الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
معَ
(1)
ضيق الوقت وسعته
(2)
.
ومسائل هذا الباب منقسمة إلى ما يُرجَّح فيه الوقت والى ما يرجَّح
(3)
فيه السبب أي الشرط، كما يُذكَر مفصَّلًا في موضعه
(4)
.
[222/ب]
مسألة
(5)
: (فإنْ ترَكها تهاونًا استُتيب ثلاثًا. فإن تاب وإلّا قُتِل)
.
أمَّا تركُ الصلاة في الجملة، فإنه يُوجِب القتل من غير خلاف، لأن الله تعالى قال:{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} إلى قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، فأمر بالقتل مطلقًا، واستثنى منه ما إذا تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فمن لم يفعل ذلك بقي على العموم. ولأنه علَّق تخليةَ السبيل على ثلاثة شروط، والحكمُ المعلَّقُ بشرط عدمٌ
(6)
عند عدمه. ولأن الحكم المعلَّق بسببٍ بحرف «إنْ»
(7)
يدل على أنَّ ذلك السبب علَّة له، فإذا كان علَّة التخلية هذه الأشياء الثلاثة لم يجُز أن يُخلَّى سبيلهم دونها.
(1)
«مع» ساقط من الأصل.
(2)
وانظر: «مجموع الفتاوى» (22/ 57 - 59) و «اختيارات ابن اللحام» (ص 33).
(3)
في المطبوع هنا وفيما سبق: «ترجَّح» .
(4)
العبارة «ومسائل
…
موضعه» وردت في الأصل في غير محلها، كما سبق قريبًا.
(5)
«المستوعب» (1/ 142 - 144)، «المغني» (3/ 351 - 359)، «الشرح الكبير» (3/ 28 - 41)، «الفروع» (1/ 417 - 423).
(6)
غيَّره في المطبوع إلى «ينعدم» دون حاجة ولا تنبيه.
(7)
في المطبوع: «بسبب عُرِف أنه» ، تحريف.
ولا يجوز أن يقال: إقامة الصلاة هنا، المراد به: التزامها، فإن تخليتهم بعد الالتزام وقبل الفعل واجبة. لأنَّا نقول: المراد به التزامها وفعلها، لأن إقامة الصلاة وإيتاء
(1)
الزكاة حقيقة الفعل، والالتزام إنما يراد له فإذا التزموا ذلك خليناهم تخلية مراعاة، فإن وفَوا بما التزموا، وإلا أخذناهم وقتلناهم. وإنما خلَّيناهم بنفس الالتزام لأنه أول أسباب الفعل، كما يُخلَّى من أراد الوضوء والطهارة؛ فإن تمَّ
(2)
الفعلُ وإلا أُخِذوا
(3)
. [223/أ] وحتى لو قيل: فإن فعلوا الصلاة فخَلُّوا سبيلَهم، وإن لم يفعلوها فاقتلوهم؛ ثم قالوا
(4)
: نحن نفعل
(5)
لوجَبَ
(6)
تخلية سبيلهم، كما في آية الجزية فإنه مدَّ قتالهم إلى حين الإعطاء. فإذا التزموا الإعطاء فهو أول الأسباب بمنزلة الشروع في الفعل، فإن حقَّقوا ذلك وإلَّا قتلناهم.
ولأنه لو كان المراد مجرد الالتزام وإن عَرِي
(7)
عن الفعل لم يكن بين الصلاة والزكاة وغيرهما فرق؛ إذ من لم يلتزم جميعَ شرائع
(8)
الإسلام فإنه
(1)
في الأصل: «اتيان» .
(2)
في المطبوع: «أتمَّ» ، والمثبت من النسختين.
(3)
في الأصل: «واحنى» ، والمثبت من (ف). وفي المطبوع:«أخذ» .
(4)
في الأصل والمطبوع: «قال» .
(5)
أثبت في المطبوع: «ألتزم» بين قوسين، ونبَّه في الحاشية على عدم وجوده في الأصل، ولكن لم يشر إلى ما فيه بدلًا منه.
(6)
في الأصل: «لو بجبب» بالإهمال، وكأنه تصحيف «لوجبت». وفي المطبوع:«لم يجب» . والمثبت من (ف).
(7)
في (ف): «يعرى» .
(8)
«شرائع» ساقط من الأصل.
يُقاتَل. وأيضًا فإنَّ الالتزام قد يحصل بقوله
(1)
: {فَإِنْ تَابُوا} فإن التائب من الكفر لا يكون تائبًا حتى يُقِرَّ بجميع ما جاء به الرسول ويلتزمَه
(2)
.
ولأنَّ الالتزام إن أريد به اعتقادُ الوجوب والإقرارُ به، فليس في اللفظ ما يدل على أنه
(3)
المراد وحده. فإن أريد بذلك
(4)
الفعلُ والوعدُ به، فهذا لا يجب إلا إذا وجب قتلهم بالترك، وإلا فلو كان قتلُهم بالترك غيرَ واجب، وقالوا: نحن نعتقد الوجوب ولا نفعل، لحَرُم قتلُهم، وهذا خلاف الآية.
وأيضًا مما هو دليلٌ في المسألة وتفسيرٌ للآية: ما أخرجاه في «الصحيحين»
(5)
عن عبد الله بن عمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرتُ أن أقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصَموا منِّي دماءهم وأموالهم، إلا بحقِّ [223/ب] الإسلام، وحسابُهم على الله» . وليس في لفظ مسلم «إلا بحقِّ الإسلام» .
وعن أنس بن مالك قال: لما توفِّي النبيُّ صلى الله عليه وسلم ارتدَّت العرب، فقال عمر: يا أبا بكر كيف تقاتل العربَ؟ فقال أبو بكر: إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أن أقاتل الناسَ حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأنِّي رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة» رواه النسائي
(6)
.
(1)
في المطبوع: «لا يحصل بقوله» ، زاد «لا» دون تنبيه. وفي (ف):«قد حصل» .
(2)
الأصل: «يلزمه» ، والمثبت من (ف). وكذا في المطبوع.
(3)
في (ف): «أن» . وفي الأصل: «على المراد» .
(4)
في (ف): «بدل» . وفي المطبوع: «وإن أريد به» خلافًا للأصل.
(5)
البخاري (25) ومسلم (22).
(6)
برقم (3043)، وأخرجه ابن خزيمة (2247)، كلاهما من طريق عمران القطان، عن معمر، عن الزهري، عن أنس به.
قال النسائي: «عمران القطان ليس بالقوي في الحديث، وهذا الحديث خطأ، والذي قبله الصواب، حديث الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أبي هريرة» ، وبمثله أعل الحديث أبو حاتم وأبو زرعة في «العلل» لابن أبي حاتم (5/ 225 - 226)، وانظر:«جامع العلوم والحكم» (1/ 232 - 233). وحديث أبي هريرة الذي استصوبه الحفّاظ سيأتي بعد قليل.
فهذا يدلُّ على أنَّ القتال مأمورٌ به إلى أن يوجد فعلُ الصلاة والزكاة، إذ لو كان مجرَّدُ الاعتقاد كافيًا لاكتُفي بشهادة أنَّ محمدًا رسول الله، فإنها تنتظم تصديقَه
(1)
بجميع
(2)
ما جاء به، ولم يكن لتخصيص الصلاة والزكاة بالاعتقاد دون غيرهما معنًى. ثم قوله:«فإذا فعلوا ذلك عصَموا منِّي دماءَهم وأموالَهم» دليلٌ على أن العصمة لا تثبت إلا بنفس إقام الصلاة وإيتاء الزكاة مع الشهادتين.
ثم فهم أبو بكر رضي الله عنه
(3)
منه حقيقة الإيتاء
(4)
بموافقة الصحابة له على ذلك، حتى قال:«لو منعوني عِقالًا ــ أو: عَناقًا ــ كانوا يؤدُّونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لَقاتلتُهم على منعها»
(5)
. ولم يقل: «على جَحدِها» وتعميمُه مَن منَعها جاحدًا أو معترفًا دليلٌ على أنَّ الفعل مراد.
فإن قيل: فقد روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُمِرتُ أن أقاتل الناسَ حتى يقولوا لا اله إلا الله، فإذا قالوها عصَموا منِّي دماءهم وأموالهم إلا
(1)
في (ف): «بتصديقه» ، وفي المطبوع:«بصدقه» ، تصحيف.
(2)
في (ف): «في جميع» .
(3)
في (ف): «الصديق» مكان الترضِّي.
(4)
في الأصل والمطبوع: «الاتباع» ، تصحيف.
(5)
أخرجه البخاري عن أبي هريرة (7284) ومسلم (20).
بحقِّها» متفق عليه
(1)
.
قلنا: هذا الخبر [224/أ] قد روي فيه: «حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. ثم قد حُرِّم عليَّ
(2)
دماءُهم وأموالُهم، وحسابُهم على الله» رواه أحمد و
(3)
ابن ماجه وابن خزيمة في «صحيحه»
(4)
. فهذا المقيَّد يقضي على ذلك المطلق.
ثم لو كان قد قيل مفردًا، فإنَّ الصلاة والزكاة من حقِّها كما قال الصدِّيق لعُمر، ووافقه عمر وسائر الصحابة على ذلك
(5)
. ويكون صلى الله عليه وسلم قد قال كلَّ واحد
(6)
من الحديثين في وقت، فقال:«أُمِرتُ أن أقاتلَ الناس حتَّى يقولوا: لا إله إلا الله» ليعلمَ المسلمون أنَّ الكافر المحارب إذا قالها وجب الكفُّ عنه، وصار دمه وماله معصومًا. ثم بيَّن في الحديث الآخر أنَّ القتال ممدود إلى الشهادتين والعبادتين، ليعلم أنَّ تمامَ العصمة وكمالَها إنما تحصل بذلك، ولئلا
(7)
تقع الشبهة بأنَّ مجرَّدَ الإقرار يعصِمُ
(8)
على الدوام، كما
(1)
البخاري (1399) ومسلم (21).
(2)
«عليَّ» ساقط من الأصل.
(3)
«أحمد و» ساقط من الأصل.
(4)
أحمد (8544) وابن ماجه (71)، وابن خزيمة (2248).
(5)
وقعت في (ف) هنا عبارة: «ويكون فائدة ذلك
…
بطلت». ومكانها في الأصل في آخر الفقرة كما ستأتي.
(6)
«واحد» ساقط من الأصل، فأثبت في المطبوع:«كلًّا» .
(7)
في (ف): «لئلَّا» دون الواو.
(8)
كأنَّ في الأصل: «فإنَّ» ، فأثبت في المطبوع:«فإنَّ مجرَّد الإقرار لا يعصم» . زاد «لا» في المتن دون تنبيه.
وقعت لبعض الصحابة حتَّى جَلاها
(1)
الصدِّيق ثم وافقه. وتكون فائدة ذلك أنه إذا قال: لا إله إلا الله، كان قد شرع في العاصمِ لدمه، فيجب الكفُّ عنه. فإن تمَّم ذلك تحقَّقت العصمة، وإلَّا بطلت.
وعن عبيد الله بن عدي بن الخِيار أنَّ رجلًا من الأنصار حدَّثه: أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو في مجلس، فسارَّه يستأذنه
(2)
في قتل رجل من المنافقين، فجهَر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أليس يشهد أن لا اله إلا الله؟» قال [224/ب] الأنصاري: بلى، يا رسول الله، ولا شهادة له. فقال:«أليس يشهد أنَّ محمَّدًا رسولُ الله؟» قال: بلى، ولا شهادة له. قال:«أليس يصلِّي؟» قال: بلى، ولا صلاة له. قال:«أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم» رواه الشافعي وأحمد في مسندَيهما
(3)
.
