المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الاخلاص الاخلاص من الصفات الروحية التي تسمو بالمرء الى منزلة رفيعة - صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال - جـ ٢

[حسين بن محمد المهدي]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثلاثونالتوكل على الله

- ‌التوكل على الله

- ‌القوة في التوكل على الله

- ‌السنة النبوية ترشد إلى الأخذ بالأسباب

- ‌القيام بالاسباب يحقق التوكل

- ‌قصة وردت في الهدي النبوي

- ‌ثمرة التعرف على اسمه سبحانه وتعالى الوكيل الكفيل

- ‌دعاء الله باسمه الوكيل الكفيل

- ‌الفصل الواحد والثلاثون‌‌الشورى

- ‌الشورى

- ‌الشورى بركة

- ‌الشورى لغة واصطلاحا

- ‌الفرق بين الشورى والمشورة

- ‌الفرق بين الشورى العامة والديمقراطية

- ‌في الشورى قوة واخوة

- ‌لاخير في امر اُبرم من غير مشورة

- ‌الشورى والزاميتها

- ‌فضل الشورى

- ‌الخلال المطلوب توافرها في المشير

- ‌الحكمة في الشورى

- ‌الحكيم من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفه اسم الله الحكيم

- ‌دعاء الله باسمه الحكيم

- ‌الفصل الثاني والثلاثون‌‌النصيحة

- ‌النصيحة

- ‌خير الاخوان اكثرهم مبالغة في النصيحة

- ‌النصح لايجب في العلانية

- ‌عدم قبول النصيحة حسرة وندامة

- ‌الغش في النصيحة

- ‌احذر نصائح الشيطان فانها غش وبهتان

- ‌الرشيد من اسماء الله الحسنى

- ‌دعاء الله باسمه الرشيد

- ‌الفصل الثالث والثلاثونالتقوى

- ‌التقوى

- ‌التقوى فضيلة

- ‌صفة التقوى والمتقين عند العلماء

- ‌التقوى في القرآن الحكيم

- ‌ثمرات التقوى

- ‌المتقون يستشعرون عظمة الله ويدركون رقابته

- ‌الرقيب الشهيد من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الرقيب، الشهيد

- ‌دعاء الله باسمه الرقيب، الشهيد

- ‌الفصل الرابع والثلاثونالحياء

- ‌الحياء

- ‌الحياء في القرآن الكريم

- ‌قليل الحياء ممقوت

- ‌الخير كله في الحياء

- ‌السميع البصير من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله السميع البصير

- ‌دعاء الله باسمه السميع البصير

- ‌الفصل الخامس والثلاثونالشباب

- ‌الشباب

- ‌مكانة الشباب

- ‌الشباب وانتهاز الفرصة واغتنام الوقت

- ‌الشباب يخلفه المشيب

- ‌البكاء على الشباب

- ‌القوي المتين العزيز القادر المقتدر في اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله القوي المتين العزيز القادر المقتدر

- ‌دعاء الله باسمه القوي المتين العزيز القادر المقتدر

- ‌الفصل السادس والثلاثون‌‌صلة الرحم وبر الوالدين

- ‌صلة الرحم وبر الوالدين

- ‌صلة الرحم قوة وسعادة

- ‌قصة للاكتم بن صيفي

- ‌القريب له حق فلا تخذله

- ‌معاداة ذوي القربا وقطيعتهم

- ‌فوائد اعطاء ذوي القربى

- ‌الوالدان من القرابة

- ‌خير الدنيا والاخرة في بر الوالدين

- ‌حقوق الوالدين

- ‌قصة اوردها القرطبي في التفسير

- ‌عقوق الوالدين من الكبائر

- ‌الرب في اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله رب العالمين

- ‌دعاء الرب المجيب العظيم بما ورد في القرآن الحكيم

- ‌الفصل السابع والثلاثونالرحمة

- ‌الرحمة

- ‌الرحمة من سماة المؤمنين

- ‌رحمة الله واثارها

- ‌صلاح الانسان يكسبه رحمة الله

- ‌الرحمن الرحيم في اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الرحمن الرحيم وفائدته

