛ لأن النجاسة هنا مستورة بأصل الخلقة. وما هذا سبيله من النجاسات فلا حكم له، بخلاف ما في القارورة.
نعم في البيضة التي فيها فَرُّوج ميِّت وجهان، لأنه من حيث هو مستور بأصل الخلقة يُشبه الدم في الحيوان الطاهر، ومن حيث هو مستتر بها
(2)
يُشبه القارورة. والأظهر أنه كالقارورة، لأنَّ البيضة لم تكن محلًّا للرطوبات، وإنما عرَض لها ذلك، بخلاف باطن الحيوان. ولأنَّ القياس اجتناب جميع النجاسات الظاهرة والباطنة، لكنَّ ما في باطن الحيوان تابع للظاهر
(3)
، وفي إخراجه عنه مشقَّة، بخلاف ما في البيضة، فإنه هو المتبوع، ولا مشقَّة في إخراجه منه.
فصل
وأمَّا النجاسةُ المعفوُّ عنها، فقد تقدَّم ذكرها قدرًا ونوعًا. والضابط لها في الغالب أن تكون مما يشقُّ الاحتراز منه مشقَّةً عامَّةً، كالدم وما تولَّد منه، وكأثر الاستنجاء؛ فيعفو الشرع عن قليله رفعًا للحرج، وإرادةً لليسر دون
(1)
أخرجه أحمد (16033)، والنسائي (1141)، من طريق عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن عبد الله بن شداد، عن أبيه به.
صححه الحاكم (3/ 181)، وقال الذهبي في «التلخيص»:«إسناده جيد» ، وصححه الألباني في «أصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم» (2/ 772).
(2)
رسمها في الأصل يشبه «كما» . وهي ساقطة من المطبوع.
(3)
في الأصل والمطبوع: «للطاهر» .
العسر. أو أن تكون مما يخِفُّ
(1)
تنجيسه، لشبهه بالطاهرات من بعض الوجوه المعتبرة كالمذي، أو للخلاف في نجاسته إن جعلنا هذا مؤثِّرًا كالنبيذ ونحوه.
وأمَّا الكثير فلا يعفى عنه، لأنه لا حرج في الاحتراز منه، وقد بلغ بكثرته وقدره ما يبلغ غيره بجنسه ونوعه. وسواء كان في موضع واحد أو موضعين من البدن أو الثوب أو المصلَّى؛ فإنَّ المفترق يُجمَع. فإن كان مجموعه كثيرًا أبطَلَ وإلَّا فلا، إن كان في محلٍّ متصل.
فإن كان في محلَّين منفصلين، مثل ثوبين، أو ثوب وبدن، أو ثوب ومصلًّى= ضُمّ أحدهما إلى الآخر في أحد الوجهين، اختاره ابن عقيل؛ لأنه صلَّى ومعه دم كثير، فأشبه ما في الثوب الواحد. وفي الآخر: لا يُضَمُّ، لأنَّ ذلك أقلُّ فحشًا، وأشقُّ غسلًا من الثوب الواحد، ففي إيجاب غسله عكسٌ لمقصود الرخصة.
فصل
وإذا بسط على نجاسة شيئًا طاهرًا أو طيَّنها كُرهت الصلاة عليه [ص 141]، وصحَّت في أشهر الروايتين. وفي الأخرى: لا تصح. هكذا حكاهما جماعة.
وقال ابن أبي موسى
(2)
وغيره: من بسط على بول لم يجفَّ أو على غائط رطب حصيرًا لم تُجْزِئه الصلاة. فإن كانت الأرض قد جفَّت من البول،
(1)
في الأصل والمطبوع: «يخفف» .
(2)
في «الإرشاد» (ص 83).
فبسَط عليه حصيرًا، وصلَّى عليه، أجزأه. قال: ولو طيَّن مسجدًا بطين فيه تِبْنٌ
(1)
قد بالت عليه الحمير الأهلية لم يصلِّ فيه حتى يقلع الطينَ منه. وكذلك لو كبَس أرضَه
(2)
بتراب نجس لم يصلِّ فيه حتى يُزالَ ذلك التراب منه.
وعلى هذا فإنه يفرَّق بين أن تكون النجاسة متصلةً بالمصلَّى الذي يصلي عليه، تابعةً له، وبين أن تكون منفصلةً عنه، لكنه ملاقية. وهذا أشبه بمنصوص أحمد، فإنه قال
(3)
: إذا لم تعلَق نجاسة بالثوب يصلِّي. وقال في المسجد المحشُوِّ بالقذر إذا فرش عليه الطوابيق والآجُرّ
(4)
: لا يصلِّي فيه إلا أن يخرج عنه. وذلك لما روي عن ابن سيرين أنه سئل عن المسجد، يعني: على مكان نجس، فقال: مرَّ ابن مسعود على قوم يكبِسون مسجدهم بروث أو قذَر، فنهاهم عن ذلك. رواه سعيد
(5)
.
