الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وركعوا معه، وسجد، وسجدوا معه. ثم أقبلت الطائفة التي كانت تقابل
(1)
العدو، فركعوا وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه. ثم كان التسليم، فسلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلَّموا جميعًا. فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، وكلِّ رجل من الطائفتين ركعتين ركعتين. رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح
(2)
.
مسألة
(3)
: (وإذا
(4)
اشتدَّ الخوف صلَّوا رجالًا وركبانًا إلى القبلة أو إلى غيرها يومئون بالركوع والسجود. وكذلك كلُّ خائف على نفسه يصلّي على حسب حاله، ويفعل كلَّ ما يحتاج إلى فعله من هرب أو غيره)
.
لكن هل يجب أن يستقبل القبلة بالافتتاح إذا أمكن؟ على روايتين، أظهرهما: لا يجب، ولا إعادة عليه لهذه الصلاة. هذا أشهر الروايتين من المذهب
(5)
. وعنه: أنه مخيَّر بين أن يصلِّيها كذلك، وبين أن يؤخِّرها
(6)
، حتى لو كان طالبًا للعدو بإغارة أو محاصرة و نحو ذلك، وخشي فوته، فإنه
(1)
في الأصل: «تقاتل» ، تصحيف.
(2)
أحمد (8260)، وأبو داود (1240)، والنسائي (1543). وصححه ابن خزيمة (1361)، وابن حبان (2878)، والحاكم (1/ 338).
(3)
«المستوعب» (1/ 259 - 260)، «المغني» (3/ 316 - 320)، «الشرح الكبير» (5/ 145 - 156)، «الفروع» (3/ 130 - 132).
(4)
في متن «العمدة» مع «العدَّة» ، وطبعاته الأخرى:«وإن» .
(5)
انظر: «الهداية» (ص 107) و «الإنصاف» (5/ 148 - 149).
(6)
انظر: «الإرشاد» (ص 104) و «الفروع» (3/ 130).
يخيَّر بين أن يصلّي بحسب حاله وبين أن يؤخِّرها إلى أن يأمن. نصَّ عليه في هذه الرواية، لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم منصرفَه من الأحزاب قال:«لا يصلينَّ أحد العصرَ إلّا في بني قريظة» . فصلَّى بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم [261/ب]: لا نصلي، وقال بعضهم: بل نصلِّي، لم يُرَدْ ذلك منَّا. فذُكِر لنبي الله صلى الله عليه وسلم، فلم يعنِّف واحدًا منهم
(1)
.
وقال البخاري
(2)
: قال أنس: حضرتُ مناهضةَ [حصن]
(3)
تُسْتَر عند إضاءة الفجر، واشتدَّ اشتعالُ
(4)
القتال، فلم يقدروا على الصلاة، فلم نصلِّ
(5)
إلا بعد ارتفاع النهار، فصلَّيناها، ونحن مع أبي موسى، ففُتِح لنا. فقال أنس: وما يسُرُّني بتلك الصلاة الدُّنيا وما فيها.
ولأن الصحابة ليلةَ الهَرِير
(6)
من ليالي الصِّفِّين أخَّروا صلاة يوم وليلة إلى الغد، ثم تتاركوا حتَّى قضوها
(7)
. ولو لا أنّ تأخير الصلاة في مثل هذه
(1)
أخرجه البخاري (946) ومسلم (1770).
(2)
في باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو، قبل الحديث (945). وقد وصله ابن سعد في «الطبقات» (5/ 333) وابن أبي شيبة (34514).
(3)
ساقط من الأصل
(4)
في الأصل: «اشتغال» ، تصحيف.
(5)
في الأصل: «فلم يصلي» ، تصحيف.
(6)
في الأصل: «الهربه» ، تصحيف.