- ‌دعاء الله باسمه الرحمن الرحيم

- ‌الفصل الثامن والثلاثونالحياة

- ‌الحياة

- ‌الحياة جميلة فلا تضيعها

- ‌بالأمل والفال تصفو الحياة وبالعمل تتجدد

- ‌الحياة تتقلب وتذهب فلا تغتر بها

- ‌تقلب الحياة يحث على عمارتها بالعمل الصالح

- ‌التحذير من الاغترار بالحياة الدنيا يعني عمارة الحياة بالعمل الصالح

- ‌الايمان بالحياة الاخرة والتشويق لها ممايحث على عمارة الحياة الدنيا بالعمل الصالح

- ‌الحي القيوم في اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرف اسم الله القيوم

- ‌دعاء الله باسمه الحي القيوم

- ‌الفصل التاسع والثلاثونالاستغفار

- ‌الاستغفار

- ‌الله يغفر الذنوب جميعا فلا تكن من القانطين

- ‌الاستغفار علاج للامراض النفسية

- ‌الاستغفار وعمل الخير فيه تكفير للذنب

- ‌قصة لعمر بن الخطاب

- ‌الغفور الغافر الغفّار من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسمه الغفور الغافر الغفار

- ‌سيد الاستغفار

- ‌الفصل الاربعونالإيثار

- ‌الإيثار

- ‌الإيثار على النفس خلق كريم

- ‌الايثار في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اساس في بناء الدولة الاسلامية

- ‌ايثار الحياة الدنيا على الاخرة

- ‌الفصل الواحد والاربعونالاخلاص

- ‌الاخلاص

- ‌الاخلاص تسبقه النية

- ‌النية الطيبة عنصر من عناصر التربية الخلقية

- ‌الرياء يناقض الاخلاص

- ‌الرياء من صفات المنافقين

- ‌ثناء الناس بشرى وليس مما يدفع للرياء

- ‌من لازم الاخلاص لله الولاء والبراء

- ‌الولي المولى النصير الحميد في اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الولي المولى النصير الحميد

- ‌دعاء الله باسمه الولي المولى النصير الحميد

- ‌الفصل الثاني والاربعونالسعادة

- ‌السعادة

- ‌الاخذ باسباب السعادة في الدنيا سبب للحصول على السعادة في الاخرى

- ‌البحث عن السعادة

- ‌السعيد من صلح قلبه

- ‌القلب وما يعرض له من السعادة والشقاء

- ‌الشقي من طبع على قلبه

- ‌الله مقلب القلوب فلا تغفل

- ‌القابض الباسط في اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله القابض الباسط

- ‌دعاء الله باسمه القابض الباسط

- ‌الفصل الثالث والاربعونالرضا

- ‌الرضا

- ‌الرضا بما رضي الله به لك فلاح ونجاح

- ‌الرضا نعمة وسرور وحبور

- ‌الفرق بين الارادة والرضا

- ‌التوافق بين الرضا والقناعة

- ‌بأعمال البر ينال الانسان رضوان الله

- ‌البَرُ من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفه اسمه الله البَر

