الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولله در القائل:
ما شَقوَةُ المَرءِ بِالإِقتارِ يُقتِرُهُ
…
وَلا سَعادَتُهُ يَوماً بِإِكثارِ
إِنَّ الشَقِيَّ الَّذي في النارِ مَنزِلُهُ
…
وَالفَوزُ فَوزُ الَّذي يَنجو مِنَ النارِ
أَعوذُ بِاللَهِ مِن أَمرٍ يُزَيِّنُ لي
…
لَومَ العَشيرَةِ أَو يُدني مِنَ العارِ
وَخَيرُ دُنيا يُنسِّي شَرَّ آخِرَةٍ
…
وَسَوفَ يُنبئُني الجَبّارُ أَخباري
لا أُدخُلِ البَيتَ أَحبو مِن مُؤَخِّرِهِ
…
وَلا اِكسِّرُ في اِبنِ العَمِّ أَظفاري
إِن يَحجُبِ اللَهُ أَبصاراً أُراقِبُها
…
فَقَد يَرى اللَهُ حالَ المُدلَجِ الساري (2)
الله مقلب القلوب فلا تغفل
ان الله سبحانه وتعالى جعل قلوب عباده بيده، وما اكثر ما تضيق قلوب الاشقياء، وتلين قلوب السعداء، فالقلوب بيد الله، فهو الذي يسعدك، وهو الذي يقبض عنك كل سعادة، وقد ملك زمام كل شيء، واليه يرجع امر كل شيء، فاذا قبض القلب فهو لايفهم، واذا قبض العقل فانه لايدرك ولايتعلم، فاذا اطعت الله ورجعت اليه فان قلبك سيكون مفعما بالسعادة والرضا، فأنت تتقلب من حال الى حال، من حالة بسط الى حالة قبض، ومن حالة قبض الى حالة بسط، فقلبك يطلع عليه الله وينظر اليه، ففي
(1) - سورة الشمس الاية (11-15) .
(2)
- هذه الابيات للمغيرة بن حبناء، وقيل ايضا انها ليزيد بن حبناء، والله اعلم.
الحديث النبوي (إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)(1) ، فاذا جاءك القبض اثر معصية او مخالفة او عدوان فهذا قبض معصية، وعلاج ذلك بالتوبة والرجوع الى الله، اما اذا كان القبض لغير ذلك او لامر لاتعرفه فإن ذكر الله يجعل القلب مطمئنا، وملازمة الاستغفار يذهب عنه الاوضار، فالله جل وعلا يقلب القلوب يقبضها ويبسطها، ولعلك تدرك ان الله اذا قبض عنك الأحوال الطيبة شعرت بالوحشة والضيق والحرمان، وشعرت انك مردود، واذا ذكرت الله وفوضت الامر اليه واستغفرت وتلوت القرآن من الله عليك بالتجلي، وشعرت بالخشوع والسرور، والانشراح والانس والسعادة، فكن على يقين، ان معك ميزانا اذا اعتديت وعصيت شعرت بالاكتأب، وضاق صدرك وان كانت دارك واسعة واموالك كثيرة فإن ذلك لايشعر بالسعادة، فلا تكن من الغافلين، قال الشاعر:
ما بال قلبك قد الهاه عاجله
…
من امر دنياه حتى فات اجله
يا غافلا والمنايا غير غافلة
…
هل رد حتف امرئ عنه تغافله (2)
فبذكر الله تطمئن القلوب، وتشرق النفوس، وتسعد الحياة، ويزول الكدر، ويذهب الضيق والضجر، قال الشاعر:
لاتضق ذرعا بحالٍ
…
فالذي سواك حاضر
وهو بي ارحم مني
…
كلما دارت دوائر
(1) - مسلم في صحيحه حديث رقم (4651) .
(2)
- هذان البيتان منسوبة في الموسوعة الشعرية لفتح بن محمد السعدي الدمياطي.
لاتخف لاتخش مهما......كنت للرحمن ذاكر (1)
فما اكثر ما تضيق قلوب بعض الناس حتى تكاد تموت من الضيق، وتقسوا حتى تكاد تكون اقسى من الحجارة فهي كالصخر لاتلين، وفي الذكر الحكيم:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (2) ورضي الله عن الامام الشافعي حيث يقول:
وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي
…
جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما
وانما علاج القلوب الرجوع الى الله وملازمة ذكره وحمده، وشكره، ولعلك تدرك احيانا ان الفطرة تنطمس، فلا يدرك الانسان الصواب، وفي السنة النبوية ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ فَإِنْ زَادَ زَادَتْ فَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (3) فاقتراف المعاصي تلو المعاصي والمخالفات تلو المحالفات والانغماس بالملاذات، والتطاول على خلق الله، وترك العبادات والطاعات، كل ذلك ينتهي الى اغفال القلب وتغليفه، وتدبر قول العزيز الحكيم:{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (4) ويقول
(1) - هذان الابيات للعلامة محمد بن محمد المنصور.
(2)
- سورة البقرة الاية (74) .
(3)
- سنن ابن ماجة حديث رقم (4234) .
(4)
- سورة الكهف الاية (28) .
اما اذا كنت تمشي في طريق الايمان وحصل لك وحشة، او ضيق فلعلها معالجة الاهية لطيفة لقلبك، وامتحان للبك، فعليك ان تصبر وتستغفر حتى تنجلي هذه الحالة بفضل الله وقدرته، وفي الحديث النبوي:(إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ)(2) وكان صلى الله عليه وآله وسلم (يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)(3) وفي الذكر الحكيم: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (4) فالله عز وجل هو الذي بيده الخير كله، وهو الذي ان شاء ملأ قلبك رضا، وصدرك فرحا وسرورا، وملأ يدك رزقا وخيرا، وبسط لك العيش، ويسر لك العبادة وسبل الفلاح والنجاح، وان عصيته وأعرضت عن ذكره قبض عنك كل سعادة، وقبض عنك الفهم، وقبض قلبك، فلا يغنم ولا يرى نورا، فياتي التشاؤم والشقاء، فتعرف على الله في الشدة، يعرفك في الرخاء، واعلم ان الله القابض الباسط الخافظ الرافع المعز المذل المبدء المعيد بيده كل خير،
فتعرف على اسمائه، وعلى شريعته، وعلى احكامه تعش سعيدا في الدنيا والاخرة.
(1) - سورة البقرة الاية (7) .
(2)
- مسلم في صحيحه حديث رقم (4870) .
(3)
- الترمذي في سننه حديث رقم (2066) .
(4)
- سورة آل عمران الاية (8) .