ولو كانت الشهادتان موجبتين
(4)
للعصمة مع ترك الصلاة لم يسأل عنها، ولم يسُقْها مع الشهادتين مساقًا واحدًا. وقوله بعد ذلك:«أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم» يُوجب حصرَ الذين نُهِيَ عن قتلهم في هذا الصنف.
وعن أبي سعيد في حديث الخوارج: فقال ذو الخُوَيصِرة التميمي للنبي
(1)
في الأصل: «صلاها» ، وفي المطبوع:«طلاها» وكلاهما تصحيف.
(2)
في الأصل: «فستأذنه» ، تصحيف. وفي المطبوع:«فاستأذنه» . والمثبت من (ف) وكذا في «المسند» .
(3)
الشافعي (320)، وأحمد (23670).
صححه ابن حبان (5971)، وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة» (1/ 125):«رجاله رجال الصحيح» .
(4)
في النسختين والمطبوع: «موجبة» .
- صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، اتَّقِ الله. فقال: «ويلَك! أوَلستُ
(1)
أحقَّ أهل الأرض أن يتَّقيَ الله؟» قال: ثم ولَّى الرجلُ، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله، ألا أضرب عنقَه؟ فقال:«لا، لعلَّه أن يكون يصلِّي» . قال خالد: وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم أومَر أن أنقُبَ عن قلوب الناس ولا أشُقَّ بطونهم» رواه مسلم
(2)
. فلما نهى عن قتله وعلَّل ذلك باحتمال صلاته عُلِم أنَّ ذلك هو الذي حقَن دمه، لا مجرَّدُ الإقرار بالشهادتين، فإنه قد قال:«يا رسول الله» ، ومع هذا فلم يجعل
(3)
النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك وحده مُوجِبًا لحقن الدم.
وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُستعمَل عليكم أمراءُ، فتعرفون وتنكرون، فمَن أنكر فقد برئ، ومَن كرِه فقد سَلِم؛ [225/أ] ولكن من رضي وتابع»
(4)
فقالوا: يا رسول الله ألا نقاتلهم؟ فقال: «لا، ما صلَّوا» رواه الجماعة
(5)
إلا البخاري والنسائي.
ولأنَّ الصلاة أحد مباني الإسلام الخمس
(6)
، فيُقتَل
(7)
تاركُها
(1)
في الأصل: «ألستُ» ، والمثبت من (ف)، وهو لفظ مسلم.
(2)
برقم (1064). وأخرجه البخاري أيضًا (4351) وكلاهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
في المطبوع: «لم يجعل» ، حذَف الفاء دون تنبيه. واستعمال الفاء بعد «مع» كثير جدًّا في كتب المصنف.
(4)
في الأصل: «بايع» ، تصحيف.
(5)
أحمد (26528)، ومسلم (1854)، وأبو داود (4760)، والترمذي (2265).
(6)
كذا في النسختين، وله وجه كما سبق. وفي المطبوع:«الخمسة» .
(7)
في الأصل: «فقتل» ، تصحيف. والمثبت من (ف) وكذا في المطبوع.
كالشهادتين. وعلى هذه الطريقةِ يُقتَل تاركُ المباني الثلاث
(1)
. أمَّا الزكاة، فإذا غيَّب ماله، ولم يُقدَر على أخذها منه. وأمّا الصيام، فيُقتَل إذا امتنَع منه.
وأمَّا الحجُّ، فإذا عزم على الترك بالكلِّيّة، وقال
(2)
: لا أحجُّ أبدًا، بعد وجوبه عليه؛ أو أخَّره إلى عام يغلب على ظنِّه موته
(3)
قبله. وهذه
(4)
إحدى الروايتين.
والرواية الأخرى: لا يُقتل بالحج، لأن وجوبه على التراخي عند بعض العلماء؛ ولا بالصيام
(5)
لأنه يمكن استيفاؤه منه بأن يُحبَس في مكان، ويُمنَع الأكلَ والشُّربَ؛ ولأن الآية والأحاديث إنما فيها الصلاة
(6)
والزكاة، ولأن الصلاة تشبه الشهادتين من حيث لا يدخلها النيابة
(7)
بنفس ولا مال.
فصل
ولا يجوز قتله حتى يُدعى إليها فيمتنعَ، لأنه قد يتركها لعذر، أو لشبهة عذر، أو لكسل يزول قريبًا. ولهذا أذن النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة خلف الذين يؤخِّرون الصلاة حتى يخرج وقتها نافلةً، ولم يأمر بقتلهم ولا قتالهم حيث
(1)
في الأصل: «الثلاثة» ، والمثبت من (ف)، وهو الموافق لما سبق آنفًا.
(2)
في الأصل والمطبوع: «أو قال» .
(3)
في الأصل: «بموته» ، تصحيف ما أثبت من (ف)، وكذا في المطبوع.
(4)
في الأصل والمطبوع: «هو» .
(5)
في (ف): «لا يقتل بالصيام
…
ولا بالحج»، تقديم وتأخير.
(6)
في المطبوع: «إنما هي في الصلاة» خلافًا للنسختين.
(7)
في المطبوع: «الإنسان» ، تحريف لا معنى له.
لم يُصِرُّوا
(1)
على الترك والتأخير
(2)
. فإذا دُعي، فامتنع من غير عذر في الوقت تحقَّق إصرارُه
(3)
على الترك.
ويُقتل بإصراره على ترك صلاة واحدة في [225/ب] أشهر الروايتين.
وعنه: لا يُقتل إلا بترك ثلاث، لأنَّ الموجِب: التركُ عن إصرار. وربما كان له عذر أو كسل
(4)
في الصلاة أو الصلاتين، فإذا تكرَّر التركُ بعد الدعاء إلى الفعل عُلِم أنه عن
(5)
إصرار.
وقال أبو إسحاق بن شاقْلا
(6)
: يُقتَل بترك الواحدة، إلا إذا كانت أولى المجموعتين، وهي الظهر أو المغرب، فلا يُقتل حتى يخرج وقتُ الثانية، لأنَّ وقتَها وقتُ الأولى في حال الجمع، فصار شبهة.
وجه الأول: ما تقدَّم من الأحاديث، فإنها مطلَقة. وروى معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من ترك صلاةً مكتوبةً متعمِّدًا، فقد برئت منه ذمّةُ الله» رواه أحمد
(7)
.
ولأنه إذا دُعي إليها في الوقت فقال: لا أصلِّي، ولا عذر
(1)
في الأصل: «لا يصروا» ، وفي المطبوع:«لا يصرُّون» . والصواب ما أثبت من (ف).
(2)
في المطبوع: «وأما التأخير» . زاد «أما» دون تنبيه.
(3)
«إصراره» ساقط من الأصل.
(4)
في الأصل والمطبوع: «وكسل» .
(5)
«عن» من (ف).
(6)
«أبو» ساقط من الأصل والمطبوع وفيهما: «وروى
…
»، والصواب ما أثبتُّ من (ف) انظر:«مسائل الروايتين» (1/ 195)، «المغني» (3/ 354) وكتاب «الصلاة» لابن القيم (ص 24).
(7)
برقم (22075)، من طريق عبد الرحمن بن جبير، عن معاذ به.
إسناده منقطع، قال المنذري في «الترغيب والترهيب» (1/ 196):«رواه أحمد والطبراني في «الكبير» ، وإسناد أحمد صحيح لو سلم من الانقطاع؛ فإن عبد الرحمن بن جبير بن نفير لم يسمع من معاذ»، وصححه الألباني بشواهده في «إرواء الغليل» (2026).
لي
(1)
، فقد ظهر إصراره، فيجب قتلُه زجرًا له وحملًا على الفعل، إذ ليس في تقدير ذلك نصٌّ ولا إجماع ولا قياس صحيح
(2)
، واحتمالُ عَوده يقتضي تأخيرَ استيفاء القتل، دون عصمة الدم كالمرتدِّ.
فصل
المنصوص عن أحمد أنه يُقتَل بترك صلاة واحدة، أو بترك ثلاث صلوات
(3)
. فمن أصحابنا من أقرَّ ذلك على ظاهره، وقال: إذا دعي في وقت الأولى، فلم يصلِّها حتى فاتت، وجب قتلُه. قال: وإنما اعتبر أصحابنا أن يضيق وقتُ الثانية في موضع دعي إلى الصلاة بعد فوت الأولى، وقد صارت فائتةً، ولا يُقتَل بترك [226/أ] الفائتة، وإنما يُقتَل في تلك الصورة بترك الثانية. وهذا ينتقض باعتبارهم ضيقَ وقت الرابعة مع أنهم قد
(4)
ذكروا ذلك إذا دعي في وقت الأولى أيضًا. وعلى مقتضى هذا القول أنه إذا ضاق وقتُ الأولى وجَب قتلُه.
(1)
كذا في النسختين. وقد يكون الصواب «له» كما في المطبوع.
(2)
كذا وردت هذه العبارة في النسختين، ولعل فيها سقطًا. وسياقها في كتاب الصلاة لابن القيم (ص 24): «
…
ظهر إصرارُه، فتعيَّن إيجاب قتله وإهدار دمه. واعتبار التكرار ثلاثًا ليس عليه دليل من نصٍّ ولا إجماع ولا قول صاحب. وليس أولى من اثنتين».
(3)
الأولى رواية أبي طالب، والثانية رواية يعقوب بن بختان. انظر:«مسائل الروايتين» (1/ 195).
(4)
«قد» ساقط من المطبوع.
وقال بعضهم: بل يُقتَل بترك الأولى وإن كانت فائتة، وكذلك يُقتَل بترك كلِّ فائتة.
وقال كثير منهم: بل لا بد أن يضيق وقت الثانية أو الرابعة
(1)
. والقتل عندهم وجب بترك الثانية مع ترك الأولى، لأنّا نستدِلُّ على ترك الثانية بترك الأولى، وليتحقَّق
(2)
الترك، لأنَّ تركَ الأولى لا يتحقَّق حتى يفوت
(3)
فتصير فائتة، فلا يُقتل بها وحدَها. فإذا ضاق وقتُ الثانية تحقق الدوامُ على الترك. وهذا كما قلنا في الوعيد: إنه ليس بإكراه، فإذا عذَّب ولم يفعل المكرَه عليه، ثم توعَّد، صار إكراهًا مضمومًا
(4)
إلى العذاب الأول. وقد أشار أحمد إلى هذا، فقال
(5)
: إذا ترك الفجر عامدًا، حتى وجبت عليه أخرى، فلم يصلِّها= يستتاب. فإن تاب وإلا ضربت عنقه.
وكذلك الأحكام التي
(6)
لا يمكن تعليقها
(7)
بالماضي لأنه
(8)
فائت، ولا بالمستقبل لأنه مظنون= تُعَلَّق بهما
(9)
وإلا أفضى إلى تبطيلها. وقد صرَّح
(1)
في الأصل والمطبوع: «والرابعة» .
(2)
في الأصل: «يتحقق» ، وفي المطبوع:«بتحقق» . والمثبت من (ف).
(3)
يعني: الوقت.
(4)
في المطبوع: «معصومًا» ، تحريف.
(5)
في رواية أبي طالب. انظر: «مسائل الروايتين» (1/ 195).
(6)
«التي» ساقط من المطبوع، والظاهر أن المحقق حذفه لإصلاح النص.
(7)
في الأصل: «تعلقتها» ، وفي المطبوع:«تعلقها» . والمثبت من (ف).
(8)
في المطبوع: «فإنه» خلافًا للأصل.
(9)
يعني بالماضي والمستقبل معًا. وفي الأصل: «بها» ، وفي المطبوع:«فلا تُعلَّق به» ، زاد «فلا» دون تنبيه. وهو خلاف المقصود.
