الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابه واخبر بانه ترك لهم الذكر الحسن فقال في حق نبي من انبيائه: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ *سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (1)
من لازم الاخلاص لله الولاء والبراء
ان من لازم الاخلاص لله سبحانه وتعالى موالاة المؤمنين والاحسان اليهم واعانتهم ونصرتهم والبراءة ممن يعاديهم، ويحاربهم في معتقدهم واخلاقهم وارضهم، فالايمان بالله ومحبته والاخلاص له، تقتضي موالاته ومحبة ما يحب ومن يحب، والبراءة ممن يكفر بالله، ويحارب المؤمنين فمن خصائص المجتمع المسلم أنه مجتمع يقوم على عقيدة الولاء والبراء، الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والبراء من كل من حادّ الله ورسوله واتبع غير سبيل المؤمنين. وهاتان الخاصيَّتان للمجتمع المسلم هما من أهم الروابط التي تجعل من ذلك المجتمع مجتمعا مترابطاً متماسكاً، تسوده روابط المحبة والنصرة، التي تحمل مجتمعة على تحقيق رسالة الإسلام في الأرض، تلك الرسالة التي تقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودعوة الناس إلى الحق وإلى طريق مستقيم. فهاتان الفريضتان - الولاء والبراء - تجعلان من المجتمع المسلم مجتمعا مترابطا متعاضدا يؤدي رسالة الله ويسعى في تحقيقها، وهو في الوقت نفسه مجتمع مستقل عن الكفار كاره لهم، لا يخضع لهم بتبعية، ولا يدين
(1) - سورة الصافات الاية (78-80) .
لهم بسلطان، من غير أن يمنعه ذلك من الإحسان إليهم والبر بهم - ما داموا غير محاربين لنا، فبهاتين الفريضتين تتعاضد الروابط الإيمانية بين المسلمين، وتتحدد الروابط بين المؤمنين والكافرين، فما أحوج الأمة اليوم إلى تفعيل هاتين الفريضتين، والعمل بهما حتى تتحقق لنا سيادتنا واخوتنا، فلا ندين بالولاء إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا نعادي إلا من حادَّ الله ورسوله وتنكب سبيل المؤمنين. وفي الذكر الحكيم:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} (1){وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2) .
ويقول القاضي مرشد علي العرشاني: بل ان الايمان ينتفي عند انتفاء الولاء، فلما كان الولاء فريضة من فرائض الاسلام فواجب على المسلم ان يؤدي هذه الفريضة، فيعطيها من يستحقها، ومن امر ان يواليه، فالله هو الولي (3) قال تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (4)
الفرق بين المداهنة والمداراة وأثرهما على الولاء والبراء
(1) - سورة آل عمران الاية (28) .
(2)
- سورة المائدة الاية (51) .
(3)
- الولاء والبراء للقاضي العلامة المجتهد المحقق مرشد بن علي العرشاني، ص66، الطبعة الرابعة 1427هـ 2006م الناشر مكتبة خالد بن الوليد صنعاء اليمن.
(4)
- سورة المائدة الاية (55-56) .
المداهنة: هي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومصانعة الكفار والعصاة من أجل الدنيا والتنازل عما يجب على المسلم من الغيرة على الدين. ومثاله الاستئناس بأهل المعاصي والكفار ومعاشرتهم وهم على معاصيهم أو كفرهم وترك الإنكار عليهم مع القدرة عليه. قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (1) المداراة: هي درء المفسدة والشر بالقول اللين وترك الغلظة أو الإعراض عن صاحب الشر إذا خيف شره أو حصل منه أكبر مما هو ملابس له. كالرفق بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله وترك الإغلاظ عليه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ولا سيما إذا احتيج إلى تأليفه. وفي الحديث عن عائشة رضي الله عنها، «أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه قال:(بئس أخو العشيرة. وبئس ابن العشيرة) ، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وجهه وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله حين رأيت الرجل قلت كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه. فقال صلى الله عليه وآله وسلم:(يَا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ)(2) . فالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله
(1) - سورة المائدة الاية (78-80) .
(2)
- البخاري في صحيحه حديث رقم (5572) .
وَسَلِّم دارى هذا الرجل لما دخل عليه مع ما فيه من الشر لأجل المصلحة الدينية، فدل على أن المداراة لا تتنافى مع الموالاة إذا كان فيها مصلحة راجحة من كف الشر والتأليف أو تقليل الشر وتخفيفه، وهذا من مناهج الدعوة إلى الله تعالى. ومن ذلك مداراة النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمنافقين في المدينة خشية شرهم وتأليفًا لهم ولغيرهم (1) . وفي الامثال السائرة:"قارب الناس في عقولهم تسلم من غوائلهم" وفي الحديث:" أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله التودد للناس"(2) وقال الشاعر:
ما دمت حيا فدار الناس كلهم
…
فإنما انت في دار المداراة (3)
ؤربيريري
وقال زهير بن ابي سلمى:
وَمَن لَم يُصانِع في أُمورٍ كَثيرة
…
يَضرس بِأَنيابٍ وَيوطأ بمنسمِ
ؤربيريري
واذا كانت الحياة مليئة بالمشاكل ومحفوفة بالمخاطر وربما تنقلب حياة الانسان الى شقاء لاتفه الاسباب فانه بامس الحاجة الى ان يعلم ان الله هو الذي يحميه ويحفظه ويربيه ويرشده ويرعاه ويؤيده فيجعل الولاية المطلقة لله ولايتخذ من دونه اندادا فيضل عن سبيله ويخسر حياته في الدنيا والاخرة وفي الذكر الحكيم: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ
(1) - اصول الايمان في ضوء الكتاب والسنة، لنخبة من العلماء، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - المملكة العربية السعودية الطبعة الاولى 1421هـ. وكتاب التكملة للاحكام والتصفية من بواطن الاثام للامام احمد بن يحيى المرتضى، مطبوع ضمن الجزء 6 من البحر الزخار للامام المهدي، ص (500-507) الناشر مؤسسة الرسالة بيروت الطبعة الثانية 1394هـ.
(2)
- اورده السيوطي في جمع الجوامع، وعزاه للطبراني فى مكارم الأخلاق عن ابي هريرة حديث رقم (55) .
(3)
- نسب هذا البيت في معجم كنوز الامثال لابي سليمان الخطابي.