الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«المقلوب»
(1)
.
فإذا كانت هذه الأنهار تجري من يَمْنة المصلِّي إلى يَسْرته، وقرَّب كتفه اليمنى من الماء وبعَّد
(2)
اليسرى منه إذا كان الماء أمامه ــ وإن كان الماء خلفه فبالعكس ــ فقد استقبل جهة الكعبة. والنهران المقلوبان يجعلهما بالعكس جاريين من ميسرته إلى ميمنته.
وهذا ــ والله أعلم ــ في قبلة أهل العراق وخراسان ومن قاربهم من أهل الشام ونحوهم، وإلَّا فنيلُ مصر يجري من الجنوب إلى الشمال، ونهر الأردن بالشام يجري إلى ناحية الجنوب وهي ناحية القبلة.
مسألة
(3)
: (وإن اختلف مجتهدان لم يتبَع أحدُهما صاحبَه. ويتبع
(4)
الأعمى والعامِّيُّ أوثقهَما في نفسه)
.
وجملة ذلك أنَّ المجتهد في القبلة هو: العالم بدلائلها، القادر على الاستدلال بها، سواء كان فقيهًا أو لم يكن.
(1)
كذا في «الهداية» (ص 80) أنَّ كليهما يسمَّى «المقلوب» . وفي «المستوعب» (1/ 172) أن نهر الشام يسمَّى «العاصي» ، ونهر خراسان يسمَّى «المقلوب» من أجل ذلك. ولم يسمَّ في الكتابين نهر خراسان. وفي «صبح الأعشى» (4/ 83) أنَّ نهر الشام سمِّي «المقلوب» لما سبق، ولكن قيل له «العاصي» لأن غالب الأنهر تسقي الأرض بغير دواليب ولا نواعير، وهذا النهر لا يسقي إلا بنواعير تنزع الماء منه.
(2)
في الأصل والمطبوع: «وبعدها» .
(3)
«المستوعب» (1/ 169)، «المغني» (2/ 108 - 115)، «الشرح الكبير» (3/ 345 - 358)، «الفروع» (2/ 127 - 132).
(4)
في المطبوع: «وتبع» خلافًا للأصل.
فأما الأعمى أو البصير الذي لا يعلم أدلَّتها، أو يعلمها اسمًا ووصفًا، ولا يعلمها عينًا، فليس بمجتهد سواء كان فقيهًا أو لم يكن، لأنَّ المجتهد في كلِّ فنٍّ هو القادر على الاستدلال على مطالبه بسهولة.
فأما المجتهد، ففرضُه العملُ بما أدَّاه اجتهاده إليه، سواء خالفه غيره أو وافقه، وسواء كان أعلم منه أو لم يكن، وسواء اجتهد أو لم يجتهد، إذا كان الوقت متسعًا للاجتهاد، كما قلنا في المفتي والقاضي، وكما في الاجتهاد في أمور الدنيا وغيرها.
قال أصحابنا: وإن أمكنه أن يتعلَّم دلائل القبلة، ويستدلَّ بها قبل أن يضيق الوقت= لزمه ذلك، لأنه قادر على التوجُّه بالاجتهاد، فلم يجُز له التقليد كالعالم بالأدلَّة. وذلك لأنَّ مؤنة تعلُّم أدلَّة القبلة يسيرة، لا تشغل الإنسان عن مصالحه، فأشبه تعلُّمَ الفاتحة وصفة الوضوء وغيرهما
(1)
من فرائض الصلاة، بخلاف تعلُّم أدلَّة الأحكام الشرعية وطريق الاجتهاد فيها، فإنَّ تكليف العامَّة ذلك يشغلهم عن كثير من مصالحهم التي [ص 214] لا بدَّ لهم منها. فإن ضاق الوقت عن تعلُّم الأدلَّة والاستدلال بها، فهو بمنزلة العاجز عن تعلُّم الأدلَّة، يقلِّد غيرَه. فإن تعذَّر عليه الاجتهاد مع قدرته عليه لكونه محبوسًا في ظلمة صار فرضه التقليد، بمنزلة المقلِّد الذي لا يُحسن الاستدلال. هكذا ذكر القاضي وغيره من أصحابنا، وذكروا أن أحمد أومأ إليه. ومن أصحابنا من قال: هذا بمنزلة المقلِّد الذي لا يجد من يقلِّده، يصلِّي على حسب حاله.
والصواب أنَّ هذا الإطلاق يجب أن يُحمَل على ما إذا لم يجد من
(1)
في المطبوع: «وغيرها» ، والمثبت من الأصل.
يقلِّده، وإلّا فلا فرق بين المحبوس في ظلمة وبين الأعمى.