بعض من سلك هذه الطريقة أنه لا بدَّ أن يترُك التي دُعي في وقتها، ويضيق وقت الثانية إلغاءً لما تركه
(1)
[226/ب] قبل الدعاء. ومنهم من أطلق الترك، وهو ظاهر كلام أحمد.
وإذا دُعي إليها، فامتنع أن يصلِّيها في الوقت، وترَكَ الصلاة بعد خروج الوقت= قُتِلَ أيضًا. ذكره بعض أصحابنا، وحكَم بكفره على الترك
(2)
.
فإذا ترَك صلاةً عمدًا، ودُعي في وقت الثانية، ولم يفعلها حتى ضاق الوقت= قُتِل. فصارت ثلاثة أوجه، إذا قلنا: لا يُقتَل
(3)
بترك فائتة
(4)
.
والأشبه بكلامه
(5)
أنَّا إذا قلنا: لا يُقتل إلا بترك ثلاث، لم يعتبَر ضيقُ وقت الرابعة. وإن قلنا: يُقتل بواحدة، اعتُبِر ضيقُ وقت الثانية، لأنه قال في إحدى الروايتين
(6)
: إذا ترك صلاةً وصلاتَين يُنتظر عليه، ولكن إذا ترك ثلاثَ صلوات.
وقال في الأخرى
(7)
: إذا ترك الفجر
(8)
عامدًا حتَّى وجبت عليه أخرى
(1)
في الأصل والمطبوع: «تركها» .
(2)
الفقرة «وإذا دعي إليها
…
الترك» لم ترد في (ف) هنا وجاء مثلها بعد فقرات كما سترى. وبعد هذا جاء في الأصل عنوان «فصل» ، ومكانه الصحيح بعد فقرات كما في (ف).
(3)
في (ف): «لا قتل» .
(4)
كذا في (ف). وفي الأصل والمطبوع: «إلا بترك فائته» .
(5)
«بكلامه» من (ف).
(6)
وهي رواية يعقوب بن بختان. انظر: «مسائل الوجهين» (1/ 195).
(7)
تقدمت آنفًا. وفي الأصل: «قال وفي الأخرى» . وفي المطبوع حذف الواو. والمثبت من (ف).
(8)
في (ف): «إذا وجبت عليه الفجر» .
ولم يصلِّها يستتاب. فإن تاب وإلا ضُربت عنقه.
وسواء كان الترك قبل دعائه أو بعد دعائه. لكن لا يباح إلا بعد دعائه وامتناعه.
وإذا دعي إليها، فامتنع أن يصليها في الوقت، وترك الصلاة بعد خروج الوقت= قُتِل أيضًا فيما ذكره أحمد، وحكم بكفره على الترك عليها كما تقدَّم
(1)
.
وكذلك حرَّر ابن أبي موسى
(2)
الكلام في هذه المسألة، فذكر في ذلك ثلاث روايات:
إحداهنَّ
(3)
: إذا ترك صلاةً واحدةً حتى يخرج وقتها، ويدخل وقتُ غيرها.
والثانية: إذا ترك صلاتين.
والثالثة: إذا ترك ثلاث صلوات حتى تخرج أوقاتها.
فصل
(4)
ويستتاب بعد وجوب قتله، كما يستتاب المرتدُّ ثلاثًا. نصَّ عليه
(5)
.
(1)
كذا في (ف). والفقرة «وإذا دعي
…
تقدَّم» لم ترد في الأصل هنا، وقد سبق مثلها منه آنفًا.
(2)
في «الإرشاد» (ص 467).
(3)
العبارة «وكذلك حرَّر
…
إحداهن» ساقطة من الأصل.
(4)
في الأصل هنا: «مسألة» ، وذلك خطأ فإن المسائل معقودة على المتن.
(5)
في «مسائل» عبد الله (ص 430) وصالح (3/ 131) والكوسج (7/ 3723) و (9/ 4649).
وهل الاستتابة واجبة أو مستحبة؟ [227/أ] على روايتين.
ويُقتَل بالسيف ضربًا
(1)
في عنقه، لأنَّ ذلك هو الواجب في قتل المقدور عليه
(2)
من الآدميين والبهائم، كالأسير وقاطع الطريق والمرتدّ. فأمَّا المعجوزُ عنه منهما
(3)
، فيُقتل كيف أمكن، لأنَّ هذه القِتلة أهوَنُ على المقتول وأوحَى
(4)
لزهوق النفس.
والأصل في ذلك: ما روى شدَّاد بن أوس أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله كتَب الإحسانَ على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحْسِنُوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحْسِنُوا الذِّبحةَ» رواه أحمد ومسلم
(5)
.
وقال عليه السلام: «إنَّ أعفَّ الناس قِتلةً أهل الإيمان»
(6)
.
(1)
في (ف): «ضربًا بالسيف» .
(2)
في الأصل: «عليهم» . والمثبت من (ف) وكذا في المطبوع.
(3)
«منهما» ساقط من (ف).
(4)
يعني: أسرع.
(5)
أحمد (17113)، ومسلم (1955).
(6)
أخرجه أحمد (3728)، وأبو داود (2666)، وابن ماجه (2682)، من طرق عن إبراهيم النخعي، عن هني بن نويرة، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود به.
في إسناده مقال، اختلف فيه على إبراهيم في مواضع، واختلف في رفعه ووقفه، كما في «العلل» للدارقطني (5/ 141 - 142)، وضعفه ابن حزم في «المحلى» (10/ 377)، والألباني في «السلسلة الضعيفة» (1232)، وصححه ابن حبان (5994).
وجاء موقوفًا بإسناد على شرط الصحيح عند عبد الرزاق (18232) وغيره.
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بالصدقة، وينهى عن المثلة
(1)
. ولهذا موضعٌ
(2)
غير هذا.
فصل
ويُقتَل لكفره، في إحدى الروايتين.
وفي الأخرى: يُقتل كما يُقتل الزاني والمحارب، مع ثبوت إسلامه، حدًّا محضًا
(3)
. وهي اختيار ابن بطَّة، وقال: هذا هو المذهب؛ وأنكر خلافَ هذا
(4)
، لما روى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن شَهِد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمّدًا عبده ورسوله، وأنَّ عيسى عبد الله وكلِمتُه ألقاها إلى مريم ورُوح منه، وأنَّ الجنَّةَ حقٌّ والنَّارَ حقٌّ= أدخله الله الجنَّةَ على ما كان من العمل» .
وعن أنس أنَّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم ــ ومعاذٌ رديفُه على الرَّحل ــ قال
(5)
: «يا
(1)
أخرجه أحمد (19846)، وأبو داود (2667)، من طرق عن الحسن، عن هياج بن عمران، عن عمران بن حصين به.
إسناده حسن، رجاله ثقات خلا هياج، فقد وثقه ابن سعد وابن حبان، وقال ابن المديني:«مجهول» ، كما في «تهذيب التهذيب» (4/ 294)، وصححه ابن حبان (4473)، وقال ابن حجر في «فتح الباري» (7/ 524):«إسناده قوي» .
وقد روي لفظ الحديث عن أنس أيضًا، انظر:«نصب الراية» (3/ 118)، «صحيح أبي داود: الكتاب الأم» (2393).
(2)
في المطبوع: «مواضع» ، والمثبت من الأصل.
(3)
انظر الروايتين في «الهداية» (ص 71) و «المستوعب» (1/ 143).
(4)
انظر: «المستوعب» (1/ 143 - 144) و «المغني» (3/ 355). وظاهر كلامه في «الإبانة الكبرى» (2/ 683) على خلاف هذا.
(5)
«قال» في (ف) قبل «ومعاذ رديفه» .
معاذ» قال: لبَّيك يا رسولَ الله وسعدَيك. قال: «ما من عبد [227/ب] يشهد أن لا اله إلا الله وأنَّ محمدًا عبده ورسوله إلا حرَّمه الله على النار» . قال: يا رسول الله، أفلا أُخبر بها الناسَ فيستبشروا؟ قال:«إذًا يتَّكِلُوا» . فأخبَر بها معاذ عند موته تأثُّمًا. متفق عليهما
(1)
.
ولما تقدَّم من حديث عُبادة، وقوله:«من لم يحافظ عليها لم يكن له عند الله عهدٌ، إن شاء عذَّبه، وإن شاء غفَر له» .
وعن أبي ذرٍّ أنَّ رسول الله
(2)
صلى الله عليه وسلم قام بآية من القرآن يردِّدها حتى صلَّى الغداة، وقال:«دعوتُ لأمَّتي، وأُجِبتُ بالذي لو اطَّلعَ عليه كثيرٌ منهم تركوا الصلاة» . فقال أبو ذرٍّ: يا رسول الله، ألا أبشِّر الناسَ
(3)
؟ فقال: «بلى» فانطلقَ، فقال عمر: إنَّك إن تَبعَثْ إلى الناس بهذا يَنْكُلُوا
(4)
عن العبادة. فناداه أن ارجِعْ، فرَجَع. والآية:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]. رواه أحمد، وهذا سياقه. ورواه النسائي وابن ماجه
(5)
.
(1)
حديث عبادة في البخاري (3435) ومسلم (28). وحديث أنس في البخاري (128) ومسلم (32).
(2)
في (ف): «أن النبي» .
(3)
في (ف): «أبو ذر: أفلا أبشر الناس» .
(4)
أي يقعدوا عنها ويتأخروا. وفي النسختين والمطبوع: «يتكلوا» ، تصحيف.
(5)
أحمد (21495)، ومختصرًا النسائي (1010)، وابن ماجه (1350)، من طرق عن قدامة العامري، عن جسرة بنت دجاجة، عن أبي ذر.
صححه الحاكم (1/ 367)، وحسنه ابن القطان في «بيان الوهم» (5/ 701)، وقال ابن حجر في «نتائج الأفكار» (3/ 197):«رواته ثقات، وله شاهد من حديث أبي سعيد» . غير أن في سياق أحمد غرابة، والحمل فيه على جسرة، قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 67 - 68):«عند جسرة عجائب» ، وحكم عليه الألباني بالنكارة في «السلسلة الضعيفة» (6037).
ولأنَّ الصلاة عملٌ من أعمال الجوارح، فلم يكفُر بتركه كسائر الأعمال المفروضة. ولأنَّ من أصول أهل السنة أنهم لا يكفِّرون أحدًا من أهل القبلة
(1)
بذنب، ولا يُخرجونه من الإسلام بعمل، بخلاف ما عليه الخوارج؛ وإنما الكفر بالاعتقادات.
وقد روى أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من أصل الإيمان: الكفُّ عمَّن قال: لا إله إلا الله. لا نُكفِّره بذنب، ولا نُخرجه
(2)
من الإسلام بعمل. والجهادُ ماضٍ منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخِرُ
(3)
أمتي الدَّجَّالَ، لا يُبطلِه جورُ [228/أ] جائر ولا عدلُ عادل. والإيمانُ بالأقدار» رواه أبو داود
(4)
. وذكره الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله
(5)
.
وتاركُ الصلاة مع إقراره بالوجوب صحيحُ الاعتقاد، فلا يكفَّر.
والرواية الأولى اختيارُ أكثرِ الأصحاب مثل أبي بكر وابن شَاقْلا وابن
(1)
في الأصل والمطبوع: «السنَّة» ، والمثبت من (ف).
(2)
في الأصل والمطبوع: «لا يكفره
…
ولا يخرجه»، تصحيف.
(3)
«آخر» ساقط من الأصل.
(4)
أبو داود (2532)، وأخرجه أبو يعلى (7/ 287).
إسناده ضعيف، فيه يزيد بن أبي نشبة مجهول، كما في «الميزان» (4/ 440)، وبه ضعفه ابن القطان في «بيان الوهم» (4/ 24)، والذهبي في «المهذب» (7/ 3704).
(5)
لم يرد في مسائله المطبوعة.