- ‌دعاء الله باسمه البَر

- ‌الفصل الرابع والاربعونالابتهاج والسرو

- ‌الابتهاج والسرور

- ‌من احب الاعمال الى الله ادخال السرور على عباده

- ‌ادخال السرور على المسلمين سبب في غفران الذنب ودخول الجنة

- ‌الفرح والسرور بفضل الله ورحمته نعمة

- ‌الفصل الخامس والاربعونعلو الهمة

- ‌علو الهمة

- ‌بالهمم العالية تنال المراد فاستعذ بالله من الكسل

- ‌اسباب كسب الهمم العالية

- ‌قراءة القرآن تبعث الهمم العالية

- ‌دعاء الله والاستعانة به تبعث الهمم

- ‌الارادة القوية تبعث الهمم العالية

- ‌التوازن في الغذاء يساعد على بعث الهمم

- ‌الهمم العالية لاتعيقها الاحداث

- ‌الغريزة تبعث الهمم

- ‌الفصل السادس والاربعون‌‌الوقت

- ‌الوقت

- ‌ادارة الوقت سبيل للنجاح

- ‌اسباب ضياع الوقت

- ‌تمتع بنعمة وقتك

- ‌الفصل السابع والاربعونالأطفال

- ‌الأطفال

- ‌الطفل ان تلقى الرشاد نما على الخير

- ‌الطفل في لغة العرب

- ‌التسمية الحسن للطفل وتكنيته مما يرفع من معنوياته

- ‌تهنئة من رزق طفلا

- ‌ادب الطفل وتعليمه

- ‌لعب الطفل وراحته مما ينعشه ويشرح نفسه

- ‌الفصل الثامن والاربعون‌‌التوبة

- ‌التوبة

- ‌التوبة فرض عين

- ‌فوائد التوبة واثارها

- ‌التوبة من اهم الدعائم الخلقية فسارع اليها

- ‌ثمرة معرفة اسم لله التواب

- ‌دعاء الله باسمه التواب

- ‌الفصل التاسع والاربعونالموت

- ‌الموت

- ‌الموت تحفة المؤمن

- ‌حياتك وموتك لله

- ‌الخلود مستحيل فلا تغتر

- ‌الموت ومفارقة الروح الجسد

- ‌الروح سر من اسرار الرحمن

- ‌قصة لأعرابي

- ‌ملك وكل بقبض الارواح

- ‌المحيي المميت من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة التعرف على اسم الله المحيي المميت

- ‌دعاء الله باسمه المحيي المميت

- ‌الفصل الخمسون‌‌الصلاة

- ‌الصلاة

- ‌الحكمة من الصلاة

- ‌في الصلاة طهارة القلب والبدن

- ‌الصلاة تغرس في الانسان الفضيلة وتبعده عن الرذيلة

- ‌استقبال عين الكعبة

- ‌الصلاة في المساجد

- ‌الصلاة تقوي النفس الانسانية

- ‌قصة وردت في الحديث النبوي

- ‌من اسماء الله الحسنى الاول والاخر والظاهر والباطن

- ‌ثمرة معرفه اسمائه الاول والاخر والظاهر والباطن

- ‌دعاء الله باسمه الاول الآخر الظاهر الباطن

- ‌الفصل الواحد والخمسون‌‌الزكاة

- ‌الزكاة

- ‌الحكمة من فريضة الزكاة

- ‌الاخوة الدينية لاتحصل دون اداء الزكاة

- ‌الزكاة فيها حفظ المال والسلامة من شروره

- ‌الزكاة سبب في دخول الجنة

- ‌قصة وردت عن حال مانع زكاة ماله

- ‌الزكاة نظام تكافل جاء به الإسلام

- ‌المقدم المؤخر من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله المقدم المؤخر

- ‌دعاء الله باسمه المقدم المؤخر

- ‌الفصل الثاني والخمسونالصيام

- ‌الصيام

- ‌بالصيام تكتسب ملكة التقوى

- ‌الصوم فيه تدريب على القيادة والسيادة

- ‌فوائد الصوم

- ‌من اسرار الصوم

- ‌السحور بركة

- ‌ثمرة معرفة اسم الله الصمد

- ‌الفصل الثالث والخمسون‌‌الحج

- ‌الحج

- ‌في الحج اجتماع الناس وتآلفهم

- ‌الاحرام وحكمته

- ‌الحج المبرور

- ‌حكمة السعي بين الصفا والمروة

- ‌الحكمة من الوقوف بعرفة

- ‌العظيم من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفه اسم الله العظيم

- ‌دعاء الله باسمه العظيم

- ‌الفصل الرابع والخمسون‌‌الدعاء والصلاة على النبي

- ‌الدعاء والصلاة على النبي

- ‌أنواع الدعاء في القرآن الكريم

- ‌الدعاء ومزاياه الروحية

- ‌أدآب الدعاء

- ‌من اقوال السلف في الدعاء

- ‌فوائد وثمرات الصلاة على النبي

- ‌القريب المجيب من اسماء الله الحسنى

- ‌ثمرة معرفة اسم الله القريب المجيب

- ‌دعاء الله باسمه القريب المجيب

- ‌والى هنا تم بحمد الله وعونه وتوفيقه

- ‌أهم المراجع

الفصل: ‌ ‌الاخلاص الاخلاص من الصفات الروحية التي تسمو بالمرء الى منزلة رفيعة

‌الاخلاص

الاخلاص من الصفات الروحية التي تسمو بالمرء الى منزلة رفيعة من الخلق الانساني، والاخلاص يجعل الانسان متقنا في عمله، لطيفا في خلقه، نقيا في سلوكه، وفيا في تعامله، كريما في عطائه، صادقا في اخوته، مؤاديا لواجباته غير مشرك في عبادته لربه، وبالاخلاص ينال الانسان السعادة في الدنيا والاخرة.

