الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اما امرؤ القيس فهو يقول:
وما تدري اذا يممت ارضا
…
بأي الارض يدركك المقيل
واذا كان الإنسان لايدري اين يموت ولاما يكسب في غده فحري ان يستعد لقدوم اجله وان يحسن في عمله، وفي الذكر الحكيم:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} (1) .
الخلود مستحيل فلا تغتر
اذا علم العاقل ان الحياة فانية وانه لاخلود وان هناك حياة باقية اكثر من ذكر الموت واحسن الاستعداد له، وكان كريما في خلقه قويا في دينه يدرك انها ماانقضت ساعة من امسه الا بقطعة من نفسه، ولا مضت ساعة من دهره الا بقطعة من عمره، فيغتنم فعل الخير لنفسه واهله ومجتمعه، وهو بذلك يكون سائرا على طريق النجاح، عامرا من امور اخرته ما يحرز به الفلاح، فمن عَمَر آخرتَه بلغ اماله، واستظهر لنفسه، فالرب لايموت، والجزاء لايفوت، فكلٌّ يحصد ما زرع، ويجزى بما صنع، فلا تغرنك صحة نفسك، وسلامة امسك فمدة العمر قليلة، وسلامة المرء مستحيلة، فكلٌّ يجري من امله الى غاية تنتهي اليها مدة امله، وينطوي عليها صحيفة عمله. فزد في حسناتك وأنقص من سيئاتك قبل ان تستوفي مدة الاجل، فالخلود مستحيل، فتقصّر عن الزيادة في السيئات وتذكر هادم الذات ومفرق الجماعات، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ
(1) - سورة لقمان الآية (34) .
أَكْيَسُ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ (1) وفي الذكر الحكيم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (2) وفي الحديث النبوي (أكثروا من ذكر هادم اللذات فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وسعه عليه ولا ذكره وهو في سعة إلا ضيقه عليه)(3) وليس ذكر الموت يعني افساد الحياة واساءة العمل فيها، بل للتخفيف من غلوائها وكفكفة الاغترار بها. فاذا اعتدل التفكير فلن تتحول السعة الى فوضى، ولن يتحول الضيق الى سجن، وانما المراد انتزاع الغرور من قلب الإنسان وصرفه عن الفتنة الى النعمة، وان البقاء والخلود مستحيل، ومن ايقن بذلك احسن العمل، وفي امثال العرب:"لكل جنب مصرع، ومن لم يمت عاجلا مات اجلا" وقديما قيل:"الموت باب الاخرة، والموت حوض مورود، والموت مع الناس رحمة" قال الشاعر:
وما تؤخر من نفس وان حرصت
…
على الحياة اذا ماجاء داعيها (4)
وقال اخر:
وَالناسُ في الدُنيا كَظِلٍّ زائِلٍ
…
كُلٌّ إِلى حُكمِ الفَناءِ يَصيرُ
فَالناسُ وَالمَلكُ المُتَوَّجُ واحِدٌ
…
لا آمِرٌ يَبقى وَلا مَأمورُ
(1) - ابن ماجه في سننه حديث رقم (4249) .
(2)
- سورة آل عمران الآية (185) .
(3)
- مسند الشهاب حديث رقم (668) .
(4)
- هذا البيت للشماخ بن خليف.
عَجَباً لِمَن تَرَكَ التَذَكُّرَ وَانثَنى.......في الأَمنِ وَهوَ بِعَينِهِ مَغرورُ (1)
وفي الذكر الحكيم يقول العزيز الرحيم مخاطبا للنبي الكريم: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} (2) وفي الامثال السائرة:"ليس حي على الزمان بباقي" وقديما قيل:"من حدث نفسه بطول البقاء فليوطن نفسه على المصائب" وفي امثال العرب: "من طال امده نفد جَلَدُه"(3) وقال الشاعر:
ترجو البَقاءَ بدارِ لا ثَباتَ لها
…
فهل سَمِعْتَ بظلٍّ غيرِ منتقلِ (4)
وفي الذكر الحكيم: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (5) وقال سبحانه: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (6) قال الشاعر:
يُحِبُّ الفَتى طولَ البَقاءِ وَإِنَّهُ
…
عَلى ثِقَةٍ أَنَّ البَقاءَ فَناءُ
زِيادَتُهُ في الجِسمِ نَقصُ حَياتِهِ
…
وَلَيسَ عَلى نَقصِ الحَياةِ نَماءُ
إذا ما طَوى يَوماً طَوى اليَومُ بَعضَهُ
…
وَيَطويهِ إِن جَنَّ المَساءُ مَساءُ
جَديدانِ لا يَبقى الجَميعُ عَلَيهِما
…
وَلا لَهُما بَعدَ الجَميعِ بَقاءُ (7)
اما شوقي فهو يقول:
وَلَيسَ الخُلدُ مَرتَبَةً تَلَقّى
…
وَتُؤخَذُ مِن شِفاهِ الجاهِلينا
وَلَكِن مُنتَهى هِمَمٍ كِبارٍ
…
إِذا ذَهَبَت مَصادِرُها بَقينا
وَسِرُّ العَبقَرِيَّةِ حينَ يَسري
…
فَيَنتَظِمُ الصَنائِعَ وَالفُنونا
وَآثارُ الرِجالِ إِذا تَناهَت
…
إِلى التاريخِ خَيرُ الحاكِمينا
وَأَخذُكَ مِن فَمِ الدُنيا ثَناءً
…
وَتَركُكَ في مَسامِعِها طَنينا
فكن اخي حريصا على عمارة الحياة بالصالحات فإنهن بعد الممات الباقيات، وتجنب الجزع والجبن والتحسر عند الممات، فالواقع انما ينتاب بعض الضالين من الجزع والجبن والتحسر والعويل وشتى العواطف التي تنتابهم بازاء الموت مما يسيء للانسان انما يعود الى نظرتهم وفهمهم للموت، فهم يظنون انه انتقال من وجود الى عدم، فهم لايدركون حقيقه الموت، وان هذه الحياة الدنيا بما فيها ومن فيها ستكون ذكريات، وان يوما لابد منه ستعود الارواح فيه الى الاجساد، وسيتلاقى فيه الصالحون فيقول بعضهم لبعض ما حكاه الله عنهم:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} (8) وسيكون حديثهم عن الضالين والجاحدين: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ *قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا
(1) - هذ الابيات لـ (صفي الدين الحلي) .
(2)
- سورة الانبياء الآية (34) .
(3)
- كنوز الامثال ص 283.
(4)
- هذا البيت للطغرائي.
(5)
- سورة الرحمن الآيتان (26-27) .
(6)
- سورة القصص الآية (88) .
(7)
- هذه الابيات لـ (محمود الوراق) .
(8)
- سورة الطور الآيات (25-28) .