حامد والقاضي وأصحابه
(1)
، وهو المنقول عن جماهير السلف، لقول الله تعالى:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11]. فعلَّق الأخوَّة في الدين
(2)
على التوبة من الشرك، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة؛ والمعلَّقُ بالشرط عدمٌ
(3)
عند عدمه، فمن لم يفعل ذلك فليس بأخٍ في الدين، ومن ليس بأخٍ في الدين
(4)
فهو كافر؛ لأن المؤمنين إخوة مع قيام الكبائر بهم، بدليل قوله في آية المقتتلين {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، مع أنه قد سمَّى قتالَ المؤمن كفرًا.
ولِمَا روى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة» رواه الجماعة
(5)
إلا البخاري والنسائي. وفي رواية لمسلم
(6)
: «بين الرجل وبين الشرك تركُ الصلاة»
(7)
. وفي رواية صحيحة لأحمد
(8)
: «ليس بين العبد والكفر إلا تركُ الصلاة» .
وعن بريدة الأسلمي قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «العهد الذي
(1)
انظر: «الإنصاف» (3/ 37 - 38).
(2)
«في الدين» ساقط من (ف).
(3)
غيَّره في المطبوع إلى «ينعدم» دون تنبيه. وقد مرَّ مثله.
(4)
«ومن ليس بأخ في الدين» ساقط من (ف).
(5)
أحمد (15183)، ومسلم (82)، وأبو داود (4678)، والترمذي (2620)، وابن ماجه (1078).
(6)
برقم (82) ولفظه: «إنَّ بين الرجل وبين الشرك والكفر تركَ الصلاة» .
(7)
العبارة «رواه الجماعة
…
الصلاة» ساقطة من (ف) لانتقال النظر.
(8)
أخرجها عبد الله في «السنة» (1/ 357).
بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركها فقد كفَر» رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه، وهو على شرط مسلم
(1)
.
وعن ثوبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم[228/ب] يقول: «بين العبد وبين الكفر والإيمان: الصلاة، فإذا تَركها فقد أشرَكَ» رواه هبة الله الطبري
(2)
، وقال: إسناد صحيح على شرط مسلم.
وعن عبادة بن الصامت قال أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا تُشركوا بالله شيئًا، ولا تتركوا الصلاة تعمُّدًا، فمن ترَكَها تعمُّدًا فقد خرَج من الملَّة» . رواه ابن أبي حاتم في «سننه»
(3)
. ونحوه من حديث معاذ
(4)
وأبي الدرداء
(5)
.
(1)
أحمد (22937)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، والترمذي (2621).
قال الترمذي: «حسن صحيح غريب» ، وصححه ابن حبان (1454)، والحاكم (1/ 6).
(2)
في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (4/ 902).
وصححه المنذري في «الترغيب والترهيب» (799).
(3)
كذا في الأصل، وانظر ما علَّقنا في كتاب الطهارة (1/ 550 - 551). وقد أخرج ابن أبي حاتم أوله في «التفسير» (3/ 947) دون موضع الشاهد، ورواه البخاري في «التاريخ الكبير» (4/ 75)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 889)، والطبري في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (4/ 903)، من طرق عن يزيد بن قوذر، عن سلمة بن شريح، عن عبادة به.
قال البخاري: «لا يعرف إسناده» ، وسلمة ويزيد مجهولان، وانظر:«السلسلة الضعيفة» (5991).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
أخرجه ابن ماجه (4034)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 884)، والبزار (10/ 27)، من طرق عن راشد الحماني، عن شهر بن حوشب، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء به.
قال البزار: «هذا الحديث لا نعلمه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وراشد أبو محمد بصري ليس به بأس، قد حدث عنه غير واحد، وشهر بن حوشب قد روى عنه الناس، وتكلموا فيه، واحتملوا حديثه» ، وقال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (4/ 190):«هذا إسناد حسن، شهر مختلف فيه» ، وضعَّفه ابن حجر في «التلخيص الحبير» (2/ 148).
وقال الإمام أحمد في «رسالته في الصلاة»
(1)
: جاء
(2)
الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أولُ ما تفقِدُون من دينكم: الأمانة. وآخِرُ ما تفقِدون منه: الصلاة»
(3)
.
قال الإمام أحمد: كلُّ شيء يذهب آخره، فقد ذهب جميعُه
(4)
.
وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة، وذِروةُ سنامه الجهاد» رواه الترمذي وصحَّحه
(5)
. ومتى
(1)
انظر: «طبقات الحنابلة» (2/ 445 - 446) وقد أورد ابن أبي يعلى رسالة الإمام أحمد كاملة.
(2)
في حاشية الأصل: «في» مع علامة «صح» . ولكن كذا ورد النص في (ف) و «الطبقات» .
(3)
أخرجه الخرائطي في «مكارم الأخلاق» (72)، وتمام في «الفوائد» (1/ 84)، والشهاب في «المسند» (1/ 155)، وروى البخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 158) الجزء الأول منه، جميعهم من حديث ثواب بن حجيل، عن أنس بن مالك به.
وفي إسناده ضعف، ثواب أورده البخاري وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 471)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الضياء في «المختارة» (2/ 253):«إسناده لا بأس به» ، وله شاهد عند الطبراني في «الكبير» (7/ 295) من حديث شداد بن أوس، وحسنه بشواهده الألباني في «السلسلة الصحيحة» (1739).
(4)
«طبقات الحنابلة» (2/ 446).
(5)
برقم (2616)، وأخرجه أحمد (22016)، وابن ماجه (3973)، والنسائي في «الكبرى» (10/ 214) كلهم من طرق عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن معاذ بن جبل به.
قال الترمذي: «حسن صحيح» ، وأعله ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (2/ 135) بالانقطاع بين أبي وائل ومعاذ، وبالخلاف على عاصم، ثم قال:«وله طرق أخرى عن معاذ كلها ضعيفة» ، وانظر:«إرواء الغليل» (413).
وقع عمودُ الفسطاط
(1)
وقع جميعُه ولم يُنتفَع به.
ولأنَّ هذا إجماعُ الصحابة. قال عمر رضي الله عنه لما قيل له ــ وقد جُرِح
(2)
: الصلاةَ الصلاة
(3)
ــ: نعم، ولا حظَّ في الإسلام لِمَن ترك الصلاةَ
(4)
. وقصته في الصحيح
(5)
. وفي رواية عنه قال: لا إسلام لمن لم يصلِّ. رواه النجاد
(6)
. وهذا قاله بمحضر من الصحابة.
وقال علي عليه السلام: من لم يصلِّ فهو كافر. رواه البخاري في «تاريخه»
(7)
.
(1)
في الأصل: «الفسطاس» .
(2)
في الأصل والمطبوع: «خرج» ، تصحيف.
(3)
في المطبوع: «إلى الصلاة» ، غيَّر «الصلاة» الأولى ــ دون تنبيه ــ إلى «إلى» ليوافق الفعل «خرج» المصحف.
(4)
العبارة «قال عمر
…
الصلاة» ساقطة من (ف).
(5)
تقدم تخريجه في كتاب الطهارة.
(6)
وأخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/ 157)، والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 897)، ووقع في إسناده اختلاف كما في «العلل» لابن أبي حاتم (2/ 507 - 508)، وللدارقطني (2/ 211).
(7)
وقد عزاه إلىه أيضًا المنذري في «الترغيب والترهيب» (826)، ولم أقف عليه في «التاريخ الكبير» و «الأوسط» . وأخرجه ابن أبي شيبة (31075) ــ ومن طريقه البيهقي في «شعب الإيمان» (1/ 72) ــ والمروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 898)، وفي إسناده معقل الخثعمي مجهول، كما في «الميزان» (4/ 147).
وذكر ابن عبد البر
(1)
مثله عن أبي الدرداء، وابن عباس، وجابر.
وقال عبد الله بن مسعود: مَن تركَ الصلاةَ فهو كافر
(2)
. وفي رواية عنه في إضاعة [229/أ] الصلاة قال: هو إضاعة مواقيتها، ولو تركوها لكانوا كفَّارًا
(3)
.
وقال أبو الدرداء: لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له، رواهما النجاد
(4)
وهبة الله الطبري وغيرهما
(5)
.
ورأى حذيفة رجلًا يصلِّي وهو لا يُتِمُّ ركوعه ولا سجوده
(6)
، فقال لما قضى صلاته: ما صلَّيتَ! ولو مُتَّ مُتَّ على غيرِ الفطرة التي فطَر الله عليها محمَّدًا صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري
(7)
.
(1)
«الاستذكار» (5/ 342)، وانظر:«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (4/ 906 - 910).
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد في «السنة» (1/ 359)، والعدني في «الإيمان» (77 - 78)، والآجري في «الشريعة» (2/ 646)، بلفظ:«الكفر ترك الصلاة» ، وفيه انقطاع.
(3)
أخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (1/ 137)، والطبراني في «الكبير» (9/ 191)، وفي إسناده انقطاع، انظر:«مجمع الزوائد» (7/ 272).
(4)
في المطبوع: «البخاري» . وكذا في الأصل ولكن حرف الياء كأنه مضروب عليه.
(5)
«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (4/ 909)، وأخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 903)، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب» (575).
(6)
في (ف): «وسجوده» .
(7)
برقم (791).
وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال له طبيب حين وقع في عينه الماء: استَلْقِ سبعةَ أيام لا تُصَلِّ
(1)
. قال ابن عباس: مَن تَركَ الصلاةَ كفَر. رواه النجَّاد
(2)
.
وقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب محمد
(3)
صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركُه كفرٌ إلا الصلاةَ. رواه الترمذي
(4)
.
وقال الحسن: بلغني أنَّ أصحاب محمد
(5)
صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: بين العبد وبين أن يشرِكَ فيكفرَ: أن يترك الصلاة من غير عذر. رواه النجاد وهبة الله الطبري
(6)
.
فإن قيل
(7)
: هذا محمول على كفر دون كفر، كما قال ابن عباس وغيره
(8)
في قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ
(1)
«لا تصلِّ» ساقط من (ف).
(2)
وأخرجه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 900) مقتصرًا على قول ابن عباس، وأخرج القصة ابن الجعد في «المسند» (340) ــ ومن طريقه الطبري في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (4/ 909) ــ وفيها قوله:«من ترك الصلاة وهو يقدر عليها لقي الله وهو عليه غضبان» .
(3)
في (ف): «رسول الله» .
(4)
برقم (2622). وصححه النووي في «المجموع» (3/ 16)، وابن دقيق العيد في «الإمام» (3/ 557).
(5)
في (ف): «رسول الله» .
(6)
«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (4/ 910).
(7)
في الأصل: «قال فإن قيل» ، أقحم «قال» .
(8)
«وغيره» من (ف).
الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45]، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}
(1)
[المائدة: 47]، إنه كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق
(2)
.
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل»
(3)
وفسَّره بالرياء.
وكما قال: «من صام يرائي فقد أشرك، ومن صلَّى يرائي فقد أشرك»
(4)
.
(1)
كذا وردت الآيات في النسختين، غير أنه لم يرد في الأصل قوله تعالى:{فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} .
(2)
أخرج الجملة الأولى منه: «كفر دون كفر» الحاكم (2/ 313)، ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/ 20)، وأخرجه من قول عطاء بتمامه المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/ 522)، والطبري في «جامع البيان» (8/ 464).
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (30163)، وأحمد (19606)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (9/ 58)، من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي علي، عن أبي موسى الأشعري به.
في إسناده ضعف، أبو علي فيه جهالة، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 223):«رجال أحمد رجال الصحيح غير أبي علي، ووثقه ابن حبان» .
وله شواهد من حديث أبي بكر وعائشة وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري، انظر:«إتحاف الخيرة» (1/ 257 - 258).
