الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ رَبَّهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ) (1)، وفي الذكر الحكيم:{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (2) وفي سورة فاطر يقول العزيز الرحيم: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} (3) وفي سورة الانعام يقول الكريم المنان: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4)
الحياة تتقلب وتذهب فلا تغتر بها
لقد خلق الله الحياة لحكمة عظيمة، ابتدأها بعلمه، وامضاها بقدرته، فما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها، وما يعطه من خير وفضل فلا راد له، يخلق مايشاء ويختار وهو العزيز الغفار، من اطاعه سلم وظفر بمراده واستعد للسفر بمائة وزاده، ومن اعرض عن ذكر ربه وفضله ندم، سنن الله في هذه الحياة قائمة على الصواب، وقوانينه قائمة على العدل والحساب، جعل الحياة مرحلة اختبار للعباد، فمن احسن العمل طاب له الحصاد ومن اختار سلوك قضاء حياته فيما ينيله السعادة ظفر بمراده، وطابت له الحياة، وفي الذكر الحكيم:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (5) فمن عرف ثمار الاعمال كان حقيقا ان لايغرس مرا، ليحسن له بعد الممات ذكرا، وفي مقصورة بن دريد الازدي:
إِنَّما المَرءُ حَديثٌ بَعدَهُ
…
فَكُن حَديثاً حَسَناً لِمَن وَعى
وقال اخر:
كل إِلى الغايَةِ مَحثوث
…
وَالمَرءُ موروث فَمَبعوث
فَكُن حَديثاً حسناً سائِراً
…
بَعدَك فَالدُنيا اِحاديثُ (6)
ومن ابصر العاقبة فآثرها ادرك السلامة وأمن من الندامة، ومن اعرض عن منهج الله في هذه الحياة خاب وخسر، وندم وعثر، ولم يترك من الذنوب الا ماعجز عنه، فهو اشر بطر، فلتحمد نفسك على ما تركت من الذنوب عجزا، فالبصير من عرف ضره من نفعه، واستفاد في يومه من امسه، واحترز من كيد الشيطان ومن نفسه. قال المتنبي:
إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ
…
أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ
وَرَأَيتُ كُلّاً ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ
…
بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ (7)
وله ايضا:
كَثيرُ حَياةِ المَرءِ مِثلُ قَليلِها
…
يَزولُ وَباقي عَيشِهِ مِثلُ ذاهِبِ
(1) - البخاري حديث رقم (5928) .
(2)
- سورة النحل الاية (21) .
(3)
- سورة فاطر الاية (22) .
(4)
- سورة الانعام الاية (122) .
(5)
- سورة النحل الاية (97) .
(6)
- هذان البيتان لصالح بن عبد القدوس.
(7)
- هذان البيتان للمتنبي.
وقال اخر:
لم يدرِ من ظنَّ الحياةَ إقامة
…
أنَّ الحياةَ تنقُّلٌ وترحُّلُ
في كلّ يومٍ يقطعُ الإِنسانُ منْ
…
دنياهُ مرحلةً ويدنو المَنْهَلُ
فإذا يفارقُ دار منشأه امرؤٌ
…
فله إلى دارِ المَعَادِ تنقل (1)
اما الشريف الرضي فهو يقول:
نِصفُ عَيشِ المَرءِ حُلمٌ وَالَّذي
…
يَعقِلُ العاقِلُ مِنهُ كَالحُلُم
وقال اخر:
لَوْ كَانَ لِلْمَرْءِ فِكْرٌ فِي عَوَاقِبِهِ
…
مَا شَانَ أَخْلاقَهُ حِرصٌ وَلا طَمعُ
وَكَيْفَ يُدْرِكُ مَا فِي الْغَيْبِ مِنْ حَدَثٍ
…
مَنْ لَمْ يَزَلْ بِغُرُورِ الْعَيشِ يَنْخَدِعُ
دَهْرٌ يَغُرُّ وَآمَالٌ تَسُرُّ وَأَعْ
…
مَارٌ تَمُرُّ وَأَيَّامٌ لَهَا خُدَعُ
يَسْعَى الْفَتَى لأُمُورٍ قَدْ تَضُرُّبِهِ
…
وَلَيْسَ يَعْلَمُ مَا يَأْتِي وَمَا يَدَعُ
يَا أَيُّهَا السَّادِرُ الْمُزْوَرُّ مِنْ صَلَفٍ
…
مَهْلاً فَإِنَّكَ بِالأَيَّامِ مُنْخَدِعُ
دَعْ مَا يَرِيبُ وَخُذْ فِي مَا خُلِقْتَ لَهُ
…
لَعَلَّ قَلْبَكَ بِالإِيْمَانِ يَنْتَفِعُ
إِنَّ الْحَيَاةَ لَثَوبٌ سَوْفَ تَخْلَعُهُ
…
وَكُلُّ ثَوْبٍ إِذَا مَا رَثَّ يَنْخَلِعُ (2)
(1) - هذه الابيات لحازم القرطاجني 608 - 684 هـ / 1211 - 1285 م حازم بن محمد بن حسن، بن حازم القرطاجني أبو الحسن. أديب من العلماء له شعر، من أهل قرطاجنة شرقي الأندلس، تعلم بها وبمرسية وأخذ عن علماء غرناطة وإشبيلية وتتلمذ لأبي علي الشلوبين ثم هاجر إلى مراكش. ومنها إلى تونس، فاشتهر وعُمّر وتوفي بها. وله (ديوان شعر - ط)
(2)
- هذه الابيات لمحمود سامي البارودي1255 - 1322 هـ / 1839 - 1904 م محمود سامي باشا بن حسن حسين ابن عبد الله البارودي المصري. أول ناهض بالشعر العربي من كبوته في العصر الحديث، وأحد القادة الشجعان، جركسي الأصل من سلالة المقام السيفي نوروز الأتابكي (أخي برسباي) . نسبته إلى (إيتاي البارود) ، بمصر، مولده ووفاته بمصر، تعلم بها في المدرسة الحربية. ورحل إلى الأستانة فأتقن الفارسية والتركية، وله فيها قصائد ورجع إلى مصر فكان من قواد الحملتين المصريتين لمساعدة تركيا. الأولى في ثورة كريد سنة1868، والثانية في الحرب الروسية سنة 1877، وتقلب في مناصب انتهت به إلى رئاسة النظار، واستقال ولما حدثت الثورة العرابية كان في صفوف الثائرين، ودخل الإنجليز القاهرة، فقبض عليه وسجن وحكم بإعدامه، ثم أبدل الحكم بالنفي إلى جزيرة سيلان حيث أقام سبعة عشر عاماً، أكثرها في كندا تعلم الإنجليزية في خلالها وترجم كتباً إلى العربية وكفَّ بصره وعفي عنه سنة 1317هـفعاد إلى مصر. أما شعره فيصح اتخاذه قاتحة للأسلوب العصري الراقي بعد إسفاف النظم زمناً غير معتبر.
له (ديوان شعر -ط) ، جزآن منه، (ومختارات البارودي -ط) أربعة أجزاء..