المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثانيأن المأموم لا تجب عليه القراءة - شرح عمدة الفقه - ابن تيمية - ط عطاءات العلم - جـ ٢

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصلاة

- ‌الصلاة في أصل اللغة:

- ‌مسألة(2): (فمَن جحَد وجوبَها لجهله عُرِّف ذلك، وإن جحَدها عنادًا كفَر)

- ‌ مسألة(5): (فإنْ ترَكها تهاونًا استُتيب ثلاثًا. فإن تاب وإلّا قُتِل)

- ‌باب الأذان والإقامة

- ‌مسألة(1): (وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء)

- ‌الفصل الثاني: أنه لا يُشرَع الأذان والإقامة إلا للصلوات الخمس

- ‌الفصل الثالث: أنَّ النساء لا يُشرَع لهن أذان ولا إقامة

- ‌مسألة(2): (ويقول في أذان الصبح: «الصلاةُ خيرٌ من النوم» مرَّتَين بعد الحَيعلة)

- ‌مسألة(2): (ولا يؤذن قبل الوقت إلا لها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ بلالًا يؤذِّن بليل، فكلوا واشربوا حتَّى يؤذِّن ابن أم مكتوم»)

- ‌مسألة(3): (قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذنَ فقولوا مثلَ ما يقول»)

- ‌يستحَبُّ للمؤذن أن يقول سرًّا مثل ما يقول علانية

- ‌يُستحبُّ إذا سمع الإقامة أن يقول مثلَ ما يقول المؤذِّن

- ‌فصلالسنَّة أن يقيم من أذَّن

- ‌السنَّة أن يكون الأذان والإقامة في موضع واحد

- ‌فصليستحبُّ أن يفصل بين الأذان والإقامة للمغرب بجلسة بقدر ركعتين

- ‌باب شرائط(1)الصلاة

- ‌مسألة(2): (وهي ستة

- ‌ مسألة: (أحدها: الطهارة من الحدث، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صلاةَ مَن أحدَث حتَّى يتوضَّأ»(1). وقد مضى ذكرها

- ‌مسألة(3): (الثاني: الوقت)

- ‌مسألة(3): (ووقت الظهر(4): من زوال الشمس إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيء مثلَه)

- ‌مسألة(3): (ووقت العصر ــ وهي الوسطى ــ من آخر وقت الظهر إلى أن تصفرَّ الشمس. ثم يذهب وقتُ الاختيار، ويبقى وقتُ الضرورة إلى غروب الشمس)

- ‌الفصل الثالث: أن وقت الضرورة يبقى إلى أن تغيب جميع الشمس

- ‌مسألة(4): (ووقت المغرب: من الغروب إلى مغيب الشفق الأحمر)

- ‌مسألة(2): (ووقت العشاء من ذلك إلى نصف الليل. ويبقى وقت الضرورة إلى طلوع الفجر الثاني)

- ‌مسألة(1): (ووقت الفجر: من ذلك إلى طلوع الشمس)

- ‌مسألة(1): (ومن كبَّر للصلاة قبل خروج وقتها فقد أدركها)

- ‌مسألة(1): (والصلاة في أول الوقت أفضل، إلَّا عشاءَ الآخرة، وفي شدة الحرِّ الظهر)

- ‌الفصل الثاني في(2)تفصيل الصلوات

- ‌أمَّا الجمعة، فالسنَّة أن تصلَّى في أول وقتها في جميع الأزمنة

- ‌فصليجوز أن يقضي الفوائت بسننها الرواتب وبدونها

- ‌مسألة(2): (الشرط الثالث: ستر العورة بما لا يصف البشَرة)

- ‌مسألة(2): (وعورة الرجل والأَمة: ما بين السرَّة والركبة. والحرَّة كلُّها عورة إلا وجهها وكفَّيها. وأمُّ الولد والمعتَق بعضُها كالأمة)

- ‌الفصل الثاني في عورة المرأة الحرَّة البالغة

- ‌مسألة(1): (ومن صلَّى في ثوب مغصوب أو دار مغصوبة لم تصحَّ صلاتُه)

- ‌مسألة(2): (ولبسُ الحرير والذهب مباحٌ للنساء، دون الرجال إلا عند الحاجة

- ‌من حَرُم عليه لبسه حَرُم عليه سائر وجوه الاستمتاع به

- ‌الفصل الثاني في الذهب

- ‌القسم الثاني: التحلِّي به

- ‌مسألة(2): (ومن صلَّى من الرجال في ثوب واحد، بعضُه على عاتقه، أجزأه ذلك)

- ‌مسألة(4): (فإن لم يجد إلا ما يسترُ عورته ستَرها)

- ‌الصورة الثانية: أن يستر الثوبُ منكبيه وعجيزته، أو عورته

- ‌مسألة(1): (فإن لم يكفِ جميعَها ستَر الفرجَين. فإن لم يكفهما ستَر أحدهما)

- ‌مسألة(1): (فإن عَدِم بكلِّ حال صلَّى جالسًا يومئ بالركوع والسجود. وإن صلَّى قائمًا جاز)

- ‌مسألة(3): (ومن لم يجد إلا ثوبًا نجسًا أو مكانًا نجسًا صلَّى فيهما، ولا إعادة عليه)

- ‌فصلإذا وجد السترة في أثناء الصلاة قريبةً منه استتر وبنى

- ‌متى ضاق وقتُ الوجوب عن تحصيل الشرط والفعل قُدِّم الفعلُ في الوقت بدون الشرط

- ‌فصليُكرَه السَّدْلُ في الصلاة

- ‌فصليُكرَه للمصلِّي تغطيةُ الوجه، سواء كان رجلًا أو امرأةً

- ‌فصلفأمَّا الأصفر، فلا يُكرَه، سواء صُبغ بزعفران أو غيره

- ‌مسألة(1): (الشرط الرابع: الطهارة من النجاسة في بدنه وثوبه وموضع صلاته، إلا النجاسةَ المعفوَّ عنها كيسير الدم ونحوه)

- ‌مسألة(2): (فإن صلَّى وعليه نجاسة لم يكن علِمَ بها، أو علِمَها ثم نسيها، فصلاته صحيحة. وإن علِمها في الصلاة أزالها وبنَى على صلاته)

- ‌مسألة(1): (والأرضُ كلُّها مسجدٌ تصح الصلاة فيها إلا المقبرةَ والحُشَّ والحمَّامَ وأعطانَ الإبل)

- ‌الفصل الثانيفي المواضع المستثناة التي نُهِيَ عن الصلاة فيها

- ‌ المقبرة والحمَّام

- ‌ أعطان الإبل

- ‌ قارعة الطريق

- ‌الفصل الثالثفي الصلاة في المواضع المنهيِّ عن الصلاة فيها

- ‌الفصل الرابعأنَّ أكثر أصحابنا لا يصحِّحون الصلاة في شيء من هذه المواضع، ويجعلونها كلَّها من مواضع النهي

- ‌الفصل الخامسفي تحديد هذه الأماكن

- ‌ المقبرة

- ‌ الحُشُّ

- ‌الفصل السادسفي عُلو هذه الأمكنة وسطوحها

- ‌فصلقال الآمدي وغيره: تُكرَه الصلاة في الرَّحَى

- ‌فصلالسنَّة أن يكون موضع الصلاة مستقرًّا مع القدرة

- ‌السبب الثاني: الوحل

- ‌السبب الثالث: المرض

- ‌مسألة(1): (الشرط الخامس: استقبال القبلة، إلَّا في النافلة على الراحلة للمسافر، فإنه يصلِّي حيث كان وجهُه

- ‌الفصل الثاني: أن استقبال القبلة يسقط مع العلم بجهتها في موضعين:

- ‌أحدهما: إذا عجز عن استقبالها

- ‌الموضع الثاني: في صلاة النافلة في السفر

- ‌مسألة(4): (فإن كان قريبًا منها لزمته الصلاة إلى عينها. وإن كان بعيدًا فإلى جهتها)

- ‌مسألة(3): (وإن خفيت القبلة في الحضر سأل واستدلَّ بمحاريب المسلمين، فإن أخطأ فعليه الإعادة. وإن خفيت في السفر اجتهد وصلَّى، ولا إعادة عليه وإن أخطأ)

- ‌ دلائل السماء

- ‌فصلومنها: النجوم

- ‌مسألة(3): (وإن اختلف مجتهدان لم يتبَع أحدُهما صاحبَه. ويتبع(4)الأعمى والعامِّيُّ أوثقهَما في نفسه)

- ‌مسألة(1): (الشرط السادس: النية للصلاة بعينها)

- ‌مسألة(1): (ويجوز تقديمها على التكبير بالزمن اليسير إذا لم يفسخها)

- ‌فصلإذا قطع النيةَ في الصلاة بطلت

- ‌باب أدب المشي إلى الصلاة

- ‌مسألة(1): (يستحبُّ المشيُ إلى الصلاة بسكينة ووقار، ويقارب بين خُطاه، ولا يشبِّك أصابعه)

- ‌مسألة(1): (ثم يقول: بسم الله {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ} الآيات إلى قوله: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 78 - 89]. ويقول(2): اللهم إني أسألك بحقِّ السائلين عليك، إلى آخره)

- ‌مسألة: (فإن سمع الإقامةَ لم يَسْعَ إليها)

- ‌مسألة(1): (وإذا أتى المسجدَ قدَّم رجله اليمنى في الدخول، وقال: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله

- ‌باب صفة الصلاة

- ‌مسألة(4): (وإذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، يجهَر بها الإمام وسائرِ التكبير، لِيُسْمِعَ مَن خلفه، ويُخفيه غيرُه)

- ‌مسألة(5): (ويرفع يديه عند ابتداء تكبيره إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه)

- ‌مسألة(6): (ويجعلهما تحت سُرَّته)

- ‌مسألة(5): (ويجعل نظره إلى موضع سجوده)

- ‌وخشوع البصر: ذُلُّه واختفاضه

- ‌يستحَبُّ في التشهد أن ينظر إلى إشارته

- ‌مسألة(2): (ثم يقول: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك»)

- ‌فصلإذا نسي الاستفتاح في موضعه لم يأت به في الركعة الثانية

- ‌مسألة(1): (ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)

- ‌أحدها: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»

- ‌ثانيها: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم»

- ‌مسألة(1): (ثم يقرأ: بسم الله الرحمن الرجيم، ولا يجهر بشيء من ذلك

- ‌السنَّة: الإسرار بها

- ‌مسألة(1): (ثم يقرأ الفاتحة، ولا صلاةَ لمن لم يقرأ بها، إلا المأموم فإنَّ قراءة الإمام له قراءة

- ‌الفصل الثانيأن المأموم لا تجب عليه القراءة

- ‌فيه لغتان: «أمين» على وزن فعيل، و «آمين» على وزن فاعيل

- ‌مسألة(4): (ثم يقرأ سورةً تكون في الصبح من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وفي سائر الصلوات من أوساطه)

