الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاخلاص
الاخلاص من الصفات الروحية التي تسمو بالمرء الى منزلة رفيعة من الخلق الانساني، والاخلاص يجعل الانسان متقنا في عمله، لطيفا في خلقه، نقيا في سلوكه، وفيا في تعامله، كريما في عطائه، صادقا في اخوته، مؤاديا لواجباته غير مشرك في عبادته لربه، وبالاخلاص ينال الانسان السعادة في الدنيا والاخرة.
والاخلاص لله: هو ان ياتي الانسان بأعمال نقية، لا يشوبها رياء، قياما بالواجب، سواء في العبادات أو في سائر الاعمال، قاصدا بذلك وجه الله ورضاه (1)، وقيل الاخلاص: هو التعري عما دون الله تعالى. أي تصفيه العمل عن ملاحظة المخلوقين (2) . وفي الذكر الحكيم: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) ويقول سبحانه وهو الحكيم الخبير: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (4) ومن هذه النصوص يدرك الانسان العاقل ان الاخلاص روح الاعمال، فاي عمل يؤديه المرء ولا اخلاص فيه فليتأكد انه
(1) - روح الدين الاسلامي ص198.
(2)
- دليل السائلين ص15.
(3)
- سورة آل عمران الاية (29) .
(4)
- سورة الكهف الاية (110) .
لا روح فيه، وفي الحديث النبوي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ)(1)
ان الشقاء الذي اصاب الناس مرده عدم الطاعة لله والاخلاص في العمل له، والايمان به، ولهذا فإن البعض من الناس قد يلعب بهم الهواء، ويغويهم الشيطان فيألهون بعض افراد جنسهم بالغلو في متابعتهم حتى علو في الارض، واستذلوا البشر، وساقوهم الى التناحر، واذا كانت عبادة الله هي اقصى غاية الخضوع له مع طاعته، والتحرر من عبادة المخلوقين، واتباع اهوائهم فانه مما يتعين على الانسان التوجه الى عبادة الله وحده والاخلاص في العمل واتقانه عبادة كان او معاملة او صناعة او زراعة..الخ، وفي القرآن الحكيم يبين لنا العزيز الرحيم:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) فاتخاذ الانداد واتباع اهواء النفس والرياء والغايات الشخصية حاربها الاسلام ليحل محلها الاخلاص، ولهذا اولاه الاسلام اهتماما خاصا، وقرنه بالعبادة قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (3) وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) فالاخلاص لله في العمل شرط في قبوله فالله لا يقبل من الاعمال ولا يزكي الا ما كان خالصا لله، فان الله أغنى الاغنياء عن الشرك، وقد جاء في الحديث القدسي أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ (5) فالاخلاص هو الذي يجعل العمل نافعا مقبولا، ومن الحمق ان يوقن العاقل بان نفعه في شيء ثم لا ياتي ذلك الشيء، والاخلاص هو الذي يجعل من المرء انسانا سويا يخاف الله ويراقبه فيما ياتي ويذر من الاعمال، فالاسلام وهو بغية الارواح، وطلبة الاشباح، ومهبط السكينة، ومستقر الطمانينة، وضالة العقول، وخلاصة المعقول والمنقول، وامنية القلوب، وراس كل مطلوب، لايتم بدون اخلاص ولا يتمكن الانسان من ادراك تلك النعمة الكبرى دون اخلاص يتصف به ويطمئن به قلبه، فللقلوب سعاداة لا يحس بها من لم يكن مخلصا لله في عمله، ولا يدركها ذوو الاموال ولا ارباب المناصب الا بالاخلاص لله. وهل للناس مطلب غير ان يسعدوا في ظاهرهم وباطنهم، ودنياهم واخراهم سعادة تدفع عنهم شرور الحياة ومكارهها ثم تفيض عليهم من انواع السرور، وشرح الصدور، وبهجة الاسرار، وصفاء الانوار، مالم يعلمه الا الله سبحانه وتعالى، ثم تسلمهم بعد ذلك الى نعيم لايشوبه كدر، ولا يعتريه زوال، وملك ليس فيه عناء، ولا له انقضاء،
(1) - النسائي في سننه حديث رقم (3089) .