ومن قال بالمنع مطلقًا قال: لأنَّ المقرَّ شرط لصحة الصلاة، فتشرط طهارته كالثوب.
(1)
في الأصل والمطبوع: «تراب» ، والمثبت من «الإرشاد» .
(2)
يعني: ردمها. وفي «الإرشاد» : «فرشت» ، وذكر محققه أن الكلمة غير واضحة في الأصل. فهذا صوابها.
(3)
في رواية الكوسج (2/ 740) وصالح، كما في الروايتين (1/ 157) و «المستوعب» (1/ 166).
(4)
في «مسائل ابن هانئ» (1/ 68).
(5)
لم أقف عليه، وعلق أحمد كراهة ذلك عن ابن مسعود دون إسناد في «مسائل ابن هانئ» (1/ 68).
ولو كان في السُّفل نجاسة صحت الصلاة في العُلْو، قولًا واحدًا من غير كراهة، لأنه ليس بمستقرٍّ له، بدليل أنه لو كان السُّفل مغصوبًا والعلو مباحًا صحَّت الصلاة في العلو. ولو كان ما تحت البساط المباح والطين المباح مغصوبًا لم تصح الصلاة. قال بعض أصحابنا: لأن باطن المسجد يجب صيانته عن النجاسة كظاهره. ولو لم يمنع الصحة لما وجب ذلك، كما لو كان المسجد فوق بيت لإنسان، فإنه لا يلزمه صونُه عن النجاسة. ولذلك جوَّز أحمد بناء المسجد فوق المَطْهَرة
(1)
.
واحتجَّ أصحابنا للأول بما ذكره أحمد
(2)
عن أبي موسى أنه صلَّى على الروث والنتن، وصلَّى والبرِّيَّة إلى جانبه، وقال: هذا وذاك سواء. وفي لفظ رواه سعيد: أنه صلَّى في سِكَّة المِربد على الروث والنتن، والبرية إلى جانبه، فقيل له:[لو]
(3)
صلَّيتَ في البرية! فقال: هذا وذاك سواء. والحجة بهذا مبنيَّة على أنه فرَشَ على ذلك الروث شيئًا، وصلَّى عليه؛ وإلا فقد يكون من روث ما يؤكل لحمُه. وعلى قول ابن أبي موسى، فإنه يؤخذ بهذا، وبقول ابن مسعود.
واحتجُّوا بأنه قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يصلِّي على حماره، وهو متوجه إلى خيبر. رواه مسلم
(4)
. وهذا حجة على من يقول بنجاسة الحمار،
(1)
يعني: الكنيف.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (7837).
(3)
ساقطة من الأصل، واقترح زيادتها كاتب النسخة.
(4)
من حديث ابن عمر (700).
ويسوِّي بينه وبين الأرض. [ص 142] وأمَّا من لم يقل بنجاسة الحمار [أو فرَّق]
(1)
بين الدوابِّ وغيرها، فلا حجَّة عليه فيه، إن صح قوله ذلك.
وأيضًا فإنه لم يحمل النجاسة ولم يلاقها، فأشبَه من صلَّى على سرير تحته نجاسة، أو في بقعة طاهرة متصلة بنجاسة. وكونُه شرطًا للصحة من أجل الاستقرار لا يقتضي وجوبَ طهارته كمحلِّ السرير.
وأما باطن المسجد، فيصان عن النجاسة كهوائه؛ على أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«البصاق في المسجد خطيئةٌ، وكفارتُها دَفْنُها»
(2)
. وكان أصحاب النبي يدفنون القَمْلَ في المسجد
(3)
. فعُلِم أن باطنه ليس كظاهره من كلِّ وجه.
ولو صلَّى على فراش، في حشوها وبطانتها نجاسة، أو على بساط في باطنه نجاسةٌ لم تنفذ إلى ظاهره، أو على طابق طاهر الظاهر نجس الباطن= فهو كمن فرَش طاهرًا على نجس على هذه الطريقة. وعلى ما ذكره ابن أبي موسى لا يصلِّي على هذا المصلَّى، مع الصلاة على المفروش على المكان النجس اليابس.
فصل
وإذا صلَّى على حبل أو منديل في طرفه نجاسة صحَّت صلاته في المنصوص. وقال بعض أصحابنا: إن كانت النجاسة تتحرَّك بحركته لم تصحَّ صلاته، لأنه يصير مستصحبًا
(4)
لها.