- ‌ينبغي أن يطيل الركعة الأولى على الثانية من جميع الصلوات

- ‌لا بأس أن يقرأ سورتين وأكثر في ركعة في النافلة

- ‌[باب صلاة الخوف]

- ‌[مسألة(1): (وتجوز صلاة الخوف على كلِّ صفة صلَّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمختار منها: أن يجعلهم الإمام طائفتين: طائفة تحرُس، والأخرى تصلِّي معه ركعةً

- ‌الصفة الثانية:

- ‌ الصفة الثالثة

- ‌مسألة(3): (وإذا(4)اشتدَّ الخوف صلَّوا رجالًا وركبانًا إلى القبلة أو إلى غيرها يومئون بالركوع والسجود. وكذلك كلُّ خائف على نفسه يصلّي على حسب حاله، ويفعل كلَّ ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره)

- ‌متى أمِن في صلاة خوف أتمَّها صلاة أمن

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌مسألة: (كلُّ من لزمته المكتوبة لزمته الجمعة، إذا كان مستوطنًا ببناء بينه وبينها فرسخ فما دون، إلا المرأة، والعبد، والمسافر، والمعذور

الفصل: ‌الفصل الثانيأن المأموم لا تجب عليه القراءة

والقرآن وإن كان جميعه كلام الله، فبعضه

(1)

أفضل من بعض، كما أن آية الكرسي أعظم آية في القرآن

(2)

، و «قل هو الله أحد» تعدل ثلث القرآن

(3)

، ويس قلب القرآن

(4)

. ولا شبهة أن كلام الله الذي يذكر به نفسه ويتضمَّن أسماءه وصفاته أفضل من كلامه

(5)

الذي يذكر به مخلوقاته. ولا خلاف بين الأئمة أن القرآن أفضل من التوراة والإنجيل، وهو المهيمن عليهما

(6)

.

وفضلُ كلِّ شيء بحسبه، ففضلُ الكلام قد يكون بحسب المتكلِّم به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه»

(7)

. وقد يكون بحسب معانيه وما يتكلم فيه، وكلَّما كانت معانيه أشرف وأنفع كان أفضل. ولهذا فُضِّلت سورة الفاتحة والإخلاص وآية الكرسي وغير ذلك [ص 278]

(8)

من القرآن على بعضه.

‌الفصل الثاني

أن المأموم لا تجب عليه القراءة

، لا في صلاة السر ولا في الجهر، من

(1)

في الأصل والمطبوع: «وبعضه» ، ولعله تصحيف.

(2)

انظر حديث أبي بن كعب في «صحيح مسلم» (810).

(3)

أخرجه البخاري (5013) من حديث أبي سعيد، ومسلم عن أبي الدرداء (811) وأبي هريرة (812).

(4)

أخرجه الترمذي (2887) من حديث أنس، وضعَّفه لجهالة بعض رواته.

(5)

في الأصل: «كلام» ، والصواب من حاشية الناسخ.

(6)

في الأصل والمطبوع: «عليها» ، تصحيف.

(7)

تقدم تخريجه.

(8)

هذه الصفحة ساقطة من الصورة التي بين أيدينا، ولم نتمكن من تصويرها، فاعتمدنا على المطبوع.

ص: 719

غير اختلاف في المذهب؛ حتَّى كان الإمام أحمد بعد الخلاف في ذلك يقول: ما سمعت أحدًا في الإسلام يقول: إن الإمام إذا جهَر بالقرآن لا تجزئ صلاةُ من خلفه إذا لم يقرأ. وقال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعون، وهذا مالك في أهل الحجاز، وهذا سفيان في أهل العراق، وهذا الأوزاعي في أهل الشام، وهذا

(1)

الليث في أهل مصر= ما قالوا لرجلٍ

(2)

صلَّى خلف إمامه ولم يقرأ هو: صلاته باطلة

(3)

.

أما إذا جهَر الإمام، فالأدلة عليه كثيرة

(4)

. وأما إذا خافتَ فيدل عليه وجوه:

أحدها

(5)

: ما روى موسى بن أبي عائشة قال: سألت عبد الله بن شداد بن الهاد عن القراءة خلف الإمام في الظهر والعصر، فقال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، ورجلٌ خلفه يقرأ، وبجنبه رجلٌ، فجعل يومئ إليه وينهاه، حتى عرَف المنهيُّ أنه ينهاه عن القراءة. فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، فقال المنهيُّ: ما إقبالك عليَّ؟ أتنهاني أن أقرأ القرآن؟ فقال: أتقرأ ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم إمامنا؟ فقال المنهيُّ: يا رسول الله، إن هذا ينهاني أن أقرأ خلفك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من كان له إمام فقراءته له قراءة» رواه سعيد

(1)

في الأصل والمطبوع: «وهنا» ، وهو تصحيف ما أثبته من «المغني» .

(2)

في الأصل والمطبوع: «الرجل» ، والتصحيح من «المغني» .

(3)

«المغني» (2/ 262).

(4)

انظر: «مجموع الفتاوى» (23/ 269 - 279).

(5)

يلاحظ أن الوجوه الأخرى لم ترد في الأصل. ولكن ورد «الثاني» في (ص 287 من الأصل) والرابع إلى السابع في (ص 283 من الأصل)، فليتأمل.

ص: 720

وأحمد وغيرهما

(1)

.

وهذا حديث معروف ثابت عن موسى بن أبي عائشة ــ وقد أسنده بعضهم عن جابر

(2)

، والمشهور عنه مرسلًا ــ لوجوه:

أحدها: أن الذي أرسله احتجَّ به، فلولا أنه قد حدَّثه به ثقة ما جاز الاحتجاج به، وهو من كبار التابعين.

الثاني: أنه قد عضده أقوال الصحابة، كما سيأتي. وذلك نصٌّ وحجَّةٌ على من لا يقول بالمرسل

(3)

المجرَّد.

الثالث: أنه روي من غير هذا الوجه، (فليعتضد به ما يعضده)

(4)

.

الرابع: أنه شهد له ظاهر الكتاب والسنة.

(1)

وأخرجه محمد بن الحسن في «الموطأ» (124)، وعبد الرزاق (2797)، وابن أبي شيبة (3800)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 217)، من طرق عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد بن الهاد به.

رجاله ثقات، غير أنه مرسل، أرسله الثقات الأثبات، ووصله عن جابر بن عبد الله أبو حنيفة والحسن بن عمارة ــ وهو متروك ــ، قال الداقطني في «العلل» (13/ 373):«يشبه أن يكون أبو حنيفة وهم في قوله في هذا الحديث: عن جابر؛ فإن جماعة من الحفاظ رووه عن موسى بن أبي عائشة، عن عبد الله بن شداد مرسلًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: شعبة والثوري وزائدة وشريك وإسرائيل وابن عيينة وجرير بن عبد الحميد؛ كلهم أرسلوه، وهذا أشبه بالصواب» . وانظر: «العلل» لابن أبي حاتم (282)، «معرفة السنن» (3/ 78)، «إتحاف الخيرة» (2/ 80).

(2)

أخرجه محمد بن الحسن في «الموطأ» (117)، والدارقطني (1/ 323)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 217)، وانظر التخريج السابق.

(3)

في المطبوع: «بالدليل» ، والمعنى على ما أثبت.

(4)

كذا في المطبوع بين قوسين.

ص: 721

الخامس: أن الإمام أحمد وابن ماجه

(1)

رواه من حديث جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان له إمام، فقراءته له قراءة» رواه الدارقطني من حديث ليث وجابر عن أبي الزبير. وجابر الجعفي قد وثَّقه سفيان وشعبة، وقال أحمد: لم يتكلَّم فيه لحديثه، بل لرأيه، وليث قد حدث عنه الناس، وقد تكلم فيهما بالجملة. لكن الحديث [ص 279] محفوظ عن جابر، رواه مالك

(2)

عن وهب بن كيسان عن جابر

(1)

أحمد (14643)، وابن ماجه (850)، والدارقطني (1/ 331).

إسناده ضعيف، جابر وليث فيهما كلام شديد، وقد خالفا وتفردا بهذه الرواية، والموقوف على جابر هو المحفوظ في الحديث كما سيذكره الشارح.

قال أبو عبد الله الحاكم فيما نقله عنه البيهقي في «القراءة خلف الإمام» (301): «ليث بن أبي سليم وجابر بن يزيد الجعفي ممن لا تقوم الحجة برواية واحد منهما، خصوصًا إذا خالفا الثقات، وتفردا بمثل هذا الخبر المنكر، عن مثل أبي الزبير في اشتهاره وكثرة أصحابه، وجرحهما جميعًا أشهر من أن يطول الكتاب بذكره، ليث كان لا يحدث عنه يحيى القطان، وقال ابن معين: ليث ضعيف. وجابر قد جرحه جماعة من أهل الحفظ والإتقان، قال زائدة بن قدامة: جابر كان والله كذابًا يؤمن بالرجعة. وقاله أيضًا ابن عيينة. باختصار. وانظر: «العلل» للدارقطني (13/ 341).

(2)

«الموطأ» (187) ــ ومن طريقه الترمذي (313) ـ، عن جابر بلفظ:«من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام» . قال ابن عبد البر في «التمهيد» (11/ 48): «لم يرو هذا الحديث أحد من رواة الموطأ مرفوعًا، وإنما هو في الموطأ موقوف على جابر من قوله، وانفرد يحيى بن سلام برفعه عن مالك، ولم يتابع على ذلك» .

وأما اللفظ الذي أورده الشارح فأخرجه الدارقطني مرفوعًا في «غرائب مالك» كما في «نصب الراية» (2/ 10)، والبيهقي في «القراءة خلف الإمام» (161) قال الدارقطني:«هذا باطل لا يصح عن مالك، ولا عن وهب بن كيسان، وفيه عاصم بن عصام لا يعرف» ، وقد وقع خلط في نسبة هذا اللفظ إلى مالك. انظر:«بيان الوهم» (2/ 242، 302).

ص: 722

قال: «من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة» .

فإذا كان

(1)

[ص 280] للمستمع أجران

(2)

وللقارئ أجر، فلا حاجة إلى القراءة معه.

ولأنه إذا قرأ مع جهر الإمام نازع الإمامَ القراءةَ، وخالجه إياها؛ وربما منع من يليه من كمال الاستماع والإصغاء، وفاته هو الاستماع والإنصات، ولم يكد يفقه ما يقرؤه من أجل إسراعه بالقراءة، واشتغاله بقراءة الإمام. ومثل هذا لا يكون مشروعًا، بل

(3)

إلى التحريم أقرب منه إلى الاستحباب أو الإيجاب. ولأن القراءة في حال الجهر منهيٌّ عنها، والاستماع واجب، فكيف يترك ذلك لقراءة الفاتحة وهي مستحبَّة للمأموم؟ ولأن حقيقة المؤتمِّ هو المتَّبِع المقتدي للإمام في أقواله وأفعاله، كما قال تعالى:{فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أي استمِعْ له، فإذا لم يفهم ما هو فيه كان كالحمار يحمل أسفارًا. وإلى هذه المعاني أشارت الصحابة رضوان الله عليهم.