وان ضاق الوقت عن الاجتهاد، مع علمه بالأدلَّة، فخاف إن اشتغل به أن يفوته الوقت، فإنه يصلِّي بالتقليد عند جماهير أصحابنا. ومنهم من قال: يصلِّي على حسب حاله. وهو كالذي قبله. وقال أبو محمد المقدسي صاحب الكتاب رحمه الله
(1)
: بل يجتهد، لأنَّ الاجتهاد في حقِّه شرط لصحة الصلاة، فلم يسقط بخروج الوقت كسائر الشرائط؛ ولأنه مجتهد لا يجوز له التقليد مع سعة الوقت، فلا يجوز له مع ضيقه، كالمجتهد في الأحكام الشرعية مفتيًا وقاضيًا.
والأول هو الصواب، لأنَّ الصلاة في الوقت بالتقليد خير من الصلاة بعد خروج الوقت بالاجتهاد، كمن يقدر على تعلُّم الأدلة، لكن يخاف إن اشتغل بتعلُّمها فواتَ الوقت. ولأنَّ الصلاة في الوقت الحاضر فرضٌ، فلم يجُز تفويتها للاشتغال بأسباب الشرائط، كمن يعلم أنه يقدر على الماء أو على الثوب بعد الوقت.
ولأنَّ الاجتهاد ليس هو الشرط، وإنما هو الطريق إلى معرفة الشرط، فلم يجُز تفويتُ الصلاة بسببه كطلب الماء. ولأنَّ التقليد طريق صحيح، وهو بدلٌ عن
(2)
الاجتهاد، فوجب العمل به عند خشية الفوات كالتيمُّم عند [فقد]
(3)
الماء. ولا نسلِّم أنَّ الاجتهاد هو الشرط كما تقدَّم، ثم ينتقض بمن يعلم أنه يجد الماء بعد الوقت، أو تتبيَّن له القبلة، أو يجد السترة، أو يقدر على إزالة
(1)
انظر: «المغني» (2/ 108).
(2)
في الأصل والمطبوع: «يدل على» ، ولعل الصواب ما أثبت.
(3)
زيادة يقتضيها السياق.
النجاسة بعد الوقت.
ولأنه لو أدركته الصلاة حال المسايفة وجب عليه أن يصلِّي في الحال إلى غير القبلة، وإن كان بقتاله مجتهدًا في الأمن الذي يقدر به على استقبال القبلة.
فإن قيل: أمَّا إن كان زمن الاجتهاد يطول، فما [ص 215] ذكرتموه ظاهر، لأنه قد تقدَّم أنَّ الشروط كلَّها متى كان الاشتغال بتحصيلها من أول الوقت تفوت معه الصلاة لم يجُز تفويت الصلاة لأجلها. وأما إن كان زمن الاجتهاد قريبًا، مثل رجل استيقظ قبيل طلوع الشمس، فقد قلتم في مثل هذا: إنه يشتغل بأسباب التوضّؤ واللبس وإن فات الوقت، لأنَّ ذلك وقته.
قلنا: الخلاف في هذه الصورة أقرب. والفرق بين القبلة وغيرها أنَّ أمرها خفيف يسقط في حال الخوف وفي صلاة التطوع في السفر من غير إعادة بالإجماع، ويسقط بالجهل كأهل قباء ومن تحرَّى فأخطأ. ولأنَّ المقلِّد عامل بطريق وإن كان أضعف الطريقين {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115].
وأما المفتي والحاكم، فليس للاجتهاد به وقت محدود في الشرع، ولم يتعيَّن على هذا الحاكم والمفتي. ومتى تبيَّن له أنه خالف النصَّ نقض حكمه وفتياه، ولا يجوز له العمل بخلاف النصِّ في وقت من الأوقات.
واستقبال الكعبة يسقط بالجهل والعجز من غير إعادة، وفي القبلة إذا استوت عنده الجهات صلَّى إلى أي جهة شاء. والعالم إذا استوت عنده الأقوال لم يجُز له أن يفتي أو يحكم بشيء. وذلك لأنَّ العالم قد أُخِذ عليه أن
لا يقول إلا بعلم، والتقليد ليس
(1)
طريقًا
(2)
إلى العلم الذي أمر به فيسكت، كما لو لم يكن مجتهدًا. والصلاة لا بَّد له من فعلها إمَّا باجتهاد أو تقليد.
وفي الحقيقة، لا فرق بين الموضعين، لأنَّ الوقت إذا ضاق عن الاجتهاد صار المجتهد العامِّيَّ
(3)
في الموضعين، والعامِّيُّ يصلِّي بالتقليد
(4)
في الموضعين، ويحرم عليه أن يفتي أو يقضي بالتقليد.
فصل
وإن استوت الجهات كلُّها في نظر المجتهد، لتعارُض الأدلَّة في نظره، أو لعدمها بأن تكون السماء مطبقةً بالغيوم، ولا دليل له يستدلُّ به= فهذا أيضًا كالعاجز عن الاستدلال لكونه محبوسًا في ظلمة ونحوه.
