الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرضا
الرضا هي حالة يتحلى بها الانسان السوي المؤمن التقي، والرضا صفة امتاز بها الانبياء والقديسون وبعض العابدين، وكل من وهبه الله نعمة التأمل، والخشوع الحق في صلاته، وفي نظرته لما أفاء الله عليه من نعم وخيرات لاتحصى.
والرضا عكس الاحباط والسخط وانسداد الافق، والانسان الراضي هو انسان مبتهج في حياته، لايعرف الحزن ولا الكآبه والبؤس، والانسان الذي امتلأ قلبه ايمانا بالله ورضا بقضائة، هو الذي يدرك بكل جوارحه مااولاه الله من نعمه، فنعمة الايجاد والخلق ونعمة الصحة والابصار والسمع واللمس والتذوق والشم ونعمة تكامل الاعضاء والقدرة على الكلام والمشي، ونعمة الاسلام، ونعمة الامن والاستقرار، ونعمة الماكل والمشرب والملبس، والماء والطعام، والقدرة على النوم بدون مسكنات، ونعمة الزوجة والابناء والحفدة والاخوان والاخوات والوالدين والاقرباء، ووجود مجتمعات تتعارف وتتآلف، كل هذه نعم عظيمة تحتاج الى الشعور بالرضا، والتقدير، والامتنان، فالانسان الراضي هو انسان غمر الحب والطمأنينة والقناعة قلبه وتفكيره، فهو يعمل بجد وعزيمة، لايعرف الوهن ولا الحزن، يطيع الله ويتبع منهج نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو يذكر الله ويشكره ويعبده، فهو رآض بقسمة الله شاكر لانعمه، لا يعرف القلق ولا السخط ولا الحنق والا الغضب، يعمل الصالحات، ويسعى الى اكتساب الحسنات راضيا مرضيا، ان اصابته نعمآء شكر وان اصابته ضراء صبر ورضي، وفي الذكر الحكيم:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ*جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} (1)
الرضا يجلب السرور والبهجة، والسخط والغضب يجلبان الهم والحزن
الرضا يجلب الطمأنينة والسكينة، ويساعد على التفكير في حل الازمات، فهو نعمة كبيرة يحتاجه كثير من الناس، ومن الاسباب الجالبة له التحرر من الافكار السالبة والجموح المادي غير المشروع كالنظر الى ماعند الغير من جمال أو ذكاء أو ثراء أو وجاهة أو بناء، أو سلطة، ومحاولة سلبه، فان ذلك سلوك غير مرضي، فتخلص منه تسعد وترضى، واسال الله من فضله تنل ماتتمنا، فالانسان الراضي يحب الخير للاخرين ولا يتمنى زوال نعمهم بل يشكر الله على مالديه من نعمة لو تحسسها وفتش عنها لوجدها، وربما وجد عنده من النعم مالم يكن عند غيره، فالانسان الراضي لايتكدر ولا يسخط ولا يغضب ولا يكذب ولا يتذكر الاسباب الجالبة للهم والحزن، بل يعمل ويثق بالله الذي بيده خير الدنيا والاخرة، والانسان الراضي عن الله انسان ذو طاقة ايجابية عالية، وله هالات كبيرة ناصعة وزاهية الالوان، وله تاثير في الغير ان خالطوه أو تحدثوا معه أو حتى جالسوه، فهو بفضل مايتمتع به من صفاء في الوجه وعمق في الابتسامة ينقل الى الاخرين الكثير من الامور الايجابية التي تساعدهم على الشعور
(1) - سورة البينة الاية (7-8) .
بالانتعاش والسعادة والهدوء، اما السخط والغضب فهو يورث العداوة والكدر، والهم والحزن، فالانسان الغاضب الساخط يفقد حقوقه ان كان له حق بغضبه وسخطه، فالغضب والحزن عدواك فلا تصادقهما، والغضب والسخط من الشيطان فلا تأتهما، واستمع الى قول الله العلي العظيم في القرآن الكريم:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) وفي الحديث النبوي (أَلَا إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالْأَرْضَ الْأَرْضَ أَلَا إِنَّ خَيْرَ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا وَشَرَّ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الرِّضَا)(2) والرضا يخلصك من الظنون والهموم والاحزان، فارض عن الله، وارض بما انت فيه من الخير، ولاتخاصم ربك في اقضيته واحكامه، فابليس خاصم ربه في قضائه وحكمه، ولم يرض عنه تكريمه لادم عليه السلام، ونازع ربه عظمته وكبرياءه وحكمه فاخرجه الله من الجنة، فكن راضيا لتعيش سعيدا هانأ مبتسما مبتهجا متهلل الاسارير، قال الشاعر:
ضل من يحسب الرضا هوانا
…
او يراه على النفاق دليلا
فالرضا نعمة من الله لم يسعد
…
بها في العباد الا القليلا
والرضا اية البراءة والايمان
…
بالله ناصرا ووكيلا (3)
(1) - سورة الاعراف الاية (200) .
(2)
- احمد في سننه حديث رقم (10716) .
(3)
- هذه الابيات للشاعر محمد مصطفى حمام.
والرضا نعمة فلا ترض الناس بسخط الله الذي اغدق عليك بهذه النعمة، ففي الحديث النبوي: مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ (1) فانك ان رضيت عن امر مشين لم يرض عنك العزيز العليم فقد يعميك الرضا عن القبائح فترتكب الفضائح، ولله در الامام الشافعي حيث يقول:
وَعَينُ الرِضا عَن كُلِّ عَيبٍ كَليلَةٌ
…
وَلَكِنَّ عَينَ السُخطِ تُبدي المَساوِيا
وَلَستُ بِهَيّابٍ لِمَن لا يَهابُني
…
وَلَستُ أَرى لِلمَرءِ ما لا يَرى لِيا
فَإِن تَدنُ مِنّي تَدنُ مِنكَ مَوَدَّتي
…
وَإِن تَنأَ عَنّي تَلقَني عَنكَ نائِيا
كِلانا غَنيٌّ عَن أَخيهِ حَياتَهُ
…
وَنَحنُ إِذا مِتنا أَشَدُّ تَغانِيا
اما الشريف الرضي فهو يقول:
نَظَروا بِعَينِ عَداوَةٍ لَو أَنَّها
…
عَينُ الرِضى لَاِستَحسَنوا ما اِستَقبَحوا
وقال اخر:
ولقد طلبت رضا البرية جاهدا
…
فإذا رضاهم غاية لا تدرك
وأرى القناعة للفتى كنزاً له
…
والبر أفضل ما به يتمسك (2)
(1) - الترمذي في سننه حديث رقم (2338) .
(2)
- هذان البيتان لسارة الاندلسي.