وما اعتلَّ به بعض أصحابنا من الخروج من الخلاف، ففيه أجوبة:

أحدها: أنَّ السنَّة إذا تبيَّنت تعيَّن اتباعها، ولم يقدح في حرمتها خفاؤها على بعض الأئمة. ولهذا نظائر كثيرة، ذكرنا بعضها

(4)

في باب التيمم.

(1)

وردت هنا في الأصل عبارة طويلة استغرقت نحو صفحة وربع. وقد نبَّه ناسخه على أن موضعها الصحيح بعد عشر صفحات، وقد وردت هناك، فهي تكررت هنا سهوًا.

(2)

في الأصل: «إن للمستمع أجرين» ، وكأن سبب زيادة «إن» العبارة الطويلة المقحمة بعد «كان» .

(3)

اقترح محقق المطبوع زيادة «بل» لاستقامة المعنى، وذهب عليه أنه وارد في المخطوط!

(4)

في الأصل والمطبوع: «بعضه» .

ص: 723

الثاني: أنَّ الخلاف هنا شاذّ مسبوق بالإجماع قبله.

الثالث: أن الخروج من الخلاف في هذه المسائل لا سبيل إليه، فإن أكثر الناس ينهون عن القراءة ويرون ذلك مما ينقص

(1)

الصلاة، فرعايتهم في الاختلاف أولى.

وأما الحديث المذكور

(2)

، فقد ضعَّفه الإمام أحمد وغيره، وقال: لا يصح عندنا. وقد وقفه رجاء بن حيوة على عُبادة

(3)

، وهو أشبه بالصحة. والإسناد الذي وثّقه

(4)

الدارقطني قد طعن فيه جماعة

(5)

. وبالجملة فإسناده لو تجرَّد عن معارض لكان مقارب الحال، لكن اختلف

(6)

الرواة في الإسناد وقفًا ورفعًا، ومن وقفه [ص 281] أوثق ممن رفعه. واختلافهم في رجاله

(7)

أوجب علَّةً في الحديث مع معارضة الأحاديث التي هي صحيحة.

وبكلِّ حال، فما صحَّ في هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه، فمعناه ــ والله أعلم ــ: لا تقرؤوا في صلاة الجهر إلا بأم الكتاب في حال سكتات الإمام، لا في حال جهره. وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان له سكتتان أو ثلاثة، تتسع لقراءة الفاتحة فيها، فلا يحتاجون إلى القراءة في غيرها.

(1)

في المطبوع: «ينتقص» ، والمثبت من الأصل.

(2)

سيأتي لفظه (ص 733).

(3)

الرواية الموقوفة أخرجها ابن أبي شيبة (3791).

(4)

في الأصل والمطبوع: «وقفه» ، ولعل الصواب ما أثبت، انظر:«سنن الدارقطني» : (1/ 319، 320).

(5)

انظر «التمهيد» (11/ 46)، و «التحقيق» لابن الجوزي (1/ 368 - 369).

(6)

في الأصل: «اختلاف» ، والمثبت من حاشية الناسخ.

(7)

في الأصل: «وفي رجاله» مع ثلاث نقط على الواو. ولا شك أنَّ الواو مقحمة.

ص: 724

ولذلك

(1)

قصَرهم على الفاتحة، لعلمه بأن زمن السكتات لا يتسع لغيرها، بخلاف صلاة السرِّ فإنها تتسع لأكثر من ذلك. ولهذا قال أبو سلمة:«للإمام سكتتان، فاغتنم القراءة فيهما»

(2)

. أو لعل هذا كان مقصوده، فرواه بعض الرواة بالمعنى. وبيَّن

(3)

ذلك أن قراءة غير الفاتحة لا تُشرَع في حال جهر الإمام، مع أنه سنة مؤكَّدة للإمام والمنفرد، فإذ

(4)

نهي عن هذه السنة المؤكدة وسقط اعتياضًا بالاستماع الواجب، جاز أن تسقط الفاتحة الواجبة اعتياضًا بالاستماع الواجب.

وحمل بعضهم القراءة خلف الإمام على الحال الذي كانوا يقضُون ما فاتهم، ثم يتابعون الإمام. ثم نُسِخ ذلك.

فصل

فأما القراءة في حال إسرار الإمام، فتستَحبُّ، لأنه غير مشغول عنها باستماع، ولا يشغل غيره عن الاستماع، والسكوت في الصلاة غير مشروع. ولأنَّ تلاوة القرآن في الصلاة من أفضل الأعمال، فهي أولى بالاستحباب من غيره. ولأنَّ الإمام إذا أسرَّ يحتمل أنه لا يقرأ لنسيان أو غيره، فلا يسقط الفرض عن المأموم حتى يقرأ لنفسه. والقراءة في حال الجهر إنما جاءت

(5)

لأنها تشغل

(1)

في الأصل: «وذلك» ، والمثبت من حاشية الناسخ.

(2)

أخرجه البخاري في «القراءة خلف الإمام» (131).

(3)

كذا في الأصل والمطبوع. ولعل الصواب: «يبيِّن» .

(4)

في الأصل والمطبوع: «فإذا» .

(5)

كذا في الأصل، وفوقه ثلاث نقط علامة الإشكال. ومقتضى السياق:«إنما جاء النهي عنها» .

ص: 725

عن الاستماع، وتوجب منازعة الإمام، وهذا مفقود

(1)

في الإسرار.

وقد روى عمران بن حصين أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهر، فقرأ رجل خلفه بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]. فلما صلَّى قال: «أيكم قرأ سبِّح اسم ربك الأعلى؟» فقال رجل: أنا. قال: «قد عرفتُ أنَّ بعضكم خالَجَنيها» متفق عليه

(2)

. ومع هذا لم ينهه عن القراءة كما نهى عن القراءة معه في حال الجهر، ولعل هذا الرجل قوى قراءته حتى صار ينازع النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا مجرَّد القراءة ليس فيها منازعة، كما لا منازعة في تسبيحتي الركوع والسجود والتشهدين.

وقد تقدَّم

(3)

عن علي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو [ص 282] وغيرهم القراءة خلف الإمام بما زاد على الفاتحة، وبعضهم كره ذلك في حال جهر الإمام. فأما كراهة القراءة مع انتفاء هذه المفاسد، فبعيد.

وبعضهم كره ذلك لمن يقرأ خلف الإمام معتقدًا أنه لا بد من قراءته في صلاة السر. ومن روى عن الصحابة في ذلك من الترك، فبعضهم أراد به الاجتزاء بقراءة الإمام، دون كراهة القراءة للمأموم.

وقد قال الترمذي

(4)

: أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين يرون القراءة خلف الإمام.

فصل

ويستحَبُّ أن يقرأ في صلاة السرِّ بفاتحة الكتاب وسورة، كالإمام. وكذلك

(1)

في الأصل والمطبوع: «مقصود» ، تصحيف، وقد سبق نحوه غير مرَّة.

(2)

هكذا في «المنتقى» (1/ 393)، والحديث أخرجه مسلم (398).

(3)

كذا في الأصل. وستأتي آثارهم.

(4)

في «السنن» في الكلام على الحديث (311).

ص: 726

في صلاة الجهر إن اتسعت السكتات لذلك، وإلا اقتصر على الفاتحة. فإن كان لا يسمع قراءة الإمام في حال الجهر لكونه بعيدًا، لم تُكرَه له القراءة، في ظاهر المذهب المنصوص عنه، بل تستحب. وحكي عنه أنه يُكرَه لعموم الأمر بالإنصات، لقوله:«لا يقرأنَّ أحد منكم إذا جهرتُ بالقراءة»

(1)

.

والأول أصح، لأنه في معنى: من لا يسمع قراءة الإمام لسكوته وإسراره، ولأن الأمر بالإنصات إنما يكون للمستمع. وكذلك قوله:«لا يقرأنَّ أحد منكم معي إذا جهرتُ» إنما يكون لمن يعلم الجهر، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان صغيرًا يبلغ صوتُ الإمام إلى عامَّة من فيه.

فإن سمع همهمة الإمام أو شيئًا يسيرًا، مثل الحرف بعد الحرف، فهل يقرأ؟ على روايتين، إحداهما: لا يقرأ، لأنه سامع في الجملة، ولأنه بقراءته ربما خلَّط على من يليه، ممن يمكن استماعه؛ وربما ارتفع صوت الإمام، فسمع أكثر. وهذه الرواية أشهر عنه

(2)

. فإن كان لا يسمع القراءة لطرَشه وهو

(3)

.

وروى عبيد الله بن أبي رافع قال: كان علي يقول: اقرؤوا في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر خلف الإمام بفاتحة الكتاب وسورة. رواه

(1)

تمامه: «إلا بأم القرآن» . أخرجه أبو داود (824) والترمذي (311) وحسَّنه، والنسائي (920) واللفظ له، والدارقطني (1220) وحسَّنه، من حديث عبادة بن الصامت.

(2)

لم تذكر الرواية الأخرى. وفي «الفروع» (2/ 192): «وعنه: بلى. اختاره شيخنا، وهو أظهر» .

(3)

كذا في الأصل. والكلام فيه نقص. وعلَّق الناسخ على ما بعده: «وروى» بأنه «أول صفحة» . فيبدو أن أصله كان فيه بياض. ويمكن تكملة الجملة على هذا الوجه: «

وهو بعيد قرأ». وانظر: «مجموع الفتاوى» (23/ 268 - 269).

ص: 727

النجاد، والدارقطني

(1)

وقال: هذا إسناد صحيح.

وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال: سألتُ أبيَّ بن كعب: أقرأ خلف الإمام؟ قال: نعم

(2)

.

ورواه النجاد

(3)

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ خلف الإمام في الظهر والعصر في الركعتين بفاتحة الكتاب وسورة

(4)

.

وعن مجاهد: فسمعتُ

(5)

عبد الله بن عمرو يقرأ خلف الإمام في الركعتين في الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة

(6)

.

وقال أبو السائب: قلتُ لأبي هريرة: إني أكون أحيانًا وراء [ص 283] الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك يا فارسي

(7)

.

وقال أسامة بن زيد الليثي: سألتُ القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما يجهر به الإمام، فقال: إن قرأتَ فلك أسوةٌ برجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإن تترك فلك أسوة برجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

(8)

.

(1)

الدارقطني (1/ 322)، وأخرجه الحاكم (1/ 239).

(2)

أخرجه الدارقطني (1/ 317)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 168).

(3)

كذا في الأصل والمطبوع. وقد يكون الصواب: «رواه النجاد. وعن» .

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (3772)، وابن المنذر في «الأوسط» (3/ 102).

(5)

في المطبوع: «سمع» ، والمثبت من الأصل.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (3771)، وابن المنذر في «الأوسط» (3/ 103).

(7)

أخرجه أحمد (7406)، وأبو داود (821)، وأصله في «الصحيح» بنحوه.

(8)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 161).