والاخلاص لله: هو ان ياتي الانسان بأعمال نقية، لا يشوبها رياء، قياما بالواجب، سواء في العبادات أو في سائر الاعمال، قاصدا بذلك وجه الله ورضاه (1)، وقيل الاخلاص: هو التعري عما دون الله تعالى. أي تصفيه العمل عن ملاحظة المخلوقين (2) . وفي الذكر الحكيم: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3) ويقول سبحانه وهو الحكيم الخبير: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (4) ومن هذه النصوص يدرك الانسان العاقل ان الاخلاص روح الاعمال، فاي عمل يؤديه المرء ولا اخلاص فيه فليتأكد انه

(1) - روح الدين الاسلامي ص198.

(2)

- دليل السائلين ص15.

(3)

- سورة آل عمران الاية (29) .

(4)

- سورة الكهف الاية (110) .

ص: 239

لا روح فيه، وفي الحديث النبوي ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال:(إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ)(1)

ان الشقاء الذي اصاب الناس مرده عدم الطاعة لله والاخلاص في العمل له، والايمان به، ولهذا فإن البعض من الناس قد يلعب بهم الهواء، ويغويهم الشيطان فيألهون بعض افراد جنسهم بالغلو في متابعتهم حتى علو في الارض، واستذلوا البشر، وساقوهم الى التناحر، واذا كانت عبادة الله هي اقصى غاية الخضوع له مع طاعته، والتحرر من عبادة المخلوقين، واتباع اهوائهم فانه مما يتعين على الانسان التوجه الى عبادة الله وحده والاخلاص في العمل واتقانه عبادة كان او معاملة او صناعة او زراعة..الخ، وفي القرآن الحكيم يبين لنا العزيز الرحيم:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2) فاتخاذ الانداد واتباع اهواء النفس والرياء والغايات الشخصية حاربها الاسلام ليحل محلها الاخلاص، ولهذا اولاه الاسلام اهتماما خاصا، وقرنه بالعبادة قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (3) وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (4) فالاخلاص لله في العمل شرط في قبوله فالله لا يقبل من الاعمال ولا يزكي الا ما كان خالصا لله، فان الله أغنى الاغنياء عن الشرك، وقد جاء في الحديث القدسي أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ (5) فالاخلاص هو الذي يجعل العمل نافعا مقبولا، ومن الحمق ان يوقن العاقل بان نفعه في شيء ثم لا ياتي ذلك الشيء، والاخلاص هو الذي يجعل من المرء انسانا سويا يخاف الله ويراقبه فيما ياتي ويذر من الاعمال، فالاسلام وهو بغية الارواح، وطلبة الاشباح، ومهبط السكينة، ومستقر الطمانينة، وضالة العقول، وخلاصة المعقول والمنقول، وامنية القلوب، وراس كل مطلوب، لايتم بدون اخلاص ولا يتمكن الانسان من ادراك تلك النعمة الكبرى دون اخلاص يتصف به ويطمئن به قلبه، فللقلوب سعاداة لا يحس بها من لم يكن مخلصا لله في عمله، ولا يدركها ذوو الاموال ولا ارباب المناصب الا بالاخلاص لله. وهل للناس مطلب غير ان يسعدوا في ظاهرهم وباطنهم، ودنياهم واخراهم سعادة تدفع عنهم شرور الحياة ومكارهها ثم تفيض عليهم من انواع السرور، وشرح الصدور، وبهجة الاسرار، وصفاء الانوار، مالم يعلمه الا الله سبحانه وتعالى، ثم تسلمهم بعد ذلك الى نعيم لايشوبه كدر، ولا يعتريه زوال، وملك ليس فيه عناء، ولا له انقضاء،

(1) - النسائي في سننه حديث رقم (3089) .