(4)
أخرجه أحمد (17140)، والبزار (8/ 341)، والطبراني في «الكبير» (7/ 281)، من طرق عن عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن شداد بن أوس به مطولًا ومختصرًا.
إسناده ضعيف، تفرد به شهر وفيه ضعف، وقد روى عنه ابن بهرام أحاديث طوال غرائب، قال ابن عدي في «الكامل» (4/ 40) بعد أن ساق الحديث في مناكير ما رواه ابن بهرام عن شهر:«ويروي عنه عبد الحميد بن بهرام أحاديث غيرها، وعامة ما يرويه هو وغيره من الحديث فيه من الإنكار ما فيه، وشهر هذا ليس بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يحتج بحديثه، ولا يتدين به» .
وكما قال: «الرياء هو الشرك الأصغر»
(1)
.
[229/ب] وقال: «من حلف بشيء دون الله فقد أشرك» رواه أحمد
(2)
.
وكقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس من رجلٍ ادَّعى إلى غير أبيه، وهو يعلمه، إلا كفر»
(3)
. وقال: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»
(4)
. وقال: «لا ترجعوا بعدي كفَّارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعض»
(5)
متفق عليهن.
(1)
أخرجه أحمد (23630)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/ 333)، من حديث محمود بن لبيد يرفعه بلفظ:«إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» ، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: «الرياء» إلخ.
وجود إسناده المنذري في «الترغيب والترهيب» (1/ 34)، وحسنه ابن حجر في «بلوغ المرام» (1484)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/ 102):«رجاله رجال الصحيح» .
(2)
برقم (4904)، وأخرجه أبو داود (3251)، والترمذي (1535)، جميعهم من طرق عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن عمر به.
قال الترمذي: «حديث حسن» ، وصححه ابن حبان (4358)، والحاكم (1/ 52)، وأعله بالانقطاع بين سعد وابن عمر البيهقي في «السنن الكبرى» (10/ 29).
انظر: «العلل» للدارقطني (13/ 233)، «البدر المنير» (9/ 459).
(3)
أخرجه البخاري (3508) ومسلم (61) من حديث أبي ذر.
(4)
أخرجه البخاري (48) ومسلم (64) من حديث عبد الله بن مسعود.
(5)
من حديث عبد الله بن عمر وغيره. البخاري (7077، 7078، 7079، 7080) ومسلم (65، 66، 1679).
وقال: «اثنتان في الناس، هما بهم كفر: الطعنُ في النسب، والنِّياحة على الميِّت» رواه مسلم
(1)
.
وقال: «أيُّما عبدٍ أبَقَ من مواليه فقد كفر»
(2)
. وقال: «لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له»
(3)
رواهما أحمد.
وقال: «ثلاثٌ مَن كنَّ فيه كان منافقًا: مَن إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أخلَفَ، وإذا اؤتمِنَ خان» متفق عليه
(4)
. وفي رواية
(5)
: «وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم» .
وكما قال ابن أبي مليكة
(6)
: أدركتُ ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلُّهم يخاف النفاق على نفسه
(7)
.
وكما خاف حنظلة الأسدي أن يكون نافَق بنسيانه الذكرَ
(8)
واختلافِ
(1)
برقم (67) من حديث أبي هريرة.
(2)
أخرجه أحمد (19243)، ومسلم (68) من حديث جرير بن عبد الله البجلي.
(3)
أخرجه أحمد (12383)، وابن أبي شيبة (30956)، وأبو يعلى (2863)، والطبراني في «الأوسط» (2606) من حديث أنس بن مالك.
في إسناده ضعف، اختلف فيه على أوجه، وقد أعله الدارقطني بالإرسال في «العلل» (12/ 29 - 30)، وصححه ابن حبان (194).
(4)
البخاري (33) ومسلم (59/ 108) من حديث أبي هريرة.
(5)
في مسلم (59/ 109).
(6)
في النسختين: «أبو العالية» ، تحريف.
(7)
أخرجه البخاري تعليقًا قبل الحديث (48).
(8)
في (ف): «للذكر» .
حاله عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأهله. والحديث في «صحيح مسلم»
(1)
. وهذا باب واسع أطرافه متشعِّبة
(2)
.
وربما قال بعض الناس: يُحمَل على كفر النعمة، أو على المبالغة والتغليظ في الترك
(3)
؛ لأنَّ الكفرَ الناقلَ عن الملَّة، والشركَ الذي لا يغفره الله، والنفاقَ الموجبَ للدَّرك الأسفل من النار= لا يثبُت بمجرَّد هذه الأفعال عند أحد من أهل السنَّة، لكن عند الخوارج والمعتزلة الذين تأوَّلوا ظاهر هذا الكلام [230/أ] على وفق رأيهم، وأعرضوا عما سواه مما يفسِّره ويبيِّن معناه
(4)
، من الدلالات الكثيرة في الكتاب والسنة، والإجماع على ثبوت أصل الإيمان مع وجود هذه الأعمال. وربما حمله بعضُهم على مقارنة الكفر لذلك.
ومن الناس من يحمل الترك على من
(5)
تركها جاحدًا غيرَ مُقِرٍّ بوجوبها، ولا ملتزم بها
(6)
في الجملة. ويكون تخصيصها
(7)
بالذكر لعموم فرضها زمانًا ومكانًا وحالًا وكمالًا
(8)
.
(1)
برقم (2750).
(2)
في الأصل: «واسع متسعه» ، سقط وتصحيف.
(3)
في الأصل والمطبوع: «الشرك» .
(4)
بعده في الأصل: «الذي هو خلاف الإيمان» ، وهو خطأ سببه انتقال النظر إلى الفقرة التالية فيه.
(5)
في الأصل والمطبوع: «عمن» .
(6)
في الأصل: «ولا يستلزم بها» ، وفي المطبوع:«ولا يستلزمها» . والصواب ما أثبت من (ف).
(7)
في الأصل: «تخصيصًا» ، وصوابه من (ف) وكذا في المطبوع.
(8)
في الأصل والمطبوع: «محالًا» ، وفي (ف):«عمالا» . ولعل الصواب ما أثبت. والعبارة «من الدلالات الكثيرة
…
» إلى هنا وردت في الأصل والمطبوع بعد «لمن تدبره» في آخر الفقرة الآتية.
قلنا
(1)
: أما تأويله بكفر النعمة، فساقط في جميع هذه المواضع. ولذلك لم يُنقل هذا عن السلف، لأنَّ كفرَ النعمة إن أريد به جحدُ إنعام الله عليه، فهذا كفر صريح، مع أنَّ هذه المواضع ليس
(2)
فيها ما يتضمَّن جحدَ الإنعام بخصوصه. وإن أريد به التقصيرُ في الشكر، فليس بعض
(3)
الأعمال بهذا أولى من بعض. بل كلُّ من ترك شيئًا من الفرائض فقد قصَّر في شكر نعمة الله، فينبغي أن يسمَّى كافرًا على هذا الوجه. ثم إنه لا مناسبة بين ذلك وبين أكثر هذه المواضع لمن تدبَّره.
ثمَّ
(4)
الكفر المطلق لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الذي هو خلاف الإيمان، لأنَّ هذا هو المعنى الشرعي له، ولاسيَّما
(5)
إذا قوبل بالإيمان، فإنه يجب حملُه على ذلك. ثمَّ لو صحَّ هذا في بعض المواضع، فهنا إنما أراد به الكفر المخالف للإيمان، كما نصَّ عليه في الحديث، وكما سيأتي تقريره
(6)
إن شاء الله تعالى
(7)
.
وأما قول من يقول: هو على سبيل المبالغة [230/ب] والتغليظ،
(1)
حذفه في المطبوع دون تنبيه.
(2)
«ليس» من (ف) وكذا في المطبوع. وهو ساقط من الأصل.
(3)
كلمة «بعض» ساقطة من (ف).
(4)
أثبت في المطبوع «قيل» بدلًا من «ثم» .
(5)
في الأصل: «الشرعي وسيما» .
(6)
في المطبوع: «تفسيره» ، تحريف.
(7)
هذه الفقرة مقدَّمة في الأصل على الفقرة السابقة.
فلَعمري إنه
(1)
مبالغة وتغليظ! لكن على الوجه المحدود من غير مجازفة ولا مجاوزة. ومن اعتقد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح عملًا على سبيل الترغيب، أو يذمُّه على سبيل الترهيب، بمجاوزة في وصفه
(2)
، وزيادة في نعته= فقد قال قولًا عظيمًا، وجاء شيئًا إدًّا
(3)
، بل قد كفر بالله ورسوله إن فهم مضمونَ كلامه وأصرَّ عليه. ولهذا لما نهت قريش عبد الله بن عمرو
(4)
أن يكتب ما يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الغضب
(5)
توهُّمًا أنه قد يقول في الغضب ما لا يقوله في الرضا= قال: «اكتُبْ، والذي نفسي بيده ما خرج من بينهما إلا حقٌّ»
(6)
. كيف وهو صلى الله عليه وسلم لا ينطِق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يُوحَى.
نعم، هو صلى الله عليه وسلم يرغِّب في الشيء بذكر أحسن صفاته من غير مجاوزة حدِّه، ويذمُّ الفعل القبيح ببيان أقبح صفاته من غير مجاوزة أيضًا. إنما يجوز أن يُظَنَّ المبالغة الزائدة عن الحدِّ بسائر الناس الذين لا يحفظون
(7)
في
(8)
منطقهم ولا يُعصَمون في كلامهم، لاسيما الشعراء ونحوهم. ولهذا زجر الإمامُ أحمد عن تأويل أحاديث الوعيد حيث تأولها المرجئةُ على أشياءَ
(1)
في الأصل والمطبوع: «أي» .
(2)
في المطبوع: «موضعه» ، تحريف.
(3)
هذه الجملة ساقطة من المطبوع.
(4)
في الأصل: «عمر» .
(5)
«في الغضب» ساقط من المطبوع.
(6)
أخرجه أحمد (6510)، وأبو داود (3646) من حديث عبد الله بن عمرو.
وصححه الحاكم (1/ 105 - 106)، والألباني في «السلسلة الصحيحة» (1532 (.
(7)
كذا في النسختين والمطبوع، وقد يكون الصواب:«يتحفظون» .
(8)
«في» ساقط من المطبوع.
تُخرجها عن
(1)
مقصود الرسول، كما تأولت الجهمية والقدرية الأحاديثَ المخالفة لأهوائهم تأويلًا يخرجها عن مقصوده.
وأما حملُه على كفر دون كفر، فهذا منهاج
(2)
صحيح ومحمل مستقيم في الجملة في مثل هذا الكلام. ولهذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين في كثير من المواضع [231/أ] مفسَّرًا بهذا
(3)
، لكن الكفر الوارد في الصلاة هو الكفر الأعظم لوجوه:
أحدها: أنَّ الكفر المطلق هو الكفر الأعظم المُخرِج عن الملَّة، فينصرف الإطلاق إليه؛ وإنما صُرِف
(4)
في تلك المواضع إلى غير ذلك لقرائن وضمائم
(5)
انضمَّت إلى الكلام، ومن تأمَّل سياقَ كلِّ حديث وجدها معه
(6)
؛ وليس هنا شيء يُوجب صرفَه عن ظاهره، بل هنا ما يقرِّره
(7)
على الظاهر.
الثاني: أنَّ ذاك الكفر منكَّر مبهَم، مثل قوله:«وقتاله كفر» ، وقوله
(8)
: «هما بهم كفر» ، وقوله:«كفر بالله» ، وشبه ذلك. وهنا عُرِّفَ باللام بقوله:
(1)
في الأصل: «على» .
(2)
في الأصل: «مباح» ، تصحيف. وفي المطبوع:«حمل» .