ص: 728

وقال مجاهد: صلَّيتُ إلى جانب عبد الله بن عمرو

(1)

، فسمعته يقرأ خلف الإمام في صلاة الظهر من سورة مريم. وفي رواية: كان ابن عمرو

(2)

لا يقرأ

(3)

. رواهما سعيد.

قلنا: ليس في شيء من الحديث عنهم أنهم أوجبوا القراءة على المأموم، وإنما كان بعضهم يستحبُّ القراءة ويراها، وبعضهم لا يستحبها، وبعضهم لا يفعلها، كاختلافهم في الصوم والفطر في السفر. ولو كانت القراءة واجبة على المأموم وجوبَها على الإمام، لأفصحوا بذلك وبيَّنوه، ولم يفسِّروا حديث النبي بأن قراءة الإمام تكفي المأموم.

وأيضًا فلعل من شدَّد في ترك القراءة لما بلغه أن أناسًا يرونها واجبة، حتَّى إنهم يقرؤون مع جهر الإمام، فبالغ في الإنكار عليهم، بأن أمر بتركها بالكلِّية؛ ليتبيَّن للناس أنها ليست واجبة. كما أمر بعضهم من صام في السفر بالقضاء، لما رأى منه تعظيمًا للفطر في رمضان، وضربًا من الغلوِّ في الدين. وكما أنكر بعضهم على من يرى الاستنجاء بالماء، لما رأى من محافظتهم على الماء محافظةَ من يعتقد وجوبه. وكما قال بعضهم:«صلاة السفر ركعتان، من خالف السنَّة كفر»

(4)

يعني: من اعتقد أن ركعتين لا تُجزئانه.

(1)

في الأصل: «عمر» ، والتصحيح من «الأوسط» (3/ 103). وقد تقدم قريبًا.

(2)

هنا أيضًا في الأصل والمطبوع: «عمر» .

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

أخرجه من قول عبد الله بن عمر: الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (1/ 422)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 140).

ص: 729

وهذا كثير في أمورهم. ومن أمر بها فلعله

(1)

لما رأى من رغبة بعض الناس عن القراءة بالكلية، كما يؤمر

(2)

الناس بالسنن المستحبة.

وأيضًا فلو كانت القراءة على المأموم واجبة لأنكر مَن فعلها على من يتركها، كما أنكر من تركها على من فعلها. والمأثور عنهم مجرَّد الفعل، لا الإنكار على التارك.

الرابع

(3)

: أن المأموم إذا أدرك الإمام راكعًا فقد أدرك الركعة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة»

(4)

وكما في حديث أبي بكرة

(5)

حين ركع، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم راكع، وكما كان الصحابة يفعلون ذلك. ولو كانت واجبة على المأموم لم تسقط بفوات محلِّها، كالركوع والاعتدال عنه وسائر الأركان.

(1)

في النسخة: «فعله» . وذكر الناسخ أن في حاشية أصلها: «صوابه: فلعله» .

(2)

في الأصل: «يومن» ، تصحيف. وصوابه من حاشية الناسخ.

(3)

لم يسبقه الوجوه الثلاثة الأولى في هذا الفصل، فهل هي من الوجوه التي ذكر أولها في (ص 278 من الأصل).

(4)

أخرجه بهذا اللفظ مالك في «الموطأ» (17، 18) بلاغًا عن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبي هريرة، ووصله من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر: البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 90)، وأخرجه من طريق أخرى موصولة عن أبي هريرة الطبراني في «الأوسط» (4/ 251).

وأصل الحديث في البخاري (580) ومسلم (607) عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة» .

(5)

أخرجه البخاري (783).

ص: 730

الخامس: أن الإمام وافد المصلِّين إلى الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«اجعلوا أئمتكم خياركم، فإنهم وفدكم فيما بينكم [ص 284] وبين الله»

(1)

. والمفروض من القراءة هو قراءة الفاتحة، ونصفها ثناء على الله، ونصفها دعاء للعبد. والوافد هو لسان القوم فيما يأتي به من ثناء. ولذلك جاء الدعاء فيها بصيغة الجمع في قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} . ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أمَّ قومًا، فخص نفسه بدعاء دونهم، فقد خانهم»

(2)

.

وهذا إنما

(1)

أخرجه الدارقطني (2/ 87)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 90)، من حديث عبد الله بن عمر به.

قال البيهقي: «هذا الحديث ضعيف» ، وقال الذهبي في «تنقيح التحقيق» (1/ 255):«إسناده مظلم» ، في إسناده حسين بن نصر مجهول، وسلام بن سليمان وعمر بن يزيد شديدا الضعف، انظر:«ذيل الميزان» للعراقي (82).

وله شاهد ضعيف من حديث مرثد الغنوي أخرجه الدارقطني (2/ 88) وضعفه، انظر:«السلسلة الضعيفة» (1822، 1823).

(2)

أخرجه أحمد (22415)، وأبو داود (90)، والترمذي (357)، وابن ماجه (923)، من طرق عن يزيد بن شريح، عن أبي حي المؤذن، عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل لامرئ أن ينظر في جوف بيت امرئ حتى يستأذن، فإن نظر فقد دخل، ولا يؤم قومًا فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم، ولا يقوم إلى الصلاة وهو حقن» .

قال الترمذي: «حديث حسن» ، وحسنه البغوي في «شرح السنة» (3/ 130)، وفي تحسينه نظر؛ إذ إن يزيد وشيخه لم يوثقهما غير ابن حبان، وقد اختلف فيه على يزيد ألوانًا، فتارة يرويه من مسند أبي هريرة، ومرة عن عبد الله بن عمرو، ومرة عن أبي أمامة، وأخرى عن ثوبان، وأضاف ابن خزيمة إلى ذلك علة أخرى، وهي مخالفته لحديث أبي هريرة المتفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسكت بين التكبير وبين القراءة إسكاتة هنية، يقول فيها:«اللهم باعد بيني وبين خطاياي» الحديث.

انظر: «صحيح ابن خزيمة» (3/ 63)، «العلل» للدارقطني (8/ 280 - 282)، «ضعيف أبي داود: الكتاب الأم» (1/ 32).

ص: 731

يكون فيما يفعله الإمام عن نفسه [و]

(1)

عن المأمومين، ولذلك قال:«الإمام ضامن»

(2)

.

السادس: أن الإمام خُصَّ بالقراءة في قوله: «يؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله»

(3)

، وقوله:«وليؤمَّكم أقرؤكم»

(4)

وغير ذلك من الأحاديث، حتى يخبَر عن الإمام بالقارئ في قوله:«إذا أمَّن القارئ فأمِّنوا»

(5)

. فلولا أنَّ قراءته يتعدَّى حكمُها إلى المأمومين لم تكن لإمامة القارئ مزية، إذا كان كلُّ

(6)

واحد من الإمام والمأموم إنما يقرأ لنفسه خاصة.

السابع: أن الأدلة الواضحة قد قامت على أنها لا تجب في حال جهر الإمام، فكذلك في حال إخفائه؛ لأن الأذكار الواجبة على المأموم من التكبيرات لا تسقط بجهر الإمام.

(1)

زيادة منِّي.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

أخرجه مسلم (673) من حديث أبي مسعود الأنصاري.

(4)

أخرجه أبو داود (590)، وابن ماجه (726)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 426) ــ واللفظ له ــ من طريق حسين بن علي الحنفي، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس به. إسناده ضعيف، حسين ضعيف منكر الحديث، وقد تفرد به عن الحكم، والحكم متكلم فيه. انظر:«الميزان» (1/ 545).

(5)

أخرجه البخاري (780) ومسلم (410) من حديث أبي هريرة.

(6)

لفظة «كل» ساقطة من المطبوع.

ص: 732

فصل

ويستحب للمأموم أن يقرأ في صلاة السرِّ. فإن ترَك القراءةَ لم يُكرَه له ذلك.

فأما في صلاة الجهر، فإن أمكنه أن يقرأ في سكتات الإمام بالفاتحة قرأ. فإن لم يكن للإمام سكتات يتمكَّن فيها من القراءة كُرِه له أن يقرأ. هذا هو المنصوص عنه في عامة رواياته، وهو الذي عليه عامة أصحابه.

وصرَّح القاضي وغيره أنَّ القراءة في هذه الحال لا تجوز. وهو مقتضى كلام أحمد، ويتخرَّج أنه يكره كراهة تنزيه، كالكلام والإمام يخطُب، وأولى.

ومنهم من استحب له أن يقرأ بالفاتحة بكلِّ حال، وإن لم يمكن

(1)

إلا في حال جهر الإمام؛ لأن الصلاة بدون ذلك مختلف في صحتها، ففي القراءة خروج من الخلاف. ولما روى محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح، فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال:«إني أراكم تقرؤون وراء إمامكم» قلنا: يا رسول الله، إي والله. قال:«لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن، ورواه أبو حاتم بن حبان في «صحيحه»

(2)

.

(1)

في المطبوع: «يكن» ، والمثبت من الأصل.

(2)

أبو داود (823) ، والترمذي (311) ، وأحمد (22694).

حسنه الترمذي، والدارقطني (1/ 318)، وصححه ابن خزيمة (1581)، وابن حبان (1792)، وقد جاء تصريح ابن إسحاق بالسماع عند أحمد (22745)، انظر:«البدر المنير» (3/ 547 - 550).

ص: 733

ورواه أبو داود من حديث زيد بن واقد

(1)

عن مكحول، والنسائي من حديث حَرام

(2)

بن حكيم، كلاهما [ص 285] عن نافع بن محمود

(3)

بن ربيعة عن عبادة، وقال فيه:«لا تقرؤوا فيه بشيء من القرآن إذا جهرتُ به، إلا بأم القرآن» . وخرَّجه الدارقطني عنهما، وقال: إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات

(4)

.

وفي رواية عن نافع بن محمود بن ربيعة قال: أبطأ علينا عبادة عن صلاة الصبح، فأقام أبو نعيم المؤذن الصلاة ــ وكان أبو نعيم أول من أذَّن في بيت المقدس ــ وصلَّى أبو نُعيم بالناس

(5)

، وأقبل عبادة وأنا معه حتى صففنا خلف أبي نعيم، وأبو نعيم يجهر [بالقراءة، فجعل عبادة يقرأ بأمِّ القرآن. فلمَّا انصرف قلتُ لعبادة: قد صنعتَ شيئًا، فلا أدري أسنَّة هي أم سهو كانت منك؟ قال: ما ذاك؟ قال: سمعتك تقرأ بأمِّ القرآن، وأبو نعيم يجهَر]

(6)

قال: أجل، صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة،

(1)

في الأصل: «وافد» ، تصحيف.

(2)

في الأصل: «عن حزام» مع ثلاث نقط فوق الكلمتين، والصواب ما أثبت.

(3)

في الأصل: «عن محمود» هنا وفي الرواية التالية. والصواب ما أثبت.

(4)

أبو داود (824)، والنسائي (920)، والدارقطني (1/ 319).

