الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
روحي مع خالق الاكوان، ينتظر الرحمة والسعادة الابدية التي يأتي بها الله في الحياة الاخرة، فهي اعلا السعادة واشرفها. قال تعالى:{وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذ} (1) وذلك هو الخير المحض، والفضيلة الصرف، والحياة الدائمة في الدار الاخرة، والعلم بلا جهل، والقدرة بلا عجز، والغنى بلا فقر، ولايمكن الوصول الى ذلك الا باكتساب الفضائل النفسية في الدنيا واستعمالها قال تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (2) .
البحث عن السعادة
كل من تراه على وجه الارض يبحث عن السعادة في عالم الارض، فكل من تراه يبحث عنها ويجتهد، ويجد في الوصول اليها، وقد يكون ذلك الباحث ملكا أو رئيسا أو زعيما رجلا أو امرأة كل هاؤلا وغيرهم من الناس على اختلاف وضعهم ومسؤلياتهم وظروف حياتهم يبحثون عن الحياة الطيبة، ويبحثون عن السعادة الدائمة، يبحث عنها اناس في ملك دولة يظنونه لايبلى، ويبحث عنها اخرون في زواج جميلة هيفاء، ويبحث عنها ثالث في مال يملؤ عليه بصره وقلبه، ويبحث عنها رابع في وظيفة أو سيارة أو حلم من احلام هذه الحياة، مع ان السعادة قريبة جدا ممن يطلبها في رسالة الله الى عباده عن طريق أنبيائه وعن طريق خاتم رسله، سيجدها في
(1) - سورة هود الاية (108) .
(2)
- سورة الاسراء الاية (19) .
الايمان بالله والعمل الصالح، فالسعادة لاتعدو ان تكون ممارسة عملية لإحكام شريعة الله، وفي القرآن على ذلك دليل وشاهد:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1) ولعل هذا المعنى هو الذي حدى بالحسن البصري رحمه الله ليقول: "والله لو يعلم الملوك وابناء الملوك مانحن فيه من السعادة لجالدونا عليه بالسيوف"
اما العلامة محمد بن محمد المنصور (2) فهو يقول:
قسما بربك إن لذةَ طاعةٍ
…
لَتَفُوقُ لذاتِ الحُطامِ الفاني
ما المالُ ما الأبناءُ ما جَاهٌ وما
…
مُلكٌ وكأسٌ واحتضانُ غواني
وقال اخر:
ان السعادة امر ليس يدركه
…
أهل السعادة الا بالمقادير
مخزونة عن اناس طالبين لها
…
وقد تساق الى قوم بتيسير (3)
ان السعادة طاقة ايجابية نابعة من اعماق الانسان، لها قوه ولها مكونات من مبادئ واعمال، وقدر كل انسان يولد على كوكب الارض السعادة أو الشقاء، فالله تعالى يريد للانسان ان يكون سعيدا، ولكن قد تؤثر عوامل تربوية وبيئية كثيرة في نمط التفكير وعمل الانسان فيفقد هذه السعادة،
(1) - سورة النحل الاية (97) .
(2)
- هو العلامة العابد الناسك الفاضل المجتهد/ محمد بن محمد بن اسماعيل المنصور الحسني اليماني من العلماء المعاصرين فيلسوف ومفكر اسلامي كبير وهو مرجع لعلماء الزيدية عرف بالاخلاق الكريمة والتواضع وله عدة ابحاث ومؤلفات مخطوطة وهو اديب كبير وشاعر فصيح له ديوان مطبوع اسماه لوامع من خواطر شواسع، وهذان البيتان من قصيدة له اسماها برق يماني مطلعها:
(علمي بربي شامخ الاركان
…
بالعقل اشهده وبالقرآن) .
(3)
- اورد هذين البيتين الراغب الاصبهاني، في محاضرات الادباء منسوبة لمحمد بن عمر الوراق.
وينظر الى جانب اخر وهو التعاسة والقنوط والشقاء، وهناك انماط فلسفية واجتماعية ودينية لبعض الشعوب والامم تكرس في الانسان فلسفة الحزن والالم والقنوط، وهذه الفلسفة قد تسهم في ازدياد التعساء اليائسين من البشر، وهو خلاف للفطرة التي فطر الله الناس عليها، وعلى النقيض مما جاء به القرآن الذي يرشد بني الانسان الى كل امر فيه سعادتهم ونجاتهم وفلاحهم، ويحذر من الاعراض عن منهج الله، والابتعاد عن ذكره وشكره، فذلك احد اسباب التعاسة والشقاء، وتدبر في قول الحق تبارك وتعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} (1) ولله در القائل:
ان حياًّ يرى الفساد صلاحا
…
او يرى الهدي والرشاد فسادا
واقع في هلاكه مثلما اهلك
…
سابور في السواد ايادا (2)
ان السعادة التي تبحث عنها مصدرها الايمان واليقين، وخشية الله الخالق العظيم، فالشعور بالسكينة والرضا والهدوء والصفاء تصدر من اعماق الانسان وتغمر جوارحه وروحه فيغدو مرتاحا في نفسه، سمحا في اخلاقه، بعيدا عن الانفعال والقلق، فهو انسان مطمئن مرشح لان ينعم بصحة جيدة، يحظى بمحبة وتقدير زملائة واسرته ومجتمعه، ويعود عليه ذلك الهدوء
(1) - سورة طه الاية (124-127) .
(2)
- هذان البيتان للعلامة محمد المنصور. وسابور: الملك المشهور في التاريخ، الملقب ب (ذو الاكتاف) اشهر الاقاصرة، واياد: قبيلة، شقيقة مضر الحمراء.