(3)
«بهذا» ساقط من الأصل والمطبوع.
(4)
في (ف): «يُصرف» .
(5)
«وضمائم» ساقط من المطبوع.
(6)
في الأصل والمطبوع: «وجده معه» ، ولعل الصواب ما أثبت.
(7)
في الأصل: «نقرره» ، وفي المطبوع:«تقرره» .
(8)
«وقوله» ساقط من الأصل.
«ليس بين العبد وبين الكفر» أو قال: «الشرك» . والكفر المعرَّف
(1)
ينصرف إلى الكفر المعروف، وهو المُخرِج عن الملَّة.
الثالث: أن في بعض الأحاديث: «فقد خرج عن الملَّة» وفي بعضها: «بينه وبين الإيمان» . وفي بعضها: «بينه وبين الكفر» . وهذا كلُّه يقتضي أن الصلاة حدٌّ يُدخله إلى الإيمان إن فعله، ويُخرجه عنه إن تركه.
الرابع: أن قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس بين العبد وبين الكفر إلا تركُ الصلاة» ، وقوله: كان أصحابُ محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركُه كفرٌ إلا الصلاة= لا يجوز أن يراد به إلا الكفر الأعظم، لأن بينه وبين غير ذلك مما يسمَّى كفرًا أشياء كثيرة. ولا يقال: فقد يخرج عن الملَّة بأشياء غير الصلاة، لأنا نقول: هذا ذُكِر
(2)
في سياق ما كان من الأعمال المفروضة على العموم يُوجِب تركُه الكفرَ. وما سوى ذلك من الاعتقادات فإنه ليس [231/ب] من الأعمال الظاهرة.
الخامس: أنه خرج هذا الكلامُ مخرجَ تخصيصِ الصلاة وبيان مزيَّتها
(3)
على غيرها في الجملة. ولو كان ذلك
(4)
الكفر فسقًا لشاركها في ذلك عامَّةُ الفرائض.
السادس: أنه بيَّن أنها آخر الدين، فإذا ذهب آخره ذهب كلُّه.
(1)
في الأصل والمطبوع: «المعروف» ، تحريف.
(2)
في (ف): «ذكره» .
(3)
في (ف): «مرتبها» ، وقال ناسخها:«لعله: مرتبتها» . وفي الأصل والمطبوع: «مرتبتها» ، ولعله تصحيف ما أثبت.
(4)
«ذلك» ساقط من (ف).
السابع: أنه بيَّن أنَّ الصلاة هي العهد الذي بيننا وبين الكفار، وهؤلاء هم الخارجون
(1)
عن الملَّة، ليسوا الداخلين فيها. واقتضى ذلك
(2)
أنَّ مَن ترك هذا العهد فقد كفَر، كما أنَّ من أتى به فقد دخل في الدين. ولا يكون هذا إلا في الكفر المُخرِج عن الملَّة.
الثامن: أنَّ قول عمر: «لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة» أصرحُ شيء في خروجه عن الملَّة. وكذلك قول ابن مسعود وغيره، مع أنه بيَّن أنَّ إخراجها عن الوقت ليس هو المكفِّر
(3)
، وإنما هو الترك بالكلِّيّة، وهذا لا يكون إلا فيما يُخرِج عن الملَّة.
التاسع: ما تقدَّم من حديث معاذ، فإنَّ فسطاطًا على غير عمود لا يقوم، كذلك الدين لا يقوم إلا بالصلاة
(4)
.
وفي هذه الوجوه ما
(5)
يُبطِل قولَ من حملها على من تركها جاحدًا، مثلَ
(6)
قوله: «كانوا لا يرون شيئًا من الأعمال تركُه كفرٌ» وقوله: «ليس بين العبد وبين الكفر» وغير ذلك، مما يوجب اختصاص الصلاة
(7)
بذلك. وتركُ الجحود لا فرق فيه بين الصلاة وغيرها. ولأن الجحود نفسه هو الكفر من غير
(1)
حذف في المطبوع: «هؤلاء» ، وأثبت «خارجون» دون تنبيه.
(2)
«ذلك» ساقط من (ف).
(3)
في الأصل والمطبوع: «الكفر» ، تصحيف.
(4)
الوجه التاسع برمّته ساقط من (ف).
(5)
في الأصل: «لا» مع تصحيحها في الحاشية. وهي ساقطة من المطبوع.
(6)
أثبت مكانها في المطبوع: «أيضًا» دون تنبيه.
(7)
لفظ «الصلاة» ساقط من الأصل.
ترك، [232/أ] حتى لو فعلها مع ذلك لم ينفعه، فكيف يُعلَّق
(1)
الحكمُ على ما لم يُذكَر. ولأنَّ المذكور هو الترك، وهو عامٌّ في من تركها جحودًا أو تكاسلًا. ولأن هذا عدولٌ
(2)
عن حقيقة الكلام من غير مُوجِب، فلا يلتفت إليه.
وأما الأحاديث المطلقة في الشهادتين، فعنها أجوبة
(3)
:
أحدها: أن الزهري يقول: كان هذا قبل أن تنزل الفرائض، ثم نزلت فرائض نرى أنَّ الأمر
(4)
انتهى إليها. فمن استطاع أن لا يغترَّ فلا يغترَّ
(5)
.
الثاني: أنها مطلقة عامَّة، وأحاديث الصلاة مقيَّدة خاصَّة، فيُبنى
(6)
المطلَق على المقيَّد كما
(7)
روى الإمام أحمد في «مسنده» عن معاذ بن جبل قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن لقيَ الله لا يشرك به شيئًا، يصلِّي الخمسَ ويصوم رمضان، غُفِر له» . قلتُ: أفلا
(8)
أبشِّرهم يا رسولَ الله؟ قال: «دَعْهم يعمَلوا»
(9)
. ويحقِّق هذا أنَّ مَن جحد آيةً من كتاب الله تعالى أو عَلَمًا
(1)
من (ف)، وكذا في المطبوع. وفي الأصل:«علق» .
(2)
في الأصل: «عول» . وصوابه من (ف) وكذا في المطبوع.
(3)
لفظ «أجوبة» ساقط من (ف) واقترحه ناسخها في الحاشية، وهو كما قال في الأصل.
(4)
ساقط من الأصل.
(5)
انظر: «صحيح مسلم» (264).
(6)
كذا في (ف). وفي الأصل والمطبوع: «فيقضي» ، وهذا يقتضي أن يقول: المقيد على المطلق».
(7)
في المطبوع: «وكما» ، زاد الواو في المتن.
(8)
«أفلا» من (ف) وكذا في «المسند» .
(9)
برقم (22028) من طريق زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن معاذ بن جبل به.
في إسناده انقطاع، عطاء لم يسمع من معاذ كما في «تحفة التحصيل» (353)، وقد اختلف فيه على زيد وعطاء أيضًا، وله شواهد ومتابعات ترقى به إلى الصحة، انظر: حاشية محققي «مسند أحمد» (36/ 407).
ظاهرًا من أعلام الدين، فهو كافر وإن اندرج
(1)
في هذه العمومات.
الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم قصَد بيانَ الأمر الذي لا بدَّ منه في جميع الأشياء، والذي قد يُكتفَى به عن غيره في جميع الخلق، وهو الشهادتان؛ فإنَّ الصلاة قد لا تجب على الإنسان، إذا أسلم ومات قبل الوقت. وربَّما أخَّرها ينوي قضاءَها ومات قبل ذلك.
الرابع: أنَّ هذا كلَّه محمول على من يؤخِّرها عن وقتها وينوي قضاءها أو يحدِّث به نفسه، كالأمراء الذين كانوا يؤخِّرون الصلاة [232/ب] حتى يخرج الوقت. وكما فسَّره ابن مسعود وبيَّن أنَّ تأخيرها عن وقتها من الكبائر، وأنَّ تركَها بالكلِّية كفر. ولذلك
(2)
أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالكفِّ عن قتال هؤلاء الأئمة ما صلَّوا. فعُلِم أنهم لو تركوا الصلاةَ لَقُوتِلوا. والإمام لا يجوز قتاله حتى يكفُر، وإلا فبمجرَّد الفسق لا يجوز قتاله. ولو جاز قتالُه بذلك لقوتل على تفويتها، كما يقاتل على تركها. وهذا دليل مستقلٌّ في المسألة. ويُحمَل أيضًا على من يُخِلُّ ببعض فرائضها في بعض
(3)
الأوقات وشبه ذلك. فأمَّا من لم يصلِّ
(4)
قطُّ في طول عمره، ولم يعزم على الصلاة، ومات على غير توبة أو خُتِم له بذلك= فهذا كافر قطعًا. وكذلك قوله:«من لم يُحافِظ عليها»
(1)
في الأصل: «يندرج» ، والمثبت من (ف)، وكذا في المطبوع.
(2)
في الأصل والمطبوع: «كذلك» .
(3)
في الأصل والمطبوع: «ببعض» .
(4)
في الأصل والمطبوع: «لا يصلي» .
فإنه يُفهَم منه فعلُها مع الإخلال بالمحافظة.
ومثل ذلك ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ أول ما يحاسَب به العبد يوم القيامة: الصلاة المكتوبة. فإن أتمَّها وإلا قيل: انظُروا هل له
(1)
من تطوُّع؟ فإنْ كان له تطوُّعٌ
(2)
أُكمِلَت
(3)
الفريضة من تطوعه. ثم يُفعَل بسائر الأعمال المفروضة مثلُ ذلك» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن
(4)
(5)
.
وأيضًا فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، كما دلَّ عليه
(1)
«له» ساقط من المطبوع.
(2)
«فإن
…
تطوع» ساقط من الأصل لانتقال النظر.
(3)
في المطبوع: «فأكملت» . لم يفطن للسقط في الأصل، فأصلح العبارة بزيادة الفاء دون إشارة إلى صنيعه.
(4)
في طبعتي شاكر وبشار (413): «حسن غريب» .
(5)
أحمد (7902)، وأبو داود (865)، وابن ماجه (1425)، والترمذي (413)، والنسائي (466).
في إسناده مقال؛ اختلف فيه اختلافًا كثيرًا، قال المزي في «تهذيب الكمال» (3/ 346):«هو حديث مضطرب، منهم من رفعه، ومنهم من شك في رفعه، ومنهم من وقفه، ومنهم من قال: عن الحسن، عن رجل من بني سليط، عن أبي هريرة، ومنهم من قال: عن الحسن، عن أبي هريرة» . وقال الترمذي: «حديث حسن غريب من هذا الوجه» ثم أشار إلى بعض أوجه الاختلاف في إسناده، وصححه ابن القطان في «بيان الوهم» (5/ 229) وغيره. وله شواهد من حديث أنس بن مالك وتميم الداري وغيرهما يشد بعضها بعضًا.
انظر: «العلل» للدارقطني (8/ 244 - 248)، «فتح الباري» لابن رجب (3/ 360 - 362).
الكتاب والسنة، وأجمع عليه السلف، على
(1)
ما هو مقرَّر في موضعه. فالقولُ تصديق الرسول، والعملُ تصديق القول؛ فإذا خلا العبد عن العمل بالكلِّية لم يكن مؤمنًا. [233/أ] والقولُ الذي يصير به مؤمنًا قول مخصوص، وهو الشهادتان، فكذلك العمل هو الصلاة.
وأيضًا ما احتجَّ به ابن شَاقْلا
(2)
، ويذكر عن الإمام أحمد: أنَّ إبليس بامتناعه عن السجود لآدم قد لزمه الكفرُ واللعنةُ، فكيف من يمتنع عن السجود لله تعالى؟ وهذا لأنَّ الكفر لو كان مجرَّد الجحد أو إظهار الجحد
(3)
لما كان إبليس كافرًا، إذ هو
(4)
خلاف نصِّ القرآن.
