الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع والخمسون
الدعاء والصلاة على النبي
الدعاء والصلاة على النبي
الدعاء: جمع دعوة، يقال دعوت فلانا: سألته ، والدعاء الى شيء الحث على فعله، ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربه العناية واستمداده اياه المعونة. وحقيقته: اظهار الافتقار اليه والاعتراف بالبراءة من الحول والقوة الا له، وهو سمة العبودية واظهار الذلة البشربة، وفيه معنى الثناء على الله سبحانه وتعالى واضافة الجود والكرم اليه. واما الصلاة على النبي صلي الله عليه وآله وسلم فنأتي على ذكرها في هذا الفصل لان الصلاة في اللغة معناها الدعاء. والدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة، وبينهما اشتراك في المعنى، فالعابد داع كما ان السائل داع، فالدعاء يعم النوعين، وعلى هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة، وهو الدعاء ونقل أهل اللغة والعرف بعض مسماها على بعض موضوعه لايوجب الخروج عن موضعه الاصلي، وصلاة المؤمن على محمد صلى الله عليه وآله وسلم تتضمن الدعاء بطلب اكرامه ومباركته واظهار دينه وابقاء شريعته في الدنيا، وفي الاخرة اجزال مثوبته وتشفيعه في امته، وابداء فضيلته بالمقام المحمود، وفي الذكر الحكيم:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} (1) وصلاة الله نوعان: عامة، وخاصة اما العامة: فصلاته على عباده المؤمنين، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} (2) ومنه دعاء النبي بالصلاة على
(1) - سورة الاحزاب الآية (56) .
(2)
- سورة الاحزاب الآية (43) .
آحاد المؤمنين كقوله اللهم صل على آل أبي أوفى، النوع الثاني صلاته الخاصة على أنبيائه ورسله خصوصا على خاتمهم وخيرهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال الامام ابن القيم: اختلف الناس في معنى الصلاة منه سبحانه على أقوال أحدها أنها رحمته، وقال المبرد أصل الصلاة الرحمة فهي من الله رحمة ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله وهذا القول هو المعروف عند كثير من المتأخرين
والقول الثاني أن صلاة الله مغفرته، قال ابن القيم رحمه الله وهذا القول من جنس الذي قبله وهما ضعيفان لوجوه
أحدها أن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده ورحمته فقال تعالى وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون البقرة 157 فعطف الرحمة على الصلاة فاقتضى ذلك تغايرهما، هذا أصل العطف وأما قولهم
وألفى قولها كذبا ومينا
فهو شاذ نادر لا يحمل عليه أفصح الكلام مع أن المين أخص من الكذب.
الوجه الثاني أن صلاة الله سبحانه خاصة بأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين وأما رحمته فوسعت كل شيء فليست الصلاة مرادفة للرحمة لكن الرحمة من لوازم الصلاة وموجباتها وثمراتها فمن فسرها بالرحمة فقد فسرها ببعض ثمرتها ومقصودها وهذا كثيرا ما يأتي في تفسير ألفاظ القرآن، والرسول يفسر
اللفظة بلازمها وجزء معناها كتفسير الريب بالشك والشك جزء مسمى الريب، وتفسير المغفرة بالستر وهو جزء مسمى المغفرة وتفسير الرحمة بإرادة الإحسان وهو لازم الرحمة ونظائر ذلك كثير (1) ، وكلام ابن القيم فيه تحقيق فارجع اليه ان شئت الاستزادة ففيه زيادة. فصلاة الله على نبيه ثناؤه عليه ومباركته له وارادته لرفع ذكره وتقريبه، وصلاتنا نحن عليه سؤال الله تعالى ان يفعل ذلك به، وصلاة الملائكة دعاءهم واستغفارهم له، وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علمنا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ قولوا (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (2) وقال الشاعر:
صلوا على هادٍ أرانا هديه
…
نهجاً من الدين الحنيف قويما
(1) - جلاء الافهام في الصلاة والسلام على خير الانام للعلامة محمد بن ابي بكر ايوب بن سعد بن حريز الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية، ص (82-83) ، طباعة دار الكتب العلمية بيروت تحقيق طه يوسف شاهين من علماء الازهر، قد سبق ترجمة المؤلف.
(2)
- البخاري في صحيحه حديث رقم (5880) ومسلم حديث رقم (614) واحاديث الصلاة على النبي في كتب الحديث رواها اربعون صحابيا وهم أبو مسعود الأنصاري البدري وكعب بن عجرة وأبو حميد الساعدي وأبو سعيد الخدري وطلحة بن عبيد الله وزيد بن حارثة ويقال ابن خارجة وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة وبريدة بن الحصيب وسهل بن سعد الساعدي وابن مسعود وفضالة بن عبيد وأبو طلحة الأنصاري وأنس بن مالك وعمر بن الخطاب وعامر بن ربيعة وعبد الرحمن بن عوف وأبي بن كعب وأوس بن أوس والحسن والحسين ابنا علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله والبراء بن عازب ورويفع بن ثابت الأنصاري وجابر بن عبد الله وأبو رافع مولى رسول الله وعبد الله بن أبي أوفى وأبو أمامة الباهلي وعبد الرحمن بن بشير بن مسعود وأبو بردة بن نيار وعمار بن ياسر وجابر بن سمرة وأبو أمامة بن سهل بن حنيف ومالك بن الحويرث وعبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي وعبد الله بن عباس وأبو ذر وواثلة بن الأسقع وأبو بكر الصديق وعبد الله بن عمرو وسعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه عمير وهو من البدريين وحبان بن منقذ رضي الله عنهم أجمعين. وقد اورد هذه الاحاديث الامام ابن القيم في جلاء الافهام فارجع اليه ان شئت مزيد بيان.