(1)
في موضعه بياض في الأصل. وانظر (ص 538).
(2)
أخرجه البخاري (415) ومسلم (552).
(3)
تقدم تخريجه في كتاب الطهارة.
(4)
في الأصل: «مستعملًا» ، وفي هامشه:«كذا» . ولعله تحريف ما أثبت، وسيأتي مرة أخرى بعد قليل. وفي المطبوع:«مستتبعًا» .
ووجه الأول: أنه لم يحمل النجاسة، ولم يلاقِها، ولم يحمل ما يلاقيها= فأشبه ما لو صلَّى في بقعة طاهرة من بيت في جانبه نجاسة.
فإن كان يحاذيها بصدره إذا ركع أو إذا سجد، ولم تلاقها ثيابه، صحَّت أيضًا في المشهور. وفي وجه مخرَّج: أنها لا تصح، كما لو صلَّى على مدفن النجاسة على الرواية المتقدمة.
ووجه الأول: أن ما يحاذي الصدر لا يُعتبَر استقرارهُ، بدليل ما لو كان رَوزنةً
(1)
أو حُفرةً؛ بخلاف مساجد الأعضاء السبعة، فإنَّ استقرارها معتبر حتى لو وضعها على قطن منتفش ونحوه. فلذلك اعتبرت طهارتها واشترطت في رواية.
فإن كان المنديل أو الحبل متعلِّقًا به في يده أو وسطه أو نحو ذلك، بحيث يتبعه إذا مشى لم تصحَّ صلاته، سواء تحرَّكت النجاسة بحركته في الصلاة أو لم تتحرَّك؛ لأن النجاسة إذا انتقلت لانتقاله كان مستصحبًا لها، وبمنزلة الحامل لها، فأشبَه ما لو كانت على ذيل قميصه الطويل، أو طرف عمامته المحلولة. وسواء كان النجس يتبع باختياره كالحيوان من الكلب ونحوه، أو ليس له اختيار كالسفينة الصغيرة
(2)
والثوب النجس ونحو ذلك. فلو صلَّى ومِقوَدُ الكلب بيده لم تصح صلاته. وكذلك إن كان بيده مِقوَد
(1)
الرَّوزَنة: الكوَّة النافذة، فارسي معرب.
(2)
في المطبوع: «كالسفيه الصغير» . وكذا في الأصل ولكن نبَّه ناسخه في الحاشية بقوله: «لعله: كالسفينة الصغيرة» . وهو كما قال. انظر: «المستوعب» (1/ 167) و «المغني» (2/ 467).
بغل أو حمار إذا قلنا: [ص 143] هو نجس. ويتوجَّه الفرق بين ما يتبع بإرادته وبين الجامد.
وعلى المعروف في المذهب، لو لم يكن له مَن يمسك بغله أو حماره، ولا يمكن ضبطه إلا بإمساكه، فينبغي أن يكون بمنزلة العاجز عن إزالة النجاسة، لأن اجتناب النجاسة هنا لا يمكن إلا بضياع ماله، فلم يجب؛ كما لو لم يمكنه الذهاب إلى الماء إلا بالخوف على ماله، أو كانت عليه نجاسة ولا يمكنه غسلها إلا بالخوف على ماله، وأولى.
ولو كان الحبل المعلَّق به واقعًا على نجاسة يابسة لم تصحَّ صلاته، لأنه حامل لما يلاقي النجاسة، فأشبه ما لو ألقى عليها طرفَ ثوبه أو كمّه.
وإن كان الحبل مشدودًا في شيء لا ينجرُّ بجرِّه ومشيه، كحمل ميِّت أو حيوان نجس لا يتبعه إذا مشى، ولا يقدر على جرِّه إذا استعصى عليه، كالفيل أو سفينة كبيرة فيها نجاسة، أو ظرف كبير مملوء خمرًا= فإن كان طرف الحبل متصلًا بموضع نجس كمسألة الميتة ونحوها لم تصحَّ صلاته. وإن لم يكن متصلًا بموضع نجس صحَّت كمسألة السفينة والظرف، لأنَّ هذا ليس حاملًا للنجاسة، ولا مستصحبًا لها، وإنما هو حامل للحبل، فإذا كان ملاقيًا للنجاسة كان كما لو لاقاها ثوبه أو كمُّه، بخلاف ما إذا لاقى محلًّا طاهرًا متصلًا بنجس.
ومن أصحابنا من قال: لا فرق بين أن يكون المحلُّ متصلًا بموضع
(1)
طاهر أو نجس، فلا تبطل صلاته فيهما إلا إذا كان ينجرَّ معه، لأنه لا يقدر
(1)
في الأصل: «لموضع» ، والتصحيح من حاشية ناسخه.