قال بعض أصحابنا: يصلِّي على حسب حاله إلى أيِّ جهة شاء
(5)
.
وعلى ما ذكره سائر أصحابنا، فإنه يقلِّد غيره إن وجد من يقلِّده. لأنَّ استواء الجهات في نظره يُلحقه
(6)
بالعامي، فيقلِّد كما يقلِّد العامِّي.
فأمَّا إذا تعذَّر التحرِّي على المجتهد، لاستواء الجهات في نظره، أو لكونه ممنوعًا من رؤية العلامات، أو لضيق الوقت على المشهور، أو ضاق الوقت عن التعلُّم على من يمكنه التعلُّم، وتعذَّر عليهم التقليد أيضًا [ص 216]
(1)
في الأصل والمطبوع: «له» ، ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
في المطبوع: «طريق» خلافًا للأصل.
(3)
في المطبوع: «القاضي» ، تصحيف.
(4)
في الأصل: «بالاجتهاد» ، ولعله سهو من الناسخ، والمثبت من المطبوع.
(5)
انظر: «الكافي» (1/ 260).
(6)
في الأصل والمطبوع: «تلحقه» .
كالجاهل بدلائل القبلة إذا تعذَّر عليه التقليد، وكالأعمى إذا تعذَّر عليه التقليد= وجماعُ ذلك أن تستوي الجهات عند المكلَّف، فلا يترجَّح بعضها على بعض باجتهاد ولا تقليد، فهذا يصلِّي على حسب حاله إلى أيِّ جهة شاء، ويسقط عنه فرضُ استقبال جهة معينة. هذا هو المذهب.
وعلى الوجه الذي ذكره أبو بكر الدينوري
(1)
، عليه أن يصلِّي أربع صلوات إلى أربع جهات.
وعلى المذهب، هل يُستحَبُّ أن يصلِّي أربعَ صلوات؟ قال ابن عقيل: الأحوط أن يصلِّي أربعَ صلوات. وظاهر كلام أحمد وأكثر أصحابنا أنَّ هذا لا يستحب، بل يعيد.
قال أبو بكر: فيه قولان، يعني روايتين. أحدهما: لا يعيد، لأنه لم يكلَّف غير هذا. والثاني: يعيد، لأنه دخل في الصلاة بغير دليل. ولذلك خرَّجها القاضي على الروايتين فيمن عدم الماء والتراب. وقال ابن حامد: إن أخطأ أعاد، وإن أصاب فعلى وجهين
(2)
.
فإن قلنا: يعيد مطلقًا، فلأنه ترك المفروض عليه في الاستقبال بعذر نادر غير متصل، فأشبه الحائضَ إذا تركت الصوم، ومَن عدم الماء والتراب، لأنه وإن أصاب فذاك على وجه البَخْت
(3)
والاتفاق، وذلك لا يكفي.
وإن قلنا: يعيد إن أخطأ فقط، فلأنَّ المقصود استقبال القبلة، وقد
(1)
تقدَّم قريبًا.
(2)
انظر: «المستوعب» (1/ 169) و «المغني» (2/ 114).
(3)
تصحَّف في الأصل إلى «البحث» ، وكذا في المطبوع.
حصل. وإنما يعيد إذا قدَر على التحرِّي، وصلَّى بغير تحرٍّ، وإن أصاب؛ لأنه ترك المفروضَ عليه. وهذا فعَلَ ما أُمِر به.
وإن قلنا: لا يعيد مطلقًا، وهو الصحيح، وهو الذي يدلُّ عليه كلام أحمد واستدلاله. قال في رواية محمد
(1)
في الرجل يصلِّي لغير القبلة: لا يعيد {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} . وهو الذي تقتضيه أصوله خصوصًا في مسائل القبلة.
والقولان الآخران بعيدان على المذهب، فإنَّ القبلة إذا لم يمكن العلم بها صارت جميع الجهات له قبلة، كما نصَّ عليه أحمد. ولهذا لم يختلف قوله: إنه لا إعادة على المخطئ. وذلك لأن الله سبحانه قال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، وقد تقدَّم أنها نزلت في الجاهل بالقبلة والعاجز عنها. وكذلك الحديث المذكور ظاهره أنَّ القوم لم
(2)
يترجَّح عندهم جهة القبلة، فصلَّى كلُّ رجل على حسب حاله.
وجميع الأدلَّة المذكورة في مسألة «من اجتهد فأخطأ» يعمُّ هذا الموضع، لأن سقوط الإصابة عن المجتهد والمقلِّد لكونه غير قادر عليها كسقوط الاجتهاد والتقليد عن العاجز عنهما. ولأنَّ القبلة شرط من الشروط، فسقط بالجهل به على وجه يُعذَر به كسائر الشروط. [ص 217] والتعليلُ بالندرة ضعيف كما تقدَّم. وبتقدير صحته، فالقبلة أخفُّ من غيرها كما تقدَّم.