قال الدارقطني: «كلهم ثقات» ، وقد أعله ابن عبد البر في «التمهيد» (11/ 46) بنافع بن محمود، قال الذهبي في «الميزان» (4/ 242):«لا يعرف بغير هذا الحديث، ولا هو في كتاب البخاري، وابن أبي حاتم. ذكره ابن حبان في «الثقات» ، وقال: حديثه معلل. وروى عنه مكحول أيضًا».

(5)

في المطبوع: «فصلَّى بالناس أبو نعيم» . والمثبت من الأصل.

(6)

زيادة من «سنن أبي داود» و «الدارقطني» . والظاهر أنها سقطت لانتقال النظر بعد كلمة «يجهر» الأولى.

ص: 734

فالتبست عليه القراءة، فلما انصرف أقبل علينا بوجهه، وقال

(1)

: «هل تقرؤون إذا جهرتُ بالقراءة؟» فقال بعضنا: إنَّا لنَصنع ذلك: [قال: «فلا تفعلوا]

(2)

وأنا أقول: ما لي أُنازَعُ القرآنَ؟ فلا تقرؤوا بشيء من القرآن إذا جهرتُ إلا بأمِّ القرآن»

(3)

.

وأيضًا فقد تقدَّم حديث أبي قلابة، وقوله:«فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بأمِّ القرآن»

(4)

.

وأيضًا فقد تقدَّم حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة

(5)

ورجال من الصحابة في قراءة الفاتحة مع جهر الإمام. ويُحمَل الأمر بالإنصات في حال غير قراءة الفاتحة جمعًا بين العامِّ والخاص.

فإن قيل: فهلَّا أوجبتم القراءة على المأموم بهذا التقرير، لا سيما مع قوله:«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»

(6)

. وروى الدارقطني

(7)

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلَّى صلاةً مع إمام،

(1)

في المطبوع: «فقال» ، والمثبت من الأصل.

(2)

زيادة يقتضيها السياق، من «سنن الدارقطني» .

(3)

أخرجه أبو داود (824). واللفظ للدارقطني (1217 - نشرة التركي).

(4)

سيأتي تخريجه.

(5)

تقدم تخريجهما.

(6)

تقدم تخريجه.

(7)

«السنن» (1/ 320) ــ ومن طريقه البيهقي في «القراءة خلف الإمام» (143) ـ.

إسناده ضعيف، فيه محمد بن عبد الله بن عبيد، قال الدارقطني:«ضعيف» ، وقال الذهبي في «تنقيح التحقيق» (1/ 155):«محمد بن عبد الله هو المحرم واه» .

ص: 735

فجهَر

(1)

، فليقرأ بفاتحة الكتاب في بعض سكتاته. فإن لم يفعل فإنَّ صلاته خِداج غير تمام».

قلنا: لأن الدلالة قد قامت على أنها لا تجب، كما تقدَّم. وهذه الأحاديث وإن احتججنا بها في الاستحباب، فلا يلزم مثله في الإيجاب، فإن فيها ضعفًا لا يقاوم الأحاديث الصحيحة. ثم المراد بها استحباب القراءة، لأن في حديث أبي قلابة المتقدِّم:«إن كنتم لا بد فاعلين فليقرأ بفاتحة الكتاب في نفسه» . وفي لفظ: «فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه» . وهذا صريح في أنه أراد الإذن والإباحة، لا سيما وقد استثناه من النهي، وذلك لا يفيد إلا الإذن.

ولأن في حديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: «فإنِّي أراكم تقرؤون وراء إمامكم» . وفي لفظ: «هل تقرؤون إذا جهرتُ بالقراءة؟» . فلو كانت قراءة المأمومين واجبة، كما يجب عليهم التكبير والتشهد والتسليم، [ص 286] لم يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم: هل يفعلون ذلك؟ بل كان يكون قد أمرهم بذلك، وبيَّنه لهم قبل ذلك؛ لأن تأخير البيان لا يجوز. وأيضًا فوجوده في تلك الصلاة دون غيرها دليل على أنه لم يكن عادة، وأنه لم يكن يفعلوه

(2)

كلُّهم.

وأما قوله في تمام الحديث: «فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها» تعليلٌ

(1)

كذا في الأصل و «تنقيح التحقيق» للذهبي، وابن عبد الهادي (2/ 218). وفي «سنن الدارقطني» (1220):«يجهَر» . وكذا أثبت في المطبوع دون تنبيه على ما في الأصل.

(2)

كذا في الأصل.

ص: 736

لتخصيص الفاتحة بالذكر، لأنه المفروض من القراءة، وإنما يتحمَّلها الإمام عن المأموم. فمن أحبَّ أن يأتي بها بنفسه ولا يتحملها الإمام فَعلَ، وكان ذلك عذرًا له فيما دون غيرها مما ليس بواجب عليه، ولا على الإمام. وهذا كما قال القاسم بن محمد لرجل سأله عن القراءة خلف الإمام، فقال: إذا قرأتَ خلف الإمام فقد قضيتَ ما عليك، وإن لم تقرأ فقد أجزأك ذلك الإمام

(1)

.

وفعلُ عبادة إنما يدل على الجواز والاستحباب، دون الوجوب. وحديث عمرو بن شعيب ضعيف.

والصحيح هو المنصوص المشهور، لقوله تعالى:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]. وروي عن ابن مسعود وأبي هريرة وابن عباس وسعيد بن المسيب وعبيد بن عمير وأبي العالية وعطاء ومجاهد والحسن وإبراهيم ومحمد بن كعب والزهري وقتادة وزيد بن أسلم وغيرهم: «نزلت في القراءة في الصلاة» . ومنهم من قال: «في الصلاة والخطبة»

(2)

.

قال أبو داود

(3)

: قيل للإمام أحمد: إن فلانًا قال: قراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام مخصوص من قوله: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ

(1)

سبق تخريجه.

(2)

أسند هذه الآثار: سعيد بن منصور في «السنن» (5/ 179 - 184)، والطبري في «جامع البيان» (10/ 658 - 664).

(3)

في «مسائله» (ص 48).

ص: 737

وَأَنْصِتُوا}. فقال: عمن يقول هذا؟ أجمع الناس أنَّ هذه الآية في الصلاة.

وقال في رواية المرُّوذي في هذه الآية: هي في الصلاة والخطبة

(1)

.

وهذا لأن القراءة في الصلاة والخطبة إنما شُرعت لأجل استماع الناس، فلو لم يكن ذلك واجبًا لبطل معنى الاقتداء في الصلاة والخطبة.

والإنصات: السكوت على وجه الإصغاء إلى الشيء، ويقال: الاستماع. والإنصات: الإصغاء إلى الكلام، والإقبال عليه. فقد أمر باستماع القرآن وبالسكوت إذا كان الإمام يقرأ، وفي الاشتغال بالقراءة تركٌ لهذين الواجبين، والفاتحةُ وغيرها في ذلك سواء.

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إنَّ نبيَّ الله خطبَنا، فعلَّمنا سنَّتنا، وبيَّن لنا صلاتنا، فقال:«ليؤمَّكم أحدُكم، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصِتوا» رواه الجماعة

(2)

إلا البخاري والترمذي.

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[ص 287] قال: «إنما جُعِل الإمام ليؤتمَّ

(1)

«بدائع الفوائد» (3/ 1034).

(2)

أحمد (19595)، ومسلم (404)، وأبو داود (972، 973)، والنسائي (1280)، وابن ماجه (847)، بألفاظ مختلفة مطولًا ومختصرًا، وأخرجه بالسياق الذي أورده الشارح الدارقطني (1/ 330) ــ ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 156) ــ وأعله بسالم بن نوح.

قال أبو داود: «قوله: «فأنصتوا» ليس بمحفوظ، لم يجئ به إلا سليمان التيمي في هذا الحديث»، وفي ثبوت هذا الحرف في حديث أبي موسى وأبي هريرة الآتي خلاف بين النقاد، انظر:«العلل» للدارقطني (7/ 252 - 254)، «السنن الكبرى» للبيهقي (2/ 155 - 156).

ص: 738

به، فإذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قرأ فأنصتوا» رواه الخمسة

(1)

إلا الترمذي. وقال مسلم: هو عندي صحيح. وصحَّح

(2)

هذين الحديثين أحمد، واعتمد عليهما.

وهذا أمرٌ بالإنصات عن الفاتحة وغيرها. ولو كانوا مأمورين بالإنصات إلا حال قراءتهم الفاتحة لوجب بيان ذلك، فإنَّ مثل هذا الكلام لا يجوز إطلاقه وتعميمه لقوم يراد تعلُّمُهم من غير تفسير، لاسيَّما وهم لا يفهمون الإنصات عن القراءة المشروعة في الصلاة، وأعظمُ القراءة المشروعة قراءة الفاتحة.

وعن ابن شهاب

(3)

عن ابن أُكَيمة

(4)

الليثي عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهَر فيها بالقراءة، فقال:«هل قرأ معي أحدٌ منكم آنفًا؟» . فقال رجل: نعم يا رسول الله. فقال: «إني أقول: ما لي أنازَع القرآنَ؟» . قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يجهَر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلوات بالقراءة، حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه الخمسة

(5)

إلا ابن ماجه. وقال الترمذي: حديث حسن. وفي رواية

(1)

أحمد (8889)، وأبو داود (604)، والنسائي (921)، وابن ماجه (846).

وصححه مسلم عقب الحديث (404)، وانظر تخريج الحديث السابق.

(2)

في الأصل: «صحيح صحيح وصحيح» ، والظاهر أن الثانية مكررة، والثالثة صوابها:«صحَّح» كما في المطبوع.

(3)

في الأصل: «أبي شهاب» ، تصحيف.

(4)

في الأصل: «ابن أبي أكيمة» ، والصواب ما أثبت.

(5)

أحمد (7819)، وأبو داود (826)، والترمذي (312)، والنسائي (919).

قال الترمذي: «هذا حديث حسن» ، وصححه ابن حبان (1843)، وابن أكيمة الليثي وثقه قوم وجهله آخرون، وقد روى عنه غير واحد، كما في ترجمته من «تهذيب التهذيب» (3/ 206).

وقد أعل الحديث طائفة ــ كالحميدي وابن خزيمة والبيهقي ــ بتفرد ابن أكيمة مع جهالته، وبمخالفة حديث أبي هريرة في وجوب قراءة الفاتحة، انظر:«السنن الكبرى» للبيهقي (2/ 158)، «البدر المنير» (3/ 542 - 546).

وقوله: «فانتهى الناس» إلخ، اتفق الحفاظ المتقدمون ــ الذهلي، والبخاري، وأبو داود، والبيهقي ــ على أنها مدرجة من كلام الزهري، انظر:«معرفة السنن» (3/ 75).

ص: 739

لأبي داود

(1)

: قال أبو هريرة: فانتهى الناس. وفي رواية أخرى

(2)

: قال الزهري: فانتهى الناس. وفي رواية: أنها الصبح

(3)

.

وإنَّ القراءة

(4)

إنما جُهِر فيها لاستماع المأمومين، فإذا لم يُنصِتوا كان الجهر ضائعًا، بمنزلة من يتكلَّم والإمام يخطب. ولأنَّ الاستماع يحصِّل مقصود القراءة.

