الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث القدسي: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ الا الصيام فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ)(1)
الصوم فيه تدريب على القيادة والسيادة
الصوم وان كان من مظاهره الجوع والعطش والحرمان، فانه تدريب على السيادة والقيادة: السيادةعلى النفس؛ والتحكم في اهوائها ونزواتها، وقيادتها الى مايصلحها في دنياها، ويعزها في اخراها! وسيادة النفس ارقى انواع السيادة، واقسى انواع المجاهدة، فاذا ماساد الإنسان نفسه دامت له الدنيا بما فيهاومن فيها، ولم يحل بينه وبين الجنة سوى الموت، يلقى ربه فيفيه بما وعده (2)(إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) قال الشاعر:
بُشرَى بإسفارِ صَباحِ النّجاح
…
عَن صَفْحَةِ الصّفحِ وَخَفضِ الجَناح
هَذا افتِتاحُ الصَومِ مُسْتَقبَلاً
…
عَن اختِتام بِالرّضى وافتِتاح (3)
والصيام يدرب نفوس الصائمين على الشرف والعفة، ويؤهلها لعمل الخير، ويبعدها عن الشر، فالصائم الخائف من ربه لايخدع ولا يغش، ولايظلم، ولا يهضم حقا، ولا يسعى للفساد بين الناس، والصيام يخفف الشهوة التي هي ام المعاصي، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:(يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)(4) .
فوائد الصوم
ان للصوم منافع جمة وفوائد عظيمة من الناحيتين الاجتماعية والفردية، منها: العطف على المساكين واكرامهم، لان الصائم عندما يجوع يتذكر من هذا حاله في عموم الاوقات فيحمله هذا التذكر على رحمة المساكين ومحبتهم والعطف عليهم، فالرحمة تنشؤ في الغالب الأعم عن التذكر والألم، والصيام طريقة عملية لتربية الرحمة في النفس، وتنمية المحبة والؤلفة والتعاطف، ومتى تحققت رحمة الغني للفقير الجائع وعطفه عليه واكرامه نشأت المحبة وحدثت الؤلفة، واصبحت للكلمة الانسانية الداخليه سلطانها النافذ، فبتوحد الاحاسيس والمشاعر تتوحد الانسانية، وتتجه الى الفضيلة، والصوم يبعث في النفس الإيثار والكرم ومحبة اطعام الطعام واكرام الفقراء والاحسان الى الاخوان، وقد روي ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:(كان أَجْوَدَ النَّاسِ وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ)(5) ومن فوائد الصوم: المساواة بين الاغنياء والفقراء، فهو نظام عملي من اقوى وابدع الانظمة والمبادئ التي جعلها الحق سبحانه وتعالى فريضة اجبارية ليتساوى
(1) - البخاري في صحيحه حديث رقم (1771) .
(2)
- اوضح التفاسير للعلامة محمد محمد عبد اللطيف ، ص35 ، المطبعة المصرية ومكتبتها الطبعة الثامنة.
(3)
- هذان البيتان لابن الأبار.
(4)
- مسلم في صحيحه حديث رقم (2486) .
(5)
- البخاري في صحيحه حديث رقم (5) .
الجميع في بواطنهم، فهي بمثابة فقر اجباري يراد به اشعار النفس الانسانيه بتساوي الجميع في عبادة الصوم لله وحده، فالجميع يمتنع عن الاكل والشرب والجماع ولغو الحديث، والوحدة الحقيقية هي تلك التي تتم حين يتساوى الناس بالشعور، لا حين يختلفون، وحين يتعاطفون باحساس الألم الواحد لاحين يتنازعون بالرغبات المتعددة، ان هذا المظهر السامي في الصوم ينير طريق المسلم ويجعل الأمة اكثر تماسكا واكثر اشراقا واعظم نورا ان ادركت القلوب معنى تلك العبادة العظيمة. ومن هنا ندرك ان الإسلام بفرضه هذه العبادة يؤسس لاجتماع المسلمين ولقيام وحدتهم التي تقوم على رابطة وحدة الدين والعقيدة ووحدة المبادئ الخلقية والعبادات التي تشعر بوحدة المسلمين واتحاد الموحدين، فقيام المجتمع الاسلامي على مبادئ الفضيلة والاخلاق هو امثل الطرق لتكوين الجماعات الدولية، ولا يعد الاجتماع العنصري او الاقتصادي امثل المجتمعات لتكوين الامم، وذلك لأن الجماعة الواحدة لاتتكون منها امة الا اذا اتحدت المشاعر والاهواء والمنازع النفسية، ولاتتكون هذه المشاعر تحت سلطان تبادل المنافع فقط، وذلك لأن تبادل المنافع يكون عند قيامها، ويزول عند زوالها ولاتتحد النفوس في هذا الظل العارض الذي يتغير بتغير الأحوال والازمان، ولم يعرف ان امة تكونت من مجرد التبادل الاقتصادي او الاشتراك في المنفعة المادية واستمرت وحدتها قائمة وان وجد مايشعر بمثل ذلك في فترات وجيزة، فهو غير قائم على عرى وثيقة بل انه يزول وان استمر الى حين. وبالموازنة بين تكوين
الامم واتحادها على اساس عنصري وتكوينها وتوحدها بالدين يتبين ان السير بالانسانية في مدارج الرقي، وقيام العلائق البشرية على اساس من المودة والفضيلة انما يكون تحت ظل الدين لاتحت ظل العنصرية، لان العنصرية تفرض دائما تفضيل عنصر على عنصر، وهي شكل من اشكال التجمع الحيواني، اذ تجتمع فصيلة من الفصائل لتقاتل أخرى، وتصيطر على مكان تقيم فيه لتغالب الاخرين وتنهب ثرواتهم ، فليس التجمع الانساني على اساس العنصرية الا بقية من بقايا الحيوانية المتناحرة في الإنسان. اما الاجتماع باسم الإسلام فهو اجتماع لايقوم على المغالبة، بل على الاخوة العامة والمودة الراحمة التي يحث عليها الدين القويم فتتحد فيها المشاعر نحو الفضيلة والمثل العليا التي تنزع بالروح الانساني نحو الملكوت الأعلى، ويخضع فيها الإنسان لخالق الاكوان وحده. ومن فوائد الصوم ايضا: اضعاف سلطان العادة، فقد بلغ ببعض الافراد الى حد الاستعباد، فاذا تاخر عنهم الطعام عن موعده فاصابهم الجوع ساءت اخلاقهم، وقد يكون سلطان المكيفات من القهوة والشاي والتدخين اشد من سلطان الطعام على اهله، ففرض الله الصيام ليكون فيه تلطيفا وتخفيفا لهذا السلطان الجامح، ومن فوائد الصوم: اضعاف سلطان الاسترسال في الملذات وتخفيف الشره والثبات على المكاره وتعويد النفس الصبر والقرب من الله سبحانه وتعالى واخلاص العبادة له، ومن فوائد الصوم: انه يقي الشخص ان يكون حيوانا يعمل بشريعة الغاب، ويقي المجتمع بتهيئة الفرد الصالح العامل على خيره