(1)
لا أدري أيَّ المحمدِّين من أصحاب أحمد قصَد؟ وانظر: «مسائل عبد الله» (1/ 68) و «الكوسج» (2/ 640).
(2)
في الأصل والمطبوع: «لا» .
وسرُّ المسألة أنَّ المصلِّي إلى أيِّ الجهات توجَّه فثمَّ وجهُ الله وقبلته، لكنه سبحانه عيَّن أشرف الجهات عند العلم والقدرة، فإذا تعذَّر ذلك استوت الجهات كلُّها. والله سبحانه أعلم.
هذا فيمن كان بدار الاسلام. فأما من كان بدار الحرب، ولا طريق له إلى العلم بالقبلة، فقال أبو بكر: لا إعادة عليه هنا قولًا واحدًا، بخلاف من هو في دار الاسلام، لأنَّ العذر يكثر ويطول في أسارى المسلمين المحبوسين في مطامير
(1)
الكفار. وقصةُ النجاشي
(2)
تؤيد هذا.
فصل
فإن ترك الاجتهادَ مع قدرته عليه، أو التقليدَ مع قدرته عليه، أو صلَّى إلى غير الجهة التي أمر من قلَّده بها، فإنه يعيد بكلِّ حال، أصاب أو أخطأ، في ظاهر المذهب؛ لأنه فعل ما لم يؤمر به، فلم تنفعه الإصابة اتفاقًا، كمن أفتى بغير علم، أو قضى للناس على جهل، أو قال في القرآن برأيه، أو شهد بما لا يعلم؛ فإنَّ هؤلاء لا ينفعهم الإصابة في نفس الأمر، لأنهم لم يعلموا أنهم مصيبون.
وعكس هؤلاء من اجتهد، فأخطأ في قضاه أو فتياه، أو حلف على شيء يظنُّه كما حلف عليه، أو اجتهد، أو قلَّد في القبلة فأخطأ؛ فإنَّ الخطأ عن هؤلاء محطوط، لأنهم فعلوا ما يقدرون عليه.
فصل
وأما الأعمى والجاهل بأدلَّة القبلة الذي لا يمكنه التعلُّم، أو الذي يضيق
(1)
جمع مطمورة، وهي السجن، وقد تقدَّمت.
(2)
تقدمت قريبًا.
وقته عن التعلُّم، فإنه إذا اختلف عليه مجتهدان، فإنَّه يتبع أوثقَهما عنده علمًا بدلائل القبلة، وورعًا في تحرِّيها. وذلك واجب عند أكثر أصحابنا، فإن قلَّد المفضول لم تصحَّ صلاته.
وقال بعض أصحابنا: يجوز تخريجًا على أنَّ للعامِّيِّ أن يقلِّد من شاء من المفتين، فإنَّ فيه روايتين أشهرُهما جوازُه، لأنه أخذ بدليل يجوز العمل به منفردًا، فكذلك إذا كان معه غيره، كما لو استويا، فإنهما إذا استويا قلَّد من شاء منهما.
وحكى الحُلْواني
(1)
في هذه المسألة روايتين أيضًا، وقدَّم رواية التخيير كالروايتين في الاستفتاء.
والأول أقيس، لأنه إنما جاز له أن يقلِّده حال الانفراد لعدم المعارض، كما يعمل في خبر الواحد والقياس والعموم مع عدم المعارض؛ فإنَّ غلبة الظن بمعرفة المجتهد تزول إذا خالفه من هو أعلم منه. ولأنَّ أمر القبلة مبنيٌّ على العمل بالأقوى، فلم يجُز العمل بالأضعف، كما لو تعارضت الأدلَّة عند المجتهد فإنه يجب عليه العمل بأقواها، وكما لو أخبر المحبوسَ والأعمى رجلان كلٌّ منهما يزعم أنه [ص 218] يُخبره عن علم بجهة القبلة واختلفا، فإنه يجب عليه أن يعمل بأصدقهما وأوثقهما. ولأنَّه عمل بالمرجوح فيما لم يُبْنَ على التوسعة والرخصة فلم يجُز، كالعمل بالدلالة الضعيفة.
وأما تقليد المفتين، فإنَّ ابن عقيل وغيره سوَّوا بينهما في وجوب تقليد
(1)
عبد الرحمن بن محمد بن علي، صاحب كتاب «التبصرة» في الفقه. وكان فقيهًا في المذهب، وتوفي سنة 546. ترجمته في الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 39 - 42).