ويذكر عن علي رضي الله عنه قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم

(5)

: أقرأ خلف الإمام أو أُنصِت؟ قال: «بل أنصِتْ، فإنه يكفيك»

(6)

. وقال الدارقطني: والمرسل

(1)

برقم (827).

(2)

أبو داود (827).

(3)

أخرجها أحمد (7270)، وأبو داود (827)، وابن ماجه (848).

(4)

كذا في الأصل. ولعل الصواب: «ولأنَّ القراءة» .

(5)

الجملة «قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم» ساقطة من المطبوع.

(6)

أخرجه الدارقطني (1/ 330)، وابن عدي في «الكامل» (6/ 155) ــ ومن طريقه البيهقي في «القراءة خلف الإمام» (358) ــ من طرق عن غسان بن الربيع، عن قيس بن الربيع، عن محمد بن سالم، عن الشعبي، عن الحارث، عن علي قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فذكره.

قال الدارقطني: «تفرد به غسان وهو ضعيف، وقيس ومحمد بن سالم ضعيفان، والمرسل الذي قبله أصح منه» ، ولفظ المرسل:«لا قراءة خلف الإمام» .

ص: 740

عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح.

الثاني

(1)

: وروى سعيد

(2)

عن أبي قلابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: «أتقرؤون خلف الإمام؟» فقال بعض: نعم، وقال بعض: لا. قال: «إن كنتم لا بدَّ فاعلين فليقرأ بفاتحة الكتاب في نفسه» . ورواه أحمد في «المسند»

(3)

بإسناد صحيح عن أبي قلابة عن محمد بن [أبي]

(4)

عائشة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعلكم تقرؤون

(1)

كذا ورد «الثاني» في الأصل والمطبوع. فأين الأول؟ هل هو المذكور في أول الفصل الثاني من هذا الباب (ص 287 من الأصل)؟

(2)

وأخرجه بنحوه عبد الرزاق (2765)، والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 207)، والبيهقي في «القراءة خلف الإمام» (125).

رجاله ثقات، غير أنه مرسل، وانظر التخريج الآتي.

(3)

برقم (18070) ــ من طريق عبد الرزاق (2766) ــ، وأخرجه البخاري في «القراءة خلف الإمام» (67)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 166)، جميعهم من طرق عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به.

قال البيهقي: «إسناده جيد» ، وأعل طريق أنس الآتية.

وأخرجه البخاري في «القراءة خلف الإمام» (156)، وأبو يعلى (2805)، والطحاوي في «شرح المعاني» (1/ 218)، والدارقطني (1/ 340)، من طرق عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس يرفعه.

صححه ابن حبان (1844)، وقال عقب الحديث (1852):«سمع هذا الخبر أبو قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعه من أنس بن مالك، فالطريقان جميعًا محفوظان» .

ورجح إرساله الدارقطني في «العلل» (12/ 237).

(4)

ما بين الحاصرتين ساقط من الأصل. وفي المطبوع: «بن محمد بن عائشة» ، خطأ.

ص: 741

خلف الإمام، والإمامُ يقرأ». قال: إنَّا لنَفعل ذلك. قال: «فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بأم القرآن» أو قال: «بفاتحة الكتاب» . وهذا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم أنهم يقرؤون خلف الإمام، [ص 288] وكان فيهم من لا يقرأ، ولو كانت القراءة واجبة على المأموم لكان قد أمرهم بها وأعلمهم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

وأما قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} ، فليس المراد به القراءة المفروضة في الصلاة، بدليل قوله بعد ذلك:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} . ولأن هذه السورة نزلت بمكة في أول الأمر قبل أن تُفرَض الصلوات الخمس، وكان وجوب الفاتحة بالمدينة، وإنما المراد به ــ والله أعلم ــ التلاوة المأمور بها عوضًا عن قيام الليل، فإنَّ حافظ القرآن ينبغي له أن يتلوه، وإذا نسيه فإنه يجب عليه أن يتلوه بحيث لا ينساه. وسياق الآية يدل

(1)

على هذا، حيث قال:{إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} إلى قوله: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} إلى قوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [المزمل: 20].

وقد قيل: إن المراد به قراءة ما تيسر بعد الفاتحة، كما قال أبو سعيد: أمرنا نبيُّنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسَّر. رواه أحمد

(2)

.

وعلى هذا يحمل

(1)

في الأصل: «تدل» .

(2)

برقم (10998)، وأخرجه البخاري في «القراءة خلف الإمام» (16)، وأبو داود (818)، من طرق عن همام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد به.

صححه ابن حبان (1790)، وقال ابن حجر في «موافقة الخبر الخبر» (1/ 417):«إسناده على شرط مسلم، لكن أعله البخاري بعنعنة قتادة وهو مدلس، وأشار الدارقطني في «العلل» إلى أن الراجح وقفه».

ص: 742

قوله للأعرابي، فإنه قد روي قصة رفاعة بن رافع، وفيها:«ثم اقرأ بأم الكتاب، ثم اقرأ بما شئتَ» ــ رواه أحمد

(1)

ــ إذ لم يكن يحسن الفاتحة. ويدل على هذا

(2)

أن الناس قد أجمعوا لو قرأ كلمةً أو كلمتين أو بعضَ آية لم تصح صلاته. وإنما يشترط بعضٌ

(3)

آيةً، وبعضهم ثلاث آيات. فاشتراطُ ما شرطه الله ورسوله أولى إذا كان ما ادعوه من ظاهر الكتاب قد دخله التأويل، وفاقًا.

فإن قيل: هذا

(4)

قد روى سعيد والدارقطني

(5)

عن يزيد بن شريك أنه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام، فقال: اقرأ بفاتحة الكتاب. قلتُ: وإن كنتَ أنت؟ قال: وإن كنتُ أنا. قلت: وإن جهرتَ؟ قال: وإن جهرتُ. وإسناده كلُّهم ثقات.

وعن عَبَاية

(6)

بن الردَّاد قال: كنَّا مع عمر بن الخطاب في موكبه، فقال: لا تجوز صلاة إلا بفاتحة الكتاب وبشيء معها. فقال رجل: يا أمير المؤمنين،

(1)

برقم (18995)، وقد تقدم الكلام عليه.

(2)

في الأصل: «فيدل

». وعلق الناسخ على «على هذا» بقوله: «هكذا في الأصل مصلحة بتقديم لفظة (على)» . وفي المطبوع: «فيدل هذا على» .

(3)

كذا في الأصل، وقد يكون «بعض العلماء» ، فسقطت كلمة العلماء.

(4)

كذا في الأصل والمطبوع.

(5)

الدارقطني (1/ 317)، والحاكم (1/ 239).

قال الدارقطني: «رواته كلهم ثقات» .

(6)

في الأصل: «عباد» ، تصحيف. انظر ترجمته في «التاريخ الكبير» (4/ 1/72).

ص: 743

أرأيتَ إن كنتُ خلف إمام، أو كان بين يديَّ إمام؟ قال: اقرأ في نفسك

(1)

.

.....................................................................

..............................................

.................

(2)

[ص 291] لأنَّ من أصحابنا من يوجبه

(3)

. وقد أومأ أحمد إلى ذلك، وقد أمر صلى الله عليه وسلم به. وتركُه مكروه، بخلاف القراءة، فإنهم لم يختلفوا أنَّ القراءة عليه لا تجب، لكن يُكرَه تركها؛ لأن القراءة يحصل مقصودها بالاستماع، بخلاف الاستفتاح. ولأنَّ القراءة يتعدَّى حكمها إلى المأموم، فيضمَنها عنه الإمام وجوبًا واستحبابًا؛ بخلاف الاستفتاح.

وأما الاستفتاح حال جهر الإمام فهو مثل الاشتغال عنه بتكبيرة الإحرام لأنه من توابعها، ومثل اشتغال الداخل إلى المسجد، والإمامُ يخطب، عن الاستماع بركعتي التحية. ولعل الاستفتاح للمصلِّي أوكد من التحية للداخل، لأن هذا من تمام الدخول إلى الصلاة، وإلى المسجد، فلا يُعَدُّ الاشتغال به إعراضًا عن الاستماع والإنصات.

وقد تقدَّم حديث عبد الله بن أبي أوفى في الذي دخل، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم

(1)

أخرجه ابن المنذر في «الأوسط» (3/ 109)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 167).

(2)

هنا ترك الناسخ الصفحتين (289) و (290) بيضاوين، وكتب في الهامش:«ساقط من الأصل قرطاستين (كذا). مقدار قرطاسة من حجم هذه النسخة نرجو من الله تعالى أن يمنَّ بهما وبتمامها. آمين وصلى الله على محمد. كاتبه» .

(3)

يعني الاستفتاح. انظر: «الإنصاف» (3/ 677).

ص: 744

يصلِّي، فقال:«الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا. الحمد لله كثيرًا، الحمد لله كثيرًا، الحمد لله كثيرًا. سبحان الله بكرةً وأصيلًا، سبحان الله بكرةً وأصيلًا، سبحان الله بكرةً وأصيلًا» حتَّى رفع القوم رؤوسهم، وقالوا: من هذا الذي يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومع هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيتُ أبواب السماء فُتِحت لها فما نَهْنَهَهَا

(1)

شيء دون العرش»

(2)

.

وكذلك الرجل الذي انتهى إلى الصف وقد انتهز، أو حفزه النفس، فقال: الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه. قال: «من صاحب الكلمات؟ فإنه لم يقل بأسًا» . فقال: أنا يا رسول الله، أسرعتُ لشيء، فجئتُ، وقد انتهزتُ، فقلتُها. فقال النبي:«لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيُّهم يرفعها»

(3)

.

فهذا

(4)

رجلان قد استفتحا في حال جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل جهَرا بالاستفتاح، ومع هذا لم ينكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم، كما أنكر على الذين كانوا يقرؤون في حال جهره. بل حمِد هذا الأمرَ، وذكر ما فيه من الفضل والبركة.

فصل

ويقرأ في حال سكوته قبل القراءة. وإن قرأ بعضها في هذه السكتة، وبعضها في سكتة أخرى، فلا بأس. وإن لم يكن له سكتة قرأ عند انقطاع

(1)

في الأصل: «نهنها» دون إعجام. وفي حاشية الأصل: «صوابه: يردها» . وفي المطبوع: «تناهنَّ» . والصواب ما أثبت.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

كذا في الأصل والمطبوع، وقد يكون الصواب:«فهنا» أو «فهذان» .

ص: 745

نفسه، ليكمل قراءة الفاتحة.

فأما قراءة بعض آية أو بعض كلمة عند انقطاع نفسه، فيُكرَه؛ لأن ذلك وحده ليس بقراءة مشروعة، وليس قبله أو بعده شيء يُضَمُّ إليه، بخلاف الفاتحة إذا فرَّقها. ولأن قراءة الفاتحة أوكد بكلِّ حال، لأنها من القراءة المفروضة [ص 292] عليه، وإنما تحمَّلها عنه الإمام.