(2)
- سورة البقرة الاية (21-22) .
(3)
- سورة البينة الاية (5) .
(4)
- سورة الزمر الاية (2) .
(5)
- مسلم في صحيحه باب من اشرك في عمله غير الله حديث رقم (5300) .
فالاخلاص لله يجعل الضمائر حية، والقلوب صافية، والاعمال متقنة، فالقوانين والنظم التي يضعها البشر وان كان في استطاعتها ان تفرض على الانسان رقابة خارجية على سلوكه، وتقرر قواعد تحيل المجرمين الى المحاكم بعد تحقيق النيابة ورجال الشرطة، ولكن ليس في استطاعتها ان تهب رجال النيابة العامة او الشرطة او القضاة ذمة ولا تمنحهم مخافة من الله ولا ان تعطي كل العاملين والموظفين مراقبة الله ولا تطهر القضاة من الاغراض والغايات، ولا ان تمنح الاطباء الاخلاص والنزاهة، فان كان في مقدورها واستطاعتها ان توجب الاحالة على الطبيب لتحديد سن الزواج مثلا، او تحديد الجريمة، ولكن ليس في استطاعتها ان تحمله ان يقرر الحقيقة مبتغيا ذلك وجه الله وسيجد اللص والغاش في عمله، والقاتل في تلك الدوائر ممن خلت نفسه من الاخلاص والخوف من الله سبحانه وتعالى مجالا واسعا للتلاعب بالقانون، اما مع الاخلاص والخوف من الله فانك ستجد العدل، والامن، والامانة، والصدق، والوفاء ، وانظر كيف فعل الدين بالعرب عندما اعتنقوه بصدق واخلاص ومحبة، فقد نقلهم من الظلم والوحشية، وسفك الدماء، ووأد البنات، وفعل المنكرات، الى التسابق في ميادين الخيرات، واكتساب القربات، ومراقبة خالق الارض والسماوات. وبذلك كانوا ملوكا في الارض، ملوكا في السماء، بعد تلك الهمجية التي كانوا بها احط الامم على الاطلاق، فاذا فرطنا في عبادة ربنا، والاخلاص في اعمالنا عدنا اذل الامم على الاطلاق يطمع فينا كل طامع، ويهزؤ بنا كل قوي،
فاذا رايت العمل خاليا عن الاخلاص فذلك دليل فساد في المعتقد والاخلاق، بل هو نذير شؤم يحقق وجود انهدام الكائنات لدى قوم يعقلون. فبالسير على منهج الله والاخلاص في العبادة والعمل تتحقق المراقبة، فتنجبر الطبيعة، وتعلم ان عمل الخير اصلح لها، ومناط سعادتها، فتفعل ذلك ميلا اليه، ومحبة فيه، وتبتعد عن كل عمل مشين، ويرحم الله اباالعتاهية حيث يقول:
وما من مخلص لله الا
…
على اعماله اثر القبول
وقال اخر:
أنا الزعيم لمن يخلص لخالقة
…
ويعمل الصالحات ان يحرز الرشدا
ولله در شوقي حيث يقول:
كُلُّ ما أَتقَنتَ مَحبوبٌ وَجيه
…
مُتقَنُ الأَعمالِ سِرُّ اللَهِ فيه
يُقبِلُ الناسُ عَلى الشَيءِ الحَسَن
…
كُلُّ شَيءٍ بِجَزاءٍ وَثَمَن
اِنظُرِ الآثارَ ما أَزيَنَها
…
قَد حَباها الخُلدَ مَن أَتقَنَها
وقد احسن من قال:
ما دامَ رائِدَنا الإِخلاصُ في العَمَلِ
…
لا بُدَّ نَبلغُ يَوماً غايَةَ الأَمَلِ
أَمران مَن يَعتَصِم يَوماً بحَبلهما
…
فَالنُجحُ رائِدهُ في أَيِّما عَملِ
هُما الثَباتُ وَتَوحيدُ القُلوبِ لِذا
…
إِلَيهِما قد دعانا خاتَمُ الرُسُلِ