أوثقهما في نفسه، وهو إحدى الروايتين طردًا للقياس. قالوا: لأنَّ الحقَّ في جهة واحدة، وعلى المكلَّف أن يطلبه بأقوى الأدلَّة في نفسه. وأقوال المفتين للعامِّيّ كالأدلَّة الخاصّة للمجتهد، وله نوعُ اجتهاد فيمن يقلِّده، فكما وجب على المجتهد رأيه في أدلَّة الأحكام أن يتبع أقوى الدلالتين، كذلك يجب على المجتهد رأيه في أقوال المفتين أن يتبع أوثق القائلين. وأكثر أصحابنا جوَّزوا له تقليدَ من شاء، وهو أشهر الروايتين إذا لم يكن من
(1)
أحد الجانبين نصٌّ ونحوه.
ثم إنَّ طائفة من أصحابنا، منهم ابن عقيل وأبو بكر الدينوري، ذكروا روايةً عن أحمد أنَّ كلَّ مجتهد مصيب
(2)
بناءً على إذنه لبعض من استفتاه أن يقلِّد غيره من المفتين إذا أفتاه بخلاف قوله. وصنَّف رجلٌ
(3)
كتابًا سمَّاه «كتاب الاختلاف» ، فقال: سمِّه «كتاب السعة» ، ولا تسمِّه «كتاب الاختلاف» ، وقال
(4)
: لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناسَ على مذهبه. قال: ولو كان يعتقد أنهم على خطأ لما دلَّ عليهم، وأمر بالاستفتاء لهم. وبنى الدينوري على هذا أنَّ المصلِّي إلى القبلة باجتهاده مصيبٌ لما عند الله، وإن استقبل غير جهة الكعبة. وعلى هذا فيظهر تخيير العامِّي في تقليد من شاء في القبلة.
وأيضًا فلا فرق، بل يقال: التخيير في القبلة أولى من التخيير بين أعيان
(1)
كذا في الأصل والمطبوع. وقد يكون تصحيف «في» .
(2)
«المسودة في أصول الفقه» (ص 450).
(3)
هو إسحاق بن بهلول الأنباري، روى مسائل عن الإمام أحمد. انظر:«طبقات الحنابلة» (1/ 297)، و «المسودة» (ص 450).
(4)
في رواية المرُّوذي كما في «الآداب الشرعية» (1/ 166).
المفتين، لأن من استوت عنده الجهات صلَّى إلى حيث شاء، ومن تكافأت عنده الدلالات أمسك عن الفتيا حتَّى يتبيَّن له الحقُّ. وذلك لأن لله المشرق والمغرب {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ولا يجوز أن يقال: أيّ شيء قلتم فهو حكم الله.
ولأنَّ التخيير بين الجهات لا تناقضَ فيه، بل هو كالتخيير بين أنواع القراءة والتشهد
(1)
، بخلاف التخيير بين اعتقاد التحليل والتحريم ونحو ذلك، فإنه متناقض. والمنصوص عنه في غير موضع، وهو مذهبه المعروف، أنَّ الحقَّ عند الله واحد، وعلى المكلَّف أن يطلبه، والمصيب له واحد. وليس هذا موضع استقصاء [ص 219] في ذلك.
ولا ريب أن كون الحقِّ عند الله واحدًا في باب الأحكام أبلغ [منه]
(2)
في باب الاستقبال ونحوه، لأنَّ المختلفين في القبلة وإن كان يعلم أنَّ بعضهم مستقبلٌ
(3)
غيرَ القبلة، فجعلُ جهةٍ غير القبلة قبلةً أمرٌ معهودٌ في الشرع في حال الخوف والتطوع على الراحلة. وهو في هذه الحال مستقبلُ القبلة التي شرعها الله له ظاهرًا وباطنًا، فكذلك في حال الجهل بها للاشتباه، أيُّ جهة ولَّاها فثمَّ وجهُ الله؛ بخلاف حكمٍ غيرِ الحكم الذي حَكَم الله، فإنه لا يجوز أن يكون هو حكمَ الله ظاهرًا وباطنًا بالنسبة إلى أحد من المكلَّفين، كما هو مقرَّر في موضعه، وإن قلنا: هو مصيب في اجتهاده، مخطئ بحكم الله، أو قلنا: هو مخطئ فيهما جميعًا. لكن الفرقَ بين التقليد في القبلة،
(1)
في الأصل: «القراءت في التشهد» . ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
في الأصل: «مستقبلًا» والتصحيح من حاشيته.
والتقليد في الأحكام: أنَّ تقليد الأوثق في القبلة ليس فيه عسر ولا حرج، إذ الجهات بالنسبة إلى المصلِّي سواء، فيبقى تقليدُ المرجوح لا وجه له؛ بخلاف الأحكام فإنَّ إلزام العامَّة بقول واحد بعينه في جميع الأحكام، فيه عسر وحرج عظيم منفيٌّ بقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].