ويقرأ في كلِّ سكتة يسكتها الإمام في أول القراءة أو وسطها أو آخره، سواء سكت لاستراحة أو غفلة أو نعاس أو إرتاج

(1)

، أو غير ذلك. قال ابن أبي موسى

(2)

: إذا أسرَّ القراءةَ، أو كانت له سكتات يمكن القراءة فيها، فالمستحبُّ هاهنا للمأموم أن يقرأ.

ويستحَبُّ للإمام أن يسكت، على ما جاءت به السنَّة. فروى الحسن عن سمُرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان: سكتة حين يفتتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من السورة الثانية قبل أن يركع. فذكر ذلك لعمران بن حصين، فأنكره. فكتب في ذلك إلى أبيِّ بن كعب، فقال: صدق سمُرة. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه

(3)

. وفي لفظ لأحمد وأبي داود

(4)

: سكتة إذا فرغ من قراءة {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} .

(1)

في المطبوع: «ارتياح» ، تصحيف.

(2)

في «الإرشاد» (ص 60).

(3)

أحمد (20166)، وأبو داود (779)، وابن ماجه (844)، والترمذي (251).

قال الترمذي: «حديث حسن» ، وصححه ابن خزيمة (1578)، وابن حبان (1807)، وفي سماع الحسن من سمرة خلاف تقدمت الإشارة إليه.

(4)

أحمد (20266)، وأبو داود (779).

ص: 746

وروى الترمذي وابن ماجه

(1)

عن قتادة عن الحسن عن سمُرة قال: سكتتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سعيد: فقلنا لقتادة: ما هاتان السكتتان؟ قال: إذا دخل في صلاته، وإذا فرغ من القراءة. ثم قال بعد ذلك: وإذا قرأ: {وَلَا الضَّالِّينَ} قال: وكان يعجبه إذا فرغ من القراءة أن يسكت حتى يترادَّ إليه نفَسُه.

فأما السكتة الأولى، فهي سكتة الاستفتاح. وهي سكوت عن الجهر والاستماع، لا عن أصل الذكر والكلام، كما في حديث أبي هريرة: أرأيتَ سكوتك بين التكبير والقراءة، ماذا تقول؟ قال: «اللهم باعِدْ بيني وبين خطايايَ

» الحديث

(2)

. ولهذا قال: سكتة إذا كبَّر حتى يقرأ. فبيَّن أنه أراد السكوت الذي يلي تكبيرة الافتتاح، وهو محلُّ الافتتاح، لا سكوت محض. وهذه السكتة إنما تكون في الركعة الأولى، فأما في الثانية فلا؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الركعة الثانية استفتح القراءة بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولم يسكت. رواه مسلم

(3)

.

وأما السكتة الثانية: فقال الإمام أحمد

(4)

: إذا كبَّر الإمام فليسكت سكتتين: سكتةً إذا كبَّر، وإذا فرغ من القراءة قبل أن يركع، مثل حديث سمُرة

(1)

تقدم تخريجه.

(2)

أخرجه البخاري (744) ومسلم (598).

(3)

برقم (599).

(4)

في رواية أبي طالب: انظر «حاشية ابن قندس على الفروع» (2/ 191).

ص: 747

وأبيِّ بن كعب رضي الله عنهما. وقال أيضًا

(1)

: يثبت قائمًا ويسكت، حتى يرجع إليه نفَسُه قبل أن يركع، ولا يصل قراءته بتكبيرة الركوع. جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم[ص 293] أنه كان له سكتتان: عند افتتاح الصلاة، وإذا فرغ من القراءة. وذكر أن الصحيح في حديث سمُرة أن السكتة الثانية عند الركوع. كذا

(2)

رواه عن الحسن الأكثرون، منهم حميد الطويل ويونس وأشعث، وقتادة في أول مرة، ثم رواه على السكوت بعد

(3)

الفاتحة. وهذه السكتة عند انقضاء القراءة سكتة يسيرة، ليرجع إليه نفسه فيستريح، وليفصل بين القراءة والتكبير، ولئلا يحصل شيء من القراءة في الركوع، أو شيء من التكبير في القيام. وهذا قول ابن أبي موسى

(4)

.

فأما السكوت بعد قراءة الفاتحة، فلا يستحَبُّ على ما ذكره هنا؛ لأن السنَّة إنما جاءت بسكتتين، فلا يشرع ثالثة. ولأن السكوت في الصلاة غير مشروع إلا لحاجة، ولا حاجة إلى السكوت هنا. ولأنه فصلٌ بين السورة والتي تليها، فلم يُشرَع، كما لا يشرع السكوت بين السُّوَر لمن يقرأ بسُوَر

(5)

في قيامه؛ اللهم إلا أن يحتاج إلى السكوت، مثل أن يريد أن يقرأ سورة، فيبسمل قبل قراءتها، أو يسكت ليتفكَّر فيما يريد أن يقرأ، وشبه ذلك؛ إلا أن هذا قد يكون في أثناء القراءة إذا أُرتِجَ عليه، وإذا فرغ من سورة وشرع في أخرى.

(1)

نقله في «المغني» (2/ 169).

(2)

في المطبوع: «وكذا» . والمثبت من الأصل.

(3)

في الأصل: «حتَّى» ، والمثبت من المطبوع.

(4)

انظر: «الإرشاد» (ص 72).

(5)

في الأصل والمطبوع: «بسورة» .

ص: 748

وعنه ما يدل على أنَّ الإمام يسكت بعد الفاتحة، لأنه قال: يقرأ بفاتحة الكتاب قبل أن يقرأ الإمام. قيل: فإن قرأ الإمام قبل أن يتمَّها يقرأ الباقي إذا سكت الإمام من الحمد أو من السورة الأخرى؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس. وقال أيضًا

(1)

: إذا كان له سكتات قرأ الحمد، وإذا لم يكن له سكتات قرأ عند انقطاع نفسه. والسكتات إنما تطلق على ثلاث، فمن أصحابنا من استحبَّ هذه السكتة أيضا ليستريح فيها، وليقرأ من خلفه الفاتحة، لئلا ينازعوه فيها؛ لأنها في إحدى روايتي حديث سمُرة.

وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن: للإمام سكتتان، فاغتنِموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب: إذا دخل في الصلاة، وإذا قال:{وَلَا الضَّالِّينَ}

(2)

.

وقال عروة بن الزبير: أمَّا أنا فأغتنِم من الإمام اثنتين: إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فأقرأ عندها. وحين يختم السورة، فأقرأ قبل أن يركع. رواه الأثرم

(3)

.

ومنهم من قال: [لا]

(4)

يستحب له أن يسكت لأجل قراءة من خلفه، وإنما هذه السكتة سكتة يسيرة لأجل الاستراحة وتراجع النفس إليه، ويبسمِل

(1)

في رواية ابن هانئ، كما في «النكت على المحرر» (1/ 120). وانظر «مسائل ابن هاني» (1/ 53).

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

نقله في «المغني» (2/ 266).

وأخرج نحوه عبد الرزاق (2791) بلفظ: إذا قال الإمام: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قرأت بأم القرآن، أو بعدما يفرغ من السورة التي بعدها.

(4)

تكملة من المطبوع.

ص: 749

فيها ويتفكَّر فيما يقرؤه، كالسكتة عند انقضاء القراءة. وهو [ص 294] أشبه بكلامه، لأنه قال

(1)

: يقرأ فيما لا يجهر، وإن أمكنه أن يقرأ قبل الإمام

(2)

، ولا تعجبني القراءة خلف الإمام فيما يجهر، أحَبُّ إليَّ أن يُنصِت. فجعل قراءة الفاتحة قبل الإمام، ولو استحببنا للإمام أن يسكت بقدر قراءة الفاتحة لم يحتج إلى ذلك.

وقال أيضًا

(3)

: لا يقرأ

(4)

فيما يجهر، ويقرأ فيما يُسِرُّ. وإن كان للإمام سكتة فيما يجهر يقرأ. ولأنه شبَّه السكوت من الحمد بالسكوت من السورة، وكما

(5)

تقدَّم، وتلك سكتة يسيرة لا يقصد بها قراءة المأموم؛ وهذا لأن السكوت المذكور لا يدل عليه شيء من الأحاديث، فلا وجه لإثباته.

ولأنه لو سُنَّ السكوت لقراءة الفاتحة لسُنَّ لقراءة السورة، ولسُنَّ عند الركوع بقدر الفاتحة لمن أدركه بعد الفاتحة، ولجاز أن يجهر المأموم بالقراءة فيه.

ولأن قراءة الفاتحة ليست مستحبة للمأموم إلا بشرط سكوت الإمام، لئلا تخلو الصلاة عن قراءة أو استماع؛ فلو استحببنا السكوت لأجلها كان

(1)

في «رواية الكوسج» (2/ 545)، و «رواية صالح» كما في «النكت» على المحرر (1/ 120).

(2)

لفظه في المصدر السابق: «وإن أمكنه أن يقرأ فيما يجهر قبل أن يأخذ الإمام في القراءة» . وجواب «إن» محذوف، يعني: قرأ.

(3)

في رواية خطاب بن بشر، كما في «النكت على المحرر» (1/ 121).

(4)

في الأصل والمطبوع: «تقرأ» هنا وفي الجملة التالية، تصحيف.

(5)

كذا في الأصل والمطبوع: «وكما» ، ولعل الواو مقحمة.

ص: 750

دورًا.

ولأنَّ المأموم لو ترك قراءة الفاتحة لم يُكرَه له ذلك، والسكوتُ في الصلاة مكروه في الأصل، فكيف يلتزم الإمام

(1)

فعلَ المكروه، ليحصل ما لا كراهة في تركه؟

ولأنَّ من نازع الإمام القراءة فقد أخطأ السنَّة، فكيف يترك الإمام السنَّة احترازًا من خطأ المخطئ؟

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم[إن]

(2)

كان يسكتها، وأصحابه يقرؤون فيها، لم يصحَّ احتجاج من يحتج لقراءة الفاتحة حين الجهر بما تقدَّم. فلا يبقى شيء يتوكَّد به القراءة على المأموم في حال الجهر. وإذا لم تكن القراءة متوكِّدة في حقِّ المأموم لم يحتج إلى السكوت. وإن كان لا يسكتها فلا وجه لاستحباب سكوتها. فأمَّا أن يقال: إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أذِن لهم في قراءتها في حال جهره، مع أنه كان يسكت لهم سكتة بقدرها؛ فهذا لا يجوز.

ولأن أبا هريرة لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيتَ سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ علِم أنه لم يكن له سكتة بقدر هذه، ولو كانت سكتة بعد الفاتحة بقدرها لكانت أكثر من هذه.

ولأن هذه المذاهب كلَّها من فروع توكيد قراءة الفاتحة على المأموم، وهو ضعيف. ولأن الإمام لو ترك هذه السكتات لم يُكرَه له ذلك، كما قد

(1)

في الأصل والمطبوع: «المأموم» ، والمعنى على ما أثبت.

