الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَلِيمُ} (1) فهو سبحانه وتعالى قادر ذو مقدرة يصرف الامور كيفما شاء فهو الذي لايعجزه شيء، فهو سبحانه وتعالى قادر ذو مقدرة وتقدير فهو المقدر بقضائه، المدبر لشؤن الكون بقدرته وحكمته قال تعالى:{فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} (2) وقال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (3) اما المقتدر: فهوالذي يقدر على اصلاح الخلائق على وجه لايقدر عليه الا الله قال تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (4)
ثمرة معرفة اسم الله القوي المتين العزيز القادر المقتدر
اذا عرف المكلف وعلم ان الله سبحانه وتعالى القوي المتين العزيز القادر المقتدر وان القوة لله جميعا وانه سبحانه وتعالى وحده لاشريك له، لاراد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولاغالب لامره، يعز من يشاء، وينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، وان العزيز من اعزه الله، والذليل من اذله الله، والمنصور من نصره الله والمخذول من خذله، وان العزّة لله جميعا، وجب عليه ان يؤمن به سبحانه الملك القوي المتين العزيز القادر الممقتدر، وان يشهد ان الكمال والحمد والغناء التام والعزة كلها لله، فهو القوي الذي لاتنقطع قوته، ولا تلحقه في افعاله مشقة، ولا يمسه لغوب، فذلك قوة للمؤمن لانه يزيل عن نفسه الخوف والقلق باعتماده على اقوى الاقوياء
(1) - سورة يس الاية (81) .
(2)
- سورة المرسلات الاية (23) .
(3)
- سورة القمر الاية (49) .
(4)
- سورة الكهف الاية (45) .
وهو الله عز وجل، فحال المؤمن امام الله انه يرى ويعلم ان كل الخلق بيد الله وهو مع الله وذلك سر قوة المؤمن، الا ترى ان الحق سبحانه وتعالى يقول على احد لسان انبياءه:{إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (1) فالانسان المؤمن اذا شعر بقوة الله وقدرته وعزته وحكمته فانه يقوى على خصمه وعلى شهواته وعلى اعدائه، اما اذا شعر بالضعف وغاب عنه حقيقة الايمان بقوة الله وعزته وقدرته فانه قد يضعف ومع الضعف الذلة والخنوع والتذلل والشعور بالنقص والخوف وبذل ماء الوجه، قال الشاعر:
إِنَّ الهَوانَ حِمارُ القَومِ يَعرِفُهُ
…
والحُرُّ يُنكِرُهُ والرَّسلَةُ الأُجُدُ
وَلَن يُقيمَ عَلى خَسفٍ يُسامُ بِهِ
…
إِلاّ الأَذَلاّنِ عَيرُ الأَهلِ وَالوَتِدُ (2)
وقال اخر:
أَلا إِنَّما التَقوى هُوَ العِزُّ وَالكَرَم
…
وَحُبُّكَ لِلدُنيا هُوَ الذُلُّ وَالعَدَم
واما سلطان الخطاب فهو يقول:
وعافَتْ وُرُودَ الذُّلِّ لي نَفْسُ ماجِدٍ
…
ترى سَفَها وِرْدي له وخَبالا (3)
(1) - سورة هود الاية (56) .
(2)
- المتلمس الضبعي، ? - 43 ق. هـ / ? - 580 م جرير بن عبد العزى، أو عبد المسيح، من بني ضُبيعة، من ربيعة. شاعر جاهلي، من أهل البحرين، وهو خال طرفة بن العبد. كان ينادم عمرو بن هند ملك العراق، ثم هجاه فأراد عمرو قتله ففرَّ إلى الشام ولحق بآل جفنة، ومات ببصرى، من أعمال حوران في سورية. وفي الأمثال: أشأم من صحيفة المتلمس، وهي كتاب حمله من عمرو بن هند إلى عامله بالبحرين وفيه الأمر بقتله ففضه وقُرِأ له ما فيه فقذفه في نهر الحيرة ونجا.
(3)
- السلطان الخطاب475 - 533 هـ / 1082 - 1138 م السلطان الخطاب بن الحسن بن أبي الحفاظ الحجوري.
أحد شعراء القرن السادس الهجري من أهل اليمن، متصوف، فارس، في شعره لين وقسوة وله هجاء مر لمخالفيه في العقيدة.
فلو كنت اخي مع الله فسترفع راسك دون كبر، ودون استطالة على احد، ودون عدوان، لأنك تشعر ان الله معك وان الله القوي لن يتركك ولن يسلمك الى خصومك، فالله عز وجل قادر على ان يعطي وقادر على ان ياخذ، وقد وعد المنحرف والمعرض بمعيشة ضنك، ووعد المستقيم بحياة طيبة والله القوي العزيز قادر على ان يحقق وعده ووعيده، فافعال الله كلها تطابق اقواله في كتابه، ومطابقة افعاله لأقواله شهادة منه بانه القوي العزيز القادر المقتدر وان القرآن الكريم كلامه قال تعالى:{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} (1) فاياك والشك في قوة الله وعزته وقدرته فان ذلك راس البلاء فاعتقد جازما ان الله على كل شيء قدير، يعطيك، ويغنيك، ويقويك، ويحفظك، ويؤيدك، ويحميك، ويشفيك، ويعافيك، فاياك والشك فانه راس الشر، فقو اعتقادك في الله، فانه اذا لم يساورك شك بان الله على كل شيء قدير فانت في كنف الله وفي رحمته ورعايته، فتوجه اليه، واجعل عملك كله في الله، واقطع الامال بسواه، فهذا هو الدين وهذا هو التوحيد الخالص، فتطلع الى رب المخلوقين والى من بيده القدرة والقوة والعزة، وهذا لايعني ان تترك الاسباب ولكن اتجه الى الله خالق الاسباب ومهيئها ومقدر الامور ومدبرها، فالانسان وان كانت له قدرة فانها ناقصة، فاذا اعتمد على قوة الله وقدرته شعر بالقوة، فمن آمن بقوة الله شعر بالضعف، فالانسان ضعيف، ولهذا فان المؤمن لايفتأ يقول: انشاء الله في كل احواله، فان جاءه
(1) - سورة المعارج الاية (40) .