وقد جعل اختلاف العلماء رحمة وتوسعة على الأمة. وما زال المسلمون في كلِّ عصر ومصر يقلِّدون من العلماء من هو أعلم
(1)
عندهم فيه
(2)
. وقد كان الصحابة يعلمون فضلَ بعضهم على بعض في بعض أنواع العلم، ثم لم يقصُروا العامَّةَ على استفتاء ذلك الأفضل في ذلك النوع.
وأيضًا فإنه يجب الرجوع إلى قول أوثق الطبيبين والقائفين والمقوِّمين، فكذلك في قول أوثق المجتهدين في القبلة، لأنها أمور جزئية
(3)
، ولا يشقُّ تعيين الأقوى منها، بخلاف الأحكام الشرعية فإنَّها كثيرة ومتسعة، ولربما كان المفضول في كثير من المسائل أوثق من الفاضل لاختلاف المطلوبات فيها، والمسألة محتملة.
هذا إذا اختلف مجتهدان، وعلم اختلافهما. فأمَّا إذا كانت هناك عدَّة مجتهدين، ولم يدر أيتفقون أم يختلفون، مثل أن يكون في جيش عظيم أو ركب عظيم، فهل له أن يقلِّد من تيسَّر عليه منهم، أم يجب عليه أن يسأل
(1)
في الأصل: «من غبوة علم» ، والهاء موصولة بالواو. ولم يظهر لي صواب العبارة. فأثبت هكذا.
(2)
غيَّره في المطبوع إلى «بالعلم» دون تنبيه.
(3)
في الأصل: «جزويَّة» .
أوثقهم؟
لأصحابنا في الاستفتاء وجهان، فكذلك يخرَّج هنا مثلُه. لكن ظاهر كلامهم هنا أنَّ ذلك لا يجب عليه، لأنهم قصروا اتباع الأوثق على حال الاختلاف، ولأنه لو كان قريبًا منه أمارة تدل على القبلة [ص 220] جاز له اتباعها، ولم يجب عليه أن يقطع مسافةً إلى أمارة أخرى، لجواز أن تخالفها؛ ولأن الأصل عدم الاختلاف.
فصل
وإذا اختلف اجتهاد رجلين لم يجُز أن يأتمَّ أحدهما بصاحبه، في المنصوص المشهور. ومتى ائتَّم أحدهما بالآخر، فصلاة المأموم باطلة. وفي صلاة الإمام وجهان.
وقال بعض أصحابنا
(1)
: قياس المذهب جوازه، كما لو ائتمَّ بمن يخالف اجتهاده في بعض شروط الصلاة، كمن يصلِّي خلف من يصلِّي في جلود السِّباع، فإنه تصح صلاته في المنصوص عنه. ولأنَّ خطأ الإمام هنا لا يمنع صحة الصلاة ظاهرًا ولا باطنًا، لأنَّ الإمام لا يعيد إذا تبيَّن له الخطأ، بخلاف ما لو اعتقد الماموم أن الإمام مُحدِث.
ووجه الأول: ما تقدَّم من الحديث المذكور، فإنَّ الصحابة رضوان الله عليهم حينئذ صلَّى كلُّ واحد منهم على حدته، ولم يصلُّوا جماعة واحدة
(2)
. ولو كان ذلك جائزًا لفعلوا، لأنَّ الجماعة واجبة أو سنَّة مؤكدة.
(1)
لعله يعني صاحب المتن. انظر: «المغني» (2/ 109).
(2)
تقدم تخريجه.
ولأنَّ المأموم يعتقد أنَّ الإمام يترك شرطًا من شرائط الصلاة للعجز عنه، فأشبه ما لو كان الإمام عاريًا، أو مُحدِثًا وعَدِم
(1)
الماء والتراب، أو مربوطًا إلى غير القبلة، أو حاملًا لنجاسة لا يقدر على إزالتها، أو أمِّيًّا، أو أقطع.
وأيضًا فإنه هنا يتيقَّن أنَّ صلاته اشتملت على ترك استقبال القبلة، وكلُّ صلاة تيقَّن أنه ترك فيها استقبال القبلة فهي باطلة؛ لأنه إن كان هو المصيب فصلاته مبنيَّة على صلاة إمامه، وصلاةُ إمامه على هذا التقدير إلى غير القبلة، فتكون صلاته إلى غير القبلة، مع القدرة على ترك ذلك. وإن كان إمامه هو المصيب، فصلاته هو إلى غير القبلة.
وبهذا يظهر فقه المسألة، فإنَّ العفو عما يجوز أن يكون صوابًا أو خطأً، إذا ضُمَّ إليه ما يتيقَّن باجتماعهما حصولُ الخطأ، لم يحصل العفو عنهما جميعًا؛ كما لو أحدث أحد رجلين
(2)
، ولم يعلم عينه، وقلنا لكلٍّ منهما أن يصلِّي، فليس لأحدهما أن يأتمَّ بالآخر. وكما لو قال رجل: إن كان هذا الطائر غرابًا فعبدي حرٌّ، وقال آخر: إن لم يكن غرابًا فعبدي حُرٌّ. فإذا اجتمع العبدان في ملك واحد حكمنا بعتق أحدهما.