وأيضًا فإنَّ حقيقة الدين هو الطاعة والانقياد، وذلك إنما يتمُّ بالفعل، لا بالقول فقط. فمن لم يفعل لله شيئًا فما دان لله
(5)
دينًا، ومن لا دين له فهو كافر.
فأما قياس الصلاة على غيرها من الأركان، فقد ذكر أبو بكر
(6)
عن أحمد أنه يصبح
(7)
مرتدًّا بترك الأركان الخمسة.
(1)
في المطبوع: «وعلى» ، زاد الواو.
(2)
انظر: «الفروع» (1/ 422) و «الإنصاف» (3/ 30).
(3)
«أو إظهار الجحد» ساقط من (ف)، وفيها:«بمجرد الجحد» .
(4)
في (ف): «وهو» .
(5)
في (ف): «كان الله» ، وقال ناسخها:«لعله: فما كان له» ، والصواب ما أثبت من الأصل.
(6)
في كتاب «الخلاف» . انظر: «المستوعب» (1/ 143). والروايات الأخرى في «الفروع» (1/ 421) و «الإنصاف» (3/ 34).
(7)
في (ف): «أبو بكر أنه يصير» .
وعنه: أنه بترك الصلاة والزكاة فقط.
وعنه: بترك الصلاة والزكاة إذا قاتل الإمام عليها.
وعنه: بترك الصلاة فقط
(1)
.
وبكلِّ حال، فالصلاة لها شأنٌ انفردت به عن سائر الأعمال، ويتبيَّن ذلك من وجوه، نذكر بعضَها مما انتزعه الإمام أحمد
(2)
وغيره.
أحدها: أنَّ الله سمَّى الصلاة إيمانًا بقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]، يعني: صلاتَكم إلى بيت المقدس؛ لأنَّ بالصلاة
(3)
يُصدِّق عملُه قولَه، وتحصل طمأنينة القلب واستقراره إلى الحق. ولا يصحُّ أن يكون المراد به مجرَّد تصديقهم بفرض الصلاة، لأن هذه الآية نزلت فيمن صلَّى إلى بيت المقدس، ومات ولم يدرك [233/ب] الصلاة إلى الكعبة. ولو كان المراد به
(4)
مجرَّد التصديق لَشَرِكَهم في ذلك كلُّ الناس إلى
(5)
يوم القيامة فإنهم يصدِّقون بأن الصلاة
(6)
إلى بيت المقدس إذ ذاك كانت حقًّا، ولم يتأسَّفوا على تصديقهم بفرض معين لم ينزل
(7)
، كما لم يتأسَّفوا على
(1)
بعده في (ف): «ولهذا موضع غير هذا» .
(2)
في «رسالته في الصلاة» التي أوردها ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (2/ 437 - 475).
(3)
الأصل: «الصلاة تصدق علمه وقوله» . وفي المطبوع: «
…
عمله وقوله».
(4)
«المراد به» ساقط من المطبوع.
(5)
في الأصل: «وفي» .
(6)
في (ف): «بالصلاة» .
(7)
في الأصل: «لم يترك» .
ترك تصديقهم بالحج وغيره من الفرائض. ولم يكن اعتبار
(1)
تصديقهم بالصلاة فقط أولى من تصديقهم بجميع ما جاء به الرسول. هذا مع أنه خروج عمَّا عليه أهل التفسير وعمَّا يدل عليه الكلام.
الثاني
(2)
: أنَّ الله افتتَح أعمالَ المفلحين بالصلاة فقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} ، وختمها بالصلاة فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ
(3)
يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 1 - 9].
وكذلك ثُنْياه
(4)
في قوله: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} إلى قوله: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المعارج: 22 - 34]، الآيات، جمعَتْ
(5)
خصالَ أهل الجنة، وملاكُها: الصلاة
(6)
.
الثالث
(7)
: أن الله تعالى خصَّها بالأمر بعد أن تدخل في عموم المأمور به، فقال لنبيه:{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} . وتلاوة الكتاب: اتباعُه،
(1)
في الأصل: «الاعتماد» .
(2)
أثبت في المطبوع: «الباري» مع وضوح الكلمة في الأصل، ثم غيَّر ما قبله وما بعده هكذا دون تنبيه: «وعمَّا يدل عليه كلامُ الباري لأن الله
…
».
(3)
في النسختين: «على صلاتهم» ، وهي قراءة حمزة والكسائي من السبعة.
(4)
يعني الاستثناء، وفي الأصل:«بناه» ، تصحيف.
(5)
يعني الثُّنيا. في (ف): «الآيتان جميعًا» ، وفي الأصل:«وهاتان الآيتان جمعت» . ولعل الصواب ما أثبت.
(6)
لفظ «الصلاة» ساقط من المطبوع.
(7)
في المطبوع: «الثاني» . لما أخطأ في قراءة «الثاني» غيَّر الثالث إلى الثاني، والرابع إلى الثالث، وهكذا إلى الثالث عشر، دون إشارة إلى هذا التصرف.
والعملُ بما فيه من جميع شرائع الدين. ثم قال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ} [العنكبوت: 45] فخصَّها بالذكر تمييزًا لها وتخصيصًا
(1)
.
وكذلك قوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبياء: 73]، خصَّهما بالذكر مع دخولهما
(2)
في جميع الخيرات. وكذلك
(3)
قوله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء: 90].
وكذلك قوله تعالى: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 13][234/أ] فإنَّ في طاعة الله ورسوله فعل جميع الفرائض، وخصَّ الصلاة والزكاة بالذكر.
وكذلك: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: 77].
وكذلك قوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 45]، فإنَّ الصبر وإن كان هو حبسَ [النفس]
(4)
عن المكروهات، فإنَّ فيه فعلَ جميع العبادات.
(1)
هذا سياق (ف). وسياق الأصل: «الثالث: أن الله تعالى قال لنبيِّه
…
تمييزًا لها سبحانه خصَّها بالأمر
…
المأمور به». ولعل «سبحانه» تحريف «ثم إنه» . وغيَّر في المطبوع «أن تدخل» إلى «دخولها» ، وأثبت «فسبحانه» .
(2)
في الأصل والمطبوع: «خصَّها
…
دخولها»، تصحيف.
(3)
«كذلك» ساقط من (ف).
(4)
في الأصل: «عن الحبس» ، وفي (ف):«حبس» ، والظاهر أن كلمة «النفس» ساقطة. وفي المطبوع حذف «عن» .
وكذلك قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15]، فإن الزكاة
(1)
تعُمُّ العمل الصالح كلَّه وإن خصَّ بالصدقة وغيرها.
وكذلك
(2)
قوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 97 - 99]، فإنَّ العبادةَ
(3)
تعُمُّ جميعَ الطاعات، وقد خُصَّت الصلاة بالأمر بذلك
(4)
والاصطبار عليها
(5)
.
وكذلك قوله تعالى لِنجيِّه
(6)
: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14]، فإنَّ عبادة الله تعُمُّ جميعَ الأعمال الصالحة، ثم خَصَّ الصلاةَ بالذكر.
وقوله لبني إسرائيل {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي} [البقرة: 40] ينتظم جميعَ الفرائض، ثم قال:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43].
الرابع: أنَّ كلَّ عبادة من العبادات، فإنَّ الصلاة مقرونة بها
(7)
فإذا ذكرت
(1)
في الأصل والمطبوع: «الصلاة» ، وهو خطأ. والمثبت من (ف).
(2)
«كذلك» ساقط من الأصل.
(3)
«فإنَّ العبادةَ» ساقط من المطبوع.
(4)
في الأصل: «بذلك بالأمر» ، وفي المطبوع:«بذلك الأمر» .
(5)
وردت هذه الفقرة في الأصل قبل آية الحج. والمثبت من (ف).
(6)
الكلمة مهملة في الأصل، فأشكلت قراءتها، فحذفها في المطبوع.
(7)
بعده في الأصل والمطبوع: «فإن العبادة تعم جميع الطاعات، وقد خصت الصلاة بذلك الأمر والاصطبار عليها» . وهي عبارة مكررة. وقد مضت قبل قليل بعد آيات سورة الحجر.
الزكاة
(1)
قيل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} . وإذا
(2)
ذكرت المناسك قيل: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام: 62]. وإن ذكر الصوم
(3)
قيل: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]، فإنَّ الصبر المعدود من المباني
(4)
هو الصوم، لقوله صلى الله عليه وسلم:[234/ب]«صومُ شهرِ الصَّبر وثلاثةِ أيام من كلِّ شهر»
(5)
.
الخامس: أنَّ الله أمر نبيَّه أن يأمر أهله بالصلاة والاصطبار عليها
(6)
فقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا} [طه: 132]، مع أنه مأمور بالاصطبار على جميع العبادات لقوله
(7)
: {وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم: 65]، وبإنذارهم بجميع الأشياء لقوله:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].
(1)
كلمة «الزكاة» ساقطة من الأصل.
(2)
في (ف): «وإن» .
(3)
كذا قال هنا. وفي مواضع أخرى من كتبه فسَّر الصبر في الآية بالمعنى المعروف. وله رسالة مستقلة في تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} ضمن «جامع الرسائل» (1/ 81 - 84). وانظر: «قاعدة في الصبر» (ص 74) و «جامع المسائل» (6/ 315).
(4)
يعني: مباني الإسلام الخمسة. وفي الأصل: «في المباني» ، والمثبت من (ف). وفي المطبوع:«المثاني» ، تصحيف.
(5)
أخرجه من حديث أبي هريرة أحمد (7577)، والنسائي (2408).
رجال إسناده ثقات، وصححه البوصيري في «إتحاف الخيرة» (3/ 72).
وفي الباب عن أبي ذر وعلي وابن عباس وغيرهم، انظر:«إرواء الغليل» (4/ 99).
(6)
«والاصطبار عليها» ساقط من الأصل.
(7)
في (ف): «بقوله» هنا وفيما يأتي.
السادس: أنَّ الله فرضها ليلة الإسراء، وأمر بها نبيَّه بلا توسُّطِ رسول ولا غيره.
السابع: أنه أوجبها على كلِّ حال، ولم يعذِر بها مريضًا ولا خائفًا ولا مسافرًا ولا منكسرًا به ولا غير ذلك، بل وقع التخفيف تارةً في شرائطها، وتارةً في عددها، وتارةً في أفعالها؛ ولم تسقط مع ثبات العقل قطُّ
(1)
.
الثامن: أنه اشترط لها أكملَ الأحوال من الطهارة، والزينة باللباس، والاستقبال، مما لم يشترط في غيرها.
التاسع: أنه استعمل فيها جميع أعضاء الإنسان من القلب واللسان وسائر الجوارح، وليس ذلك لغيرها.
العاشر: أنه نهى أن يشتغل فيها بغيرها حتى باللحظة
(2)
واللفظة والفكرة.
الحادي عشر: أنها أولُ ما يجب من الأعمال، وآخرُ ما يسقط وجوبه.
الثاني عشر: أنها دين الله الذي يدين به أهل السماء
(3)
والأرض، وهي مفتاح شرائع الأنبياء كلِّهم؛ فإنَّ كلَّ من دان اللهَ من العقلاء فإنَّ عليه الصلاة
(4)
. [235/أ] ولم يُبعث نبيٌّ إلا بالصلاة، بخلاف الصوم والحجِّ والزكاة. ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لما اشترطوا أن لا يُجَبُّوا
(5)
، يعني: لا يركعوا:
(1)
«قط» ساقط من الأصل.
(2)
في المطبوع: «بالخطرة» ، تصحيف.
(3)
في المطبوع: «السماوات» .
(4)
في (ف): «صلاة» بالتنكير هنا وفي الجملة التالية.
