الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اما عبيد الله بن عبيد بن عتبه فهو يقول:
فما صفا لامرء عيش يسر به
…
إلا سيتبع صفوه كدرُ (1)
تقلب الحياة يحث على عمارتها بالعمل الصالح
ان الصحة في هذه الحياة يعقبها السقم، والقوة يتبعها الضعف، والسرور يخلفه الحزن، والحياة يتبعها الموت، وكل ذلك مما يدعوك الى التزود للحياة الباقية، فان هذه الحياة فانية، ولن يبقى منها الا العمل الصالح، فهو لك متجر رابح، وفي الذكر الحكيم:{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (2) ويرحم الله امير البيان العربي شكيب ارسلان حيث يقول:
تقابلت الامور فكل مر
…
يعاقبه اللذيذ المستطاب
ولولا المر لم تشعر بعذب
…
ولولا العذب لم يشعرك صاب
وكل صعوبة فلها سهول
…
وكل سهولة فلها عقاب
أما لو لم يكن ظرفا نقيض
…
لما قيل الخطاب له جواب
ومن طلب الصواب ولم يقابل
…
وجوه الامر أعجزه الطلاب
(1) - انظر سير اعلام النبلاء للذهبي ج4 ص477، والبيت من قصيدة كتبها عبيد الله الى عمر بن عبد العزيز رحمهما الله تعالى، وعبيد الله هو: الامام الفقيه، مفتي المدينة، واحد الفقهاء السبعة وجده عتبة اخو عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما.
(2)
- سورة الكهف الاية (46) .
ومن عدم الصواب وقد نحاه........ بأحسن مايجدُّ فلا يعاب
ومن خاض العباب بقصد ربح
…
فان الدر ماضم العباب
ومن حسب الحياة مدى طويلا
…
يكذب ظنه الاجل القراب
اذا ولى شباب المرء يوما
…
فليس يعيد صبوته الخضاب
ألا ليت الشباب يعود يوما
…
تقول وانما ذهب الشباب
فلا يشغل فؤادك في شباب
…
عن العمل السماع أو الشراب
ولا يقعدك عن عمل فراغ
…
ولو لم يعقب العمل اكتساب
وان المرء ان يلزم سكونا
…
تولى هيكل الجسد الخراب
ومن اضحى لامر غير كفؤ
…
فأليق ما يليق به اجتناب
سيعلم كل من عرف المعالي
…
بأن الشغل للعليا نصاب (1)
فاغتنم الحياة وجد في العمل قبل ان ياتي الاجل، وفي امثال العرب:(احرز امرا اجله) معناه ان الانسان لايملك ان يفر من اجله لانه مدركه اينما كان (2) وقال الميداني والزمخشري: هذا اصدق مثال قالته العرب. وفي امثال العرب ايضا (اذا انقطعت المدة لم تنفع العدة) اي اذا انتهى عمر الانسان لم تنفعه اي وسيلة للنجاة، فنفس المرء خطاه الى اجله غير انه لايدري متى يحل اجله فاستثمر الحياة ولا تضيعها، قال الشاعر:
فَالعَيشُ نَومٌ وَالمَنِيَّةُ يَقِظَةٌ
…
وَالمَرءُ بَينَهُما خَيالِ ساري
وَالنَفسُ إِن رَضِيَت بِذَلِكَ أَو أَبَت
…
مُنقادة بِأَزمَّة الأَقدارِ
فاِقضوا مآرِبكم عُجَالاً إِنَّما
…
أَعمارُكُم سِفرٌ مِنَ الأَسفارِ (3)
وقال اخر:
ضياع العمر في عبث ولهو
…
ضلال لايشابهه ضلال
فاذا اردت ان تفلح في حياتك وتؤدي واجبك باعمار الحياة واستثمارها، والنجاة من اثامها وأوزارها فعليك باصلاح نفسك، واصلاحها يتعين في اصلاح فكرك واصلاح شهوتك، واصلاح الفكر لايتم الا بتعليمها من العلوم ما تميز به بين الحق والباطل في الاعتقاد، وبين الصدق والكذب في المقال، وبين الجميل والقبيح في سائر الافعال، واما اصلاح الشهوة فان ذلك لايتم الابالتزام الفضيلة بالعفة، والابتعاد عن الرذيلة، والتحلم في الاخلاق، وكف النفس عن قضا وطر لايرضى به الخالق الرزاق، وفي الذكر الحكيم:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} (4) فالشهوة ليست مذمومة في ذاتها، ولهذا كان المطلوب منك ترويض قوة الشهوة واصلاحها،
(1) - هذه الابيات لأمير البيان العربي في زمانه الاستاذ العالم الكبير شكيب ارسلان، المولود سنه 1286هـ في الشويفات الاقطاع الارسلاني بلبنان الذي بدأ حياته الادبية بنظم الشعر فاشتهر به ولما يعدُ السابعة عشرة من عمره وقد طبع في ذلك الوقت ديوانا جمع به اوائل شعره سماه (الباكورة) ولم يتوقف عند ذلك بل تبحر في مختلف العلوم اللغوية والثقافية والسياسية والشرعية وسخر قلمه لخدمة الاسلام والمسلمين وخدم المسلمين بصفاته القيمة واخلاقه الكريمة واوضح فضائح المستعمرين والمبشرين من النصارى وذلك في كتاباته وفي جميع المحافل العربية والدولية وفيما ضمنه كتاب حاضر العالم الاسلامي وهو مطبوع في اربعة مجلدات والكتاب هو ممتع لايستغني عنه طالب الحقيقة في كل زمان ومكان وان من ينظر جملة الى صنيع الامير شكيب ليجد بحرا زاخرا في الادب ليست اللؤلؤات النظومة في ديوانه الا شقائق للآلي النثورة منه في كل جانب، توفى رحمه الله في شهر محرم 1367هـ ، وانظر هذه الابيات ضمن قصيدة مطلعها (لمن يا مي هاتيك القباب
…
على جبل تضل بها الشعاب) وذلك في ديوانه المطبوع في مطبعة المنار بمصر سنه 1354هـ 11935م.
(2)
- مجمع الامثال للميداني، ص 382. والمستقصى للزمخشري ج1 ص63. وكنوز الامثال ص273.
(3)
- هذه الابيات للتهامي.
(4)
- سورة الشمس الاية (9) .