وبهذا يظهر الفرق بينه وبينما إذا ترك الإمام ما يعتقده المأموم ركنًا أو شرطًا، لأنه لا يتيقَّن اشتمال الصلاتين على مبطِل، لجواز أن يكون اعتقاد إمامه صوابًا، وحينئذ فتكون صلاة الإمام صحيحة في الباطن، وكذلك صلاته؛ لأنه لم يترك شيئًا، ومجرَّدُ اعتقاد إمامه
(3)
لا يؤثِّر في صلاته.
(1)
كأن في الأصل: «لعدم» ، والمثبت من المطبوع.
(2)
أشار الناسخ في الحاشية أن في أصله: «أحدث رجلين» ، يعني أن كلمة «أحد» ساقطة.
(3)
في الأصل والمطبوع: «إيمانه» ، تحريف.
نعم، نظير مسألة القبلة: أن يفعل أحدهما شيئًا ويتركه الآخر، وهو [ص 221] عند أحدهما واجب
(1)
، وعند الآخر مبطل. فإنه هنا إن كان واجبًا فقد تركه أحدهما، وإن كان مبطِلًا فقد فعله أحدهما، فالصلاة مشتملة على تركِ واجب أو فعلِ محرَّم بيقين.
على أنَّ القياس على مسائل الاجتهاد الفقهية قد فرَّق بينهما، إذا سُلِّم بما تقدَّم في التي قبلها. وذلك أنَّ مسائل الاجتهاد إذا لم يخالف الرجلُ فيها كتابًا ولا سنّةً ولا اجماعًا، فإنه لا يُنقَض حكمه، ولا يُحكم
(2)
بخطئه، ولا يُحكَم ببطلان صلاته، ولا يُنهَى عن استفتائه، ولا يُنهى
(3)
أن يعمل باجتهاده؛ بل قد يؤمر باستفتائه، إما لأنَّ الحكم يختلف باختلاف الاجتهادات، كما يقوله من يعتقد: كلُّ مجتهد مصييب؛ أو
(4)
لأنَّ الناس لم يكلَّفوا إلا ما يقتضيه رأيهم وإن كان في الباطن أشبه، كما يقول أصحاب الشبه؛ أو لم يكلَّفوا إلا طلبَ ما هو الحقُّ في الباطن سواء أصابوه أو أخطؤوه وقد عفي عنهم إذا أخطؤوه. أو لأنه وإن كان مخطئًا في اجتهاده وحكمه، فإنَّ الله تعالى رفع الحرج فيها عن المخطئ، وجعل له أجرًا على اجتهاده إقرارًا لكلِّ ذي رأي على رأيه، مع أنَّ الحقَّ عند الله واحد؛ لخفاء مدركها، وخفّة أمرها، ومشقَّة إصابة الحقِّ فيها، وعموم الرحمة والمصلحة
(1)
في المطبوع: «واجب فعله» ، وهو خطأ. وقد كتب الناسخ «فعله» فوق «واجب» مع علامة صح، ومكانها بعد «مبطلًا فقد» في السطر التالي، وقد وضع علامة اللحق. وقد أثبت المحقق «فعله» في الموضع المقصود أيضًا.
(2)
في الأصل والمطبوع: «حكم» .
(3)
في الأصل والمطبوع: «ينهاه» .
(4)
في الأصل والمطبوع واوا لعطف.
في تيسير ذلك، وتفاقُم الفساد من هدم بعض الاجتهادات ببعض.
وهذان القولان هما اللذان يقولهما أصحابنا، وإن كان الأول قد حُكي في المذهب أيضًا. وهذا الواقع في أحكام الشريعة لا يلزم مثله في مسألة تقع
(1)
في الدهور مرَّةً، ولا يُلزِم العفوُ فيما تعُمُّ به البلوى العفوَ عما لا تعُمُّ به البلوى.
فإن اتفقا على الجهة واختلفا في العين، فقال أحدهما: ننحرف
(2)
يمينًا، وقال الآخر: ننحرف شمالًا؛ فقال القاضي في «الجامع» : إن قلنا: المطلوب العين، لم يجُز له أن يتبعه. وإن قلنا: المطلوب الجهة ــ وهو الصحيح من قوله ــ جاز له أن يتبعه. وقال في «المجرد» وغيره: من أصحابنا من يجوِّز الائتمامَ هنا مطلقًا. وهذا أصح، لأنَّا إن قلنا: المطلوب العين، فإنَّ الانحراف اليسير مع الخطأ معفوٌّ عنه بكلِّ حال بالإجماع، والصلاة إلى قبلة واحدة في مثل هذه الحال.