(5)
«لا» ساقطة من الأصل. وفي المطبوع: «يحيُّوا» ، تصحيف.
«لا خيرَ في دينٍ لا تجبيةَ
(1)
فيه»
(2)
.
الثالث عشر: أنها مقرونة بالتصديق في قوله تعالى
(3)
: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31 - 32]، وقوله:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام: 92]، وقوله تعالى:{وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (71) وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ} [الأنعام: 71 - 72].
وخصائص الصلاة كثيرة جدًّا، فكيف تقاس بغيرها!
فصل
(4)
قال أصحابنا: يُحكَم بكفره في الوقت الذي يُباح فيه دمُه، وهو ما إذا
(5)
(1)
في الأصل والمطبوع: «تحية» ، تصحيف.
(2)
أخرجه أحمد (17913)، وأبو داود (3026)، من طرق عن الحسن البصري، عن عثمان بن أبي العاص، أن وفد ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم، فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحشروا، ولا يعشروا، ولا يجبوا، ولا يستعمل عليهم غيرهم، قال: فقال صلى الله عليه وسلم: «إن لكم أن لا تحشروا، ولا تعشروا، ولا يستعمل عليكم غيركم» ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا خير في دين لا ركوع فيه» .
وصححه ابن خزيمة (1328)، وانتقاه ابن الجارود (373)، وفي سماع الحسن من عثمان نظر، كما في «تحفة التحصيل» (89)، وانظر:«ضعيف أبي داود: الكتاب الأم» (529).
(3)
في الأصل: «بقوله» .
(4)
«وخصائص الصلاة
…
فصل» ساقط من (ف) وفي موضعه بياض.
(5)
رسمها في الأصل: «اذي» .
دُعِيَ، فامتنع، كما تقدَّم. قال الإمام أحمد
(1)
: إذا قال: لا أصلِّي، فهو كافر. نصَّ
(2)
على
(3)
أنه لا يَرِث ولا يُورَث. ويكون حكمه حكم المرتدِّ في جميع أموره، بحيث لا يُغسَل ولا يصلَّى عليه ولا يُدفَن في مقابر المسلمين، إلا أنه لا يسقط عنه شيءٌ من الصلوات في زمن الرِّدَّة
(4)
، وإن أسقطناها عن المرتدِّ، لأنه إنما كفَر بتركها، فلو سقطت عنه لزال سببُ الكفر.
وإذا صلَّى بعد الامتناع عاد بذلك إلى الإسلام من الردَّة، وصحَّت صلاته. وإن كان الكافر الأصلي لا تصح صلاته قبل الشهادتين، لأن هذا كفرُه بترك فعلٍ، فإذا فعله عاد إلى الإسلام، كما أنَّ مَن كفرُه بترك الإقرار إذا أتى بالإقرار عاد إلى الإسلام.
فإن قيل: [235/ب] فالمرتدُّ غير هذا، لا يصحُّ إسلامه حتى يأتي بالشهادتين، كيفما كانت ردَّته
(5)
.
قيل
(6)
: ذلك لأنه جاحد، فلا بدَّ أن يأتي بأصل كلمة الإقرار التي تتضمن جميع التصديق والاعتراف. وهذا معترفٌ، فيكفيه الفعل.
(1)
في «مسائل أبي داود» (ص 364)، وانظر:«مسائل الروايتين» (1/ 195).
(2)
فيما نقله العباس بن أحمد اليماني. انظر: «مسائل الروايتين» (1/ 195).
(3)
في الأصل: «نصَّ عليه» ، وفي (ف):«وعن علي» . ولعل الصواب ما أثبت، ونحوه في المطبوع.
(4)
«في زمن الردة» من (ف).
(5)
بعده في (ف): «تتضمن جميع التصديق والاعتراف» وموضعه فيما يأتي كما في الأصل.
(6)
في الأصل والمطبوع: «قبل» ، تصحيف أفسد سياق الكلام.
فأمَّا إذا لم يُدْعَ ولم يمتنع، فهذا لا يجري عليه شيء من أحكام المرتدِّين في شيء من الأشياء. ولهذا لم يُعلم أنَّ أحدًا من تاركي الصلاة تُرِك غسلُه والصلاةُ عليه ودفنُه مع المسلمين، ولا مُنِع ورثتُه ميراثَه، ولا أُهدِر
(1)
دمُه بسبب ذلك، مع كثرة تاركي الصلاة في كلِّ عصر. والأمة لا تجتمع على ضلالة. وقد حمل بعض أصحابنا أحاديث الرجاء على هذا الضرب.
فإن قيل: فالأدلَّة الدالَّة على التكفير عامَّة عمومًا مقصودًا، وإن حملتموها على هذه الصورة ــ كما قد
(2)
قيل ــ قلَّت فائدتُها، وزال
(3)
مقصودها الأعظم؛ وليس في شيء منها هذه القيود.
قلنا: الكفر على قسمين: قسم تُبنى عليه أحكام الدنيا من تحريم المناكح والذبائح، ومنع التوارث و
(4)
العقل وحلِّ الدم والمال وغير ذلك= فهذا إنما يثبت إذا ظهر لنا كفره، إما بقول يوجب الكفر، أو عملٍ مثل السجود للصنم وإلى
(5)
غير القبلة، والامتناع عن الصلاة، وشبه ذلك. فهذا النوع لا نرتِّبه على تارك الصلاة حتى نتحقَّق
(6)
امتناعه الذي هو الترك، لجواز
(7)
أن يكون قد نوى القضاء فيما بعد، أو له عذر وشبه ذلك.
(1)
في المطبوع: «إهدار» ، والصواب ما أثبت من النسختين.
(2)
«قد» ساقط من المطبوع.
(3)
في المطبوع: «وإدراك» ، تحريف.
(4)
الواو ساقط من الأصل.
(5)
«وإلى» تكرر في الأصل.
(6)
في الأصل: «يحقق» ، وفي المطبوع:«يتحقق» ، والمثبت من (ف).
(7)
في (ف): «ويجوز» .
[236/أ] والثاني: ما يتعلق بأحكام الآخرة، من الانحياز
(1)
عن أمة محمد، واللَّحاق بأهل الكفر، ونحو ذلك= فهذا قد يجري
(2)
على كثير ممن يدعي الإسلام. وهم المنافقون الذين أمرُهم بالكتاب والسنة معلوم، الذين قيل فيهم:{يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} إلى قوله: {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} الآية [الحديد: 13 - 14]. فمن لم يصلِّ، ولم ينو
(3)
أن يصلِّي قطُّ، ومات على ذلك من غير توبة= فهذا تارك الصلاة، مندرجٌ في عموم الأحاديث؛ وإن لم يظهر في الدنيا حكمُ كفره.
ومن قال من أصحابنا: لا يُحكَم بكفره إلا بعد الدعاء والامتناع، فينبغي أن يُحمَل قولُه على الكفر الظاهر. فأما كفر المنافقين فلا يجوز
(4)
أن يُشترَط له ذلك، فإنَّ أحمد وسائر أصحابنا لم يشترطوا لحقيقة الكفر هذا الشرط.
فأما إن أخَّرها عن وقتها، وفعَلها فيما بعد، فمات؛ أو كان ممَّن نيَّته
(5)
أن يفعلها فيما بعد، فمات= فهذا مع أنه فاسق من أهل الكبائر ليس بكافر، كالأمراء الذين يؤخِّرون الصلاة حتى يخرج وقتها
(6)
. ولذلك أمرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن نصلِّي
(1)
في المطبوع: «والانحياز» ، أثبت الواو في موضع «من» ، وهو خطأ.
(2)
في الأصل: «يجر» مهملة. وفي المطبوع: «يجوز» .
(3)
في الأصل والمطبوع: «ير» .
(4)
«يجوز» ساقط من الأصل، فحذف في المطبوع «أن» .
(5)
في المطبوع: «يلزمه» . والصواب ما أثبت من النسختين.
(6)
في المطبوع: «الوقت» ، والمثبت من الأصل.
معهم النافلة. ولذلك قال ابن مسعود: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 5] أخَّروها حتى يخرج الوقت
(1)
ولو تركوها لكانوا كفَّارًا
(2)
.
وهذا الضرب كثير في المسلمين، وهم من أهل الكبائر الذين ادُّخِرَت [236/ب] لهم الشفاعة. وما جاء من الرجاء لمن يتهاون بالصلاة
(3)
، فإليهم ينصرف. ولهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:«ومن لم يحافظ عليها لم يكن له عند الله عهد» . ونفيُ المحافظة لا ينفي الفعل، بخلاف ما لم يعزم
(4)
فإنه يكون تاركًا
(5)
بالكلية كما تقدَّم.
وكذلك من أخلَّ بما
(6)
يسوغ فيه الخلاف من شرائطها وأركانها. وأمَّا من أخلَّ بشيء من شرائطها وأركانها التي لا يسوغ فيها الخلاف بعد العلم
(7)
، فهذا بمنزلة التارك لها، فيما ذكره أصحابنا، كما تقدَّم من حديث حذيفة. ولأنَّ هذه الصلاة وجودُها كعدمها في منع الاكتفاء بها، فأشبَه من آمن ببعض الكتاب، وكفَر ببعض.
(1)
في المطبوع: «وقتها» .
(2)
سبق تخريجه.
(3)
في المطبوع: «في الصلاة» .
(4)
في الأصل: «ما لم يقم» ، تحريف. ولعل الصواب ما أثبت، انظر ما تقدم (ص 80). وأثبت في المطبوع: «من لم
…
» هكذا بالنقط، وقال في التعليق:«فراغ في المخطوط، ولعل تقديره: من لم يصل مطلقًا» . والواقع أنه لا فراغ في المخطوط.
(5)
«بخلاف
…
تاركًا» لم يرد في (ف).
(6)
في الأصل: «ما» .
(7)
«بعد العلم» ساقط من الأصل.
فأمَّا من يترك الصلاة بعضَ الأوقات لا يقضيها ولا ينوي قضاءها، أو يُخِلُّ ببعض فرائضها ولا يقضيها ولا ينوي قضاءها= فمقتضى ما ذكره كثيرٌ من أصحابنا: أنه يكفر بذلك. فإن دُعي إليها وامتنَع حُكِم عليه بالكفر الظاهر، وإلا لحقه حكمُ الكفر الباطن بذلك
(1)
. ثم إذا صلَّى الأخرى صار مؤمنًا، لِمَا
(2)
دلَّ على ذلك قولُه: «من ترك صلاة العصر متعمِّدًا حبِط عملُه»
(3)
وقوله: «من ترك الصلاة عمدًا فقد برئت منه الذمةُ»
(4)
. ولا يلزم من ذلك ثبوت
(5)
أحكام الكفر في حقِّه كالمنافقين.
والأشبه في مثل هذا: أنه لا يكفر بالباطن أيضًا، حتَّى يعزم على تركها بالكلية، كما لم يكفر بتأخيرها
(6)
عن وقتها؛ لِمَا
(7)
تقدَّم من الأحاديث، ولأن الفرائض تُجبَر يوم القيامة بالنوافل، ولأنه متى [237/أ] عزَم على بعض الصلوات
(8)
فقد أتى بما هو بمجرَّده إيمان
(9)
.
(1)
«بذلك» لم يرد في (ف).
(2)
في النسختين والمطبوع: «كما» .
(3)
سيأتي تخريجه.
(4)
سبق تخريجه.
(5)
في الأصل والمطبوع: «ولا يلزم ذلك أحكام» .
(6)
في المطبوع: «في تأخيرها» .
(7)
في الأصل والمطبوع: «كما» .
(8)
في الأصل: «ببعض الصلاة» ولعله تصحيف. وفي المطبوع: «عزم على بعض الصلاة» .
(9)
في الأصل: «بمجرد إيمان» . فأصلحه في المطبوع بحذف الباء.