الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: (فإن سمع الإقامةَ لم يَسْعَ إليها)
.
قد تقدَّمت هذه المسألة
(1)
.
مسألة
(2)
: (إذا أقيمت الصلاةُ فلا صلاةَ [ص 238] إلا المكتوبة).
وجملة ذلك أنه إذا شرع المؤذِّنُ في الإقامة فلا يشتغِلْ عن المكتوبة بتطوُّعٍ، سواء خشي أن تفوته مع الإمام الركعة أو لم يخشَ، وسواء كان التطوع سنة راتبة أو غير راتبة، وسواء في ذلك ركعتا الفجر وغيرهما، وسواء كان يريد أن يصلِّي التطوع في بيته أو في المسجد؛ إلَّا أن يكون يريد أن يصلِّي في مسجد آخر أو جماعة أخرى حيث يُشرَع ذلك. وصرَّح بعض أصحابنا بأنَّ ذلك لا يجوز. فإن خالف وصلَّى ففي انعقاد صلاته وجهان.
وذلك لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أقيمت الصلاةُ فلا صلاةَ إلا المكتوبة» رواه الجماعة إلا البخاري
(3)
. وفي رواية لأحمد
(4)
: «إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت» .
وعن عبد الله بن بُحَينة أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا ــ وقد أقيمت الصلاةُ ــ يصلِّي ركعتين. فلما انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لاث به الناس. فقال له
(1)
قبل المسألة السابقة.
(2)
«المستوعب» (1/ 221)، «المغني» (2/ 119 - 121)، «الشرح الكبير» (4/ 288 - 290)، «الفروع» (2/ 23).
(3)
أحمد (9873)، ومسلم (710)، وأبو داود (1266)، والترمذي (421)، والنسائي (865)، وابن ماجه (1151).
(4)
برقم (8623).
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آلصبحَ أربعًا! آلصبحَ أربعًا!» متفق عليه
(1)
.
وعن عبد الله بن سَرْجِس قال: دخل رجلٌ ــ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الغداة ــ فصلَّى ركعتين في جانب المسجد، ثم دخل مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم. فلمَّا سلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «يا فلان، بأيِّ
(2)
الصلاتين اعتددت؟ أبصلاتك وحدك أو صلاتك معنا؟» رواه مسلم والنسائي وأبو داود وابن ماجه
(3)
.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقيمت صلاة الصبح، فقام رجلٌ يصلِّي الركعتين. فجذَب النبيُّ صلى الله عليه وسلم بثوبه وقال:«أتصلِّي الصبح أربعًا!» رواه أحمد
(4)
.
وذلك لأنَّ المؤذِّن إذا أخذ في الإقامة فقد وجب الدخول في الصلاة معه، ولأنَّ الجماعة واجبة، فلا يجوز أن يشتغل عن ذلك بما هو دونه، لأنَّه مِن أخْذِه
(5)
في الإقامة تعيَّن وقتُ فعلِ الصلاة، لأنَّ الوقتَ الذي تُفعَل فيه الصلاة من وقتها المحدود شرعًا الذي أجيزت فيه الصلاة، ليس هو موقَّتًا من جهة الشارع، وإنما هو مفوَّض إلى الإمام. فهو الذي يعيِّن الوقت الذي يصلِّي فيه الناسُ بتعيينه، وتتقدَّر
(6)
صلاة المأمومين بتقديره، ولهذا كان
(1)
البخاري (663) ومسلم (711).
(2)
في الأصل والمطبوع: «أي الصلاتين» . والمثبت من «صحيح مسلم» . وسيأتي بلفظ: «بأيِّ صلاةٍ» .
(3)
مسلم (712)، والنسائي (868)، وأبو داود (1265)، وابن ماجه (1152).
(4)
برقم (2130). صححه ابن حبان (2469)، والحاكم (1/ 451)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/ 5):«رجاله رجال الصحيح» .
(5)
في الأصل: «من أخذ» ، والتصحيح من المطبوع.
(6)
في الأصل «تتقدير» ، والمثبت من تعليق الناسخ. وفي المطبوع:«تقدر» .
الإمام أملك بالإقامة. فإذا أقيمت الصلاة فقد دخل الوقت الذي عيَّنه الإمام، وهو وقت مضيَّق، لأنه حينَ فعلِ الصلاة لا يمكن الاشتغال بعبادة أخرى. فأيُّما صلاةٍ صُلِّيت بعد الإقامة كانت كأنها هي الصلاة المأمور بها المشروعة حينئذ، لأنَّ ذلك الوقت لا يتسعُ لغير ما أُمِرَ به. فمن صلَّى بعد ذلك غيرَ المكتوبة، فكأنه زاد في المكتوبة، أو صلَّاها مرَّتين. ولهذا ــ والله أعلم ــ أشار صلى الله [ص 239] عليه وسلم بقوله:«آلصبحَ أربعًا؟» وبقوله: «بأيِّ صلاةٍ اعتددتَ؟ بصلاتك وحدك، أو بصلاتك معنا؟» ، إذ لا صلاة بعد الإقامة إلا ما دعي إليه بالإقامة.
وأيضًا فإنَّ السنن يمكن أن تفعل بعد الفريضة قضاءً؛ وما يفوته من إدراك حدِّ الصلاة، وما يفوته من الصلاة خلف الإمام ولو بعد ركعة جماعة، لا يُستدرَك بالقضاء. فكانت المحافظة على ما لا يُستدرَك أولى من المحافظة على ما يمكن استدراكه.
ولأنَّ ما يدركه من تكبيرة الافتتاح والتأمين والركوع أفضل من جميع التطوعات، لما ورد في فضل من أدرك حدَّ الصلاة، ومن أدرك التأمين مع الإمام.
ولأنَّ الاشتغال بإجابة المؤذن أولى من الاشتغال بالنافلة على ما تقدَّم، لكون ذلك وقت الإجابة. فلأن يكون الاشتغالُ بما دعي إليه أولى من النافلة بطريق الأَولى.
فان كان قد شرَع في النافلة، وأقيمت الصلاة، أتمَّها إن رجا إتمامَها وإدراكَ الجماعة. وإن خشي إذا أتمَّها أن تفوته الجماعة قطعها في إحدى الروايتين، لأنَّ الفرائض أهمُّ؛ فإنَّ الجماعة واجبة، وإتمام النافلة ليس