فصل
إذا صلَّى بالاجتهاد، ثم تبيَّن له في أثناء الصلاة أنَّ جهة القبلة خلاف ذلك عن يقينٍ، استقبلَ القبلةَ، ويبني على صلاته كأهل قباء؛ لأنَّ أولى صلاته كانت صحيحه ظاهرًا وباطنًا، فهو كالعاري إذا وجد السترة في أثناء صلاته.
وإن تبيَّن له ذلك باجتهاد انحرف إلى الجهة التي تبيَّن له أنها القبلة.
(1)
في الأصل والمطبوع: «في قبله يقع» ، ولعله تحريف ما أثبت.
(2)
حرف المضارعة مهمل في الأصل هنا وفيما بعد. وفي المطبوع: «تنحرف» .
نصَّ عليه، وهو قول أكثر الأصحاب. وقال ابن أبي موسى
(1)
والآمدي وغيرهما [ص 222]: يبني على صلاته، لأنَّ الاجتهاد لا يُنقَض بالاجتهاد.
والأول أصح، لأننا لا ننقض الاجتهاد الأول، وإنما نأمر أن يُتِمَّ الصلاة إلى الجهة الأخرى، كما لو علم القبلة يقينًا. وهذا ممكن هنا، دون القضايا والفتاوى فإنَّ ذلك لا يمكن فيها إلا في حادثتين. ثم إن كان إمامًا فارقه المأمومون إذا لم يتغير اجتهادهم، وأتمُّوا جماعة وفرادى. وإن كان مأمومًا فارق إمامه، وبنى.
وإن
(2)
لم يبق اجتهاده إلى تلك الجهة، ولم يؤدِّه اجتهاده إلى جهة أخرى= بنى
(3)
على جهته، لأنه لم يتبيَّن له خطؤه، وقد دخل دخولًا صحيحًا.
وإن صلَّى بتقليد، ثم أخبره في أثناء صلاته مخبِرٌ أنَّ القبلة في جهة أخرى، فإن كان الثاني ممن لا يُقبَل خبرُه ولا اجتهادُه، أو أخبره باجتهاده، وهو عنده مثل الأول= لم ينصرف عن قبلته. وإن كان الأول أخبره باجتهاده، والثاني عن علم، انحرف إلى الجهة التي أخبره بها. وإن كان الثاني أخبره باجتهاد، وهو أوثق من الأول، فهو كما لو تغيَّر اجتهاده وهو من أهل الاجتهاد، فهل ينحرف؟ على وجهين.
فصل
وإذا صلَّى بالاجتهاد، ثم حضرت صلاة أخرى، جدَّد الاجتهاد. فإن تغيَّر
(1)
في «الإرشاد» (ص 79). وانظر: «المغني» (2/ 107).
(2)
«إن» ساقطة من المطبوع.
(3)
في الأصل والمطبوع: «وبنى» ، ولعل الواو مقحمة.
اجتهاده صلَّى بالثاني، ولم يُعِد ما صلَّى بالأول، كالمفتي والحاكم يجدِّد اجتهاده في قضاياه وفتاويه. والاجتهاد لا يُنقَض بالاجتهاد، لأنه لم يتيقَّن الخطأ فيما فعله أولًا، مع أنه لو تيقَّن
(1)
ذلك في القبلة لم يُعِدْ، فأولى أن لا يعيد مع استمرار الشكِّ في الجملة.
فصل
ولا يتبع دلالة مشرك بحال، مثل أن يدخل بلدًا فيه محاريب [لا يعلم]
(2)
هل هي بناء المسلمين أو المشركين؟ أو يخبره الكفار أنها مبنيَّة إلى القبلة، ونحو ذلك.
ولو رأى على المحراب آثار المسلمين، وهو في بلد كُفَّار، أو في بلدٍ خرابٍ لا يعلم هل هو بلد مسلم أو كافر؟ لم يصلِّ إليه، لاحتمال أن يكون الباني له كافرًا مستهزئًا غارًّا للمسلمين، إلّا أن يكون مما يعلم أنه من محاريب المسلمين.
قال بعض أصحابنا
(3)
: لو علِم قبلةَ الكفار، فله أن يستدلَّ بها على قبلة المسلمين؛ مثل أن يرى قبلةَ النصارى في كنائسهم، وقد علم أنهم يصلُّون إلى الشرق، فإنه يستدلُّ بها على القبلة، فيجعله عن يساره وأن كانت هذه قبلته، لأنَّ خبرهم عن قبلتهم بمنزلة التواتر، وهم لا يُتَّهمون فيه.
(1)
في المطبوع: «يتيقَّن» ، والمثبت من الأصل.
(2)
زيادة يقتضيها السياق.
(3)
انظر: «المغني» (2/ 102).