(2)

زيادة من حاشية الناسخ. ويدل على سقوطها قوله فيما يأتي: «وإن كان لا يسكتها» .

ص: 751

نصَّ عليه أحمد: أن [من]

(1)

الأئمة من يسكت، ومنهم من لا يسكت. ولم يعب على من [لا]

(2)

يسكت، ولو كان تفويت المأموم القراءة مكروهًا لكُرِه تركُ السكوت.

فصل

وتجب قراءة الفاتحة مرتَّبةً كما [ص 295] أنزلها الله. فإن نكَسها لم تصحَّ، كالأذان ــ وأَولى ــ وتوالي القراءة. فإن قطعها لأمر مشروع، مثل تأمينه على قراءة الإمام، أو سجوده لتلاوته، أو تنبيهه أو تنبيه غيره بالتسبيح، أو فتحه على الإمام، ونحو ذلك= بنى على قراءته، كما لو سكت ليستمع قراءة الإمام، وسواء طال ذلك

(3)

أو قصر.

وإن كان لغير أمر مشروع وطال الفصل، أبطَلَ، سواء كان سكوتًا أو ذكرًا، إلا أن يكون لعذر، مثل نوم أو غفلة، أو انتقال إلى غيرها غلطًا. وإن لم يطُل الفصل لم تبطُل إن كان سكوتًا، وكذلك إن كان قراءةً أو دعاءً في أقوى الوجهين، لأنه يشترط

(4)

فيه السكوت اليسير. وفي الأخرى: تبطل. قاله القاضي

(5)

والآمدي، لأنه زاد فيها ما ليس منها عمدًا، فأشبه ما لو زاد في الصلاة. وإن نوى قطعها لم تنقطع. وإن سكت معه سكوتًا يسيرًا، ففيه وجهان، كالوجهين في الذكر اليسير.

(1)

زيادة من حاشية الناسخ.

(2)

زيادة منِّي.

(3)

«ذلك» ساقط من المطبوع.

(4)

كذا في الأصل والمطبوع.

(5)

انظر: «المغني» (1/ 156).

ص: 752

وفي الفاتحة إحدى عشرة

(1)

تشديدةً، وفي البسملة ثلاث تشديدات: في اللام من اسم «الله» ، والراءين من:«الرحمن الرحيم» . واللام من: «الحمد لله»

(2)

، والباء من:«ربِّ» ، والراءين من:«الرحمن الرحيم» ، والدال من:«الدين» ، والياءين من:«إياك» «وإياك» ، والصاد من:«اهدنا الصراط المستقيم» ، واللام من:«الذين» ، والضاد واللام من:«الضالين» .

فإن ترك تشديدةً منها لم تصح صلاته عند كثير من أصحابنا، كما لو ترك حرفًا، لأنَّ الحرف المشدَّد حرفان: أولهما ساكن، وثانيهما متحرك، وإنما هما من جنس واحد. وقد يكونان متماثلين من أصلهما، كـ «ربِّ» و «الضالين» ، وقد يكونان في الأصل متقاربين، كـ «الرحمن» و «الصراط» ، وإنما قلبت لام التعريف من جنس ما بعدها، ثم أدغمت فيه. وقد يُكتَبان في الخطِّ حرفين على الأصل، وقد يكتبان حرفًا واحدًا؛ لأن الخطَّ له طريقة غير طريقة اللفظ.

وقال القاضي في «الجامع» وأبو الحسن الآمدي: تصح، لأنَّ الشَّدَّة صفة في الحرف، فأشبه الحركة من «إياك نعبد» ، ولأنه ليس له صورة في الخطِّ، فليس بحرف.

وهذا يتوجَّه إن أراد بذلك تليينَ التشديد، فإنَّ الصلاة تصح معه اتفاقًا. وكذلك لو فكَّ الإدغامَ ونطَق بالأصل، مثل أن يقول:«الْرَحمن الْرَحيم»

(1)

في الأصل والمطبوع: «إحدى عشر» .

(2)

في الأصل بعده: «رب العالمين» ، ووضع فوقه خط كالقوس. وفي حاشيته:«كذا» . والظاهر أن المقصود بالقوس في أصل النسخة حذفه، لأن كلمة «الربّ» جاءت فيما بعد.

ص: 753

بإظهار لام التعريف، لأنه لحنٌ لا يحيل المعنى.

فأمَّا إن تركَ الشدَّة بالكلِّيَّة، فإسقاطُ حرفٍ محقَّقٍ بلا ريب. وكونه ليس له صورة في الخط، إنما يصح في بعض الحروف المشددة. ثم المعتبر ما كان حرفًا في المنطق دون الكتاب

(1)

، فإنَّ اعتبار الحرف فيه غير مؤثِّر طردًا ولا عكسًا، فإنَّ ألفات الوصل حروف [ص 296] مكتوبة غير منطوقة، والمدَّات وبعضُ الهمزات منطوق غير مكتوب. وقد صرَّح من قال بهذا الوجه أنه لم يرد به تليينَ التشديد، بل حذفَ الشدَّة بالكلية. ذكره الآمدي وقال: تليين التشديد لا يختلف المذهب في صحة الصلاة معه.

فصل

ويستحب أن يقرأ قراءة مرتَّلة يمكِّن

(2)

فيها حرفَ المدِّ من غير تمطيط، ويقف عند كل آية؛ لقوله تعالى:{وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] ولحديث أمِّ سلَمة

(3)

وأنس

(4)

.

(1)

«الكتاب» مصدر كالكتابة. وقد أثبت في المطبوع: «النطق دون الكتابة» .

(2)

في الأصل: «يكن» ، تصحيف. وقد سبق مثله.

(3)

أخرجه أحمد (26583)، والترمذي (2927)، وأبو داود (4001)، من طرق عن أم سلمة، أنها سئلت عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يقطع قراءته آية آية: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} .

صححه ابن خزيمة (493)، والدارقطني (1/ 312)، وقد اختلف في إسناده ومتنه، وأعله بذلك جماعة، انظر:«فتح الباري» لابن رجب (4/ 360)، «البدر المنير» (3/ 554).

(4)

وضع الناسخ بعده في الأصل: «صـ» ثم بيَّض بقية السطر وسطرًا كاملًا. وبدأ السطر الجديد بكلمة «فصل» مع علامة قبله تشبه «مـ» .

وحديث أنس أخرجه البخاري (5046)، أنه سئل: كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدًّا، ثم قرأ:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} ، يمد ببسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم.

ص: 754

فصل

ويستحب التأمين بعد الفاتحة. والسنَّة للمصلِّي إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} أن يقول: آمين، ويقولها الإمام والمأموم والمنفرد، يجهر بها الإمام والمأموم فيما يجهر بقراءته تبعًا للفاتحة، وكذلك المنفرد إن جهر؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه» رواه الجماعة

(1)

.

وقال ابن شهاب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «آمين»

(2)

. وفي رواية أحمد والنسائي

(3)

: «إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فقولوا: آمين، فإنَّ الملائكة تقول: آمين، وإنَّ الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه» .

وقد تقدَّم عن بلال أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبِقْني بآمين

(4)

.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بالتكبير،

(1)

أحمد (7244)، والبخاري (780)، ومسلم (410)، وأبو داود (936)، والترمذي (250)، والنسائي (928)، وابن ماجه (851).

(2)

البخاري (780).

(3)

أحمد (7187)، والنسائي (927).

(4)

سبق تخريجه (ص 129).

ص: 755

ويفتتح قراءته بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ، وإذا قال:{غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: «آمين» رواه [

]

(1)

.

وعن أبي موسى الأشعري

(2)

رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: «آمين» حتى يسمع من يليه من الصفِّ الأول. رواه أبو داود، وابن ماجه

(3)

وقال: حتى يسمعها أهل الصفِّ الأول، فيرتجّ المسجد. وفي رواية: قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ} رفع صوته بآمين، ويأمرنا بذلك. رواه الأثرم

(4)

.

وفي رواية: كان إذا قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} قال: «آمين» ورفع بها صوته. رواه الخمسة

(5)

، وقال الترمذي: حديث حسن. وفي رواية:

(1)

بياض في الأصل بقدر كلمة. والحديث أخرجه بهذا السياق عبد الرزاق ــ كما في «كنز العمال» (8/ 93) ــ، وهو في في النسخة المطبوعة من «المصنف» (2602) دون زيادة: (وإذا قال غير المغضوب عليهم

)، وكذلك أخرجه مسلم وغيره، وقد تقدم تخريجه.

(2)

كذا في الأصل. والحديث الآتي من رواية أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

أبو داود (934)، وابن ماجه (853)، من طرق عن بشر بن رافع، عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة، عن أبي هريرة به.

إسناده ضعيف، قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (1/ 106):«هذا إسناد ضعيف، أبو عبد الله لا يعرف حاله، وبشر ضعفه أحمد، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات» ، وانظر:«بيان الوهم» (3/ 156)، «نصب الراية» (1/ 371).

(4)

«الناسخ والمنسوخ» للأثرم (134).

(5)

أحمد (18842)، وأبو داود (932)، والترمذي (248)، والنسائي (2/ 145) ــ من وجه آخر ــ، وابن ماجه (855)، من طرق عن حجر بن العنبس، عن وائل بن حجر به.

حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1805)، والدارقطني (1/ 334)، وقد وقع في إسناده اختلاف يسير، انظر:«البدر المنير» (3/ 577 - 585).

ص: 756

قال: «آمين» يمُدُّ بها صوته

(1)

. وقال الدارقطني: حديث صحيح. وعن وائل [ص 297] بن حجر قال: صلَّيتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فجهَر بآمين

(2)

.

فهذه كلُّها نصوص في أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالتأمين، وقد أمَر المأمومين أن يؤمِّنوا مع تأمين الإمام. وظاهره أنهم يؤمِّنون مثل تأمينه، لأنَّ التأمين في حقهم أوكد، لكونهم أُمِروا به؛ فإذا كان هو يجهر به، فالمأموم أولى. وقد تقدَّم التصريح بذلك.

ولذلك فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الأمرَ بالجهر به، وأجمعوا على ذلك. فروى إسحاق بن راهويه عن عطاء قال: أدركتُ مائتين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قال الإمام:{وَلَا الضَّالِّينَ} سمعت لهم ضجَّةً بآمين

(3)

. وعن عكرمة قال: أدركتُ الناس في هذا المسجد، ولهم ضجَّة بآمين

(4)

. قال إسحاق: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون أصواتهم بآمين، حتى يسمعوا للمسجد رَجَّة.

ولأنَّ المؤمِّن داعٍ. ولهذا قال الله سبحانه لموسى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89] وإنما كان يدعو موسى ويؤمِّن هارون.

وقد شُرع التأمين للقارئ ومستمعه، حتى الملائكة في السماء تقول:

(1)

أخرجها أحمد (18842).

(2)

أخرجه أبو داود (933)، وتقدم الكلام عليه.

(3)

أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 59).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (8046).

ص: 757