(7)
لم أقف عليه، وفي صحته نظر، إذ يُروى أن عليًّا صلى بأصحابه المغربَ صلاةَ الخوف ليلة الهرير: بالطائفة الأولى ركعةً، وبالثانية ركعتين. انظر:«الرسالة» للشافعي (ص 263) و «السنن الكبرى» للبيهقي (3/ 252).
الحال [جائز]
(1)
كانوا لما فعلوه.
ولأنَّ المحافظة على الوقت يفوت معها معظم الشروط والأركان، ويحصل معها مفسدات كثيرة، ويُخاف من اشتغال القلب بالصلاة عن مراعاة أمر العدو الذي هو أهمّ في هذه الساعة. ولأن الجهاد فرض، وهو مشغول به عن غيره، يخيَّر بين الأمرين.
والأول أصحّ، لأن الله سبحانه قال:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. فأمر بالمحافظة، وهي الصلاة في الوقت، ولم يستثن حالًا من الأحوال، فعمَّ ذلك حالَ الخوف وغيرَه. ثم أفرده بالذكر لبيان دخوله، فقال:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239].
وعن عبد الله بن عمر أنه وصف صلاة الخوف، قال: فإذا كان خوفٌ أشدُّ من ذلك صلَّوا قيامًا على أقدامهم وركبانًا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. قال نافع: ولا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك [262/أ] إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم. روا ه البخاري
(2)
. ورواه ابن ماجه
(3)
مرفوعًا من غير شكّ.
ولأن الصلاة لا يجوز تأخيرها بالعجز عن بعض شرائطها وأركانها، بل يصلِّي في الوقت على حسب حاله. وأما تأخير من أخَّر العصر يوم بني قريظة، فإنه كان في سنة الخندق لما أخَّر نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم صلاةَ العصر يوم
(1)
زيادة يقتضيها السياق. وقد تكون كلمة «كانوا» بعدها تحريف «جائز» .
(2)
برقم (4535)، وقد سبق.
(3)
برقم (1258).
الخندق، وآية المحافظة نزلت ناسخةً لما فعلوه من التأخير، آمرةً
(1)
بالمحافظة في الخوف وغيره. فلا يصح الاحتجاج بما فعل من التأخير يومئذ.
وأيضًا: فإن الذين طلبوا بني قريظة لم يكونوا في خوف شديد ولا خفيف. ومثل هذا لا يجوز معه التأخير. وإنما لما أمرهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأن لا يصلُّوا العصر إلا في بني قريظة مبالغةً في المبادرة إليهم، ولم يكن وُكِّد المحافظة على المواقيت، استخاروا التأخير امتثالًا لظاهر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ رأوه واجبًا عليهم.
فإن قيل: هذه الصلاة تشتمل على المشي والعمل الكثير، قلنا: هذا يجوز للحاجة. وأما اشتغال القلب بالصلاة، فمن أعظم أسباب النصر. قال الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الأنفال: 45]. فأمَر بالذكر الكثير، والصلاة أفضل الذكر، وليس فيها زيادة على الذكر إلا الإيماء بالركوع والسجود.
فعلى هذا، لو عجز عن اجتناب النجاسة أو ستر العورة لكون العدو فَجِئَه [262/ب] صلَّى أيضًا على حسب حاله، كمن عدِم الماءَ والترابَ، ولا إعادة عليه في المشهور، لأن الصلاة لا يجوز تأخيرها عن الوقت بحال.
ويجوز أن يصلُّوا في هذه الحال جماعةً رجالًا وركبانًا، نصَّ عليه، وإن أفضى إلى التقدُّم على الإمام أو عن يساره أو وقوف الفل
(2)
، إذا أمكنهم متابعة الإمام. فإن لم يمكن ذلك بأن لا يمكنهم ملاحظة أفعال الإمام ولا
(1)
في الأصل: «مَرَّة» مضبوطة. وهي تصحيف ما أثبت.
(2)
كذا في الأصل.