خير قال: هذا من فضل الله، وان نجح في عمل قال: هذا بتوفيق الله، وان رزقه الله مالاً قال: هذا من كرم الله، وان ادبه الله عز وجل قال هذا من رحمة الله، فان ابتلي المؤمن صبر وحمد الله فكان خيرا له، وان اصاب نعمة شكر الله فكان خيرا له، وهذا هو حال المؤمن الذي استشعر قوة الله وعزته وقدرته وتقديره وتصريفه للامور، ولم يجعل للشك سبيلا الى قلبه، قال الشاعر:
الشك والوهم رأس الشر والحذر
…
والجد والصبر باب الفوز والظفر
والعزم والحزم لا ينجي من القدر
…
سلم هديت لماضي الحكم واصطبر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
حسن ظنونك في المولى ترى البشرى
…
فالرب عند ظنون العبد فلتدر
جاء الحديث بذا فاصغ إلى الذكرى
…
والبس من الصبر سربالاً لدى الضجر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
لا تجزعن ولا تيأس من الفرج الذكرى
…
وقل إذا لح خطب الضيق والحرج الضجر
اشتد أزمة إن تشتد تنفرجي
…
فالعسر باليسر متبوع على الأثر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
روح فؤادك من هم ومن حزن الذكرى
…
فإنه تعب للروح والبدن
وارجع إلى اللَه في السراء والمحن
…
رجوع مفتقر مضطر منكسر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
كم شدة ضاق منها الصدر والنادى
…
تخوف القلب منها شرها العادي
أمست فما أصبحت حتى بداباد
من لطف ربك لم يبق ولم يذر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
وللنوائب والأكدار أوقات
…
إذا انقضت تنقضي منها إقامات
وفي التحرك قبل الوقت آفات
…
فاسكن لها وارتقب يا قلب واصطبر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
وإن قولك لم هذا وكيف وهل
…
من اعتراض على الرحمن عز وجل
قل قدر اللَه ما شاء الإله فعل
…
إذا غلبت كما قد صح في الخبر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
قل حسبي اللَه ذو العرش الذي يعلم
…
بالسر والجهر واستسلم له تسلم
ولا تقل لو كذا كان كذا تندم
…
وارض بمر القضا تنج من الخطر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
فرب أمر مهول يضجر الإنسان
…
في طية موجبات العفو والغفران
وفي عواقبه الخيرات والإحسان
…
فارم العواقب وادخل روضة الفكر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
وبشر القلب بالأفراح والفرح
…
وبالعوافي من الأكدار والترح الفكر
وبالهنا والمنى والفوز بالمنح
…
من فضل ربك واشكر مدة العمر
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
قل يا سميع الدعا يا عالم الأسرار
…
يا كاشف الضر يا غفار يا قهار
يا جابر الكسر يا جبار يا ستار
…
إليك فوضت أمري وانتهى نظري
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
باعدتي يا رجائي في المهمات
…
ومفزعي وملاذي في الملمات
ضاقت بما حال حالاتي وأوقاتي
…
فاكشفه في عجل يابارئ الصور
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
إليك وجهت وجهي وانتهى سيري
…
ولم أُرَجِّ لكشف البؤس والضير
سواك يا رب يا فتاح بالخير
…
سبحانك اللَه يا ركني ويا وزري
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر
يا ذا الجلال وذا الإكرام والإعظام
…
يا مالك الملك يا ذا الطَّول والإنعام
يا رب يا رب ثبتنا على الإسلام
…
والحق والصدق واحفظنا من الغير
واسأل من اللَه كشف البؤس والضرر (1)
ان من ثمار الايمان بقوة الله وعزته وقدرته استفادة الانسان معرفة مخافة الله تعالى واجلاله والاعتماد على قوته، ويستفيد المؤمن ايضا ان يكون قويا في دينه متينا في يقينه متمتعا بطاعة ربه، فيمتنع عند ذلك عن ظلم الناس.
احيانا يغيب على الانسان استشعار قوة الله وقدرته وعزته فيظلم الناس ويعتدي عليهم ويتحداهم، وياخذ مافي ايديهم ويهينهم، فياتي عقاب الله الرادع له، فالانسان ان اعتز بالله شعر بالقوة، وان راى قوة الله شعر بالضعف امامه، فتادب اخي باداب الله، فانت بحاجة الى ان تعرف قوة الله وعزته وقدرته، كيف تقف عند حدك، ورحم الله عبدا عرف قدر نفسه
ولم يتعد طوره وأمن الناس شره، واستمد العز والقوة والقدرة من الله واعتمد في كل الامور عليه.
(1) - هذه الابيات للسيد العلامة/ عبد الله بن علوي الحداد، سبق ترجمته في الجزء الاول، وانظر ديوانه الدر المنظوم لذوي العقول والفهوم.