(2)

- سورة البقرة الاية (21-22) .

(3)

- سورة البينة الاية (5) .

(4)

- سورة الزمر الاية (2) .

(5)

- مسلم في صحيحه باب من اشرك في عمله غير الله حديث رقم (5300) .

ص: 240

فالاخلاص لله يجعل الضمائر حية، والقلوب صافية، والاعمال متقنة، فالقوانين والنظم التي يضعها البشر وان كان في استطاعتها ان تفرض على الانسان رقابة خارجية على سلوكه، وتقرر قواعد تحيل المجرمين الى المحاكم بعد تحقيق النيابة ورجال الشرطة، ولكن ليس في استطاعتها ان تهب رجال النيابة العامة او الشرطة او القضاة ذمة ولا تمنحهم مخافة من الله ولا ان تعطي كل العاملين والموظفين مراقبة الله ولا تطهر القضاة من الاغراض والغايات، ولا ان تمنح الاطباء الاخلاص والنزاهة، فان كان في مقدورها واستطاعتها ان توجب الاحالة على الطبيب لتحديد سن الزواج مثلا، او تحديد الجريمة، ولكن ليس في استطاعتها ان تحمله ان يقرر الحقيقة مبتغيا ذلك وجه الله وسيجد اللص والغاش في عمله، والقاتل في تلك الدوائر ممن خلت نفسه من الاخلاص والخوف من الله سبحانه وتعالى مجالا واسعا للتلاعب بالقانون، اما مع الاخلاص والخوف من الله فانك ستجد العدل، والامن، والامانة، والصدق، والوفاء ، وانظر كيف فعل الدين بالعرب عندما اعتنقوه بصدق واخلاص ومحبة، فقد نقلهم من الظلم والوحشية، وسفك الدماء، ووأد البنات، وفعل المنكرات، الى التسابق في ميادين الخيرات، واكتساب القربات، ومراقبة خالق الارض والسماوات. وبذلك كانوا ملوكا في الارض، ملوكا في السماء، بعد تلك الهمجية التي كانوا بها احط الامم على الاطلاق، فاذا فرطنا في عبادة ربنا، والاخلاص في اعمالنا عدنا اذل الامم على الاطلاق يطمع فينا كل طامع، ويهزؤ بنا كل قوي،

ص: 241

فاذا رايت العمل خاليا عن الاخلاص فذلك دليل فساد في المعتقد والاخلاق، بل هو نذير شؤم يحقق وجود انهدام الكائنات لدى قوم يعقلون. فبالسير على منهج الله والاخلاص في العبادة والعمل تتحقق المراقبة، فتنجبر الطبيعة، وتعلم ان عمل الخير اصلح لها، ومناط سعادتها، فتفعل ذلك ميلا اليه، ومحبة فيه، وتبتعد عن كل عمل مشين، ويرحم الله اباالعتاهية حيث يقول:

وما من مخلص لله الا

على اعماله اثر القبول

وقال اخر:

أنا الزعيم لمن يخلص لخالقة

ويعمل الصالحات ان يحرز الرشدا

ولله در شوقي حيث يقول:

كُلُّ ما أَتقَنتَ مَحبوبٌ وَجيه

مُتقَنُ الأَعمالِ سِرُّ اللَهِ فيه

يُقبِلُ الناسُ عَلى الشَيءِ الحَسَن

كُلُّ شَيءٍ بِجَزاءٍ وَثَمَن

اِنظُرِ الآثارَ ما أَزيَنَها

قَد حَباها الخُلدَ مَن أَتقَنَها

وقد احسن من قال:

ما دامَ رائِدَنا الإِخلاصُ في العَمَلِ

لا بُدَّ نَبلغُ يَوماً غايَةَ الأَمَلِ

أَمران مَن يَعتَصِم يَوماً بحَبلهما

فَالنُجحُ رائِدهُ في أَيِّما عَملِ

هُما الثَباتُ وَتَوحيدُ القُلوبِ لِذا

إِلَيهِما قد دعانا خاتَمُ الرُسُلِ

ص: 243