يسمعون الصوت وارتفاع الأصوات
(1)
، فقد تعذَّرت
(2)
الجماعة. وقيل: لا يجوز صلاة الجماعة في هذه الحال.
والهارب هربًا مباحًا من عدو أو سبُع أو سيل يصلِّي صلاة شدّة الخوف. وكذلك من خاف على نفسه أو أهله أو ماله أن يصلِّي كالأسير والمختفي، فإنه يصلّي قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب كالمريض. وإن خاف من الإيماء برأسه أومأ بعينه وحاجبيه، كما قلنا في المريض سواء.
وإن كان راكبًا يخاف مِن نزوله
(3)
انقطاعَه عن القافلة صلَّى على حسب حاله. كذلك طالبُ العدو إذا خاف مِن تركِ طلبه كرَّةَ العدو أو كمينًا له. فإن لم يخف إلا فوته فقط لم يصلِّ صلاة شدّة الخوف في إحدى الروايتين، لأن قوله:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} تعليق للصلاة راكبًا على الخوف، والطالبُ ليس بخائف، لأنه قادر على الصلاة من غير ضرر، فأشبه [الآمن]
(4)
.
والثانية: يصليها. وهي أصح، لما روى عبد الله بن أُنَيس الجهني، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى خالد بن سفيان الهذلي [263/أ] وكان نحو عُرَنة وعرفات، فقال:«اذهب، فاقتله» . قال: يعني: فذهبتُ، فرأيته. فحضرَتْ صلاةُ العصر، فقلت: إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخِّر الصلاة،
(1)
كذا في الأصل، ولعل المعطوف عليه ساقطٌ سهوًا.
(2)
في الأصل: «تعددت» ، تصحيف.
(3)
في الأصل: «يرد له» ، تصحيف.
(4)
زيادة منِّي.
فانطلقت أمشي، وأنا أصلِّي، أومئ إيماءً نحوه. فلما دنوتُ منه قال لي: من أنت؟ قلت: رجل من العرب، بلغني عنك أنك تجمع لهذا الرجل، فجئتك في ذلك. فقال: إنِّي لفي ذلك. فمشيتُ معه ساعة، حتَّى إذا أمكنني علوتُه بالسيف حتَّى برَد. رواه أحمد و أبو داود
(1)
.
ولأنَّ العدو إذا فات فإنه يُخاف من غائلته ما يخاف من العدو الطالب. ولأنّ جهاد العدو فرض قد حضر، ومصلحته أعمُّ من مصلحة تكميل أركان الصلاة، فكان الاشتغال به أولى.
ذكر الأوزاعي أن شُرَحبيل بن حسَنة قال: لا تصلُّوا الصبح إلا على ظهر، فنزل الأشتر
(2)
، فصلى على الأرض. فمرَّ به شرحبيل، فقال: مخالف
(3)
، خالفَ الله به! قال: فخرج الأشتر في الفتنة
(4)
. وكان الأوزاعي يأخذ بهذا في طلب العدو
(5)
.
(1)
أحمد (16047) مطوّلًا، وأبو داود (1249) واللفظ له، من طريق ابن عبد الله بن أنيس، عن أبيه.
وصححه ابن خزيمة (982)، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (6/ 206):«فيه راو لم يسمّ وهو ابن عبد الله بن أنيس، وبقية رجاله ثقات» .
(2)
في الأصل: «الأسير» ، وكذا فيما بعد، وهو تصحيف.
(3)
في الأصل: «يخالف» ، تصحيف.
(4)
أي فتنة التأليب على عثمان. والقصة أخرجها ابن عساكر في «تاريخه» (56/ 380 - 381) بإسناد مسلسل بالدمشقيين الثقات إلى مكحول: أن شرحبيل
…
إلخ بنحوه. وهو مرسل، فإن مكحولًا لم يُدرك شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه.
(5)
انظر: «صحيح البخاري» (باب الصلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدو)، و «التمهيد» (15/ 286)، و «المغني» (2/ 95).